تشهد العلاقات المضطربة على مر التاريخ بين فرنسا والجزائر، خضات جديدة مع توقيف مؤثرين جزائريين على ذمة التحقيق في فرنسا بسبب رسائل كراهية نشروها، ومواجهة دبلوماسية جديدة حول توقيف كاتب جزائري فرنسي في العاصمة الجزائرية.
وأوقفت السلطات في باريس مؤخرا ثلاثة مؤثرين جزائريين، للاشتباه في تحريضهم على الإرهاب ووضع منشورات تحض على ارتكاب أعمال عنف في فرنسا ضد معارضين للنظام الجزائري.
أحد هؤلاء ولقبه «بوعلام» أوقف الأحد في مونبلييه في جنوب فرنسا وألغي تصريح إقامته ثم رحل بطائرة الخميس إلى الجزائر، وفق ما أفاد محاميه جان باتيست موسيه لوكالة فرانس برس. وتتهمه السلطات بـ»الدعوة لتعذيب معارض للنظام الحالي في الجزائر».
لكنه في نهاية المطاف أعيد إلى فرنسا بعدما منعته السلطات الجزائرية من دخول البلاد.
وثمة مؤثر آخر أوقف الجمعة في ضواحي غرونوبل بعد نشره مقطع فيديو، حذف لاحقا، يحض المتابعين على «الحرق والقتل والاغتصاب على الأراضي الفرنسية»، بحسب لقطة مصورة لوزير الداخلية برونو ريتايو.
ونشر هذا الرجل «أنا معك يا زازو»، مخاطبا مؤثرا جزائريا آخر، يدعى يوسف أ المعروف باسم «زازو يوسف»، كان قد اعتقل قبل ساعات قليلة، بشبهة الدعوة إلى شن هجمات في فرنسا ضد «معارضي النظام الحالي في الجزائر»، حسب القضاء الفرنسي.
كذلك، اعتقلت مؤثرة فرنسية جزائرية الخميس بسبب مقاطع فيديو على منصة تيك توك اعتبرت تحريضا على الكراهية.
وقال المعارض الجزائري شوقي بن زهرة لفرانس برس إن «عشرات» من مستخدمي وسائط التواصل الجزائريين أو مزدوجي الجنسية نشروا محتوى معاديا على الإنترنت. كان لدى يوسف أ. أكثر من 400 ألف متابع على تيك توك. وحذفت المنصة حسابه منذ ذلك الحين.
واتهم بن زهرة، وهو نفسه لاجئ سياسي في فرنسا، السلطات الجزائرية بالوقوف وراء هذه «الظاهرة» والدليل بحسبه أن المسجد الكبير في باريس الذي تموله الجزائر، «يستقبل أيضا مؤثرين».
وردت مؤسسة مسجد باريس على هذه التصريحات «التشهيرية» التي أدلى بها «مدون مغمور» واعتبرتها جزءا من «حملة افتراء غير محتملة»، لكنها أكدت «دورها البناء في العلاقات بين البلدي».
وحسب العديد من المعارضين الجزائريين في فرنسا الذين التقتهم فرانس برس، فإن هذه الرسائل العنيفة بشكل خاص ازدادت حدة بعد أن غيرت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، موقفها من قضية الصحراء الغربية.
كانت هذه المستعمرة الإسبانية السابقة التي لم تحدد الأمم المتحدة وضعها، مسرحا لنصف قرن من الصراع بين المغرب والمقاتلين الصحراويين من جبهة البوليساريو المدعومين من الجزائر.
في صيف 2022، بدأ الرئيس الفرنسي خطوة «للتقارب» مع الجزائر بشأن «مسألة الذاكرة، مسألة الماضي الاستعماري»، المرتبطة بحرب الاستقلال التي خلفت مئات آلاف القتلى والجرحى، لكن موقفه من الصحراء الغربية اعتبرته الجزائر «خيانة»، كما لاحظ ريكاردو فابياني، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية.
سبب آخر من أسباب التوتر هو مصير الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال (75 عاما) الذي يقبع في السجن بالجزائر منذ منتصف نونبر بتهمة المساس بأمن الدولة، وهو في وحدة العناية الصحية منذ منتصف دجنبر.
وبحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية، فإن السلطات الجزائرية انزعجت من تصريحات أدلى بها صنصال لموقع «فرونتيير» الإعلامي الفرنسي المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، تبنى فيها موقفا مغربيا يقول إن أراضي مغربية انتزعت من المملكة في ظل الاستعمار الفرنسي لمصلحة الجزائر.
وكان الرئيس الفرنسي اعتبر الإثنين أن «الجزائر التي نحبها كثيرا ونتشارك معها الكثير من الأبناء والكثير من القصص، تسيء إلى سمعتها، من خلال منع رجل مريض بشدة من الحصول على العلاج»، مطالبا بالإفراج عن الكاتب المحتجز «بطريقة تعسفية تماما».
مجلة «لوبوان» الفرنسية، تشرت تقريرا، سلّطت من خلاله الضوء على اعتقال ثلاثة مؤثرين جزائريين بتهمة تهديد المعارضة الجزائرية، وهي الحادثة التي عمّقت التوترات القائمة بالفعل بين الجزائر وباريس.
وكشفت المجلة أنه تم اعتقال كل من زازو يوسف، الاالذي سيُحاكم في نهاية فبراير، في بريست، بتهمة التحريض على الإرهاب، وعماد ولد إبراهيم، المعروف باسم تان تان، الذي مثل في السادس من يناير أمام القضاء بتهم من بينها، التحريض المباشر على عمل إرهابي، وتوقيف مؤثر آخر في مونبلييه بتهم من بينها التحريض على الكراهية، حادثة كانت محط اهتمام إعلامي كبير».
وفي إحدى تغريداته على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، أعاد وزير الداخلية الفرنسي، نشر تغريدة لشوقي بن زهرة، الذي يعرّف نفسه كلاجئ سياسي في فرنسا وهو ملاحق قضائيًا في الجزائر على خلفية الحراك الشعبي لسنة 2019، إذ أبلغ عن رسائل عماد تان تان ومؤثرين آخرين دعوا إلى استخدام العنف ضد أي شخص يتظاهر في فرنسا أو الجزائر، ضد السلطات الجزائرية.
وأعلن شوقي بن زهرة، تلقّيه عبر وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي آلاف التهديدات بالقتل من جزائريين مقيمين في فرنسا أو الجزائر، مؤكدا خوض النظام الجزائري حربًا هجينة على الأراضي الفرنسية.
وأقدم معارضون في منتصف دجنبر على إطلاق وسم: «مانيش راضي» استخدمه أشخاص ينتقدون السلطات الجزائرية، ويطالبون بتغيير سياسي ويشجبون الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد في معظم تصريحاتهم.
جرّاء ذلك، تمّت الدعوة إلى تنظيم احتجاجات في الأول من يناير داخل الجزائر وخارجها، مباشرة بعد صلاة الفجر، رغم حظر المظاهرات في البلاد.
واستهدفت الرسائل التي تدعو إلى العنف من قبل المؤثرين تقول المجلة الفرنسية، الذين تم اعتقالهم في فرنسا، تحديدًا الأشخاص الذين دعوا إلى التظاهر في الجزائر أو فرنسا، في اليوم الأول من السنة الجديدة، واصفين إياهم بـ»الخونة» و»العملاء الذين يريدون زعزعة استقرار الجزائر».
وقال زازو يوسف، على سبيل المثال: «يجب إطلاق النار عليهم، كما حدث في تسعينيات القرن الماضي»؛ فيما اتهمت وسائل إعلامية موالية للسلطات الجزائرية وبعض المؤثرين ما أسموه «ذبابًا إلكترونيًا مغربيًا» بالوقوف وراء هذه الحملة التي تضمنت، في بعض رسائلها، مقارنات بين النظام السوري السابق بقيادة بشار الأسد، الذي أطيح به نهاية السنة الماضية والوضع الحالي في الجزائر.
أشار الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي كما نقلت ذلك وسائل إعلامية، إلى اعتقال العديد من الأشخاص معظمهم من فئة الشباب بسبب نشرهم مقاطع فيديو احتجاجية تضمنت وسم «مانيش راضي».
وأوردت مجلة» لوبوان « الفرنسية أن»المستجدات الأخيرة تأتي في إطار التوتر القائم بين الجزائر وباريس منذ تبني فرنسا الموقف المغربي بشأن الصحراء في صيف 2024. كما من المرجح تصاعد الخلافات، بعد حملة الاعتقالات الأخيرة التي طالت مؤثرين جزائريين في فرنسا»،التي لم تعد فقط تطرح مسألة تنفيذ تدابير «الوجوب بمغادرة الأراضي الفرنسية» بل تبدو بالنسبة لبعض المسؤولين السياسيين دليلا على وجود عملية لتقويض الاستقرار وحرب هجينة تُشن من قبل الجزائر ضد فرنسا» تابعت المجلة.
على إذاعة «أوروبا 1»، قال نائب رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية، سيباستيان شينو، الإثنين، إن: «هؤلاء المؤثرين لديهم نفس النبرة ويحملون نفس الخطاب. من الواضح أن هناك حملة لتقويض استقرار فرنسا».
فرنسا تعتقل مؤثرين موالين للنظام الجزائري يحرضون بشكل مباشر على أعمال إرهابية
بتاريخ : 11/01/2025