في أعماق اللغة الأخرى

مِثْلَ شاعرٍ
يتطاول على حلمٍ لا يراهُ
يمد خياله خلف الورقة البيضاء
عساه يرى ما يَسرٍقهُ..
كنتُ جار طفولتي، أبني كناية لها
خلف الشَّلال
أُكْثِر من قراءة المستحيل:
أيها الغدُ
فَسِّرْ لنا انحناءة اليد على خطوطها
وقَبِّلْ يقينها بحظَّيْن!

هكذا، صرتُ في داخلي
أُقيمُ بعيدا
كلما شهقتْ أسرابُ لغتي
ارتطمتْ موجةٌ بالأضلاع

أنا مغارةُ نفسي
على جدراني لغةٌ قديمةٌذلست متيقنا أنني أعرفها
وحتما لستُ أريد فَكَّ أبجديتها
كل صوتٍ حجرٌ
كل حجرٍ لبنةٌ
لأشيد جدران معازلي
قبلي قلاع كثيرة
بُنِيْتْ بالكلمات……
وغرف تقبع في مجاز الصامتين
كالأمنيات…

أنا مخطوطة نفسي
أقرأني في عتمة مستحكمة

لا أعرف بالضبط أين ستقودني اللغة
في احتمالات الخطيئة
قد أكون من سدَّدَ
بندقيته إلى حمام غار حراء
ودهس نملة سليمان بِجُنْدي القدامى
قد أكون من جعل الغراب حماما زاجلا
نكايةً في الحرب الأهلية
قد أكون موظف الضرائب
منقطع المكيدة
أَصْرِفُ الهدهد عن مَلِكه
وفي كل الحالات
بالكلام أضيءُ
في عمائي المطلق
تنام الشجرة الأولى
كما الأشياء الأخرى في المجهول..
عمَّر أفلاطون طويلا في كهوفي
قبل أن تبعدني عنه
شريدا
حياةٌ عمياء…

اِلْتَهِمْها
كما يلتهم متعبد مغولي بعينيه
سماءً زرقاء،
يقول الجائع
أشِحْ بوجهك عنها
يقول الأعمى
لا تُنصِتْ إليكَ
يقول الأبكمُ
ما لا تسميه اللغة القديمة منطفئ
لا تحاول
إلا كما يحاول مسَّاح الخراب
في سكرة شديدة..

كلما سميتَ شجرة
أضاءتْ
كلما لامستَ
بالاسم
حجرا،
أضاءَ
تُشعل كلمات وتتقدم
كمن يحمل فخاخا
من خشب ومعنى..
تتقدم بالكلمات التي تضيئها
أنت من داخلك
تتقدم إلى حين تدرك بأنك الكلمات المضاءة
فتنطفئ عند باب المغارة..
مع الضوء تماما!

مِثْلَ شاعرٍ
يتطاول على عمر لا يراه
أذكر أنني شيعتُ نفسي بطريقة أفْضَلَ في المرة السابقة
أحضرتُ غيوما بيضاء
وسيدةً بمظلتين تلبس الأسود
وأحضرتُ أصواتا وضحكاتٍ
وخريرا بلا وادي
كلما صرَفْتُ النظر عن العمر
نسيتُ المزيد من التفاصيل.
أجهل تماما إن كان اليوم ممطرا
أو متوالية نقاط للرتابة
وإن كان ألمي
في متناول حزنهم هؤلاء المشيعون
الذين دَوَّروا دعوات مستعملة..
كانت
جنازة غير دقيقة التفاصيل
بسبب نقص في اللغة
أذكر فقط أن الموت، كان دلو العابرين
لاستعمال الحياة!

من يضمد هذا الشك؟

بعد الإقلاع عن الحدس
وانعتاق الروح
من ورطة الحواس…..
نكتشف أن
الروح خرير الحواس يا سقراط؟
مثلَ شاعر
كان الطفل يقول:
أنت مليء بالأرواح أيها القط..…
ليعزي أسلافه في السماء

مثلَ شاعر
لوَّن حدسه بالأسود
ورسم بمزاج ثمل
مشهدا خريفيا
المظلةُ للريح
والتنورةُ للشمس
والضَّحكُ.. لِحَفّاري القبور!


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 14/10/2022