نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية تقريرا للصحفيين فيرا ميرونوفا ومحمد حسين، تحدث عن زيادة النفوذ الروسي في العراق رغم الاحتجاجات المستمرة التي تثير قلق المستثمرين.
وكتب الصحفيان في المجلة تحت عنوان «مستقبل نفط العراق روسي»، مشيرين إلى أن احتجاجات العراق أدت إلى رحيل العديد من الدبلوماسيين الأجانب لدواع أمنية، إلا أن حضور روسيا تضاعف.
ونوهت المجلة في التقرير إلى أن السفارة الروسية لم تبق مفتوحة فقط في الأسابيع الأخيرة من الاحتجاجات، بل قام وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، بجولة في بغداد ثم في أربيل خلال الشهر الماضي.
وأشارت إلى أن الزيارة لم تكن دبلوماسية اعتيادية ترتب عليها توقيع اتفاقيات رسمية، أو مناقشة أمور سياسية تتعلق بسوريا أو الإرهاب، حيث كان الحضور الدبلوماسي قليلا في الزيارة لصالح غالبية من رجال الأعمال والشركات.
وأوضحت غالبية المشاركين في الوفد من رجال الأعمال، بما في ذلك ممثلين عن شركات النفط والغاز الروسية مثل Gazprom Neft و Rosneft و Soyuzneftegaz و Lukoil. كما حضر ممثلو شركة Technopromexport، وهي شركة روسية تقوم ببناء منشآت للطاقة، ومن الخدمة الفيدرالية الروسية للتعاون التقني العسكري، حيث تم مناقشة العلاقات التجارية الثنائية فقط في الاجتماعات.
ونقلت المجلة عن مصدر مقرب من رئيس الوزراء العراقي، عادل عبدالمهدي، رفض الكشف عنة هويته، أن الروس «أرادوا التأكد من أن كل شيء يسير بسلاسة فيما يتعلق بمشاريع شركات الطاقة الروسية في العراق». وهو ما أكده أيضا مصدر آخر له صلة بحكومة إقليم كردستان.
وقالت المجلة: «لا ينبغي أن يكون مفاجئا أنه بعد استثمار أكثر من 10 مليارات دولار في قطاع الطاقة العراقي على مدى السنوات التسع الماضية، فإن اهتمام روسيا بالبلاد يتركز في الغالب على المخاوف التجارية».
وأضافت: «الشركات الروسية ممثلة بشكل جيد بين شركات النفط في العراق. ونظرا لطبيعة عقود النفط والغاز على المدى الطويل، فإن حصتها في السوق الروسية ستزداد مع مرور الوقت».
واستدلت على الحضور الروسي في قطاع الطاقة العراقي بفوز شركة Lukoil الروسية في عام 2009 ، بأحد عقود النفط الأولى في عراق ما بعد الحرب، وهو مشروع تطوير غرب القرنة-2 في البصرة. والذي من من المقرر أن يستمر لمدة 25 عامًا بهدف تحقيق إنتاج 800 ألف برميل يوميًا بحلول نهاية عام 2024.
وأوضحت بأن هذا الحقل النفطي ينتج بمعدل حوالي 400 ألف برميل يوميا، لكنه يمثل 9 بالمئة من إجمالي إنتاج العراق من النفط الخام و 12 في المائة من صادرات النفط العراقية.
وتشمل الصفقات الأخرى منذ عام 2011 استثمارات بقيمة 2.5 مليار دولار من قبل شركة «غازبروم نفط» وشركائها في وسط العراق وإقليم كردستان. حيث أنتجت الشركة 3 ملايين برميل من حقول «سرقلة وغارميان»، وأطلقت العديد من مشاريع التنقيب في حقول حلبجة وشاكال في أيلول/سبتمبر الماضي.
ويضاف لهذه الاستثمارات حصول شركة «سترويترغاز» الروسية بعقد مدته 34 عاما للتنقيب عن النفط والغاز في محافظة الأنبار العراقية، وبحسب المجلة فإن «لافروف شكر العراق بشكل خاص خلال زيارته» وفقا لمصدر في مكتب رئيس الوزراء العراقي.
ونوهت المجلة إلى أن الاهتمام الروسي في العراق لا ينصب على حقول النفط فقط، حيث تملك شركة «روس نفط» 60 في المئة من خط أنابيب نفط كردستان، وهو خط التصدير التشغيلي الرئيسي في العراق.
وفي ربيع عام 2018، أعلنت «روس نفط» عن توقيع اتفاقية مع وزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان لتطوير بنيتها التحتية للنفط والغاز، بما في ذلك خط أنابيب جديد للغاز من المتوقع أن تصل طاقته التصديرية إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا. وهذا يصل إلى حوالي 6 في المئة من إجمالي الطلب على الغاز في أوروبا.
ووفقا لسياسي عراقي، تحدث لـ»فورين بوليسي» بشرط عدم الكشف عن هويته، أفاد بأنه «بموجب هذه الصفقة، حصلت روسيا على الكثير من القوة السياسية في العراق، حيث يمثل النفط حوالي 96 بالمئة من صادرات العراق، لكن بدون وجود خط أنابيب لتصديره، فإن النفط ليس له أي قيمة بالنسبة للبلاد. لذلك الآن تسيطر روسيا بشكل أساسي على هذا التصدير».
وتعود المجلة إلى ما بعد سقوط النظام العراقي برئاسة صدام حسين في عام 2003، منوهة بأنه «لم يكن لروسيا حضور في قطاعي النفط والغاز العراقي».
ووفق ما ذكرت المجلة فإن ذلك تغير مع زيادة الصراع الطائفي في العراق عام 2009. حينها غادرت العديد من شركات النفط الغربية (مثل إكسون موبيل وشيفرون) المنطقة جزئيا أو كليا بسبب المخاوف الأمنية، فيما قامت الشركات الروسية المتعطشة للمخاطر بأخذ مكانها.
وتتابع المجلة بأنه « تم الترحيب بدخول روسيا في العراق قبل وقت طويل من الأزمة السياسية والأمنية الأخيرة» ناقلة عن أحد قادة حكومة إقليم كردستان قوله: «في أوائل عام 2012 ، دخل الروس كردستان العراق كمستثمر دولي قوي»، وأوضح بأنه «لم تكن هناك حاجة للروس لأن الأمريكيين كان لهم وجود قوي ودعم في المنطقة، وفي وقت لاحق، عندما شعر القادة الأكراد بخيبة أمل من الأمريكيين، بدا الروس أقوى وأكثر ودية».
ونوهت المجلة بأن العقوبات الأمريكية لا تثير قلق الروس أو العراقيين، لا سيما بأن بعض الشركات التي تقوم بتطوير النفط العراقي، بما في ذلك «غازبروم وروس نفط» مدرجة في قوائم العقوبات الأمريكية بسبب ارتباطها بضم القرم ومشاركة روسيا في النزاع في شرق أوكرانيا.
ونقلت عن أحد المسؤولين العراقيين قوله: «العراق يعمل مع شركات روسية تخضع للعقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، وحتى الآن لم تؤد هذه الصفقات إلى أي ردود فعل قوية من قبل الإدارة الأمريكية. لذلك نحن لا نعتبرها مشكلة».
وتناولت المجلة بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يدعي بأن الولايات المتحدة لا تزال لديها يد في قطاع النفط في المنطقة. وذلك وفق تغريدة له عن سوريا كتب فيها بأن «حقول النفط التي نوقشت في خطاب حول تركيا والأكراد كانت تحت سيطرة داعش حتى استولت عليها الولايات المتحدة بمساعدة الأكراد…»، وفي اجتماعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال ترامب: «لاحظ نحن نحتفظ بالنفط»
أما فيما يتعلق بالعراق، فقد أعرب الرئيس عن أسفه لأن الولايات المتحدة لم تسيطر على احتياطيات البلاد بعد الحرب. وتعقب المجلة «قد يكون صحيحا أن حقول المنطقة لن تخضع أبدا لسيطرة تنظيم الدولة، لكن من غير المحتمل أن تلعب الولايات المتحدة الدور الأكبر أيضا بدلا من ذلك، ستكون روسيا المسؤولة على الأرض».
وتضيف «قريبا حتى الدولار قد لا يكون له مكان في التجارة، فقد ناقش العراق وروسيا المدفوعات بينهما إما بالروبل أو الدينار بدلا من الدولار لتجنب أي احتكاك بالنظام الأمريكي».
وختمت المجلة بأن «النفوذ الروسي على النفط في العراق وسوريا ليس فقط ضربة اقتصادية طويلة الأجل للولايات المتحدة، بل هو ضربة سياسية أيضا، فالنفط هو العملة الرئيسية في هذين البلدين ، لذلك فإن من يسيطر عليه له دور رئيسي في الجغرافيا السياسية في المنطقة».
فورين بوليسي: مصير النفط العراقي بيد روسيا
بتاريخ : 23/11/2019