مثل جمال الصباني، الفدرالية الدولية للعاملين العلميين (FMTS-WFSW) في أشغال مؤتمر النقابة الوطنية للتعليم العالي SNESUP-FSU في مدينة أنجير الفرنسية (Angers) بصفته أمينًا عامًا للفدرالية.
وقدم بهذه المناسبة عرضًا يوم الثلاثاء 3 يونيو 2025 في الجلسة العامة المخصصة «للنقاش الدولي»، كما شارك في أعمال عدة لجان، وخاصة اللجنة الثانية حول «تعزيز دمقرطة التعليم العالي» يوم 4 يونيو 2025.
في كلمته التي ألقاها جمال الصباني، بعد ظهر يوم الثلاثاء، تطرّق إلى بعض مراحل تاريخ الفدرالية منذ تأسيسها سنة 1946 إلى اليوم، فذكر بأن مؤسسها هو الفرنسي بيير جوليو كوري (Pierre Joliot-Curie) الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء النووية. جاء هذا التأسيس كرد فعل على تفجير القنبلة النووية في كل من هيروشيما وناغازاكي.
اتسم الوضع العالمي آنذاك بالحرب الباردة، في عالم منقسم بين المعسكر الشرقي والغربي. هذا الانقسام طبع السنوات الأولى من عمر الفدرالية، حيث كانت ملتزمة بمبدأ «العلم يجب أن يكون في خدمة الإنسانية وليس لتخريبها»، واتجهت جهودها بشكل خاص نحو التعبئة لمناهضة السباق نحو التسلح.
تزامن التأسيس مع اهتمام اقتصادي واجتماعي بالعلم لتلبية الاحتياجات الاستهلاكية الملحة، لا سيما الغذاء، في سياق إعادة الإعمار.
وبمرور الوقت، وسّعت الفدرالية نطاق اهتماماتها لتشمل القضايا الأخلاقية وظروف عمل العاملين في المجال العلمي ودور العلم في التنمية المستدامة، مع الحفاظ على التزاماتها بمعارضة الحروب والسباق نحو التسلح.
وأضاف أن العالم اليوم أصبح متعدد الأقطاب وغير مستقر، مما يجعل العلاقات الدولية أكثر تعقيدًا، مع وجود منافسة اقتصادية أكثر شراسة بين الدول والشركات متعددة الجنسيات، مما يخلق منطق غزو جديد.
وذكّر بأن الفدرالية تضم حاليًا 22 منظمة موجودة في أربع قارات: أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا. وقد بذلت الفدرالية جهودًا لتشبيب هيئاتها الإدارية وتأنيثها. كما أن إدارتها أصبحت أكثر انفتاحًا دوليًا (رئاسة فرنسية-إسبانية، وأمين عام مغربي، وأمين المال فرنسي، ومسؤولة الاتصالات برتغالية).
يعقد جهازها التنفيذي (السكرتارية الدولية – Secrétariat International) اجتماعات شهرية عن بعد، بالإضافة إلى مجموعات عمل حول عدد من المواضيع (السلام، نزع السلاح، التعاون، الطاقة، المناخ، ظروف عمل الباحثين، وضعية النساء العالمات في مجال العلوم، البحث في أفريقيا، والمشاركة في أنشطة اليونسكو).
وبخصوص هذا الموضوع، نظّمت الفدرالية مؤخرًا ندوة جهوية بالشراكة مع اليونسكو في جامعة محمد الخامس بالرباط (28 و29 نوفمبر 2024) حول «تنفيذ توصية اليونسكو بشأن العلوم المفتوحة في المنطقة العربية». وكانت هذه الندوة مناسبة للإشادة بفاطمة الفهرية.
بعد ذلك، تطرق جمال الصباني إلى طريقة اشتغال الفدرالية، حيث إن مجلسها الإداري يجتمع مرتين في السنة (مرة حضوريًا ومرة عن بعد)، وكانت الاجتماعات الحضورية في سنة 2023 في إيفورا بالبرتغال، وفي سنة 2024 في بكين وهوزوه بالصين، وفي سنة 2025 في باريس.
منذ سنة 1946، أظهرت التغييرات المذهلة مدى الدور الذي لعبه التقدم العلمي في تسريع التغييرات المجتمعية. ففي أغلب الأحيان تُستخدم المعرفة العلمية اليوم لخلق أشكال استهلاك جديدة، وأحيانًا عديمة الفائدة أو حتى خطيرة، تساهم في استنزاف الموارد الطبيعية.
هذه الديناميكية هي جزء من المنطق الاقتصادي السائد الذي يعتمد على غزو الأسواق، حيث يُستخدم الابتكار العلمي لتصنيع منتجات مصممة لتحفيز الاستهلاك، دون أن تؤخذ دائمًا في الاعتبار العواقب البيئية أو الاجتماعية.
ومن الأمثلة الصارخة بشكل خاص: القطاع الرقمي، الذي يمثل حوالي 4% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمي. وتولد هذه الصناعة في الواقع قدرًا كبيرًا من التلوث المرتبط باستخراج المواد الخام.
وفي الوقت نفسه، تُستخدم المعرفة العلمية في بناء أسلحة أكثر فتكًا من أي وقت مضى، مما يؤكد الاستخدام المدمر المحتمل للعلوم.
من جهة أخرى، فإن الاعتماد المالي للباحثين، المرتبط في كثير من الأحيان بعدم كفاية التمويل العمومي، يقوض الاستقلالية العلمية ويغذي أزمة الثقة في العلوم. ويؤدي هذا الوضع إلى أن البحث العلمي يتجه نحو البحث التقني والابتكار لإنتاج فائدة اقتصادية فورية، مما قد يؤدي إلى انحراف الأولويات العلمية.
كما أن صعود اليمين المتطرف في العديد من البلدان في السنوات الأخيرة ينذر بمزيد من نُشوء شوفينيات وإمبرياليات أكثر عدوانية. لقد عشنا عدة أمثلة للهجمات على القانون الدولي وعلى الديمقراطية، والجديد هو الهجمات على العلوم.
كل هذا يجب أن يعزز صمودنا في أداء الدور النضالي من أجل السلام والتعاون بين جميع الشعوب.
في أشغال الفيدرالية الدولية للعاملين العلميين في مؤتمر التعليم العالي بأنجير .. جمال الصباني: على العلم أن يخدم الإنسانية لا أن يكون أداة لتدميرها

الكاتب : مراسلة خاصة
بتاريخ : 06/06/2025