غياب الكفاءات التسييرية والرؤية النموذجية يعرقل عجلة التنمية بمدينة بوزنيقة

 

رغم الموقع الاستراتيجي الهام وتوفرها على مؤهلات طبيعية وسياحة مميزة، فإن مدينة بوزنيقة، تواجه تحديات تنموية كبرى بسبب غياب التخطيط المحكم والرؤية التنموية الشاملة، مما جعل عجلة التنمية تسير بوتيرة بطيئة وسط فوضى تسييرية أثرت سلبًا على مختلف المجالات والميادين، نتيجة عدم استغلال إمكانيتها المادية ومؤهلاتها الطبيعية بالشكل الأمثل، وكان تسيير شؤون المدينة دون تطلعات الساكنة إلى تحسين أوضاع المدينة.

 

إن الواقع الحالي للمدينة يكشف استمرار الاختلالات التي تراكمت على مدى سنوات طويلة، خاصة في عهد رئيس الجماعة السابق، الذي تحكم في تدبير شؤونها لما يزيد عن عقدين من الزمن بشكل انفرادي وبمنطق يغلب عليه الطابع الشخصي والمصلحي في غياب التسيير الشفاف والمقاربة التشاركية، وبعيدا عن الحكامة الرشيدة في تسيير المرفق العام، والنتيجة هي تدني وتدهور الوضع، وظهور خروقات واختلالات تدبيرية، وقفت عليها لجان التفتيش التابعة لوزارة الداخلية، أدت إلى عزله من المجلس الجماعي ومتابعته قضائيا في حالة اعتقال، في قضايا فساد خلال شهر ماي 2023، بعدما تحولت بوزنيقة في عهده إلى مدينة إسمنتية، كثرت فيها التجزئات السكنية، والتهمت فيها المضاربات العقارية المساحات الخضراء وأعدمت خلالها المرافق والمنشٱت العمومية، في ظل غياب رؤية متكاملة تحقق التوازن العمراني وتحافظ على هوية المدينة.
ما بعد الرحيل
لم يكن رحيل الرئيس السابق عن تسيير الجماعة كافيا لإنهاء إرثه التسييري، حيث لا يزال المجلس الجماعي الحالي يضم بعض الأعضاء الذين وردت أسماؤهم في ملفات فساد مرتبطة به، ما يطرح علامات استفهام حول مدى قدرة هذا المجلس على القطع مع ممارسات الماضي وفتح صفحة جديدة تقوم على الشفافية والتدبير الرشيد. فكيف يمكن انتظار إصلاحات جوهرية في ظل وضع مماثل؟ هذه المعطيات زادت من أزمة الثقة بين السكان والمنتخبين، مما جعل الآمال المعلقة على تحسين أوضاع المدينة تتضاءل بشكل كبير.
فالمجلس يعاني من تطاحنات حادة بين أعضائه، حيث نشبت مؤخرًا خلافات واتهامات بين بعضهم بعيدًا عن ما هو تسييري في شؤون الجماعة، وهو ما يثير الشكوك حول قدرة هذا المجلس على إصلاح الوضع وفتح صفحة جديدة. ولم يكن المجلس الجماعي وحده محل انتقادات، بل التمثيلية البرلمانية للمدينة هي الأخرى لم تحقق الإضافة المطلوبة، فرغم انتخاب أكثر من نائب برلماني من بوزنيقة، وأحيانًا يصل العدد إلى ثلاثة نواب في ولاية واحدة، لم ينعكس ذلك بأي شكل على التنمية المحلية. فوجود برلمانيين في مواقع القرار، بل وانتماء بعضهم إلى أحزاب تقود قطاعات وزارية مهمة، كان من المفترض أن يُستثمر لجلب مشاريع تنموية وتحسين جودة الخدمات العمومية، إلا أن النتائج بقيت دون المستوى، في ظل تكرار نفس السيناريوهات القائمة على تقديم وعود انتخابية دون أي تنفيذ حقيقي.
مشاكل بالجملة

من بين الإشكاليات الكبرى التي تؤرق سكان بوزنيقة الاختناق المروري الذي تعرفه الطريق المؤدية إلى شواطئها، خاصة خلال فصل الصيف، حيث يتوافد آلاف المصطافين من مختلف المدن المغربية وبلدان المهجر، عند قنطرة السكة الحديدية، وبين تجزئة «الكتاني» والمنطقة الصناعية، حيث تتحول الطريق إلى كابوس حقيقي، تمتد على إثرها طوابير السيارات لمسافات طويلة قد تتجاوز الكيلومتر والنصف، ما يجعل قطع مسافة قصيرة لا تتعدى ثلاثة كيلومترات يستغرق أكثر من ساعة. هذا الوضع لا يؤدي فقط إلى تأخير المصطافين، بل يزيد أيضًا من مخاطر الحوادث المرورية ويشل حركة السير، في ظل غياب أي تدخل فعال لتنظيم المرور، مما يتطلب حلولًا مستدامة، مثل توسيع الطرق وبناء محاور جديدة لتخفيف الضغط، بدلامن الاستمرار في حلول ترقيعية لا تغير شيئًا في المشهد العام.
ورغم أن شواطئ بوزنيقة تحصل سنويا على اللواء الأزرق، مما يعكس نظافة وجودة مياهها، إلا أن ذلك لا يخفي الفوضى التي تعرفها خلال فصل الصيف، فالشاطئ يشهد احتلالا عشوائيًا لملك الدولة العمومي من قبل بعض الأشخاص الذين يستغلون هذه المساحات البحرية، مما يعكر صفو الزوار والمصطافين، بالإضافة إلى ذلك، يتم استغلال مواقف السيارات بشكل غير قانوني، حيث يفرض البعض مبالغ مالية خيالية على السائقين مقابل وقوف سياراتهم في أماكن غير مخصصة، ناهيك عن سوء التعامل الذي يتعرض له الزوار من هؤلاء المستغلين، وهو ما يتطلب تدخلا سريعا وفعالا من السلطات المختصة لتنظيم الشاطئ وتوفير مواقف قانونية ومراقبة الأنشطة الموازية..
خصاص تنموي

رغم التوسع العمراني الكبير، لا تزال المدينة تفتقر إلى المرافق الأساسية التي تواكب هذا التطور، فملاعب القرب غير كافية، وعدم وجود مركب ثقافي يتيح فضاءات للقيام بالأنشطة الثقافية والفنية من طرف شباب المدينة. بالإضافة إلى أن المشروع المنتظر لكورنيش المدينة لا يزال مجرد فكرة مؤجلة، في الوقت الذي استطاعت فيه مدن أخرى تطوير فضاءات سياحية جعلتها وجهة مفضلة للزوار. كما أن تنظيم مهرجانات محلية من شأنه تعزيز الإشعاع السياحي لبوزنيقة، على غرار مهرجانات أخرى ناجحة مثل مهرجان مولاي عبد الله في الجديدة، الذي أصبح نموذجًا للتسويق التراثي والاقتصادي الناجح. مما يدفع إلى التساؤل حول عدم استغلال الشاطئ الذي يعرف حضورا كبيرا في فصل الصيف للقيام بأنشطة ثقافية ورياضية وفنية لإبراز الموروث الثقافي للمدينة والإقليم؟ ولماذا لا يتم تنفيذ مشروع كورنيش يوازي المشاريع التي تميز المدن الساحلية التي يمكن بفضلها جلب استثمارات كبيرة للواجهة البحرية وتحريك الأنشطة التجارية والسياحية، الشيء الذي قد ينشّط الاقتصاد المحلي ويوفر مداخيل كبيرة للجماعة، كما حصل في مدن أخرى على شاكلة بعض المدن الساحلية، وسيمكن ذلك في أن يجعل المدينة تصبح وجهة سياحية محلية وعالمية، من خلال تنظيم مهرجانات تضم فعاليات ثقافية وفنية مثل فنون التبوريدة، وسهرات فنية قرب الشاطئ، مما يساهم في تحريك السياحة والنشاط الاقتصادي الذي قد تنتفع منه ساكنة المدينة.
فقر رياضي
أما على المستوى الرياضي، فمدينة بوزنيقة تعاني من غياب فرق كروية تنافس في أقسام الهواة والعصب، مما يفقد المدينة دورها في تسويق اسمها رياضيًا عبر كرة القدم، التي تعد وسيلة فعالة في التعريف بالمدن. ففي الماضي القريب ، كان فريق وفاق بوزنيقة يمثل المدينة بشكل مشرّف، بل إنه بلغ دور ثمن نهائي كأس العرش موسم 2012-2013 وقدم أداءً بطوليًا أمام أولمبيك آسفي، حيث انهزم بصعوبة بنتيجة 2-1. إلا أن سوء التسيير والصراعات الانتخابية أنهت مسيرة الفريق، ليختفي من المشهد الرياضي، في الوقت الذي تحتاج فيه المدينة إلى تشجيع الجمعيات والأندية الرياضية من أجل إعادة إحياء الرياضة المحلية، لما لها من دور في التنمية والتسويق الترابي.
بوصلة مفقودة

سوء التسيير انعكس بشكل كبير على مساهمة الجمعيات المدنية في العملية التنموية للمدينة، حيث لا يتعدى عدد الجمعيات النشيطة في المدينة الخمس جمعيات فقط، وهو عدد قليل جدًا بالنظر إلى حجم التحديات التي تواجهها المدينة، فمن المهم أن يتم تعزيز العمل الجمعوي في بوزنيقة، من خلال دعم الشباب والمجتمع المدني في تنظيم المبادرات المحلية التي تساهم في تحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
والمثير للاستغراب هو أن الرئيس الحالي، الذي مضت سنتان على انتخابه بعد عزل سلفه، لم يظهر أي تدخل فعال للدفاع عن حقوق المدينة في المجلس الإقليمي، رغم كونه عضوًا فيه. كما أنه ينتمي إلى حزب الأغلبية الحكومية، الذي يسير وزارات مهمة، لكنه لم يستثمر هذا الامتياز لجلب المشاريع لبوزنيقة.
ورغم أن جهة الدار البيضاء سطات، التي يتبع لها إقليم بنسليمان، يترأسها حزب الاستقلال الذي ينتمي إليه الرئيس، وإقليم بنسليمان له ثلاثة أعضاء في مجلس الجهة، منهم اثنان من حزب الاستقلال، أحدهما رئيس اللجنة المالية والآخر نائبة سادسة لرئيس الجهة، إلا أن المدينة لم تحصل على نصيبها من المشاريع التنموية من هذا المجلس الجهوي، رغم توفر كل المقومات التي تتيح جلب الاستثمارات بسهولة. فلا الدعم الجهوي كان كافيًا، ولا الرئيس تحرك بفعالية لضمان استفادة بوزنيقة مما تستحقه من مشاريع تنموية.
إلى جانب ذلك، تعرف محطة القطار في بوزنيقة وضعا لا يرقى إلى مستوى تطلعات السكان والمسافرين، فرغم أنها تشكل نقطة وصل هامة بين المدينة والمدن المجاورة مثل الرباط والدار البيضاء، إلا أن مواعيد القطارات لا تتناسب واحتياجات الركاب، خصوصا في فترات الذروة، مما يزيد الضغط على وسائل النقل الأخرى، كما أن المحطة لا توفر الإمكانيات والفضاءات المناسبة لاستيعاب العدد المتزايد من الطلبة والموظفين الذين يستعملون القطار يوميا، الشيء الذي يجعل تحسين خدماتها وزيادة عدد الرحلات أمرا ضروريا لتسهيل التنقل عبر القطار.
ويحق لأي قاطن بهذه المدينة أن يؤكد أنه من الضروري أن تُؤخذ بعين الاعتبار أيضا بعض المشاكل التي تواجه المدينة، مثل ضرورة تنظيم أسواق القرب والسوق النموذجي الذي تأخر افتتاحه بشكل كبير، وهو ما تسبب في تفاقم مشاكل الباعة الجائلين الذين يتجولون في الأزقة والأحياء، مما يؤدي هذا الوضع إلى تلويث وتشويه المدينة بانتشار الأزبال والنفايات الناتجة عن تنقل هؤلاء الباعة بين أحياء المدينة.
في انتظار التغيير

مدينة بوزنيقة تمتلك جميع مقومات النجاح لتحقيق إقلاع تنموي حقيقي، لكن سوء التدبير وغياب الرؤية الاستراتيجية يجعلانها رهينة الركود، فهي تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وقيادة محلية تضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار، حتى تتمكن من الخروج من دائرة الفوضى إلى أفق تنموي يليق بمكانتها. ومن المؤكد أن إفراز نخب مؤهلة ومسؤولة وغيورة قد تساهم في وضع تصورات واستراتيجيات تنموية ناجحة للنهوض بأوضاع المدينة من خلال تبني مقاربة تشاركية وحكامة تسييرية ناجعة لتحقيق التغيير المنشود.


الكاتب : إلياس الحرفوي

  

بتاريخ : 17/02/2025