فنانون وجها لوجه مع الملك -26-الحسن الثاني لجيل جيلالة: «ماعندي مانسالكم، هادي هي تامغربيت»

هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .

ذكريات كثيرة مازال يتذكرها الفنانون الذين سنحت لهم الفرصة للدخول إلى القصر الملكي، وملاقاة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله وجها لوجه، منها من تم البوح به، ومنها لم يتم الكشف عنه.
من بين هؤلاء الفنانين، نجد أعضاء مجموعة جيل جيلالة، كما يروي ذلك الزميل العربي رياض حول حكاية أغنية نشرت بجريدة الاتحاد الاشتراكي.
يقول الزميل العربي رياض، إن انطلاقة جيل جيلالة، في سنة 1972 مهد لها الشاعر الزجال شهرمان، من خلال التمرد على الأمثال الشائعة الخاطئة من وجه نظر شباب تلك الحقبة، وهي الأمثال التي كان يصدقها العديد من الناس، وتدعو في طياتها إلى الخنوع والرضى بما لا يقبل منطقيا.
حين ظهرت جيل جيلالة، شهورا بعد بروز مجموعة ناس الغيوان. كانت أول أغنية شهرتها هي أغنية «لكلام المرصع» المليئة بالمعاني. هذه الأغنية، بالإضافة إلى أغنيتي «العار آبويا» و «جيلالة:، سيكون لها الوقع الكبير في أول سهرة ستحييها الفرقة بمسرح محمد الخامس بالرباط، يوم 7 أكتوبر من سنة 1972 ، كانت المجموعة إذاك تضم إلى جانب باقي الأعضاء المعروفين داخل جيل جيلالة، الفنان الممثل المرحوم محمد مجد ولمعلم المرحوم عبد الرحمان باكو. الذي سيلتحق فيما بعد بمجموعة ناس الغيوان.
عندما صعدت الفرقة للغناء في تلك السهرة، التي شارك فيها كبار الفنانين. منهم أحمد البيضاوي والمرحوم عبد القادر الراشدي، بالإضافة إلى المقتدر عبد الهادي بلخياط، ستهز القاعة، وسيطالبها الجمهور بالمكوث على الخشبة، حتى أن أعضاءها اندهشوا خاصة أنهم أمام أول تجربة، وأمام عمالقة الفن بالمغرب.
السهرة، بطبيعة الحال، يروي العربي رياض، كانت منقولة مباشرة عبر التلفزة المغربية وشاهدها كل المواطنين، ولقيت المجموعة التي أتت من مدرسة لا تشبه مدرسة زميلتها الغيوان، شهرة واسعة في أول ظهور لها.

في كواليس المسرح، كان أول مشجع للفرقة هو الكبير عبد القادر الراشيدي، رحمه الله، الذي تحدث مع الفرقة عن الإيقاعات وأشاد بأدائها، ومعلوم أن الراشدي، رحمه الله، من الفنانين الذين، وظفوا مختلف الإيقاعات المغربية في الأغنية العصرية المغربية وكان خبيرا في ذلك بامتياز، بعد ذلك، سيلتحق بهم أحمد البيضاوي، الذي كان في الوقت نفسه مسؤولا بالإذاعة الوطنية ليخبرهم، بأن جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، أمر بأن تظل جيل جيلالة في الرباط لملاقاته.
الخبر الذي من المفروض أن يكون سارا،يقول العربي رياض، جعل الفرقة ترتعش من الخوف، لأنهم يعلمون حمولة الأغاني التي أدوها، والظرفية إذاك جد معقدة، والمغرب خرج من محاولة انقلاب الصخيرات 9 يوليوز 1971 ، ومحاولة انقلاب 16 غشت 1972 .
كان الظن يذهب بفرقة جيل جيلالة، إلى أن الحسن الثاني لم يطلب مكوثهم من أجل شيء مفرح أبدا.
في اليوم الموالي، أتى من أخذهم إلى القصر، هناك وجدوا مجمل الفنانين المغاربة، ومن الجهة الأخرى، وعبر زجاج شفاف، كان يجلس المرحوم الحسن الثاني والأمير مولاي عبد الله، بالإضافة إلى باحنيني، يخوضون في حوار فيما بينهم، فيما كان الصمت يخيم في الجانب الذي يتواجد فيه الفانون.. خرح الحسن الثاني، وسأل هل حضرت جيل جيلالة ، قيل له بأنهم حضروا، طلب منهم الحضور أمامه، ألقى عليهم نظرة، أعجبه اللباس الذي يرتدونه، لأنه حيك بطريقة تقليدية، ويعكس فنون الخياطة التقليدية.. قال لهم ، لقد تابعكم أهل الدار بالأمس عبر التلفزة، وأنا لم أتمكن من رؤية أدائكم، فهلا أديتم الأغاني التي قدمتموها بالأمس، كان الخوف مايزال يسيطر على أدهانهم، اقتعد الحسن الثاني الأرض، ووضعت أمامه “مبيخرة”، بدأت جيل جيلالة في أداء أغنية «لكلام لمرصع»
تقول كلمات الأغنية:
لكلام لمرصع فقد المذاق
والحرف البراق
ضيع الحدة
ياك الذل محاك ب ياسيدي عفاك
وكلمة عفاك ما تحيد شدة.
هذا المقطع الأخير، اعتبر إذاك مثلا جديدا ابتدعه شهرمان، “كلمة عفاك ما تحيد شدة”، وفي العمق كانت الفرقة تذهب عكس تيار الأمثال الشائعة، إلى “كنتي باغي حاجتك يجب أن تخنع” وهناك أمثلة كثيرة في هذا الباب.
عند الانتهاء من الأغنية وقف الحسن الثاني وقال للمجموعة “ماعندي مانسالكم، هادي هي تامغربيت».


الكاتب : إعداد : جلال كندالي

  

بتاريخ : 21/04/2023