تحظى أفلام المخرج هشام العسري بحضور في الساحة النقدية السينمائية. فبالإضافة إلى الكتابات النقدية التي تتناول أفلامه و تجربته، هناك مقالات سينمائية ينشرها، ثم هناك كتب يؤلفها. و هذا ما يجعل الكتابة حول أفلامه لها أهمية، يستوجبها نشاطه الدؤوب. و هذا أيضا ما دفعني للكتابة حول فيلمه الأخير، الذي يحمل عنوانا شعبويا و صادما. ينطوي على تجريح في شخصية المغربي، إن لم نقل إهانة « مروكية حارة ».
من الناحية الإصطلاحية، كلمة مروك جاءت من كلمة ماروك، و هي التسمية الفرنسية لبلاد المغرب. و كلمة مروك جاءت من الجزائر. وينطقها بعض الجزائريين بدل كلمة المغاربة، ليس بقصد الإهانة. و إنما سبب ذلك يرجع إلى تعرض بلاد الجزائر للإحتلال الفرنسي، الذي قضى أطول مدة إحتلال مقارنة مع باقي البلدان العربية. و هذا ما يجعلني أتفهم نطق الجزائريين بهذه الكلمة عندما يقصدون بها المغاربة. لأن ذلك جاء من التوغل الفرنسي في المجتمع الجزائري. و بالتالي توغل اللغة الفرنسية في اللسان الجزائري. هنا يمكن أن نعرف سبب استعمال كلمة مروك بين الجزائريين و نتفهمها. أما كلمة المروك أو المراركة في اللسان المغربي فهي قدحية. و كانت تستعمل لوصف الناس الإنتهازيين و السيئي السلوك عامة.
منذ اللقطات الاولى، تصف الشخصية الرئيسية المغاربة بالمروك: … «لقيت راسي حتى أنا مع المروك». و تعيدها في المشهد التاني: …«أنا حليت عينيا لقيت راسي فالمروك»… «المروك أجمل بلاد فالعالم…» و في اللقطة يظهر حي صفيحي فقير بين عمارات. …«تحكي عربي و ما يفهم عربي»… «الحضية فالدم.» التجسس يجري في دم المغاربة… «المروك بلاد لاباس عليها، وكلشي مكمل غير بالدفال»… المغرب بلد غني و كل المغاربة يكملون باللعاب (…!).
يستغل الفيلم الطابع الروائي، دون أن يقدم رواية أو قصة. مضمونه يدور حول شخصية واحدة محورية رئيسية: تهيمن على كل مشاهده. بها يبدأ الفيلم عند استيقاظها في الصباح ، لتمر عبر مجموعة من المحطات فينتهي بها على سطح بناية. إذ بدأت صباحها بالبصق على كل شيء أمامها: حلمها، بيتها، عمارتها، عائلتها، دربها، شخص ينظر اليها، مجموعة من الشباب الجالسين في المقهى الذين لا هم لهم سوى مراقبة المارة، و تصفهم بالمتسخين و تقارن قبح وجوههم و مظاهرهم، بجمال شباب ( المجتمعات النظيفة الشقراء ذات العيون الزرق) (الغرب). و تبصق حتى على رنة هاتفها: و هي عبارة عن تلاوة القرآن (؟!)، و للتستر على البصق على القرآن، يمزجها الفيلم بصوت خفيف للتلفزيون! و ينتهي بها مطاف الفيلم على سطح بناية.
يمكن أن نصنف الفيلم ضمن سينما النقد الذاتي، أي تلك الأفلام التي تهدف إلى نقد المجتمع و المحيط الذي يندمج فيها صناع تلك الأفلام. لكن النقد في «مروكية حارة» يعاني من اضطراب فكري كبير واضح، رغم أنه مستتر وراء مجموعة تقنيات اعتمدها لدورها الشكلي الذي يمكن أن يدوخ المشاهد أو يموهه حتى تصعب عليه عملية التلقي. و أبرز هذه التقنيات، الكاميرا المتحركة.
يمكن التدليل على ذلك الإضطراب من خلال البحث عن إجابة على السؤال التالي: ما موقف المخرج من شخصيته الرئيسية خديجة؟ فخديجة ناقمة على مجتمعها و الوسط الذي تندمج فيه، (الصورة المصغرة و المفترضة للمغرب). فهي ناقمة من هذا المجتمع و الوسط، إلى درجة البصق على كل شيء أمامها. بما فيه عائلتها و والديها. و بسبب الظروفه المادية لوالدها يستعد للتنازل عن الأخلاق. و في نفس الوقت متمسك بالإسلام.. متمسك بالمصدر الأخلاقي الذي كونه كإنسان ينتمي إلى ثقافة و حضارة، دون التمسك بالأخلاق!!. و يشترط على ابنته أن يكون زوجها الأوروبي المقبل، و الذي تلهث وراءه معتنقا الإسلام.. يقبل أن تكون إبنته مومسا بشرط ألا تحمل في بطنها، لا لشيء إلا لأننا في سنة 2022!.
مجموع المحطات التي تمر بها شخصية خديجة.. محطات مكتضة برسائل النقد الذاتي. ابتدأ من استيقاظها من الحلم، و إنتهاء بوصولها سطح البناية. و في كل محطة ، يبعث الفيلم برسالة أو مجموعة رسائل النقد الذاتي. و لتمرير هذه الرسائل، اعتمد عملية المخاطبة المباشرة للمشاهد. أي إخراج الشخصية من موقعها في الحدث الفيلمي لتخاطب المشاهد مباشرة. لكنه يعاني من مشكلتين رئيسيتين:
أولها، أن هذه الرسائل تعج بدورها بشتى أنواع القدف و الشتم للمواطن المغربي البسيط (المشاهد المفترض) ابتدأ من وصفه بالمروكي و وصف الشعب المغربي بالمروك. إلى العديد من أنواع الشتم و القذف و حتى البصق.
تانيها، أن هوس تمرير هذه الرسائل، حلل البنية الفكرية للفيلم بشكل مهول إلى درجة التناقض. و أحيانا إلى درجة العبث الفكري والعشوائية في بنية الشخصيات و مواقفها. فعندما تُطرد خديجة من وظيفتها مثلا، تخاطبنا و هي تنظر إلى مشغلتها: «كون كنت فشي فيلم ميريكاني ، نتعرى على امها، و لكن مع الفقهاء لي عندنا ما يدوزش». فتوجيه الانتقاد إلى جهاز الرقابة لأنه يمنع المشاهد الجنسية، يستوجب الموضوعية المُستمَدة من البناء الدرامي و الروائي للفيلم. هذا من ناحية بنية الفيلم. أما من ناحية بناء الشخصيات: ما الفائدة من خلع خديجة ملابسها احتجاجا على طردها من عملها؟ و هذا هو السؤال الافتراضي عند المشاهد.
هل يقدح الفيلم المغاربة عندما يصفهم بالمروك ؟ يمكن أن يستتر الجواب وراء تلك الكمية الهائلة من التقنيات السينمائية: اضطراب التصوير. كثرة الموسيقى و تعدد أنواعها. الملابس الغريبة…الخ. لكن و بسبب الإضطراب في البناء الفيلمي – و يا لها من مفارقة – نجد الجواب منفلتا ليتضح في ردة فعل خديجة عندما وصفتها مشغلتها بالمروكية و هما في سيارة الشرطة.