فن العيطة.. تراث ثقافي يصارع من أجل البقاء

في بادرة طيبة, أطلق مجموعة من الباحثين والمثقفين المغاربة أمثال عبد الرحيم الخصار و حسن نجمي نداء عبر موقع التواصل فيسبوك يدعون فيه ساكنة مدينة آسفي، للقيام بزيارات تآزرية احتفاء بقدماء فن العيطة أمثال الفنان ميلود الداهمو والشيخة عيدة والفنان عيسى البحراوي , المعروفباسم»عويسة», الذي يصارع المرض في صمت .
اشتهر الفنان «عويسة» بغنائه لفن العيطة ،واشتهر أكثر بعزفه لآلة «الوتار» ،التي أبدع وجدد فيها ،متأثرا في ذلك بمجموعة من الفنانين من قبيل الشيخ الدعباجي ،والشيخة عيدة في فن العيوط ،وأحمد القمش ،وعلي أوالحطاب ،وقشبال وزروال في العزف ،يتبين لنا من هنا أننا أمام فنان كبير ،يمكن أن نقول عنه إنه أفضل عازف لآلة الوتار بمنطقة آسفي ،في طريقه إلى النسيان والزوال ،هو وفنه البدوي.
فن العيطة كما هو معروف لدى أوساط المغاربة ،ارتبط أساسا واشتهر بفترة المقاومة المغربية للاستعمار الفرنسي ،حيث كان من بين أنجح وسائل محاربة المستوطن الفرنسي ،وذلك عبر الأشعار «العيوط», التي كان يسردها الشيوخ معتمدين في ذلك على مجموعة من الآلات الموسيقية من قبيل آلة «الوتار» و»التعريجة» ،ولعصرنة هذا الفن الشعبي التراثي تم فيما بعد إضافة آلة «الكمان» و»الطر» ،والعود،والدربوكة وغيرها من الآلات ،وغالبا ما يتناول فنانو العيطة مواضيع ذات طابع اجتماعي ،واقتصادي أو سياسي ،كالحديث عن العشق والطبيعة ،الفقر,البطالة,والهجرة، الفساد، وغيرها من المواضيع التي يعايشها المجتمع والإنسان المغربي .
ما يميز فن العيطة هو أنه متنوع بمواضيعه وبأنواعه وكذا بفنانيه ،فكل منطقة في المغرب لها عيوطها ،ومن بين العيوط المشهورة والمتداولة في المغرب نجد تسعة أنماط من العيطة ،بدءا بالعيطة الحصباوية أوالعبدية بمنطقة عبدة آسفي ،ثم العيطة المرصاوية بمدينة الدار البيضاء وسطات وبرشيد ،والعيطة الجبلية بكل من طنجة وتطوان والعرائش وشفشاون والقصر الكبير و تاونات، ثم الغرباوية التي تنسب إلى منطقة الغرب وشمال الرباط ،والزعرية التي تنسب إلى منطقة زعير ،والعيطة الحوزية التي تنسب إلى مناطق الحوز ومراكش وقلعة السراغنة ،ثم الشياظمية التي تنسب إلى قبائل الشياظمة بإقليم الصويرة ،ولا ننسى كذلك العيطة الفيلالية نسبة إلى منطقة تافيلالت ،وأخيرا العيطة الملالية ببني ملال.

هذا التنوع في أنواع العيطة لا يمكن أن يعطينا إلا تنوعا في أغاني العيطة وفي الفنانين المتقنين لهذا الفن بالفطرة ،ومن بين الفنانين التي برزت أسماؤهم واشتهروا لدى أوساط المغاربة، نجد فاطنة بنت الحسين ،الحاجة الحمونية ، بوشعيب البيضاوي ،الماريشال قيبو،فاطمة الزحافة،محمد العواك، زهرة خربوعة, الشيخ الدعباجي ،الشيخة خربوشة الملقبة ب «مولات الكلام الموزون» التي قتلها القايد عيسى بن عمر نتاجا لهجومها عليه بقصيدتها المشهورة ,التي مطلعها « الأيام الأيام, يوم القهرة والظلام, وفينك ياعويسة ,فين الشأن والمرشان …..» في زمن كان يعرف المغرب فيه اضطرابات سياسية مع المستعمر،كما لا ننسى الشيخة عايدة ،والحاجة الحمداوية ، الشيخ الزرهوني وشقيقه عابدين وأولاد بن عكيدة ، وحاجيب ، ثم أولاد البوعزاوي ،وولد الصوبة ، وخديجة مكروم ،ثم خديجة البيضاوية ،وولد قدور, و اللائحة طويلة ممن أفنو شبابهم في سبيل هذا النوع من الفن .
ومن بين العيوط المشهورة والتي لقيت صدى واسعا نذكر على سبيل المثال لا الحصر :الحصباوية:عيطة الرادوني كأطول قصيدة في العيطة الحصباوية،عيطة واليني واليني ،عيطة كاسي فريد،عيطة سيدي راكب على جوادو،عيطة سيدي حسن ،عيطة اعزيبو في لمليحة ،عيطة بين الجمعة والثلاث (على قبلو بايتة عساسة)
الزعرية :عيطة بوجناح ،عيطة جعيدان ،عيطة بوعبيد الشرقي ،عيطة سوط عليه اطيب ،عيطة البنية ،عيطة الحساب الزعري ،عيطة الهيث الزعري
الجبلية : عيطة البارود،عيطة اولاد بلادي ،عيطة زين الجبل ،عيطة راح الليل لولاد عشراني ،عيطة عوام يالحباب ،عيطة اعيوع ،عيطة الرايلة
الملالية : عيطة الشجعان للشيخة امباركة البهيشية ،عيطة جعيدان ،عيطة حرودة ،عيطة مالين الخيل ،عيطة حب الحلكة الملالية
المرساوية : عيطة الغزال ،عيطة ألباس ،عيطة ركوب الخيل ،عيطة عريس الخيل ،عيطة جنان سطات ،عيطة سطات بلادي ،عيطة الحب المرساوي ،عيطة السعيدي بابا ادريس ،عيطة الحداويات ،عيطة العلامة ،عيطة الشاليني
الحوزية : مول الشعبة ،الخادم ،خالي ياخويلي (القايد العيادي)،عيطة زمران،عيطة سيدي صالح الخطابي ،عيطة حادة ،عيطة الحب الحوزي
الغرباوية : عيطة الهيث ،عيطة قيلوني ،عيطة اولاد الخليفة،عيطة الغابة ،عيطة الحساب الغرباوي ،عيطة التهليلة
الشيظمية: عيطة حوم يالبيز ،عيطة قيلوني ،عيطة الخيل أوين أوين ،عيطة سنحو الخيل ،عيطة الحساب الشيظمي ،عيطة الغابة الشيظمية ،عيطة حبيبة ،عيطة الكافر بغا يطلقني ،عيطة خوكم يالبنات,عيطة باغي نعمر الدار
الفيلالية: عيطة الحريمية ،عيطة العين ،عيطة الساخي بيا ،عيطة داني ،عيطة الخاوي البلاد ،عيطة الملاكة ،عيطة رجال البلاد
وتعتبر منظمة اليونسكو فن العيطة المغربي، موسيقى تقليدية، وذلك ضمن تصنيفها للتراث الإنساني اللامادي، وتدعو المنظمة في مناسبات مختلفة إلى حماية هذا التراث الموسيقي من الضياع باعتباره تراثا شفهيا، ينتقل من جيل إلى آخر عبر التلقين الشفهي, ويؤكد الباحث حسن نجمي أن فن العيطة «ظل بلا تاريخ مكتوب»، كما أنه يغيب عن مقررات المدارس والمعاهد الموسيقية, ويدق نجمي ناقوس الخطر بشأن التهديد الذي يتعرض له هذا التراث الحضاري، بسبب غياب إرادة حقيقية لتدوينه .
يمكننا أن نقول إذن إننا أمام نوع كبير من أنواع الفن الذي يمكن أن يساهم في إغناء وإثراء رصيد التراث المغربي اللامادي ، فما هي الإجراءات والتدابير التي تتخذها الدولة من أجل إحياء هذا الفن الشعبي الأصيل والحفاظ عليه,وعلى فنانيه وشيوخه ؟.

صحفي متدرب*


الكاتب : أيوب المختاري

  

بتاريخ : 09/06/2023