فرانز فانون، الجزائر والحلم المغاربي 1/3

 

عندما تتقاطع العلاقة بين جدلية الوطني والقومي أو القُطْري والعروبي، بين قضية الوحدة الترابية من جهة والقضية الفلسطينية، فإني أختار الولاء للوحدة الترابية وليس هناك أدنى تنازع أو تعارض بين الموقف المنحاز لقضية الصحراء المغربية والموقف التضامني مع فلسطين، التي هي قضية عادلة مثل قضية الوحدة الترابية، لكن علينا أن نفكر في فلسطين من داخل فلسطين بعيدا عن منطق الثنائيات المانوية إما أبيض إما أسود، أو مَن مع التطبيع ومن هو ضده ، لأن كل فعل تطبيعي يجب أن يقاسكذلك بما يقدمه من دعم وفائدة للقضية الفلسطينية حتى نجعل منه فعل مقاومة لصالح القضية الفلسطينية.وداعما لنضال الشعب الفلسطيني، بالتنسيق مع قادة الدولة الفلسطينية والتشبث الكامل بحل الدولتين وبالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينيةالمستقلة ، لقد سبق للمغرب أن كان مُطبِعا مع إسرائيل بعد معاهدة أسلو ،لكن عندما داس الإرهابي شارون سفاح صبرا وشتيلا حرمة البيت الأقصى، قام المغرب بإغلاق مكتب الاتصالبالرباط ( 1999 – 2000) وفي مثل هذه المرة كذلك، نقول إن عادوا عدنا،
لقد أثار الموقف التطبيعي للمغرب تخصيصا، مجموعة من ردود الفعل المستغرِبة والمندهِشة والشامتة والمعترضة إلى حد الإدانة، وذلك للوضع الاعتباري الذي تحظى به المملكة المغربية على المستوى العربي والدولي،لأن المغربأول من اعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777 وهذا الاعتراف بمغربية الصحراء المغربية بمثابة دَيْن رمزي مستحق للمغرب إزاء الولايات المتحدة الأمريكية قد حان أوان استرداده، كما أن للمغرب علاقة أخوة وتضامن ومؤازرة نحو الفلسطينيين ضاربة في التاريخ، والمغاربة هم الأول كذلك، مِن بين الدول العربية والإسلامية من هَبوا لنُصرة نداء النجدة الذي وجهه القائد صلاح الدين الأيوبي (1138-1193) إلى ملك المغرب السلطان يعقوب المنصور المُوَحدي من أجل تزويده بأساطيل بَحرية تُنازِل أساطيل الفرنجة ،حتى تم «فتح مدينة القدس» و بيت المقدس،ولقد ابتنى القائد صلاح الدين الأيوبي حياللمغاربة في القدس باسم «حي المغاربة» مازال موجودا لحد الآن، وأنزلهم مُنزلا كريما بأن وضع لهم وَقْفا جاريا، وقال صلاح الدين الأيوبي بهذه المناسبة شهادة عرفان في حق بطولات المغاربة «أسْكَنْتُ هناك مَن يثبتون في البَر ويبطشون في البحر،وخير من يُؤتمنون على المسجد الأقصى و على هذه المدينة»كما أن المغاربة اختلطوا في معاشهم مع الفلسطينيين وما زالت في فلسطين أسماء عائلات من أصول مغربية معروفة، وتربط المغرب مع مواطنيه اليهود علاقة تمتد إلى أكثر من ألف سنة، كانت مثالا حيا للتعايش المشترك، كما أن المغرب برهن دائما عن نُبل سماحته، عندما قام الملك المرحوم محمد الخامس بإيواء المضطهَدين اليهود من قِبل حكومة فيشي  زمن الحرب العالمية الثانية ، و يعتبر المغرب البلد الوحيد عربيا الذي أبقى على الجالية اليهودية في وطنهم المغرب و لم يطردهم خارج بلادهم بالرغم من مؤامرات الموساد الذي حفزهم على الهجرة إلى إسرائيل بالترهيب والترغيب،وهذه الواقعة التاريخية التقطها عند حدوثها الشاعر المغربي أحمد المجاطي في مطلع عقد الستينيات من القرن الماضي،عندما رصد من ميناء الدار البيضاء هجرة اليهود المغاربة في قصيدة بعنوان «باخرة أكسيدوس’ .في الوقت الذي قامت جُل الدول العربية بطردهم وتشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين،كما فعل الرئيس جمال عبد الناصر غداة الانقلاب على نظام الملك فاروق،ليعززوا صفوف المهاجرين الصهاينة في إسرائيل ، بينما كان أحمد الشقيريأول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية ينادي في إذاعة القاهرة بالغُدو والآصال،أنه «سيلقي باليهود» في البحر، إلى أن أسكتته هزيمة يونيو سنة 1967.
يمثل الاعتراف الأمريكي بقضية وحدتنا الترابية مرحلة فاصلة بين زمنين، بالنسبة للقضية الوطنية التي يحظى مشروعها الداعي إلى «الحكم الذاتي» كحل متوافق عليه بمصداقية من قِبل المجتمع الدولي ، وبذلك نكون قد دشنا بداية تحرير الصحراويين القابعين في مخيمات تيندوف والمعتقلين كرهائن عند الطُغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر.
إذا كانت كل الثورات التي انطلقت في العالم منذ عقد الخمسينيات كالثورة الصينية والفيتنامية والكوبية المتزامنة مع اندلاع الثورة الجزائرية قد استطاعت جميعها أن تحقق الانتقال السلِس الناجح منوضع الثورة إلى بناء الدولة الحديثة، فإننا نجد أن الثورة الجزائرية بقيت تمثل لحد الآن الاستثناء الوحيد الذي تعثر مساره في تحقيق أهدافه العليا على المستوى العالمي، كما تجدر الإشارة أن فرصة الجزائر في الاعتماد على الذات والإنعتاق نحو التحرر، كانت في حينه، أفضل من فُرص الثورة الكوبية والصين الشعبية بما هي بلد نفطي من جهة، ومن جهة أخرى لديها رقعة زراعية واسعة تفوق جغرافيتي بلجيكا وهولندا مجتمعتين، مختزِنة لثروات أخرى في باطن الأرض، إضافة إلى محيط عربي مستعد لاحتضانها كما في فترة المد القومي الذي اصطدم بهزيمة 1967،بالمقابل كان تسريع رحيل المستوطنين الفرنسيين،قد ترك للدولة الجزائرية أخصب الأراضي الزراعية على المستوى الإفريقي كانت تُستغل من لَدُن المُعمرين، وتَبِع ذلك قيام الدولة الجزائرية بتأميم النفط عام 1971 والتركيز على مجال الصناعة، وإذا كانت الصناعة النفطية هي صاحبة الحظ الأوفر وخاصة إثر ارتفاع أسعاره في فترة حرب 1973 مما زاد في مداخل الدولة.وجعل الجزائريين يعولون على العيش في بحبوحة ، لأن هذه الأحلام الوردية ستتراجع بعد استقلال الجزائر، كما استشرفها المفكر الأنتيلي فرانز فانون في كتابه «معذبو الأرض» خاصة،»عند استعادته لهَوْل الهُوة و الفرق بين النزعة القومية من جهة، والنزعات التحررية لجهة حركات التحرر الوطني الجزائري»، لكن قبل مجيء استقلال الجزائر بشهور معدودة، كان فرانز فانون لاجئا في تونس يستعد للرحيل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لزيارة الأطباء، بعد إصابته بمرض اللوكيما، سألته إحدى الصحفيات: (تُرى ماذا أنت فاعل لو أدركت استقلالَ الجزائر؟ فأجابها فانون بأنه سيختار الذهاب إلى بلد آخر للتضامن معه، ربما سيكون دولة جنوب إفريقيا من أجل مواجهة نظام الأبارتيد العنصري)، (م، حوار مع فرانز فانون ،)، في نفس السياق، طُرِح نفس السؤال على ادوارد سعيد، فكان رده مطابقالجواب فرانز فانون (أشعر أن فانون لو عاش ليرى أول بضع سنوات من الاستقلال الجزائري، لكان وضعه غاية في التعقيد، أولا، أعتقد انه كان لن يستمر بالضرورة، ربما كان سينتقل إلى منطقة أخرى، العديد من مناضلي جبهة التحرير الوطنية أصبحوا موظفين في نظام الدولة الذي لم يولد في معظم طبقة مثقفين، تحافظ على مسافة نقدية، أحد الأمور المثيرة للقلق أكثر من غيرها فيما يخص التضامن وسهولة انزلاق المرء لخطاب السلطة، وهذا أمر لا مفر منه، وجاء فانون من طبقة مناضلين فحُوِلوا فيما بعد، إلى مدبري أمور سلطة الدولة وأدواتها،(م،ادوارد سعيد السلطة والسياسة و الثقافة، دار الاداب 2008).
إن هذه الرؤية «الاستشرافية» للمستقبل التي قام بها فرانز فانون وادوارد سعيد، تتجلى في توصيفهما للفِخاخ الاستعمارية التي كانت تعترض مصائر الثورة الجزائرية ومستقبلها. لقد راهنت فرنسا المُستعمِرة على ضرورة تهدئة فَوْرة وغليان الثورة الجزائرية بعد استقلال الجزائر وذلك عبر تحريف مسارها المُعادي لفرنسا، الدولة المُحتلة للجزائر،وذلك في محاولة لفَرْمَلة وكبْح اندفاعاتها، من خلال ابتداع عدو أجنبي جديد بدل الاستعمار الفرنسي، وكان الفخ الذي نُصب للجزائريين يتمثل في اختلاق مسألة ترسيم الحدود بين الجارين المغرب والجزائر، كقنبلة موقوتة ستنفجر في مرحلة ما بعد استقلال الجزائر، ولقد سبق لفرنسا سنة 1957 عندما كانت الجزائر ما زالت تخضع للاحتلال الفرنسي أن اقترحت على المغرب بدء مفاوضات لحل قضايا الحدود بين فرنسا والمغرب، وذلك بإرجاع المناطق الحدودية التي انتُزِعت من المغرب مثل تيندوفوكولمب بشار والقنادسة (الصحراء الشرقية) التي قَررت فرنسا سنة 1950بشأنها أن تضُمها ضمن الأراضي الفرنسية التابعة «للجزائر الفرنسية»، وفي أوج معارك الثورة الجزائرية ضد المحتل الفرنسي، اقترحت فرنسا على المغرب سنة 1953إرجاع تلك المناطق المنتَزعة من قِبل فرنسا إلى المغرب، شريطة إيقاف الدعم المغربي للثورة الجزائرية، لكن الملك محمد الخامس رفض العرض الفرنسي، مؤكدا على أن مشكل الحدود سيُحل مع الأشقاء الجزائريين عند استقلال الجزائر، بعد أن كان قد وَقًع اتفاقا في الموضوع مع الرئيس الجزائري يوسف بن خدة باسم الحكومة الجزائرية المؤقتة ، لكن بعد استقلال الجزائر ستنطلق حرب الرمال بسبب أزمة الحدود بين المغرب والجزائر عام 1963 لأن الجزائريين رفضواكل مبادرة للتفاوض حتى مطلع بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي.
لقد كانت الثورة الجزائرية محظوظة عندما انخرط في صفوفها المفكر الأنتيلي-المارتنيكي فرانز فانون، وأحرز على الجنسية الجزائرية بعد تخليه عن الجنسية الفرنسية، كما قام بتقديم استقالته من كل المناصب التابعة للسلطة الفرنسية، وكطبيب نفساني أدرك مبكرا عذابات الشعوب المستعمَرة وأنذر مناضلي الثورة الجزائرية أن يتحلوا بالحذر من مواقف الطبقة البورجوازية الكمبرادورية الصاعدة ، التي ستتَسلم السلطة بعد نهاية العهد الاستعماري، وذلك باعتبارها بورجوازية متخلفة، لقد ظنت هذه البرجوازية الوطنية لنرجسيتها وغرورها، أن في وُسعها أن تحل محل البرجوازية الاستعمارية، وأن تكون أحسن منها.، وذلك،نتيجة لسيطرة وكلاء الكمبرادورية الوسيطية أو «عملاء الصفوة»حسب تعبير الرئيس قوامي نكروما وهم أتباع ووسطاء يوهمهم الاستعماربأنهم شركاء له وأنداد، يسميهم الشاعر والباحث تميم البرغوثي «بعملاء الصفوة» المنتمين إلى «الوطنية الأليفة» التي تتجه بجشع كبير نحو الإثراء السريع، و الدليل على ذلك أن بلدا مثل الجزائر يعتبر في المرتبة السابعة في احتياطي النفط و الرابعة في الغاز. كان دخلهم من الثروة في عهد حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة،سنة 1999 حوالي 800 مليار دولار تبخرت في رمش عين ، وهذه الميزانية كافية من أجل إقلاع الجزائر نحو التنمية الشاملة لو كان وجود للتخطيط الاقتصادي وتطبيق للحكامة الرشيدة على الثروة الوطنية من أجل القطع مع المبادلات الريعية، نتيجة لوجود فئات مُتحكِمة ذات نزوعات رأسمالية مركنتليةمن الوسطاء الذين يتحكمون في الاقتصاد الوطني الخاضع لاملاءات صندوق البنك الدولي.
إن رؤية فرانز فانون لمستقبل الجزائر كان يقتسمها مع صديقه مهندس الثورة الجزائرية المناضل الكبير عبان رمضان، لقد قال الباحث لوتيرنر عن القائد الجزائري عبان رمضان بأنه «أحد القادة القلائل في الجبهة الذين لم يُقَيِدهم انتماء وطني ضيق لا إلى الدين ولا إلى المنطقة (نايجل سي غبسون فانون، المخيلة بعد – الكولونيالية) « وكان له دور محوري في علاقة فانون بالقيادة المثقفة الراديكالية، إذ أصبحت «جبهة التحرير» قبل انعقاد مؤتمر الصومام عاجزة عن تدبير كيفية الاستمرار في حرب التحرير ومفتقرة إلى خيارات إيديولوجية واضحة، لقد كان عبان رمضان، واحدا من القادة القلائل في جبهة التحرير، الذي يشاطر فرانز فانون الصورة الثورية للدولة الجزائرية في مرحلة ما بعد الاستقلال، التقيا عندما التحق فانون بعمله بمستشفى البليدة، وعمل على إيواء عبان رمضان، أحيانا داخل المستشفى بالبليدة ،وكذلك في منزله رفقة بعض أفراد قيادات جبهة التحرير كيوسف بن خدة والعربي بن مهيدي وأحمد بنبلة، إن جزائر المستقبل كما جاء في مؤتمر الصومام،»عليها أن تتعالى على الهُويات الشوفينية والقْبَيْلِية واللغوية، وأن تعتمد على أسبقية المواطنة بدلا من الانحياز لأحد هذه الاختيارات، العروبي، أوالأمازيغي والاسلامي اليهودي، المسيحي، الأسود أو الأبيض.»
كما يعتبر عبان رمضان مُحرك (معركة الجزائر) والعقل المدبر لمؤتمر الصومام، وُلد بتيزي وزو سنة 1920 وهو عضو اللجنة المركزية لجبهة التحرير، ثم قائد لولاية الشمال القسنطيني، اعتُقِل عام 1950 وأُطلِق سراحه عام 1956، كما ساهم في التحضير لمؤتمر الصومام وكان المقرِر»للجنة التنسيق والتنفيذ للمجلس الوطني للثورة الجزائرية»،وهو من المؤسسين لاتحاد العمال الجزائريين و مناضل قيادي للحركة الطلابية الجزائرية ، كما شارك مضطرا في مؤتمر القاهرة، حيث ستُحاك ضده مؤامرة من أجل اغتياله ، وصفه الباحث الأمريكي وليام كوانت، أنه (وِفقا للكثيرين ممن عرفوه أن عبان رمضان، كان حاسما من دون أن يكون سلطويا، وقادرا على اكتساب احترام من هم حوله، ومع أن عبان رمضان كان قبيليا فقد حظي بتقدير كبير لدى العرب، كما لدى القبايل(م، سي غبسون فانون المخيلة مابعد الكولونيالية ) ويدًعي العديد من أعضاء النخب، أنه ربما كان الجزائري الوحيد الذي يستطيع تجميع النخبة ما بعد الاستقلال، لكن ما كان يُؤخذ عليه، أنه كان ينتمي إلى الجناح اليساري المتشدد داخل جبهة التحرير، ينتقد بصورة صريحة قادة الجبهة وبدون مواربة، ويغلب على نقده الطابع الإيديولوجي والفكري، وهذا مصدر خلاف عبان رمضان مع بعض القادة العسكريين، لقد كان ناجحا في تلبية حاجيات جبهة التحرير الوطني، إذ أصبحت الجبهة تفتقر إلى الوضوح الإيديولوجي، وكان عبان رمضان ناجحا في رسم معالم المرحلة المقبلة وإيجاد تنظيم سياسي للحركة الجماهيرية الصاعدة وتأكيد أولوية الحركة الاجتماعية على القضايا العسكرية، وكذلك وهذا هو الأهم، استطاع عبان رمضان بعد مؤتمر الصومام أن ينقل حرب التحرير من الريف إلى مدينة الجزائر العاصمة والمدن الكبرى، وإلى الصفحات الأولى في صحف العالم.
انعقد مؤتمر الصومام في وسط الجزائر في 20 غشت 1957 في قرية واقعة بوادي الصومام شمال الجزائر، وذلك تضامنا مع ضحايا الهجوم الأول على الشمال القسنطيني الذي يصادف كذلك ذكرى نَفْي الملك المغربي محمد الخامس يوم عشرين غشت 1953 إلى مدغشقر،»بصفته ممثل الفكر التقدمي الحرفي المغرب»، كما جاء في تقرير رئيس «لجنة التنسيق والتنفيذ» لمؤتمر الصومام عبان رمضان، لكن بعد انتهاء أشغال المؤتمر الذي كان ناجحا في قراراته التنظيمية والسياسية بسبب قيادة ودهاء عبان رمضان، الذي ركز في تقرير برنامجه على تسريع دينامية جبهة التحرير وتنظيم الجناح العسكري عبر أسس تراتبية «تجعل العسكري يخضع للفاعل السياسي»، كما دعا المؤتمر كذلك، إلى» تبعية تنظيم المناضلين الموجودين في الخارج للقيادة التي تعمل في الداخل»، ويعتبر القرار المتعلق بثنائية السياسي والعسكري، بمثابة خط أحمر لم يتقبله الجناح العسكري، لأنهم أحسوا بتراجعهم أمام فئة السياسيين. لذا سيُعاقَب القائد عبان رمضان على هذا القرار التنظيمي، من قِبل الجناح العسكري الذي كان يتزعمه كريم بلقاسم باغتياله، عن طريق استدراجه إلى المغرب الذي كان يعتبر الحديقة الخلفية للمقاومة الجزائرية وذلك لمقابلة الملك محمد الخامسمن أجل التوصل بالمساعدة اللوجيستية للثورة الجزائرية، وكانت مجرد خديعة لاستدراجه ولنقله إلى المغرب ، لكن اختطافه من قِبل الجناح العسكري المعروف «بالباءات الثلاث» وهم آنذاك، كريم بلقاسم وعبد الحفيظ بوصوف وأحمد بنطوبال، سيؤدي إلى قتَل عبان رمضان غيلة وشنقا من لدن أصدقائه سنة 1957، الذين سيصدِرون بعد مرور أسبوع على جريمة اغتياله النكراء، بلاغا قمة في الغدر والنذالة،بجريدة «المجاهد»الجزائرية التي كانت تصدر في نسختها بالفرنسية بمدينة تطوان المغربية ، باسم قيادة جبهة التحريرالوطني، تنعي الشهيد عبان رمضان بالصيغة التالية «عبان رمضان سقط في ساحة الشرف» وستبقى تصفيته الغادرة عالقة في ذاكرة صديق دربه فرانز فانون الذي قال لسيمون دوبوفوار ذات يوم، في لقائهما الأخير بمدينة روما. «هناكميتتان لن أغفرهما لنفسي، ميْتة عبان رمضان وميتة باتريس لومومبا».
باغتيال عبان رمضان انتقلت الثورة الجزائرية إلى نظام الانقلاب العسكري المطلق، الذي يتلاءم مع نظام الحزب الواحد، وهو كما يقول فرانز فانون (الشكل الحديث للدكتاتوريةالبورجوازية التي لا تتقنع ولا تتزين ولا يزعها وازع ولايرْدَعها حياء (فرانز فانون معذبو الأرض) ففي مؤتمر القاهرة، سيستغل كريم بلقاسم الأزمة التي تعيشها الحكومة المؤقتة برئاسة فرحات عباس، ليؤسس حكومة «الظل العسكرية»،ويتزعم المعارضة ضد هواري بومدين، وبذلك يترجم اغتيال عبان رمضان غلبة الجناح العسكري على الفريق السياسي المدني، وسطوة منطق القوة على قوة المنطق.

 

 


الكاتب : أنور المرتجي

  

بتاريخ : 14/01/2021