شيع لبنان، صباح الأحد 27 يوليوز 2025، الفنان والموسيقار والمسرحي زياد الرحباني، في جنازة وصفت بأنها من أكثر اللحظات وجعا في الذاكرة الثقافية اللبنانية.
موكب الجنازة كما تم نقل ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات تلفزيونية، انطلق من أمام منزله في شارع الحمرا ببيروت، وسط حضور كثيف لمحبيه وأصدقائه وعشرات الفنانين والمثقفين، قبل أن ينقل إلى بكفيا حيث مسقط رأسه ومدافن العائلة.
على طول الطريق، اصطف المواطنون في صمت، ورفع البعض لافتات كتبوا عليها بخط اليد: «وداعا زياد.. صوت الناس»، «غاب اللي ما سكت»، فيما دوى صوت إحدى أغانيه: «أنا مش كافر… بس الجوع كافر»، وكأنه يودعهم على طريقته الأخيرة. بعض النساء أطلقن الزغاريد وسط البكاء، وشبان رددوا مقاطع من أعماله الساخرة والناقدة، خاصة من مسرحيته الشهيرة «فيلم أميركي طويل».
النعش كان ملفوفا بعلم لبناني ونقل في سيارة إسعاف للصليب الأحمر، ترافقه سيارات أفراد العائلة والمقرّبين.
والدته، السيدة فيروز، جلست بصمت ثقيل في المقعد الخلفي، كما نقلت وسائل إعلام لبنانية، تمسك بيد ابنتها ريما التي بدت شاحبة، تواسي والدتها وتغالب دموعها.
ولم تدل العائلة بأي تصريح، بينما اختارت فيروز أن تحضر الدفن في صمت مطلق، دون إصدار بيان أو تأبين، كما لو أنها تودع ابنها بصوت الغياب.
عند الوصول إلى كنيسة «رقاد السيدة» ببكفيا، استقبل النعش وفد كنسي وفرقة من الكشافة، فيما امتلأت الكنيسة بالحضور، وبقي المئات خارجها يتابعون المراسم عبر مكبرات الصوت.
جرى التشييع وفق الطقوس المارونية، قبل أن يوارى الجثمان الثرى في مدفن العائلة.
وسائل إعلام لبنانية، رصدت غياب رسمي ملحوظ طبع مراسم التشييع، حيث لم يسجل كما تقول، حضور فاعل لأي مسؤول حكومي، فيما اكتفت بعض الجهات السياسية بإصدار بيانات نعي مقتضبة، وهو ما أثار استياء العديد من الفنانين الذين رأوا في ذلك استمرارا لتهميش الرجل الذي ظل صوته خارج الاصطفافات، يصدح باسم الناس ويدافع عنهم بفنه.
في مقابل هذا الغياب، حضر الشعب بقوة، محاطا بالوجع والذكريات.
لقد كان الوداع شعبيا، عفويا، حميميا، يليق برجل اختار أن يكون في صف البسطاء، وسخر من السلطة، وعرى الطائفية، وكتب موسيقاه على إيقاع الحروب والمقاهي والحانات والأمل المكسور.
محبو زيادالرحباني، رأوا أنه برحيله، فقدت فيروز ابنها، ولبنان ضميره الفني الساخر، بينما خسر المسرح العربي واحدا من أكثر أعمدته تمردا وشاعرية وصدقا.
فيروز تودع ابنها زياد بصمت موجع… ولبنان يشيعه إلى مثواه الأخير وسط دموع الشارع

الكاتب : جلال كندالي
بتاريخ : 29/07/2025