فشل الحكومة في تقليص فاتورة الاستيراد أوصل العجز التجاري للبلاد إلى 30 مليار دولار

التصريحات المتفائلة للحكومة سرعان ما تتحول إلى فقاعات صابون تنفجر أمام حقيقة أرقام المؤسسات الرسمية

بلغ العجز مع الصين 86.3 مليار درهم، ومع الولايات المتحدة 57 مليارا، ومع إسبانيا 18.2 مليارا

244.3 مليار درهم من واردات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا وتركيا، دون مقابل تصديري يعادلها

 

كذب تقرير جديد أنجزه مكتب الصرف مزاعم الحكومة بتقليص الواردات عبر خطة لتعويضها بالإنتاج المحلي، بعدما كشفت بيانات المبادلات الخارجية لسنة 2024 عن تفاقم مستمر في العجز التجاري، الذي بلغ 304.9 مليار درهم، بزيادة قدرها 19.4 مليار درهم مقارنة مع السنة السابقة. هذا الارتفاع يأتي رغم تسجيل الصادرات الوطنية نموا بنسبة 6.1%، وهو ما يؤكد محدودية أثر السياسات المعتمدة لتقوية التصنيع المحلي وتخفيف التبعية للخارج.
ويتعارض تفاقم عجز الميزان التجاري بوضوح مع ما صرح به وزير التجارة والصناعة، رياض مزور، في وقت سابق خلال جلسة بمجلس المستشارين، حين أكد أن «المغرب يتجه نحو تعزيز سيادته الصناعية من خلال استراتيجية تعتمد على استبدال المنتجات المستوردة بمنتجات محلية الصنع»، مشيرا إلى أن هذه السياسة ستحقق «أثرا اقتصاديا صافيا بقيمة 60 مليار درهم». كما أضاف أن «بنك المشاريع أسفر حتى الآن عن 1900 مشروع قيد التنفيذ أو في طور الإنجاز، باستثمارات تبلغ 100 مليار درهم»، مبرزا أن هذه المشاريع «ستغطي، عند نضجها، ما يقارب 98 مليار درهم من الواردات» وتفتح آفاق تصدير بـ100 مليار درهم.
غير أن الأرقام الرسمية تكشف واقعا مغايرا. فبدل تسجيل بداية تراجع في الفاتورة الاستيرادية، ارتفعت واردات المغرب من المعدات الصناعية بنسبة 13% لتبلغ 180.3 مليار درهم، في أعلى مستوى لها خلال السنوات الأربع الأخيرة. وشملت هذه الواردات السيارات النفعية (+3 مليارات درهم)، والمعدات الكهربائية (+2.1 مليار درهم)، وآلات معالجة البلاستيك والمطاط (+1.7 مليار درهم)، في إشارة إلى استمرار ارتباط القطاع الصناعي المحلي بمدخلات أجنبية مرتفعة الكلفة.
أما في فئة المنتجات الاستهلاكية، التي يفترض أن تكون أول مجالات التصنيع المحلي، فقد بلغت الواردات 177.5 مليار درهم، مسجلة ارتفاعا بنسبة 10.7%. وشملت واردات من سيارات الركاب (+1.9 مليار درهم)، وقطع غيار (+2.8 مليار درهم)، وأدوية (+1.6 مليار درهم). وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة الإنتاج المحلي فعليا على تلبية الحاجيات الداخلية، رغم تعهد الوزير بأن «الهدف الأساسي هو تحقيق أسعار تنافسية للمنتجات المحلية، حتى لا يكون خيار الشراء المحلي أكثر كلفة من نظيره المستورد».
وتتعمق الفجوة حين نقارن طموحات تقليص الواردات بتزايد واردات المواد نصف المصنعة، التي تعد مكونات أساسية في الإنتاج. فقد بلغت هذه الأخيرة 163.9 مليار درهم (+8%)، منها منتجات كيميائية، ومواد معدنية، وقطع إلكترونية، ما يعكس هشاشة سلاسل القيمة المحلية وعدم قدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي حتى في مراحل التصنيع الوسيط.
ولم تظهر القطاعات التي تراهن عليها الحكومة هي الأخرى تحسنا نوعيا. فصادرات قطاع النسيج، الذي يشغل حسب الوزير نحو 230 ألف عامل، سجلت تراجعا بنسبة 0.5% سنة 2024، بينما استقرت صادرات الصناعات الإلكترونية رغم استيراد مكوناتها بكثافة. أما قطاع الصناعات الغذائية، فقد بقي العجز التجاري فيه عند 10.5 مليارات درهم، رغم استمرار ارتفاع الفاتورة الغذائية.
وبحسب توزيع العجز حسب مجموعات المنتجات، تبرز بشكل أوضح ملامح الإخفاق. فقد بلغ العجز في المنتجات الطاقية 108.7 مليار درهم، وفي معدات التجهيز 92.5 مليار درهم، وفي المنتجات الاستهلاكية 25 مليار درهم. هذه الأرقام تفند الآمال المعلقة على بنك المشاريع، وتظهر أنه لم ينجح حتى الآن في عكس مسار التبعية التجارية.
جغرافيا، لا يزال العجز التجاري مع الشركاء الرئيسيين في تصاعد. فقد بلغ العجز مع الصين 86.3 مليار درهم، ومع الولايات المتحدة 57 مليار درهم، ومع إسبانيا 18.2 مليار درهم. كما ساهمت اتفاقيات التبادل الحر في تعميق هذا الوضع، إذ ارتفعت الواردات في إطارها بـ8.5% سنة 2024 لتصل إلى 244.3 مليار درهم، أغلبها واردات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا، دون مقابل تصديري يعادلها.
المقلق كذلك هو أن الواردات سجلت زيادات لافتة في قطاعات يصعب تبريرها في ظل دعوات الحكومة إلى ترشيد النفقات وتقليص العجز. فاستيراد السيارات السياحية ارتفع بـ1,9 مليار درهم، واستيراد الأدوية بـ1,6 مليار درهم، بينما عرفت مشتريات الحيوانات الحية (الأبقار والأغنام) قفزة بـ95,2% لتبلغ 5,6 مليارات درهم. هذا الإنفاق يثير الشكوك حول قدرة السلطات على ضبط حاجيات السوق وربطها بأولويات الإنتاج الوطني، كما يعكس هشاشة منظومة الحماية الاقتصادية الداخلية.
ويتبين في ضوء هذه المعطيات، أن رهان الحكومة على «السيادة الصناعية» لم يجد بعد ما يسنده على أرض الواقع. فلا أثر واضح لتعويض الواردات بالإنتاج المحلي، ولا مؤشرات على تقليص العجز في القطاعات المستهدفة. بل إن التصريحات المتفائلة للمسؤولين، رغم الضجيج الإعلامي الذي يرافقها لا تعدو أن تتحول إلى فقاعات صابون سرعان ما تنفجر أمام سطوع أشعة الأرقام الصادرة عن المؤسسات الرسمية.

 


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 04/08/2025