عن سليكي أخوين، صدر هذه السنة 2025 للدكتور سعيد علوش كتاب «فن الكيتش.. بشاعة لابتذال الأدبي».
يعرف الفيلسوف الألماني تورستن بودتز «الكيتش» بأنه هو المحو الثقافي نتيجة لمسار الرأسمالية العالمية، وهو نوع من المبالغة السخيفة وقد تبدو جميلة ولكنها جميلة في عين الجهلة، و»هو نوع من الجمال الذي يعجب غير المتعلمين والذي يرضي الناس بسرعة دون أن يساعدهم على التفكير».
إن جوهر الكيتش هو الحالة التي يعاد فيها إنتاج شيء جميل وأصيل، لكن بصورة أكثر رداءة تنزع منه جوهره، بمعنى إعادة تدوير الحقيقي والأصيل في كليشيه مبتذل.
اليوم، غزا هذا المفهوم اليوم الأدب، الاجتماع، والفلسفة والسياسة في ما يعبر بشكل مختصر عن حالة من الزيف أو الابتذال التي تمكن أن تصيب كل شيء، وتنزع عنه فرادته.. هو الظل المزيف لشيء جميل تحلل رونقه وصار مبتذلا.«
يرى الفيلسوف الألماني «تورستن بودتز» أن الكيتش لا ينتج بشكل عفوي إنما تقوم عليه الرأسمالية وكل أيديولوجية أو تيار غالب في أي مجتمع، حيث يقوم التيار الغالب ببث الكيتش المُبسط له بدلا من تعقيدات الحقيقة والواقع في الأدب والفن والخطاب اليومي المَعيش.
تدوير الحقيقي
في كليشيه مبتذل
في هذا الكتاب، يورد الدكتور سعيد علوش أن «المزعج في مفهوم الكيتش كونه يطفو على السطح مع افتقاده للأسلوب الخاص ونزوعه إلى جمالية كاذبة موجهة للعموم، باعتماد تزيينات ممسرحة للعوالم في قلب كل ثقافة، سواء قارية أو وطنية.
، إنه «الرداءة الجميلة أو الشر الجمالي» كما عرفه كونديرا في عمليه «الستارة» و»كائن لا تحتمل خفته» .
ويضيف علوش، وهو يعرض لمعنى الكيتش في الفصل الأول من الكتاب، أن الكيتش يعبر عن نفسه من خلال إنتاج ميكانيكي / اصطناعي لكل رخيص: ديكور، أسلوب، فانطازم، تقنية. ما جعل الفئات العالِمة تنعته بـ»سقط المتاع» والابتذال أو الفائض.
في هذا السياق يقول: «غزا الكيتش العالم اليوم ليصبح شكلا جديدا لثقافة صغرى تنزع باستمرار إلى نوع من الهيمنة المضفية للامتياز على التراكمات الباروكية والمفضلة للزوائل غير المستدامة بمحاكاتها للأصول.
في السينما كما في الأشرطة المصورة وكل العوالم البصرية السمعية. كما في الحدائق والمطابخ».
أين تتبدى ثقافة
الكيتش اليوم؟
يجيب علوش بأنه «في أيامنا يوجد في كل واحد منا شيء من الكيتش كامتداد لحضارة الإفراط الاستهلاكي الذي يخترق أحاسيس الناس بوعي أو بدون وعي، توجِدُه المتاحف وروايات الخيال العلمي والمسلسلات».
تنتصر امبراطورية الكيتش… وترتقي إلى مرتبة فنون مثيرة لما كان بالأمس مقززا ليتحول مستفزا بعد ولوجه المتاحف والمعارض والإشهار بفضل الإنتاج الكثيف ورأسمالية التسليع (الأسيوية والأوربية والأمريكية). عابرا للقارات والوطنيات، يتساوى فيه الثقافي مع الاقتصادي.
يقدم علوش أمثلة لهذا الانتقال/الانحدار بفن البوب الذي اعتبره فنا سريع العدوى سرعان ما وجد صداه في العالم العربي.
يوضح علوش في هذا العمل أن تأثير فن الكيتش لم يقتصر على المجال السمعي البصري والتشكيل، بل تعداه إلى الكتابة (رواية العيون زرقة /لوحة العارية الزرقاء لماتيس.
ويتساءل علوش: هل فوت الأدب المتخيل بعض الأحداث العابرة (احتفال إيطاليا بمهرجان البشعين) (برنامج بيت البشاعة):ص24.
الإجابة أن توثيق فن الكيتش تم أدبيا من خلال »مذكرات روبرت هودج بعنوان »»البشع»« في 2013 وروايتي »سكوت ويسترفيلا («البشعاء») 2005 كخيال علمي ورواية «»الجميلات النائمات» ثم مسلسل «»الجميلة والوحش»«.
يتناول علوش في فصل «رأسمالية الكيتش» كيف أن الفن «كلما نقع في الحياة اليومية والاقتصادية، قلت حمولته من القيم الروحية. وكلما تعمم البعد الجمالي، ظهر أكثر فأكثر كمحض واحد من الانشغالات البسيطة للحياة، إكسسوار لا هدف له سوى تنشيط الحياة العادية وزركشتها وجعلها أكثر حسية»، »ما يكشف عن افتقاد هذا الفن للاستقلالية وخضوعه لاقتصاد رأسمال وظيفي، وبرمجيات أسواق استهلاك تحول »البطولات إلى مونتاج ميكانيكي.
ينتقل علوش في باب آخر إلى مظاهر كيتش الفن الشمولي العربي في العراق، منطلقا من مقاربة الفنان العراقي كنعان مكية لقوس النصر ببغداد، والذي يدرجه في فن كيتش شمولي يتجدد إطاره في القبح: قوس النصر عمل قبيح للغاية في الوقت نفسه، ولا يمكن إيجاد ذرة جمال فيه… منحط أخلاقيا من حيث البشاعة: مشكل من 5000 خوذة إيرانية حقيقية مأخوذة من ساحات القتال بثقوب الرصاص التي هشمت رؤوس الرجال، وملطخة بدماء الذين كانوا يرتدونها»،« مستهجنا كيف تتحول الجمالية إلى كيتش فني شمولي (تراثي/شعري/تشكيلي) باسم قومية ما.»(ص47)
النقد الثقافي: علوش في مواجهة الغدامي
في الفصل الثاني من كتاب «فن الكيتش: الابتذال الأدبي»، ينتقل سعيد علوش إلى مساءلة النقد الثقافي لهذا الفن الجديد في العالم العربي، ليوضح كيف أن طول الفترة الفاصلة بين ظهور الدراسات الثقافية في الغرب واستنباتها العربي في المشرق، جعل استعادة هذه الظاهرة الحية/الميتة تتم على يد نقاد حاولوا فرض مفهوم النقد الثقافي محل النقد الأدبي بنية حداثة عربية عكس تنظيرات الغرب، ويتعلق الأمر بالناقد السعودي عبد الله الغدامي الذي جعل من النقد الثقافي «قبعة ساحر» .وهنا يبدي علوش تخوفه من مشروع الغدامي ومن أن يكون «مجرد خدعة سلفية لاسترضاء مطاوعة مركزية عقائدية كملحق ثقافي بنظرية الأدب الاسلامي، سعيا إلى افتعال أزمة نقدية لتصفية حسابات خاصة، مع قرن الحداثة العربية المتعثرة. كما يشير الى أن «الغدامي يقوم بحفرياته المعرفية فوق قشرة لغوية، تحتفي بالنماذج السردية في شبه قطيعة كع الفكر الجدلي والدينامية العضوية» ص74.
يحيل الكتاب، وهو يعرض لآراء الناقد عبد الله الغدامي ومشروعه حول النقد الثقافي وما يعتوره من هنات وثغرات، إلى مقاربة الغدامي لما يسمى في العالم العربي بـ»الأدب النسوي» انطلاقا من كتابه «المرأة واللغة»، وهي مقاربة، كما يشير علوش، مختلفة تماما عما قام به جورج طرابيشي أو غالي شكري في تجنيسهما للجنس السردي. ونقطة الاختلاف هي توجه دراسته نحو فضاء الجسد المغلف بالسواد الفحولي.. المرأة موضوع لغوي وليست ذاتا لغوية.ص93.