فنانون وجها لوجه مع الملك -28- المطربة عتيقة عمار: لأول مرة أغني أمام الملك، قال لي رحمه لله « يالله نوضي أبنتي»

هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .

خلف غناء الفنانة عتيقة عمار، التي كانت مصحوبة بالجوق الوطني، وقعا خاصا في نفسها، جعلها تثق في موهبتها أكثر.
تتذكر عتيقة عمار في لقاء مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، أنها بعد أن تركت صدى طيبا في صفوف أعضاء الجوق الوطني، حينما دعتها صديقتها إلى الحفل بمنزل عائلتها وإخبارها هؤلاء الفنانين بموهبتها، غادرت مدينة مراكش قافلة إلى منزل والديها بالدار البيضاء، وتحكي الفنانة القديرة عتيقة عمار، أن والدها كانت تربطه علاقة صداقة بعبدالله الجويدي، الذي كان يشتغل محافظا للجوق الملكي، حيث ذات عطلة مدرسية سافرت عنده بصفته صديقا لوالدها، بالفعل استقبلني، تقول عتيقة، الجميع بحفاوة كبيرة، لقد كنا في مرتبة العائلة تماما، كان عبدالله الجويدي حينما يأتي في المساء يحدثنا عما يجري داخل الجوق الملكي والخطوات التي قاموا بها سواء كان الأمر يتعلق بتسجيل عمل فني أو غيره.
في أحد الأيام كان هناك مناسبة تتعلق إما بعيد ميلاد الأمير مولاي رشيد أو عيد ميلاد ولي العهد، فطلبت منه أن يصطحبني معه إن كان ذلك ممكنا، حتى أرى كيف يتم الاشتغال والتهييئ لمثل هذه المناسبات.
بالفعل دخلت إلى مقر الإذاعة الوطنية حيث كان أعضاء الجوق متواجدين، وكان الملحن الكبير عبد العاطي أمنا يسجل عملا فنيا باسم الثلاثي أمنا، ولما رآني أعضاء الجوق الملكي، رحبوا بي، وأخبروا الملحن عبد العاطي أمنا بأنني غنيت أمامهم في مدينة مراكش، بعد ذلك طلب مني الأستاذ عبد العاطي أمنا أداء مقطع غنائي، وبالفعل أديت مقطعا من أغنية « خليك هنا خليك « للفنانة وردة الجزائرية.
بعد أن تم الانتهاء من تسجيل الأغنية طلب عبد العاطي أمنا من عبدالله الجويدي أن يصطحبني معه إلى منزله مساء ذاك اليوم، بالفعل ذهبنا إلى منزله، حيث كان يسكن آنذاك بالقرب من مقر الإذاعة الوطنية بالرباط، وقد استقبلتني زوجته الحاجة حبيبة التي كانت فنانة كبيرة، بترحاب كبير، وقد سهرنا معهم، وأديت عددا من الأغاني.
بعد ذلك عدت إلى منزلنا بالدار البيضاء، وبعد مرور أيام، اتصل عبدالله الجويدي بوالدي وأخبره بأنني مدعوة لأشارك في إحدى المناسبات بالقصر الملكي، وما أن تناهى إلى علمي هذا الخبر السعيد حتى أصبت بالدهشة والذهول، كل ذلك كان ممزوجا بالسعادة الغامرة والفرح الذي لا يوصف، وحين استفسرت عن الأمر، تقول الفنانة القديرة عتيقة عمار، قال لنا عبدالله الجويدي، إن أفراد الجوق الملكي أخبروا جلالة الملك الحسن الثاني، رحمه الله باسمي، حينما كانوا يهيئون لهذه المناسبة، وقد كان جلالته رحمه الله، قد أمرهم بأن يتخلل هذا الحفل أغان شرقية، وأكدوا له أن هناك مغنية شابة تتقن أداء الأغاني الشرقية، وأبلغوه، رحمه الله، بأنهم استمعوا إلى صوتها في حفل بمدينة مراكش.
وتضيف عتيقة عمار أن الثلاثي أمنا، كمجموعة، أدت أغنية بهذه المناسبة، كما شارك في هذا الحفل فنانون مغاربة، منهم الفنانة غيثة بنعبد السلام، عزيزة جلال، محمد الحياني، محمود الإدريسي، عبد المنعم الجامعي، عبد الهادي بلخياط، وآخرون، طبعا وبحضور مميز لأفراد الجوق الملكي والكورال. كان جوا رائعا وجميلا جدا، وقد كنت مغرمة منذ صغري بأغاني عبد الحليم حافظ، إلى درجة أنني كنت أحفظ عن ظهر قلب ريبرتواره الفني، وقبل ذلك طلب مني أن أحفظ العديد من الأغاني، استعدادا وتحسبا إن طلب مني جلالة الملك الحسن الثاني أداء أغنية ما، ومن هذه القائمة من الأغاني، هناك أغنية « مالي أنا مالي»، «خليك هنا خليك»، «حكم علينا الهوى»، «الله على قصارة «، وغيرها من الأغاني، وقد شرعنا في التمرين على ذلك، لكن للأسف إحدى المطربات عندما رأت أن أفراد الجوق الملكي يصرون على أن أكون الأولى في هذه التمرينات، كانت تتدخل وتطلب أن تكون هي الأولى، ليضطروا لإخبارها بأن الملك الحسن الثاني يريد سماع صوتي، وفي آخر المطاف استقر الرأي على أن أؤدي أغنية « يامالكا قلبي «، مما جعل هذه الفنانة تلوذ بالصمت .وقد تمت إحاطتي بكل الجوانب المرتبطة بالبروتوكول، كيف أتمشى حينما أريد أن أقابل جلالته، وكيف أسلم عليه.
بعد أن دخل « سيدنا « تقول المطربة عتيقة عمار، ألقى نظرة على لائحة الأغاني التي ستؤدى في هذا الحفل، ليلفت انتباهه وجود أغنية لعبد الحليم حافظ ضمن قائمة الأغاني، فتساءل جلالته عمن سيؤدي هذه الأغنية، فكان الجواب « هاديك البنت المراكشية أسيدنا «، التفت إلي رحمه الله، وقال لي « يالله نوضي أبنتي «.


الكاتب : إعداد : جلال كندالي

  

بتاريخ : 27/04/2023