فنانون وجها لوجه مع الملك 11- نعيمة سميح: جوهرة الطرب المغربي ومدللة الملك الحسن الثاني

هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .

 

الفنانة الكبيرة نعيمة سميح، استطاعت بأعمالها الخالدة، أن تدخل إلى قلوب المغاربة بكل فئاتهم بدون استئذان، وتتربع على عرش الأغنية المغربية بدون منازع إلى جانب عمالقة الفن والطرب.
ساهم صوتها الأخاذ وبحتها المتميزة في أن تفرض اسمها وسط كوكبة من النجوم التي سطعت في سماء الأغنية المغربية، ودون أن تختار الهجرة سبيلا من أجل الانتشار، استطاعت أن تلفت الانتباه في العالم العربي، بل جعلت الكثير منهم يحفظون ويرددون أغانيها، وهي المكتوبة بالدارجة المغربية، وهو ما فند المقولة المجترة، أن لساننا الدارج لا يتوفر على مقومات الانتشار، لكن نعيمة سميح عكست الآية وكذبت بالحجة والبحة والدليل، هذا الادعاء، والخلاصة، أن أي عمل فني مميز، نابع من الإحساس والقلب، سيصل إلى القلب بسلاسة، ويعبر حدود الوطن بدون جواز سفر.
نعيمة سميح، أيقونة الأغنية المغربية وعميدتها التي أوصلتها خارج حدود الوطن، دون أن تضطر إلى هجرة بلدها. فمن في العالم العربي، من المحيط إلى الخليج، لا يعرف رائعتها “ياك آ جرحي” ويدندنها ويصدح بها في سهراته وأمسياته.
لقد أصرت جوهرة الأغنية المغربية على النجاح، رغم أنها دخلت عالم الغناء والطرب بعد مفاوضات عسيرة قادها الإعلامي الكبير محمد البوعناني وآخرون مع والدها المحافظ.
وما أن ولجت هذا المجال حتى أصبحت الأضواء مسلطة عليها، فتهافت عليها كبار الملحنين والشعراء، لأنها تشكل لهم إضافة، وهو ما يفسر تعاملها مع عدد كبير من صناع الأغنية المغربية، فغنت لهم وأغنت وأثرت معهم ريبرتوار الأغنية المغربية بالكثير من الروائع والخالدات .
تعاملت نعيمة سميح جوهرة الطرب المغربي، تقريبا، مع كل الملحنين العظماء في المغرب مثل محمد بن عبدالسلام وقد كان أولهم، عبدالرحيم السقاط، عبدالقادر وهبي، عبدالقادر الراشدي، أحمد العلوي، أحمد البيضاوي، المعطي البيضاوي، عبدالله عصامي، عبدالحميد بن إبراهيم، أحمد الشجعي، إبراهيم العلمي، عبدالوهاب الدكالي، سعيد الشرايبي ومحمود الإدريسي. وملحنين غير مغاربة مثل،الملحن الليبي الكبير كاظم نديم والملحن المصري بليغ حمدي. وكتب لها أفضل الكتاب المغاربة وهم أحمد الطيب لعلج، علي الحداني، فتح الله المغاري، مصطفى بغداد والطاهر سباطة، والشاعر المصري مأمون الشناوي.
كما سجلت ألبوما مع الفنان الكويتي الكبير عبد المحسن المهنا وسجل كل منهما أغنيتين: انفرادية وأخرى على شكل «دويتو» جمعهما معاً.
أغاني نعيمة سميح لا تزال خالده في النفوس، في المغرب العربي ولدى الخليجيين أيضاً، ومن أجمل أغانيها، «هادا حالي»، «جريت وجاريت»، «أمري لله»، «كن جيد»، «غاب عليا الهلال»، «الله عليها قصارة»، «تفتح الورد»، «على غفلة»، «جاري يا جاري»، «قطيب الخيزران» و»هنا وهناك».
نعيمة سميح هي أكبر نجم برز من المغرب إلى كل أرجاء الوطن العربي من غير الهجرة إلى أي بلد آخر، أو الغناء بلهجة غير المغربية، رغم أنها غنت في بعض حفلاتها باللهجة الخليجية، مثل أغنية «واقف على بابكم» من كلمات الشيخ عيسى بن راشد وألحان عبد العزيز ناصر و»جيتك لبابك حبيبي» من ألحان يوسف المهنا وكلمات سليمان الحمد.
صوت نعيمة سميح لم يأسر المغاربة فقط، بل أسر أيضا الملك الحسن الثاني، حيث كانت محط اهتمام وتقدير كما باقي الفنانين الآخرين.
كان لها وضع اعتباري خاص من طرف عاهل البلاد، كما يشهد بذلك من كان يتردد من الفنانين على القصر الملكي في ضيافة الملك، حيث حظيت بمكانة خاصة لدى الملك الراحل الحسن الثاني، لم يبلغها أي فنان مغربي آخر. لقد كان يعشق صوتها ويعاملها باحترام وكياسة عالية، كما كان يدللها ويتغاضى عن بعض هفواتها، كما تقول بعض الشهادات في هذا الباب .
ومن خلال إحدى الصور التي يظهر فيها الملك الراحل الحسن الثاني وهو يأخذ بيدها لمساعدتها على الالتحاق بالفرقة الموسيقية في إحدى المناسبات الوطنية بالقصر الملكي، يتضح جليا هذا التقدير واللباقة من طرف عاهل البلاد لجوهرة الطرب المغربي، والمكانة الرفيعة التي كانت تحظى به لدى جلالته، كما هو الشأن أيضا بالنسبة للملك محمد السادس.


بتاريخ : 04/04/2023