«ذاكرة للنسيان” هو خامس فيلم قصير للمخرج الهواري غوباري بعد أفلام روائية قصيرة أخرى هي على التوالي: البزطام، تفاحة، بوخنشة، طفل الحب، النشبة. أنتج الفيلم سنة 2022.
يمكن القول بأن الأهم والأصعب والأساسيفي الكتابة السينمائية، هو قدرة السيناريست على رسم ملامح شخصيات معقدة ومتميزة ومثيرة في نفس الوقت. كما يمكن القول أيضابأن أفضل الأفلام هي تلك التي تتحرك في الحكي وتطوره ببطء، وبتناغم مع طبيعة الحكاية والسياق والعناصر المكونة لها. من ناحية أخرى، قد تكون الشخصيات هي المكون الرئيسي للفيلم، لكن من الممكن، كما سنرى في هذا الفيلم للهواري غباري،أن يكون التركيز الدورالذي تؤديه الشخصية أهم.
قام بالأدوار الرئيسية في فيلم «ذاكرة للنسيان»، الممثلة نجاة الوافي في دور المخرجة التي عادت لمسقط رأسها لتصور ولتفضح وضعا مختلا. تقوم بطلة الفيلم بدورها في مواجهة أب لا يستسيغ تحدي السلطة الأبوية ولا تحرُّر المرأة ولو كانت ابنته.كما يقوم الممثل جمال العبابسي بدور الفقيه في الكُتاب القرآني بالقرية، حيث يمارس سلطته العدوانية والشاذة على مرتاديه من الأطفال.
ذاكرة حية.
كانت المخرجة في محنتها على علاقة خاصة بالكاميرا. ما كانت تحاول أن تصوره، هو ما كانت تتمنى أن تراه وليس ما بدا أنها تدينه وتفضحه.
يحضرني وأنا أشاهد فيلم «ذاكرة النسيان»، فيلم Portrait of a Lady، حيث تؤدي الممثلة الأسترالية الأمريكية نيكول كيدمان Nicole Kidmanشخصية ايزابيل. شخصية تتصارع مع نفسها ومع طفولتها لتحقيق ذاتها كأنثى في وسط باترياركالي وذكوري، لا يرى من المرأة سوى كونها موضوع لذة ومعمل إنجاب وآلة خدمات أساسا.
يدفعنا الفيلم للوعي بأننا نحاول أحيانا الغوص في ذكريات لنسيانها أو للتصالح معها بشكل صحيح! إنها مواجهة بين الأنا وذاكرته، يعرض لها الفيلم لنستخلص أن الأمر صعب عندما يكون النسيج الاجتماعي رافضا، أو على الأقل لامباليا بمعركتنا.
يقول محمد عبد الوهاب في إحدى أغنياته عن الحب بين النسيان والتذكر: “هو افتكرني عشان ينساني”.
في الفيلم العالمي الرفيع إبداعيا»Becoming Jane”، تكافح شخصية جين أوستن Jane Austenلتحديد هويتها كأنثى كاملة الكيان والكرامة وقائمة الحرية. يبدع مخرج الفيلم، جوليان جارولدJulien Jarrold،في تصوير تلك الصراعات التي تخوضها البطلة، من خلال مشاهد قوية بصريا، وعبر حوارات عميقة الدلالات والشاعرية.
من أجل تصالح الماضي والحاضر.
حضور وقوة تيار الوعي بضرورة التغيير في هدوء في فيلم الهواري الغباري، يوازي نوعا ما في الفيلم يذكرني بتلك التي في «Portrait of a Lady”، حيث نرى كيف ستواجه المرأة صراعاتها العميقة، بينما تكابد في مقاومة الضغوط الخارجية، فهل سيُحكم عليها؟ وهل سيتم تقدير نضالها؟ وهل سيُسمع صوتها؟
أعتقد أن سحر فيلم “ذاكرة النسيان” يكمن في كيفية نجاح المخرج في كشف وتجسيد صراع المرأة الشخصي، وفي تحقيقها نجاحا في سعيها.
لا تسجل الكاميرا سوى الواقع ولكنها تسجل أيضًا ما نختار لهذه الكاميرا أن تراه، فبطلة الفيلم تعيد زيارة ذاكرتها من خلال إحياء مضمون تسجيلها بطريقتها الخاصة.
ومع ذلك يثيرالفيلم في نظرنا بعض المؤاخذات نشير لبعضها:
لم يكن أداء الممثلين هو الأفضل عندما نضعه في سياق عمق الدلالات المراد إيصالها للمتفرج. لعل الأمر يتعلق أساسا بإدارة الممثل، خاصة بالنسبة للفتاة الصغيرة.
في فيلم الهواري الغباريتعتبرالصورة رائعة، بينما كانت زوايا التقاطللصورةتحتاج بعض الجرأة وشيئا من الإبداع، لتجاوز المألوف والبسيط.
خاتمة.
تبحث النساء دائما عن المساواة،وعن تكافؤ الفرص. يعني ذلك توفير العدل في توزيع الفوائد والمسؤوليات بين النساء والرجال. كون وممارسة دور المخرجة: يرينا فيلم «ذاكرة للنسيان» للهواري غباري وضعا نسائيا مثيرا للجدل للغاية، أعتقد أنه نجح إلى حد ما في طرحه سينمائيا بشكل ملائم.