فيلم «لوسي» للمخرج المغربي عبد الفتاح الديوري بين الذات والهوية

فيلم ” لوسي” ، الذي تمت المشاركة به في مهرجان “شينكيو” الدولي للفيلم القصير بكوريا الجنوبية في شهر نوفمبر2021 هو تجربة المغربي المقيم في المانيا عبد الفتاح الديوري الأخيرة ، قصة من سيناريو عبد الرحيم الحلوي، فراس أبو راشد، وتصوير حميد خردي و إنتاج شركة صورة الجيل الحديد، رجل الأعمال كمال الزعفراني ، الذي يصله خبر وفاة ابنه غسان في بلاد المهجر اثر حادث أليم. يسافر الأب (عزالعرب الكغاط) إلى مدينة هانوفر الألمانية من اجل تسلم جثمان الابن المتوفى.عند خروجه من محطة القطار وفي طريقه إلى مرقد جثمان ابنه، تلقاه الفتاة البوهيمية لوسي (فاطمة الزهراء رمان)، التي تعرض عليه مساعدتها في الوصول إلى العنوان المنشود، مقابل مبلغ زهيد تسد به رمق جوعها وكأس قهوة .. يتبع الزعفراني الفتاة أملا في أن تصل به إلى العنوان المكتوب على الرسالة، التي تحمل خبر الفاجعة ، لكن مسار سفره يأخذ منعرجا أخر، حيث تأخذه الفتاة عبر ثنايا المدينة لتصل به في نهاية المطاف إلى إحدى الجنائن الصغيرة الخاصة والمنتشرة في كل ربوع ألمانيا. في الحديقة، التي تقتحمها لوسي عنوة و من غير إذن مالكها ، يبدأ حوار بين الاثنين عن الهوية وعن الذات في بلد الهجرة ، حيث تنقلب موازين العلاقات من اليقظة إلى الحلم . تشعر الفتاة خلال هذا الحديث ، الذي تفرح فيه بلقاء إنسان يتحدث لغة وطنها الأصلي، بارتياح وطمأنينة إلى جانب هذا الرجل المسن ، كما يشعره وجودها بنوع من الألفة والمؤانسة. ففي هذا اللقاء يتم تقاسم حالة الضياع، ضياع الفتاة في متاهة الحلم بالمستقبل الأفضل، الذي أخذ شكل فقاعات صابونية، رغم تحايلها عليه من خلال استعارة اسم لوسي مكان اسم مولدها صفية، وضياع الأب في عالم كل شيء فيه جديد ، متحول ومفاجئ، و في توزعه بين واجبه تجاه مصابه الطارئ وحيرته في ثنايا هذا العالم الغريب عليه وغير المألوف الفاضح بكل غوايته والتصاقه بجسد ممدد على ركبته وطوع راحته مثل تفاحة ملقاة أسفل الشجرة المنهي عنها. في النهاية يستسلم الأب في خضم عيائه وإنهاكه الجسدي والنفسي إلى إغراء اللحظة، التي يمنحه فيها وجود الفتاة الارتخاء والانسياب والتفكك من جدية الأب وسحنة رجل الأعمال الصارم، فيمتطي صهوة الطيش و مراهقة متأخرة ويخلق من حاضره برهة رعونة بعيدا عن رقابة المكان والزمان. فيبدأ في الرقص مع روح امرأة متخيلة تصدح بمواويل أندلسية حكمت انطلاقة الفلم ونهايته، لينتهي به إلى حالة الانكفاء على الذات والانقياد إلى ذلك الإمتاع المتخيل ، الذي أججه وغذاه جسد الفتاة وهو يتوسد فخضه .
لقد اعتمد فيلم “لوسي” تقنية اللون كتعبير نفسي لحالة الأب، حيث ينطلق المشهد الاستهلالي للفيلم بمشهد الزعفراني وهو يستمع إلى موسيقى الآلة الأندلسية في بيته العريق في أجواء ملونة تمنح الشعور بعالم مثالي يغمره الصفاء والنجاح التجاري . لكن ألوان هذا العالم تنمحي بمجرد قراءته الرسالة ، التي تحمل الفاجعة فتتحول الألوان إلى الأبيض والأسود، تصبغ قتامتها الدرامية المشاهد اللاحقة للفيلم لمدة 12 دقيقة من طول مدة 15،34 دقيقة بشعور الأب الحزين ، حتى مشهد الجنان، حين يشرب الأب من قنينة الخمر، التي أحضرتها معها لوسي، فيعود المشهد إلى ألوانه الطبيعية في غاية عنفوانها وصور مليئة بالفرح و الرقص الطفولي . لقد عملت الموسيقى، التي أنجزتها انبيل ريكسن والمنتقاة من معزوفات ذاتية ومواويل الأطلس وتقاسيم شمالية مغربية وغربية.، على أن تعوض تلك الوتيرة السريعة في البنية الدرامية للفيلم ، التي تتالت فيها المشاهد ، بين الصورة و العتمة ، في غياب تصاعد درامي مبرر للحدث، و هو ما جعل الفيلم يبحث في مشهد سكونه الأخير عن نهاية مثالية جاءت غير متوقعة.


الكاتب : برلين: من إدريس الجاي

  

بتاريخ : 23/01/2021