فعاليات الفضاء المغربي الإيطالي للتضامن بمناسبة المسيرة الخضراء: روائية إيطالية تعتبر المسيرة الخضراء مازالت مستمرة

تميز تخليد الذكرى السابعة والأربعين للمسيرة الخضراء المجيدة التي دأب على تنظيمها الفضاء المغربي الإيطالي كل سنة، بتنوع ثقافي وبشري وغنى فقراته ومواده التي التأم حولها مغاربة إيطاليا وعدد من الفاعلين والفاعلات الإيطاليين والدول الشقيقة.
وتميزت الاحتفالية، التي نظمت في قلب العاصمة الاقتصادية لإيطاليا ميلانو، بقصر بلدية ميلينيانو، بتقديم الروائية الإيطالية «برينشييا برونا ر روسكو» لكتابها المتميز» المسيرة الخضراء: ملحمة ملك وشعب».
وفي سياق حديثها عن دوافع كتابتها لهذا الكتاب، أكدت الكاتبة الإيطالية أنها لم تكن على اطلاع بالموضوع، لكن عند حضورها لاحتفالية بالمناسبة عام2021 من تنظيم الفضاء المغربي الإيطالي تملكها شعور غريب وهي ترى مدى أهمية المسيرة في الوجدان المغربي، ومدى قيمتها التاريخية والرمزية لديهم، مما فجر عندها فضولا معرفيا للاطلاع أكثر على المسيرة الخضراء وسياقها التاريخي وأجوائها الإنسانية والحضارية.
وفي هذا السياق، وضمن مقاربة أكاديمية منهجيا، انطلقت من تساؤلات هي نتاج ملاحظتها في محاولة لاستقراء معاني أيقونية ارتبطت بالملحمة، فقاربت دلاليا وحضاريا ووطنيا وتاريخيا ما وصفته بالركائز الثلاث للمسيرة الخضراء في محاولة منها لفهم دلالات: حمل آلاف من المتطوعات والمتطوعين للقرآن الكريم، والعلم المغربي وصور الملك، لا سلاح لهم غير الإيمان بعدالة قضيتهم، وظل هذا هو السؤال المحوري، ما دفعها لطرح بعض الأسئلة على يحيى المطواط رئيس الفضاء المغربي الإيطالي.
وأكدت الكاتبة الإيطالية أن ما أثارها بعمق في المسيرة الخضراء هو اعتمادها على ثلاث ركائز أساسية: (القرآن الكريم، الراية المغربية، صور الملك)، مما جعل مجال بحثها مرتكزا على هذه الإطارات الثلاثة، لمحاولة الإجابة عن السؤال المركزي حول الدافع القوي لتطوع 350 ألف مغربي ومغربية دون خوف، وبكل حماس، بلا سلاح غير القرآن الكريم، وكان هذا هو الناظم الداخلي لمشروع الكتاب.
وسجلت عدم رد الجيش الإسباني وعيا من الجنرال فرانكو أنه حان الوقت لرد الأرض المسلوبة لأصحابها ووعيا منه بعدالة قضية هذا الجيش السلمي الذي جاء لصلة الرحم وربط  شمال المغرب بجنوبه.
وخلصت الكاتبة في مسار بحثها إلى خلاصات تجيب عن أسئلة وضعتها، مؤكدة أن الجيش المغربي انتصر ليس فقط من وجهة نظر عسكرية، ولكن قبل كل شيء من وجهة نظر دينية.
وخلصت أيضا في السياق ذاته إلى أن المسيرة الخضراء  كانت ملحمة وستظل محفورة إلى الأبد في سجلات التاريخ الحديث للمملكة، مسجلة أنها ستظل خطوة مهمة في النضال من أجل الاستقلال واستكمال وحدة الأراضي.
وفي سياق كشفها القيم الحضارية لهذا الحدث التاريخي الكبير وجوابا عن تساؤلات منهجية حوله اعتبرت الكاتبة أن المسيرة الخضراء علامة بحق وحقيقة على الاستقلال عن إسبانيا واصفة إياها بالعلامة الفارقة في التاريخ الوطني المغربي. وحقبت الروائية الإيطالية تاريخ المغرب وفق رؤية مركزية للمسيرة الخضراء، حيث اعتبرت أن المغرب عاش أحداثا كبرى فارقة في تاريخه ومؤسسة لحضارته، كمرحلة الاستقلال وما رافقها من ملاحم ومرحلة المسيرة الخضراء الفارقة في تاريخ المملكة، مؤكدة أن زمن المسيرة الخضراء كمشروع حضاري لم ينته بعد، فمسيرة البناء والتحديث والتنمية تحت قيادة الملك محمد السادس مازالت مستمرة مع شعب وصفته بالاستثنائي والشجاع.
وخلصت الاحتفالية إلى نداء اجتمعت حول مضامينه قلوب المشاركات والمشاركين، وقال على هامش اللقاء رئيس الفضاء المغربي الإيطالي للتضامن إن الغاية من تنظيم هذه الفعاليات المتنوعة والطلائعية المرتبطة بتخليد ذكرى المسيرة الخضراء، التعريف بقضايا المغرب العادلة والتبادل الثقافي وتحسيس المجتمع الدولي وخاصة إيطاليا بعدالة قضية وحدتنا الترابية والقيمة الحضارية والوطنية والتاريخية للمسيرة الخضراء، وكسب مزيد من التأييد والدعم الخارجي وتطويق الخطاب المعادي لمصالح المغرب.
وتميزت احتفالية هذه السنة بمشاركة شبكة جمعيات الجالية المغربية بإيطاليا، وبمداخلات قيمة لضيوف اللقاء وخاصة في الندوتين التحسيسيتين حول القضية الوطنية والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف بالجزائر والمسيرة التنموية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية المغربية ومستجدات القضية الوطنية، وفي مداخلة لـ «فيتو بيلومو»، عمدة مدينة ميلينانيو الإيطالية، قال إن ذكرى المسيرة الخضراء موعد هام في تاريخ المملكة المغربية، مشددا في كلمة له يوم الأحد 6 نونبر 2022، خلال الاحتفال الذي نظمه الفضاء المغربي الإيطالي للتضامن بالذكرى 47 للمسيرة الخضراء بقصر ميلينيانو بإيطاليا، على أن «العديد من الأمم، تعترف، اليوم، بأن الأقاليم الجنوبية مغربية وأن مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، هو الطريق  الوحيد الدائم، والحقيقي لضمان السلام والتعايش والتنمية لهذه المنطقة التي تمثل بوابة إفريقيا».
عمدة مدينة ميلينانيو أبرز أيضا أن «الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية الذي أراده العاهل المغربي محمد السادس، حظي بتثمين من طرف الأمم المتحدة كذلك، وبالخصوص من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، والذي تجسد في المجهود الكبير لجعل هذه الأراضي جسرا طبيعيا بين إفريقيا، والعالم العربي من جهة، وعالم البحر الأبيض المتوسط من جهة أخرى».
وأضاف أن « المغرب يوجد، الآن، أمام مسيرة خضراء جديدة، أو أكثر، أمام استحضار روح التعبئة الكبرى السلمية»، مؤكدا على ضرورة التزام «كل شخص إذا كان يحب المغرب، بأن ينفذ مسيرة خضراء».
وشدد العمدة الإيطالي على أنها المرة الفريدة في تاريخ الإنسانية، التي يلتحم فيها الشعب لاسترجاع جزء من وطنه من الاحتلال الاستعماري بدون استعمال الأسلحة.
وأكد «فيتو بيلومو» أن المغرب اليوم في حاجة إلى أصدقاء، وفي حاجة إلى شبكة كبيرة من الأصدقاء، والداعمين للنهوض بجهود الملك محمد السادس، في تأكيد مبادئ الوحدة الوطنية للمملكة في دعم المغرب لتنزيل خطة الحكم الذاتي التي تعني أيضا النهوض بالثقافة المغربية الصحراوية».
وفي هذا السياق ، أشار عمدة مدينة ميلينانيو إلى أنه من الضروري دعم أمة تشيد بالسلام والحوار، كما شهدت على ذلك الأمم المتحدة في استقرار ليبيا، ومحاربة الإرهاب الدولي، والنهوض بالأسس الحقيقية للإسلام، فهذه هي المسيرة الخضراء التي يجب أن تنظم انطلاقا من الروح المدنية والشعبية التي عرفتها مسيرة 1975… فالمغرب، في تاريخه، لم يستعمر أبدا أقاليم غيره، وركز دائما على العمل المتعدد الأطراف، لكن الآن حان الوقت، وعلى الجهات والبلديات الايطالية تأكيد الصداقة مع المغرب والتفكير في أهمية الوحدة الوطنية المغربية».
واعتبر أن الوحدة الوطنية المغربية تعني دعم مشروعها الحداثي، ويعني ذلك دعم السلام، التقدم والتنمية ليس فقط في المغرب بل أيضا في المنطقة كلها داعيا البلديات الإيطالية للقيام باختيار واضح في الميدان، وإعطاء المساندة الكاملة للملك محمد السادس بالرفع من التعاون الدولي، التنمية الاقتصادية، دعم السيادة الوطنية الكاملة في المؤسسات الدولية، إبرام اتفاقيات التوأمات مع مدن الجنوب المغربي لإعطاء مغزى للمسيرة الخضراء، وذلك بخلق مشاريع تبادل ثقافي، اجتماعي واقتصادي»، مشددا على ضرورة ألا تكون التوأمات مجرد عقود شكلية، بل يجب أن تكون عقودا اقتراحية لتنمية متساوية الأطراف، حيث أنه لمدينة ميلينيانو موقع كبير في المقاولة، والثقافة، معبرا عن سعادته الكبيرة بالسير مع المغرب من أجل شراكة معقولة ومسؤولة في أقاليمه الجنوبية، وتحقيق القيمة العميقة للمسيرة الخضراء التي تسارع الزمن وتلزم أجيال اليوم والغد.
وفي مداخلة قيمة لمحمد قمار، رئيس المرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف، سجل بأسف وحزن استمرار احتجاز المغاربة الصحراويين ضد إرادتهم بمخيمات العار والقهر، مع استغلالهم كرهائن لمصالح شخصية والاتجار بالمساعدات الإنسانية والتهرب من إحصائهم مما يخدم جيوب من صنعوا هذا الكيان الوهم، كما عبر عن أسفه العميق على الوضع المزري واللإنساني الذي يعيش تحت وزره الأطفال المغاربة الصحراويون بمخيمات القهر والعار، واضعا المنتظم الدولي أمام مسؤوليته الإنسانية قبل القانونية في ظل استمرار تجنيد أطفال مكانهم الحقيقي صفوف الدراسة والزج بهم في جبهات القتال، محذرا من خطورة الوضع، ومما يمكن أن يشكل حاضنة للإهاب والتطرف، داعيا المنتظم الدولي والمنظمات الدولية إلى التحرك لفك الحصار عنهم وإنقاذهم من مسلسل التجنيد القسري وحماية المحتجزين والمحتجزات من القهر والقمع والاحتجاز التسلطي.
ولم يفت المتحدث تسليط الضوء على خطورة تربية أطفال على خطاب العنف والكراهية، وتداعيات ذلك على توازنهم النفسي، ومدى خطورة تجنيدهم من لدن بؤر الإرهاب بالمنطقة، وما يشكله وضعهم من نشاز تربوي وأخلاقي بهدف تحويلهم إلى أداة تنفيذ إرهابية لتشبعهم بالفكر المتطرف وتنشئتهم على الكراهية والعنف، مجددا أمله في يقظة المجتمع الدولي قبل فوات الأوان، وقبل استغلال الوضع من لدن إرهاب كامن أو ظاهر، لافتا الانتباه إلى أن احتجاز الأطفال عار على جبين حضارتنا والاتجار باسم المحتجزين والتسول بمأساتهم المفتعلة دون القدرة على إحصائهم يحرج الضمير الدولي ويسائل قيمنا الحضارية والإنسانية.


الكاتب : محمد قمار

  

بتاريخ : 12/11/2022