أعادت فاجعة آسفي، بما خلّفته من ضحايا وآلام عميقة في نفوس عائلات فقدت أقاربها وجيرانها وأصدقاءها، وكذا في وجدان كل من تابع تفاصيلها القاسية، النقاش العمومي حول منظومة تدبير الكوارث الطبيعية بالمغرب، ليس فقط من زاوية التعويض اللاحق، بل أيضا من حيث التدابير الاستباقية التي كان من الممكن اعتمادها لتفادي هذا الحجم من الخسائر أو على الأقل الحد من تبعاته.
هذا النقاش، الذي يظل طبيعيا وضروريا في سياق المآسي الكبرى، يتقاطع بشكل مباشر مع مضامين الاستراتيجية الوطنية لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية (2020–2030)، التي وُضعت أساسا من أجل تقليص آثار هذه المخاطر متى وقعت، سواء تعلق الأمر بالفيضانات أو الزلازل أو حرائق الغابات أو الجفاف أو غيرها من الظواهر القصوى. وقد أكدت هذه الاستراتيجية، عند إطلاقها، على مجموعة من المرتكزات، في مقدمتها تحسين فهم المخاطر، وتعزيز الوقاية والقدرة على الصمود، وتقوية الاستعداد للاستجابة والتعافي، عبر تطوير القدرات المؤسسية، وتحسين نظم الإنذار المبكر، وإدماج الحد من المخاطر في القطاعات الحيوية، وعلى رأسها البنية التحتية والموارد المائية.
غير أن ما أفرزته مأساة آسفي يطرح، بقوة، سؤال الفجوة بين التخطيط والتنزيل. فالمنطقة المتضررة تشكل مسارا لواد معروف بسلوكه الهيدرولوجي، ما كان يفرض توفر خرائط دقيقة للمخاطر المحتملة، وخطط استجابة استباقية فعالة، خاصة في ما يتعلق بالإنذار المبكر وتحسين الجاهزية. إلا أن عددا من هذه الركائز لم يُفعّل بالشكل الكافي، وهو ما جعل الاستعداد محدودا أمام تحول التساقطات المطرية الغزيرة إلى سيول فيضانية جارفة، فاقت قدرة التدخلات المتاحة، رغم كل الجهود التي بُذلت بعد وقوع الكارثة.
ويتقاطع هذا الخلل في منطق الاستباق مع الإشكالات القانونية والمؤسساتية المرتبطة بتعويض الضحايا. فالقانون رقم 110.14 المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية، والذي عاد إلى الواجهة بقوة عقب فاجعة آسفي، يُنتقد بسبب تعقيد شروطه وبطء مساطره، خاصة بالنسبة للمتضررين غير المؤمنين. إذ يظل تفعيل التعويض رهينا بإعلان رسمي عن الواقعة الكارثية، وبشروط زمنية وإجرائية صارمة، تجعل النفاذ السريع إلى التعويضات أمرا بالغ الصعوبة، بل شبه مستحيل في حالات الكوارث المفاجئة.
وإلى جانب محدودية الاستفادة، تظل التعويضات نفسها محصورة في نطاق ضيق، إذ تقتصر على السكن الرئيسي والأضرار البدنية وتعويضات ذوي الحقوق، دون أن تشمل الخسائر التي تلحق بالأنشطة المهنية أو المحلات التجارية، ما يفرغ الطابع التضامني للنظام من جزء كبير من مضمونه، رغم أن تمويل صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية يتم عبر مساهمات إجبارية يؤديها المواطنون من خلال رسم شبه ضريبي مرتبط بعقود التأمين.
وفي سياق البحث عن أدوات أكثر نجاعة للاستجابة السريعة، تبرز أهمية مشروع إحداث المنصات الجهوية للمخزون والاحتياطات الأولية على صعيد جهات المملكة الاثنتي عشرة، وهو المشروع الذي أُعلن عنه بإشراف ملكي عقب زلزال الحوز، في إطار تعزيز منظومة تدبير المخاطر. وقد أعطيت، في ماي 2025، انطلاقة أشغال إحداث منصة بجهة الرباط سلا القنيطرة، على مساحة تناهز 20 هكتارا، وبميزانية تقارب 287.5 مليون درهم، تشمل إحداث أربعة مستودعات، وحظيرتين للمعدات الضخمة، ومهبطا للطائرات المروحية، وموقفا للسيارات، على أن يتم إنجازها داخل أجل 12 شهرا.
وتهدف هذه المنصات، التي تبلغ الكلفة الإجمالية لإحداثها حوالي 7 مليارات درهم، إلى توفير احتياطات استراتيجية من الخيام والأغطية والأسرّة والمواد الغذائية والأدوية، إضافة إلى تجهيزات ميدانية من مستشفيات متنقلة ووسائل تدخل لوجستي، بما يضمن الاستجابة الفورية والتدخل السريع في حال وقوع فيضانات أو زلازل أو مخاطر كيميائية أو إشعاعية.
غير أن فاجعة آسفي أعادت طرح سؤال وتيرة تنزيل هذه المشاريع الحيوية، وضرورة تسريع إخراجها إلى حيز الوجود، بالنظر إلى أن المخاطر الطبيعية لا تنتظر، ويمكن أن تقع في أي لحظة. وهو ما يجعل توفر الآليات الاستباقية واللوجستية الجاهزة مسألة حاسمة في إنقاذ الأرواح والحد من الخسائر، بدل الاكتفاء بإدارة الكوارث بعد وقوعها.
وتؤكد هذه المأساة، في المحصلة، أن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في مراجعة القوانين المؤطرة للتعويض، بل في بناء منظومة متكاملة لتدبير المخاطر، تجمع بين الوقاية والإنذار المبكر، وسرعة التدخل، ومرونة المساطر، وعدالة التعويض، بما يضمن الانتقال من منطق رد الفعل إلى منطق الاستباق، ومن تدبير الأزمات إلى تقليص آثارها قبل أن تتحول إلى فواجع إنسانية.
فاجعة آسفي: أسئلة الاستباق والإنصاف في تدبير الكوارث الطبيعية
بتاريخ : 19/12/2025


