فورين بوليسيي: كيف ضاعف سعيّد الكراهية ضد الأفارقة في تونس؟

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، تقريرا لمراسلها في تونس سايمون سبيكمان كوردال، تحدث فيه عن حملة الكراهية التي تسبب بها الرئيس التونسي قيس سعيد، ضد المهاجرين الأفارقة في بلده.
وقالت المجلة إن تحريض سعيد ومجلس الأمن القومي التابع له، على المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، تسبب بهجمات عليهم بدوافع عنصرية، وحملات كراهية تهدد حياتهم، مضيفة أنه جعلهم «كبش فداء» لسياساته.
وقال التقرير؛ إن «التفكير التآمري الذي لطالما عرَف به السياسي المبتدئ، الذي وصل إلى السلطة بفوز ساحق في الانتخابات عام 2019، انتشر الآن في معظم أنحاء تونس».
وذكرت المجلة أنه بعيدا عن حملات التحريض من قبل أنصار سعيد ضد الأفارقة، التي تحمل طابعا شعبويا، تخصص الصحف والقنوات التلفزيونية، أوقاتا لتسليط الضوء على مزاعم «المؤامرات الدولية والمحلية التي تهدف إلى زعزعة استقرار تونس».
ونقلت المجلة عن مهاجرين نيجيريين، قولهم؛ إن خطاب سعيّد كان نقطة تحول ضدهم، إذ تم طردهم من مكان عملهم، وبات الناس والشرطة يضايقونهم.
ولفتت المجلة إلى أن ما بعد فبراير ليس كما قبله بالنسبة للمهاجرين الأفارقة، إذ بات أمرا مألوفا أن يتم مهاجمتهم بشكل مستمر بواسطة سكاكين، ومناجل.
وأشارت المجلة إلى أن المفارقة هي أن آلاف التونسيين يهاجرون إلى أوروبا بشكل غير شرعي، أي إن نسبة من التونسيين يعيشون محنة الأفارقة الذين يأتون إلى تونس.
وأشارت المجلة إلى أن حملة سعيد ضد المعارضة، والمهاجرين، قوبلت بإدانات دولية واسعة، من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
وبينت المجلة أن مستقبل تونس في ظل سياسات قيس سعيّد يبدو مجهولا، مضيفة: «قد يظل غامضا. مع تزايد احتمال حدوث تخلف كارثي محتمل في سداد القروض الدولية لتونس، يبدو أن سعيد غافل عن الكارثة التي تلوح في الأفق. بدلا من إبرام عقد اجتماعي مع النقابة العمالية الرئيسية في البلاد -الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي سيحتاجه لإدخال الإصلاح الاجتماعي الذي سيحتاجه على الأرجح- قام بطرد الضيفة البارزة للنقابة، رئيسة الاتحاد الأوروبي للنقابات إستر لين».
ونقلت المجلة عن حمزة المؤدب، الزميل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، قوله؛ إن «الكثير مما يقوله سعيد سخيف».
وأضاف المؤدب أن سعيد يعتمد على الشعبوية في خطابه، متابعا: «أطلق العنان للعنصرية المكبوتة».
بدورها، نفت السلطات التونسية، الخميس، ترحيل أي مواطن أجنبي بصفة قسرية من البلاد، مؤكدة «تسجيل طلبات عودة طوعية لمقيمين بصفة غير شرعية».
جاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية، تعليقا على أخبار متداولة قالت إنها تتعلق بترحيل قسري لمهاجرين في البلاد من جنسيات بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
وقالت الوزارة: «تبعا لما يتم تداوله من أخبار تتعلق بالترحيل القسري من تونس لعدد من المهاجرين من البلدان الشقيقة لجنوب الصحراء، يهم وزارة الشؤون الخارجية أن تؤكد أن السلطات لم تقم بترحيل أي مواطن أجنبي بصفة قسرية من بين هذه الجاليات».
وأشارت إلى أنه «في المقابل، تم تسجيل طلبات للعودة الطوعية لمقيمين بصفة غير شرعية إلى بلدانهم، يتم التعامل معها بصفة إيجابية وفي إطار احترام الإجراءات القانونية».
وذكرت الخارجية التونسية أن «الرعايا الأجانب يحظون بالرعاية والحماية اللازمتين دون تمييز داخل البلاد».
وعقب ترؤسه اجتماعا لمجلس الأمن القومي (أعلى سلطة أمنية بالبلاد) في 21 فبراير الماضي، دعا الرئيس التونسي قيس سعيد إلى وضع حدّ لما قال إنه تدفق «أعداد كبيرة» من المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى بلاده، معتبرا أن الأمر «ترتيب إجرامي يهدف لتغيير تركيبة تونس الديمغرافية».
وبعد تنديد أحزاب ومنظمات حقوقية بهذا التصريح ووصفه بـ»العنصري»، قال سعيد؛ إن «من يتحدث عن تمييز عنصري في تونس هو طرف يبحث عن الفتنة»، محذرا من المساس بالمقيمين في البلاد من دول إفريقيا بصفة قانونية.
ولا توجد إحصاءات رسمية تونسية بشأن عدد المهاجرين الأفارقة فيها، بينما ذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن عددهم يراوح بين 30 و50 ألفا.
وسنويا، يقصد تونس مئات المهاجرين من دول إفريقية أخرى، لا سيما جنوب الصحراء بهدف الهجرة منها نحو دول الاتحاد الأوروبي عبر البحر المتوسط.

أيام صعبة للمهاجرين

يقول مهاجرون أفارقة إنهم يتعرضون لإجراءات تعسفية بعد أن أعلن الرئيس قيس سعيّد الأسبوع الماضي عن حملة لوقف تدفق المهاجرين الأفارقة على تونس بطرق غير نظامية، مستخدما لغة ندد بها الاتحاد الإفريقي ووصفها بأنها عنصرية.
فقد طُرد عامل البناء المالي محمد كوني من شقته وفقد وظيفته. والآن يخشى كوني، الذي أصبح عاطلا ومشردا ودون إقامة شرعية في تونس، أن يواجه مصير بعض من أصدقائه الذين تعرضوا للاعتداء في الشارع.
ويعيش كوني (32 عاما) في تونس منذ خمس سنوات ويحظى بشعبية في ما يبدو في الحي الذي يقطنه، حيث يقول السكان التونسيون إنهم يحبون سلوكه المرح ومبادرته بالحديث مع الجميع وكثيرا ما يعهدون إليه بأعمال صيانة بسيطة. لكنه يشعر الآن بالخوف ويقول «أنا مرتبك وقلق». قال وعيناه تراقبان نهايتي الطريق خوفا من مرور سيارة شرطة «لا أصدق أننا نمثل مشكلة هنا».
بدأت مشاكل كوني الأسبوع الماضي عندما قال الرئيس قيس سعيّد إن هناك مؤامرة لتغيير التركيبة العرقية لتونس وأمر قوات الأمن بوقف جميع أشكال الهجرة غير المشروعة وترحيل أي مهاجر يعيش في تونس بصفة غير قانونية. وقال سعيّد إن «الهدف غير المعلن للموجات المتلاحقة من الهجرة غير الشرعية هو جعل تونس دولة إفريقية بحتة لا تنتمي إلى الدول العربية والإسلامية».
ووصف الاتحاد الإفريقي خطاب سعيّد – الذي كرر نظرية «الاستبدال العظيم» بأن النخب السياسية تستبدل بالسكان الأصليين مهاجرين مؤيدين لها – بأنه «صادم» بينما أثنى عليه السياسي الفرنسي اليميني المتطرف إريك زمور.
وأصدر سعيّد بيانا ثانيا الأسبوع الماضي نفى فيه كونه عنصريا وقال إنه يريد من الشرطة تنفيذ القانون التونسي فحسب لكنه كرر فكرة وجود مؤامرة لتغيير التركيبة السكانية لتونس.

روايات عن سوء المعاملة

وفي غضون ذلك، امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بروايات عن سوء المعاملة والخوف لأشخاص من ذوي البشرة السمراء في تونس منهم مهاجرون، بعضهم يحمل تأشيرات سارية وبعضهم لا، وطلاب أفارقة وتونسيون سود.
وتحدث هؤلاء عن احتجازهم بسبب عدم حمل أوراق الهوية وتعرضهم للشتائم والرشق بالحجارة والطرد من منازلهم وفقدان وظائفهم.
وقال المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو مجموعة تُعنى بموضوع الهجرة والمهاجرين، إنه وثق المئات من حالات الاعتقال التعسفي والطرد من المنازل دون سابق إنذار. وأضاف المنتدى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنه وثق بعض الاعتداءات العنيفة، بعضها باستخدام سكاكين، قائلا إن الشرطة كانت بطيئة في التعامل معها.
وقالت وزارة الداخلية إنها ملتزمة بتطبيق القوانين الوطنية والمعاهدات الدولية مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان. وتجمع العشرات من مواطني ساحل العاج أمام سفارة بلادهم في تونس هذا الأسبوع مطالبين بالعودة إلى الوطن. وقال أحدهم ويدعى بيري ديالي ستيفان «هوجمنا بعد خطاب الرئيس. نحن خائفون. طُردنا من المنزل». وقال آخر يدعى فوفانا أبو إن الناس في منطقته أهانوه وهاجموه. وأضاف «انهالوا علينا بالحجارة وقطع الخشب… لماذا؟ كلنا أفارقة!».
ويقول منتقدو سعيّد إن هذه الحملة تتماشى مع خطابه الناري الذي يركز على نظرية المؤامرة في الوقت الذي يواصل فيه حملة موازية على المعارضين السياسيين متهما إياهم بالتآمر على أمن الدولة بدعم من الخارج.
وسبقت هاتين الحملتين حملات على وسائل التواصل الاجتماعي من جانب مجموعات على الإنترنت من أنصار سعيّد يقول منتقدوه إنها ترتبط بشكل متزايد بنهجه في الحكم. كما تأتي في وقت صعب بالنسبة للرئيس التونسي إذ تلقي المشاركة المتدنية للغاية في الانتخابات البرلمانية بظلال من الشك على الدعم الشعبي لبرنامجه السياسي بعد سيطرته على معظم السلطات في عام 2021، ووسط أزمة اقتصادية.
وقال رمضان بن عمر الناطق باسم المنتدى الاقتصادي والاجتماعي إن «الحملة الرئاسية تهدف إلى خلق عدو وهمي للتونسيين لإلهائهم عن مشاكلهم الأساسية».
وبعد استخدام لغة رافضة للمهاجرين من جانب بعض المعلقين في وسائل الإعلام، دعت كل من نقابة الصحفيين وهيئة الإعلام السمعي البصري الصحافة لأن تكون أكثر حذرا في لغتها لتجنب التحريض العنصري.
وتشير الأرقام الرسمية إلى وجود 21 ألف مهاجر من دول إفريقيا جنوب الصحراء في تونس. ويرجح المنتدى الاقتصادي والاجتماعي أن يكون الرقم الحقيقي أكبر لكن ليس أكثر من خمسين ألفا. وألغت تونس شرط الحصول على تأشيرة للعديد من البلدان الإفريقية خلال العقد الماضي. لكن الحصول على تصريح إقامة يمكن أن يكون أمرا صعبا للغاية. ويهدف الكثير من المهاجرين في تونس إلى العبور بشكل غير مشروع إلى أوروبا لكنهم غالبا لا يستطيعون تحمل التكلفة التي تبلغ مئات الدولارات للوصول إلى إيطاليا – وهي رحلة يقوم بها أيضا عدد متزايد من التونسيين.
وتقول مامويلا، وهي امرأة من ساحل العاج مكثت في شقتها في تونس لأكثر من أسبوع خوفا من الاعتقال، إنه لا يوجد ما يدعو التونسيين للخوف منها أو من مواطنيها. وأضافت «نريد فقط أن نصل إلى الجانب الآخر من البحر المتوسط حيث يمكننا أن نجد الفرصة».

أفارقة مغادرون

بدا عدد من المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء عير النظاميين مغادرة تونس وسط حديث عن تصاعد الهجمات ضدّهم منذ التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها الرئيس قيس سعيّد بشان مؤامرة التوطين في حين يرى مراقبون في المقابل ان هنالك تضخيما لهذا الأمر وان الاعتداءات ضد الأفارقة فردية وغير ممنهجة.
واستقبل رئيس المجلس العسكري الحاكم في غينيا الكولونيل مامادي دومبويا الأربعاء على أرض المطار في كوناكري حوالي خمسين من مواطنيه لدى عودتهم من تونس على متن طائرة استأجرتها الحكومة لإجلائهم من البلد العربي. وهذه أول رحلة تنظّمها الحكومة الغينية لإجلاء مواطنيها من تونس منذ خطاب ألقاه سعيّد قبل أسبوع ودعا فيه إلى اتّخاذ «إجراءات عاجلة» ضدّ المهاجرين الأفارقة المقيمين بصورة غير نظامية في بلده.
وقال سعيّد إنّ وجود هؤلاء المهاجرين غير النظاميين في تونس هو مصدر «عنف وجرائم» وجزء من «ترتيب إجرامي» يهدف إلى «تغيير التركيبة الديمغرافية لتونس».
وما أن حطّت الطائرة في مطار كوناكري حتى ترجّل منه العائدون وفي مقدّمتهم نساء يحملن أطفالهن الرضّع.
ومن بين هؤلاء الأمهات الثلاثينية مارييتو ديالو التي قالت ورضيعها على ذراعها «كنت قد ذهبت من أجل الولادة حين بدأت هذه المشكلة. في المستشفى (في تونس) لمسنا مشاعر الكراهية والرفض ضدّنا».
ويعاني النظام الصحّي في غينيا من مشاكل عديدة من جرّاء سنوات من سوء الإدارة من جانب السلطات المتعاقبة. بالمقابل، تُعتبر تونس وجهة للكثير من الأجانب الذين يسعون للحصول على رعاية طبية جيّدة.

الخوف من هجمات

ورغم انه لا يوجد تقارير تتحدث عن ارتفاع معدل الهجمات ضد الأفارقة جنوب الصحراء لكن هذا لا يمنع من وجود مخاوف من اعتداءات لبعض الشبان في مقابل تاكيد الرئيس التونسي على ضرورة حماية الأفارقة من العنف في محاولة لتطمينهم.
وأضافت الأم الشابة أنّ مرافقتها في رحلة الاستشفاء هذه «أتت على عجل لاصطحابي حتى قبل انتهاء إقامتي في المستشفى. على طول الطريق، نجونا من هجومين ورضيعي بين يديّ». كان الأمر مروّعاً وخطراً».
بدوره قال الأربعيني ألغاسيمو سانغاري إنّه كان في صفاقس (وسط شرق تونس) وأراد «عبور (البحر) للذهاب إلى إيطاليا، لكنّ الشعور المناهض للسود دفعني للذهاب إلى تونس العاصمة».
وأوضح أنّه توجّه من صفاقس إلى تونس على متن سيارة برفقة سيّدتين تونسيتين.
وأضاف «في الطريق، كدت أن أُقتل عند حاجز أقامه شبّان متفلّتون. هاتان التونسيتان هما من أنقذتا حياتي لأنّهما صاحتا بوجههم».
في المقابل ظهر عدد من الأفارقة النظاميين في تونس في فيديوهات عبر يوتيوب يؤكدون بان هنالك حملة على تونس وان الاعتداءات ليست واسعة بل هي فردية.
وانتقد هؤلاء الأفارقة بعض الانتهاكات والتجاوزات التي يمارسها ابناء وطنهم غير النظاميين والتي أثارت حالة من الاستياء في تونس.
من جهته قال وزير الخارجية الغيني موريساندان كوياتي إنّ الطائرة التي استأجرتها حكومته والتي ذهب على متنها إلى تونس لاصطحاب مواطنيه الراغبين بالمغادرة أعادت 49 غينياً إلى بلدهم.
وأضاف أنّ الحكومة ستقيم جسراً جوياً بين كوناكري وتونس لإعادة كل من يرغب بمغادرة تونس.
وبحسب مسؤول في الشرطة فإنّ من بين العائدين «أطفالاً دون العاشرة من العمر ورضّعاً».
وكانت الرئاسة الغينية قالت في بيان إنّ الوزير كوياتي أُرسل إلى تونس على متن طائرة استأجرها المجلس العسكري الحاكم «للذهاب على وجه السرعة لمساعدة الغينيين».
بدورها، أعلنت ساحل العاج الأربعاء أنّها بدأت «عمليات إعادة إلى الوطن» من تونس لنحو 500 مواطن.
وقال المتحدث باسم الحكومة العاجية أمادو كوليبالي عقب اجتماع لمجلس الوزراء إنّ «الأمر الأكثر إلحاحاً هو إنقاذ الأرواح ومنع وقوع إصابات»، مشيراً إلى أنّ رحلات العودة هذه يمكن أن تتمّ في غضون 24 إلى 72 ساعة.