تدارست ندوة وطنية، يوم الخميس الماضي بسلا، حصيلة العشرية لتطبيق القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية، وأدوارها في تعزيز اللامركزية الإدارية، وتنزيل ورش الجهوية المتقدمة، وتحقيق الحكامة الترابية.
وتروم هذه الندوة، التي نظمتها شعبة القانون العام، وماستر تدبير الموارد البشرية والمالية للإدارة، وماستر الدراسات الدولية والاستراتيجية والأمنية المعتمدان بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، حول موضوع “الجماعات الترابية بعد مرور نحو عقد من صدور القوانين التنظيمية : أي إنجازات؟”، الوقوف عند الاختلالات التي تعوّق بلوغ الأهداف والغايات الكبرى التي رسمها الدستور والمشرع بشأن فعالية هذه القوانين التنظيمية.
وتوخت الندوة، كذلك، إبراز التكريس الدستوري لوجود الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث (الجهات، والعمالات والأقاليم، والجماعات)، الذي يحيل عليه الباب التاسع من دستور سنة 2011، ومبادئه الأساسية، من قبيل التدبير الحر، ومبدأ التفريع.
كما سعت إلى الإلمام بمختلف هذه القوانين التنظيمية التي صدرت بتاريخ 7 يونيو 2015، مع فتح النقاش بين الباحثين والأكاديميين والمختصين والممارسين في الحقل الترابي ومختلف الفاعلين في المجال، بغرض “تشريح هذه المنظومة القانونية، وتقديم توصيات ورؤى تساهم في تجويد ونجاعة القوانين التنظيمية للجماعات الترابية”.
وقال عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالنيابة-سلا، عمر حنيش، في كلمة بالمناسبة، إن هذه الندوة تأتي امتدادا للأنشطة العلمية الوازنة والمُحكمة التي تدأب الكلية على تنظيمها دوريا، مشيدا بحسن اختيار موضوعها الذي يكتسي أهمية بالغة في ما يتصل باستجلاء مسار التطور الديمقراطي والمؤسساتي بالمملكة.
وأكد حنيش، وهو أيضا نائب رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط، أن القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية التي رأت النور سنة 2015، تستلهم جوهرها من دستور 2011 الذي عزز الخيار الديمقراطي وأسس لمفاهيم جديدة من قبيل تحديد الاختصاصات، وتبني مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة، مشيرا إلى أن الندوة تعتبر مناسبة لمساءلة حصيلة عقد من الزمن حول مدى فعلية هذه القوانين، وذلك من أجل رفع التحديات واستشراف آفاق التطوير المستقبلي لهذه النصوص.
وأوضح، في هذا الاتجاه، أن منظومة الجهوية الموسعة تروم تحقيق التنمية المستدامة والشاملة، وأن تطوير المنظومة الجهوية يعتبر أحد الرهانات الأساسية التي انخرطت فيها المملكة، باعتبارها تنظيما ترابيا قويا قادرا على رفع مختلف التحديات الترابية، داعيا إلى تشخيص جملة التحديات التي واجهتها الجماعات الترابية بمختلف مستوياتها، عبر صياغة توصيات عملية من قبل المشتغلين في الحقل الأكاديمي بُغية الإسهام في تجويد أداء الجماعات الترابية.
من جانبه، توقف رئيس مجلس جهة الرباط-سلا-القنيطرة، رشيد العبدي، عند الدور المحوري الذي يضطلع به العنصر البشري، و”المنتخب الجهوي”، من أجل التنزيل الأمثل للقوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية، مستشهدا ببرنامج التنمية الجهوية كوثيقة استراتيجية تكتسي أهمية بالغة في التدبير الجهوي، وتتناغم مع مقتضيات البرنامج الحكومي الذي يؤطر تدخلات الجهة، ويتم تنزيله ترابيا، في تفاعل والتقائية مع الجماعات الترابية، وانتظارات المغاربة المقيمين بالخارج، والمجتمع المدني، والقطاعات الحكومية.
وبعدما عدّد أدوار الأحزاب السياسية بشأن تأطير ومواكبة الفاعل الترابي من أجل التجويد المستمر للفعل العمومي، استعرض مونوغرافية جهة الرباط-سلا-القنيطرة، والإمكانات التي تختزنها والمكانة التي تحتلها، وأدوارها في تحسين المؤشرات السوسيو-اقتصادية، وفي التفعيل الأمثل لاختصاصاتها الذاتية والأخرى المشتركة مع الدولة، وكذا المنقولة لها من طرف هذه الأخيرة في إطار مبدأ التفريع.
وبخصوص دور الفاعل الترابي في التنزيل الأمثل للقوانين التنظيمية الناظمة للجماعات الترابية، أكد رئيس شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، محمد بنحمو، أن الفاعل الترابي يضطلع بدور محوري في التفعيل الحسن لحزمة القوانين الموجهة للجماعات الترابية، مضيفا أنها تتوخى في مجملها الاستجابة لتطلعات وانتظارات الساكنة، وتحقيق التنمية المحلية.
وأوضح بنحمو، وهو أيضا منسق ماستر الدراسات الدولية والاستراتيجية والأمنية بالكلية ذاتها، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن من شأن التنزيل الحسن لهذه النصوص التقعيد لأسس متينة للديمقراطية المحلية، وبناء وحدات ترابية ترقى بالممارسة الديمقراطية.
وأكد، بهذا الخصوص، أهمية التكوين والتكوين المستمر لتجويد الأداء، وانتقاء مدبّرين ذوي كفاءات من أجل تنزيل هذه النصوص وتجاوز المعوّقات التي تحول دون حسن تفعيلها.
وتنكب هذه الندوة، التي يشارك فيها أكاديميون يمثلون عدة جامعات ومراكز بحث وطنية، على بحث مواضيع تتعلق أساسا بـ “الأسس والمبادئ الدستورية الضابطة للجماعات الترابية”، و”تطور نظام اللامركزية الإدارية والجهوية المتقدمة”، و”نظام اللاتمركز الإداري والجماعات الترابية”، و “مكانة المنتخب في القوانين التنظيمية”، و”منظومة القيم في قوانين الجماعات الترابية”، و”الانتقال الرقمي وأفق بناء الجماعات الترابية الذكية”.
وجاء في أرضية الندوة أن الدستور رسخ في الباب التاسع وجود الجماعات الترابية، وعددها في الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، وأقام التنظيم الترابي للمملكة على اللامركزية وعلى الجهوية المتقدمة كما نص على مجموعة من المبادئ الأساسية في عمل الجماعات الترابية في مقدمتها مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع، وحرسا على تنزيل هذه المبادئ الأساسية وغيرها أحال الدستور إلى قوانين تنظيمية من أجل تحديد قواعد تنظيم واختصاصات الجماعات الترابية، وتحديد علاقتها بالدولة وببعضها البعض، فصدرت جميع هذه القوانين التنظيمية في وقت واحد بتاريخ 7 يونيو 2015.
وأضافت»لئن كان طموح الدستور وهذه القوانين التنظيمية كبيرا، في تعزيز اللامركزية الإدارية، وتنزيل ورش الجهوية المتقدمة، وتحقيق الحكامة الترابية، فإن الواقع الحالي للجماعات الترابية بعد مرور ما يقارب عقدا من دخول القوانين التنظيمية المتعلقة بها حيز التنفيذ يشهد بعض الاختلالات التي قد توحي بنوع من التعثر في بلوغ الأهداف والغايات الكبرى التي رسمها الدستور والمشرع، إذ وجد المنتخبون أنفسهم أمام تحديات وإشكالات كبيرة في تطبيق هذه القوانين. يضاف إلى ذلك إكراهات أخرى ترتبط بوجود نصوص تشريعية وتنظيمية أثارت العديد من النقاشات الأكاديمية، علاوة على تأخر صدور بعض النصوص القانونية الأخرى.
في هذا الإطار، ومواكبة للنقاش العمومي والأكاديمي حول الإشكالات التي تعرفها القوانين التنظيمية، والقضايا التي أفرزتها الممارسة العملية، فتحت شعبة القانون العام، وماستر تدبير الموارد البشرية والمالية للإدارة وماستر الدراسات الدولية والاستراتيجية والأمنية المعتمدان بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بسلا النقاش حول الجماعات الترابية بعد مرور نحو عقد من صدور القوانين التنظيمية، بين الباحثين، والأكاديميين والممارسين في الحقل الترابي، ومختلف الفاعلين في المجال، وتشريح هاته المنظومة القانونية، وتقديم توصيات ورؤى تساهم في تجويد ونجاعة القوانين التنظيمية للجماعات الترابية.
فاعلون أكاديميون وسياسيون يضعون «حصيلة عشر سنوات لتطبيق قوانين الجماعات الترابية» تحت المجهر
الكاتب : ع.الريحاني
بتاريخ : 01/06/2024