فنانون وجها لوجه مع الملك -22- أحمد الغرباوي: بعد تسجيل «إنها ملهمتي» الملك يدعوني إلى القصر ويقول لي « هادي هي الألحان وإلا بلاك»

هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .

حكايات عديدة وطريفة، جرت فصولها في القصر الملكي، مع العديد من الفنانين المغاربة والعرب، الذين كانوا يحضرون لأحياء حفلات في الأعياد الوطنية.
صاحب رائعة « إنها ملهمتي، « الراحل أحمد الغرباوي، كان من بين الفنانين الذين حدثت لهم طرائف مع المرحوم الملك الحسن الثاني، كما رواها الغرباوي رحمه الله شخصيا في حوارات سابقة.
يقول الفنان أحمد الغرباوي، إنه تعرف على الملك الحسن الثاني عن قرب في بداية الستينيات، وقد كانت المناسبة تسجيل قطعته الغنائية الشهيرة « إنها ملهمتي «، مباشرة بعد رائعة «القمر الأحمر» لعبد الهادي بلخياط، وهي من نظم الشاعر الكبير عبد الرفيع الجواهري وألحان الموسيقار عبد السلام عامر.
ويشرح الفنان أحمد الغرباوي، أنه لم تمض على تسجيل هذه الأغنية الخالدة إلا ثمانية أيام، حتى أرسل الملك الحسن الثاني في طلبه، وقال له «هاذي هي الألحان وإلا بلاك»، ومنذ ذلك الحين بقي الغرباوي يتردد على القصر الملكي في كل المناسبات ويشرفه بدعواته.
ومن الحكايات والقصص التي رواها الراحل أحمد الغرباوي أنه انقطع، ذات مرة، عن التمارين مع الجوق الوطني، وكان هذا الغياب اضطراريا، لأنه ، رحمه الله، كان منشغلا في البحث عن لقمة العيش في الحفلات الخاصة بالدارالبيضاء، فسأل عنه الملك، فكان الرد أنه لم يحضر منذ مدة، من حينه بدأ البحث عنه في الدارالبيضاء.
ويضيف المرحوم الغرباوي، أن الشرطة جاءت إلى مقر إقامته، مما جعله يصاب بالهلع الشديد، واصطحبه أفرادها معهم إلى مقر الإذاعة والتلفزة، حيث كما يقول «وجدت السي أحمد البيضاوي، رحمه الله، ينتظرني، فرافقني إلى القصر، حيث استقبلني الملك رحمه الله بطريقة فهمت منها عدم رضاه عني، وخاطبني قائلا :»فاين كتمشي أنت ونبقاو كانقلبو عليك؟ أعلاش ما جيتيش المرة اللي فاتت؟ فقلت له: «لم يخبرني أي أحد نعم اسيدي»، فرد علي :»لست في حاجة إلى إخبار..ينبغي أن تحضر يوميا إلى التمارين…ماذا تفعل غير الموسيقى؟، فقلت:»لاشيء».
بعد هذا اللقاء الذي تم في القصر الملكي، يقول أحمد الغرباوي، أعطى الملك الحسن الثاني أوامره لمولاي أحمد العلوي الذي كان آنذاك وزيرا للأنباء، بأن يوظفه ، فماكان من الوزير إلا أن امتثل لأمر الملك ومنح الغراوي وظيفة، وبذلك لم يعد يتأخر عن التداريب .
«إنها ملهمتي»، أغنية خلدت صاحبها المطرب أحمد الغرباوي في الذاكرة الفنية المغربية، ورغم الأغاني الكثيرة التي لحنها وغناها، والتي زادت عن 400 أغنية، إلا أن هذه الأغنية كان لها تأثير خاص على مساره الفني، إلى درجة جعلت اسمه مرادفاً لأغنيته التي عشقها وحفظها أغلب المغاربة وتعلق بها عشاق الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

الأغنية هي قصيدة مطولة للشاعر أحمد نديم، الذي كان مديرا لإحدى المؤسسات التعليمية، ومن ألحان وأداء الفنان القدير أحمد الغرباوي، وقد تم اختيار بعض الأبيات منها.
تقول كلمات أغنية «إنها ملهمتي»:
أنا روح في الربي أشذو بلحني
وهي نفس ذات أحلام وحسن
قد سباها ما سباني في تمني
وهواها من هوى أنغام فني
إنها ملهمتي في كل آن
وأنا ذكرى على مر الزمن
ساهر أهذي بها دون الحسان
أنا روح في غدوي و روحي
وهي نفس خففت عني جراحي
بلسم يشفي سقمي و نواحي
ونشيد من أناشيد الصباح
روح إن بكت تبكي عيوني
وهي نفس تتأسى في سكوني
ونعيم فيه لحني و فنوني
إنها ملهمتي في كل آن
وأنا ذكرى على مر الزمن
ساهر أهذي بها دون الحسان.


الكاتب : إعداد : جلال كندالي

  

بتاريخ : 17/04/2023