غياب التشخيص والتتبع بسبب الثقل المالي يتسببان في انتكاسات وخيمة للمرضى

الوقاية .. العنصر «المغيّب» في المعادلة الصحية في المغرب

 

رغم كل الخطابات الرسمية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، ولعدد من المتدخلين الذين لهم صلة بالمنظومة الصحية بشكل أو بآخر، حول أهمية الوقاية وضرورة تخصيص حيّز أساسي لها للنهوض بالصحة العامة، فإن واقع الحال يؤكد عكس هذه التصريحات و «الشعارات» التي ترد في مجموعة من «الكلمات» و «المراسلات» و «الديباجات»، وذلك بسبب الثقل المالي للمصاريف الصحية التي تبقى على عاتق المرضى، مما يؤدي في كثير من الحالات إلى الإحجام عن زيارة الطبيب إلا في الحالات المرضية القصوى؟
حقيقة تؤكدها الأرقام الرسمية، فمجموع ما يصرف على التشخيص والفحوصات لا يتجاوز 4.8 في المئة من الميزانية المخصصة لنفقات التغطية الصحية، هذه النسبة الضعيفة تبين إلى أي حدّ لا يزور المغاربة الطبيب إلا في الحالة المرضية المتقدمة، وهو ما يعني دخول المرض الذي يعاني منه هذا المريض أو ذاك إلى منعطف آخر هو أكثر خطورة من الوضعية السابقة، أي مقارنة ببدايات المرض، مع أن ذلك يعني الانتقال من حالة خفيفة إلى أخرى معقّدة بدرجات متفاوتة، وبالتالي إمكانية السقوط في الإصابة بمرض مزمن، وهو ما سيتطلّب كلفة مادية مستمرة من أجل الانتظام في العلاج، أو الإصابة بمضاعفات تتطلب ثقلا ماليا أكبر مما كان سيخصص لعلاج الحالة في مراحلها الأولى، فضلا عن تعقّد المسار العلاجي، الذي قد يأتي بنتائج إيجابية أو العكس!
وما يسري على الفحص الوقائي لتفادي الإصابة بمرض مزمن أو مكلّف، يشمل كذلك عنصرا مهما في مسار علاج المريض، ويتعلق الأمر بتتبع الوضع الصحي بعد التداوي لتفادي عودة المرض أو على الأقل للشروع في العلاج مرة أخرى لكن في مرحلة مبكرة، كما هو الحال بالنسبة للمصابين بالسرطانات، وهنا يمكن أن نسوق مثالا على هذا الوضع، فمريضة مصابة بسرطان الثدي التي خضعت للعلاج بالأشعة الكيماوية بعد استئصال، والتي تنتقل في مرحلة لاحقة لاستعمال أدوية أخرى، لا تتوفر في كثير من الحالات في المصالح الاستشفائية العمومية المختصة، مطالبة في مواعيد معينة بالقيام بفحوصات بشكل منتظم بـ «الماموغرافي» و «الإيكوغرافي»، وهما معا كلفتهما في مختبر للقطاع الخاص قد تصل إلى 1300 درهم أو أكثر.
هذه المصاريف المادية على المريضة تأديتها كاملة مهما كان وضعها الاجتماعي، لتتبع وضعها الصحي وتسليم النتائج للطبيب المعالج لاتخاذ ما يلزم بناء عليها، وانتظار ما ستسترده من الصندوق الوطني لضمان الاجتماعي من مصاريف، لكن في مرحلة لاحقة وعند التوصل بهذه المصاريف ستجد أن حوالي 51 في المئة منها تحمّلتها من جيبها الخاص، نظرا لتسلّمها أقل من مصاريف كلفة تلك الفحوصات بدعوى أنها تعافت وبأنها لم تعد مصابة بمرض مزمن في الظرف الحالي. وعليه فإن هذه المريضة إن هي أرادت الاهتمام بحالتها الصحية وأن تتفادى الخطر يجب عليها أن توفر نصف كلفة مصاريف الملف المرضي عند كل موعد، أو أن «تستسلم» لحالها، خاصة حين يتعلق الأمر بفئات هشة ومعوزة، وجدت نفسها مقصية من «أمو تضامن» نظرا لارتفاع معدلات المؤشر لأسباب عصيّة على الفهم؟
وضعية تشكل نموذجا على سبيل المثال لا الحصر، فالحالات كثيرة، والأعطاب الصحية والاجتماعية عديدة، ودائرة الأمراض خاصة المزمنة منها هي في اتساع يوما عن يوم، وما يتم «توفيره» بسبب اعتماد تعريفة مرجعية متقادمة بالنسبة للصناديق يتم تسديده بأضعاف مضاعفة حين الإصابة بأمراض متعددة لها كلفتها ووقعها، أخذا بعين الاعتبار وقعها على المرضى وعلى جودة الحياة بالنسبة لهم التي تضعف ويطالها الوهن يوما عن يوما بتغلغل الأمراض في أجسادهم العليلة!


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 23/12/2024