في زمنٍ تتراجع فيه القدرة الشرائية إلى الحضيض، وتتسع فيه دوائر الهشاشة، وترسم فيه سياسات التقشف على مقاس السوق لا المواطن، يطل فاتح ماي هذه السنة بشعار لا يحتمل المساومة:
“لا تنازل، لا مساومة على الحقوق العادلة والمشروعة.”
إنه ليس مجرد شعار… بل هو صرخة من عمق الورش والمصنع والمكتب… صرخة تقول:
كفى!
كفى من الإذلال المهني، كفى من تجاهل معاناة الشغيلة، كفى من تحميل الأجراء كلفة الأزمات المتلاحقة.
إنه شعار الفيدرالية الديمقراطية للشغل لهذه السنة، لكنه في العمق لسان حال آلاف العاملات والعمال، في الحقول والمصانع والإدارات والورشات…بل هو صوت الأجير الذي يثقل كاهله بأزمات لم يصنعها، وصوت الأم العاملة التي تقاسي مرارة غلاء يسرق لقمة أطفالها، وصوت الشاب الذي يئن تحت وطأة بطالة تهدر طاقات وطن بأكمله.
هو شعار يترجم بحق حالة الاحتقان الصامت الذي صار يملأ تفاصيل الحياة اليومية لشرائح واسعة من المغاربة، ممن لم يعودوا يطلبون سوى الحد الأدنى: أجر كريم، تقاعد يحفظ الكرامة، وعدالة ضريبية لا تقتل الأمل،
بروح التضامن لا بروح الصندوق النقد الدولي.
النداء الصادر عن المكتب المركزي للفيدرالية الديمقراطية للشغل لا يكتفي برصد أعطاب الواقع الاجتماعي، بل يحدد معالم معركة نضالية متجددة ضد السياسات العمومية التي تعمق الفوارق، وتجهز على المكتسبات، وتحول الحوار الاجتماعي إلى مجرد ديكور بلا أفق.
معركة تواجه أيضا البنية العميقة للاقتصاد القائم على الريع والمضاربة والاحتكار، حيث تستنزف خيرات البلاد خارج منطق العدالة الاقتصادية، وتفرض أثمانها على الأجير البسيط، بدل مساءلة المراكز الحقيقية للسلطة الاقتصادية.
أليس عارا أنْ تحاصر القدرة الشرائية للمواطن حتى الحضيض، بينما تحصد ثروات الوطن في جيوب فئة من المحتكرين و المضاربين؟!
فمن مراجعة الأجور والمعاشات، إلى رفض خوصصة الخدمات الاجتماعية الأساسية، ومن الدفاع عن تخليق المشهد النقابي وتأطيره قانونيا وميدانيا في أفق تطوير الحريات النقابية، إلى المطالبة بإصلاح تشاركي وعادل لمنظومة التقاعد… تطرح الفيدرالية الديمقراطي للشغل أجندة واضحة، لا تكتفي بالتشخيص، بل تقترح بديلا حقيقيا، وتدعو إلى تعبئة نقابية وسياسية تعيد للعمل النقابي أدواره التاريخية في التصدي لسياسات التفقير والتهميش.
وفي قلب كل ذلك، فهي دعوة صريحة لإعادة الاعتبار لفكرة “العمل الكريم” كحق لا كامتياز، ولدور الدولة كضامن للعدالة الاجتماعية، ولأهمية الحوار الحقيقي كأداة لحل الأزمات لا لتجميلها.
في هذا السياق، لا يبدو فاتح ماي مجرد مناسبة رمزية، بل محطة للفرز: بين من يختار الاصطفاف إلى جانب صوت الشغيلة، ومن يستمر في إدارة ظهره للمعاناة اليومية لطبقةٍ لم تعد تتحمل المزيد.
فاتح ماي 2025 إذا، ليس عيدا فحسب… بل هو نداء احتجاج، وصوت كرامة، ورسالة مفتوحة إلى المستقبل:
الحقوق لا تشترى… ولا تستبدل… ولا تنسى.
لنحول هذا العيد إلى موعد مع التاريخ… مع الكرامة… ومع النضال فالكرامة تبنى بالعدالة و بقدسية الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية.
فاتح ماي 2025… هي محطة للاعلان على أن نضال الفيدرالية الديمقراطية للشغل مستمر… حتى النصر.
فاتح ماي… حين تصرخ الكرامة باسم كل الأجراء

الكاتب : محمد امين سملالي
بتاريخ : 30/04/2025