في أفق المؤتمر الثامن للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات :في الورقة السياسية والتنظيمية اصلاح المنظومة التربوية للحد من الأمية والانقطاع والهدر المدرسيين في صفوف الفتيات

صادق أعضاء المجلس الوطني للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات، بالإجماع، على مشروع الورقة السياسية وورقة القوانين والأنظمة والقانون الأساسي في آخر دورة لها بالرباط، في أفق المؤتمر الوطني الثامن التي اختار لها شعار : تحرر- مساواة – عدالة أيام 6 – 7 – 8 أكتوبر 2022 بالمركب الدولي للطفولة والشباب ببوزنيقة .
ولأهمية هذه المقررات ننشرها كالتالي :

التمكين الاقتصادي للمرأة:
تحديات ورهانات

تعزيز التمكين الاقتصادي للنساء و الارتقاء بأوضاعهن الاجتماعية يصطدم بواقع ارتفاع نسب الفقر والهشاشة والامية وكذا الاسر التي تعيلها النساء وآثار ذلك على الأوضاع الصحية والتعليمية لهذه الأسر، إضافة الى ما تعرفه السياسات الحكومية المتعاقبة ضعف حكامة التدبير ومحدودية البرامج وغياب التنسيق والالتقائية على مستوى هذه السياسات في مختلف القطاعات، خاصة حينما يتعلق الأمر بالقطاعات ذات الصلة بالنساء وقضاياهن ومطالبهن المجتمعية.
يتوجب من منظورنا كنساء اتحاديات لرفع تحدي التمكين الاقتصادي للنساء وتعزيز حقوقهن و العمل على:
• تسريع بتفعيل البرنامج الوطني المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء في 2030 مغرب التمكين بتوفير الموارد المالية اللازمة وتحقيق أهداف الاندماج الاقتصادي للنساء على قاعدة تكافؤ الفرص والمساواة؛
• الإسراع بإنجاز اصلاح حقيقي وشامل للمنطومة التعليمية من خلال تفعيل قانون اطار 51.17 الذي تمت المصادقة عليه في البرلمان سنة 2019، وذلك لتمكين المرأة من حقها الدستوري في التعليم وتامين تمدرس الفتيات في العالم القروي والشبه حضري والقضاء على الهدر والانقطاع المدرسي الذي تكون ضحيته الفتيات؛
• تسطير برامج للتكوين المهني لصالح النساء والتكوين المستمر في قطاعات الشغل المختلفة في شتى الميادين وخاصة في المجال الحقوقي؛
• توفير فرص الاستثمار لصالح النساء والتشجيع على الأنشطة المذرة للدخل وتوفير القروض اللازمة؛
• العمل على فتح المجال واسعا امام الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة بما يساهم في تمكين المرأة اقتصاديا في هذا المجال وخلق فرص لمهن جديدة ومستقبلية تتلاءم مع المتغيرات الحاصلة في عالم التكنولوجية الجديدة على قدم المساواة مع الرجل ؛
إرساء دعائم الدولة الاجتماعية ضمانة أساسية للحقوق الاجتماعية للنساء
تمثل الحقوق الاجتماعية تمثل جزءا لا يتجزأ من حقوق الانسان في شموليتها، بحيث يصعب فصلها عن وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالنظر للأدوار التي ينهض بها المواطنون والمواطنات نساءا ورجالا في المسيرة الديمقراطية والتنموية ببلادنا، ذلك ان بناء بناء مجتمع ديمقراطي حداثي يقوم على المساواة والعدالة الاجتماعية والتضامن وكرامة العيش يتوقف ارسائه على الزامية إعمال هذه الحقوق على أرض الواقع في الحياة العامة للمواطنات والمواطنين.
ويعد تمكين النساء من هذه الحقوقفي منظورنا كحزب ديمقراطي حداثي أحد الركائز الأساسية للاستثمار الفعلي والناجع لهذا الرأسمال البشري الوازن في المجتمع المغربي المتمثل في النساء وقدرتهن على الإسهام الفعلي في المسيرة الديمقراطية والتنموية لبلادنا، ولتحقيق ذلك فإن تعزيز أدوار النساء وتحسين أوضاعهن بما يساهم في تحررهن الفكري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ترسيخا لمبدأي المساواة والعدالة الاجتماعية ويجسد بالملموس تملك النساء لعناصر القوة السياسية على جميع المستويات التي تتواجد فيها المرأة سواء من موقع المشاركة أو اتخاذ القرار، ولعل توفير الدولة والحكومة لضمانات وشروط التمتع بحق النساءفي العيش الكريم وفي التربية و التكوين وفي الصحة وفي السكن، وفي الامن والاستقرار ،ّوفي الحماية الاجتماعية … يعد في نظرنا كمنظمة نسائية مؤشرات لقياس مدى تقدمنا على مستوى تحقيق المطالب النسائية على ارض الواقع.
ويمكن القول أن بلادنا قد انخرطت في مسلسل النهوض بأوضاع النساء كما سبق الذكر (تجربة التناوب التوافقي)، (الخطة الوطنية لإدماج المرأة، مدونة الأسرة، دستور 2011) بما يساهم في اليات علاقات اجتماعية إنسانية داخل المجتمع المغربي تقوم على التوازن بين الحقوق والواجبات و التفعيل الحقيقي لمبدأ المساواة في أفق المناصفة.
وفي هذا الباب لابد من الإقرار أن حزبنا من خلال اختياراته ظل يعتبر المسألة الاجتماعية قضية محورية في نضالاته من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع،و من أجل الارتقاء بأوضاع الانسان المغربي بتوفير شروط عيشه الكريم ، حيث ربط ذلك بالدولة الاجتماعية الراعية،لأنه لا دولة اجتماعية دون إقرار فعلية حقوق الانسان المرتبطة بالمساواة الكاملة (مأخوذ من كلمة الكاتب الأول). ويتضح من ذلك أن إرساء دعائم الدولة الاجتماعية يعد صمام امان للحد من الفوارق و التفاوتات الكبرى على مستوى الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية بين النساء والرجال، وللقضاء على مظاهر الفقر والهشاشة التي تعاني منه النساء بنصيب اوفر.
ويمكن استجلاء واقع الحقوق الاجتماعية من خلال المجالات التالية:
1) المجال الصحي: فعلية الحق في الصحة ضمانة لحياة كريمة لنساء

يعرف الواقع الصحي ببلادنا اختلالات بنيوية ووظيفية نتيجة للسياسات العمومية المنتهجة من قبل الحكومات المتعاقبة الى اليوم، مما اثر سلبا على أداء المرفق الصحي ومردوديتهمن تقليص في الموارد المالية، حيث تصل الميزانية الى 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام وهي اقل بكثير من المعايير الدولية الموصى بها، وتراجع الخدمات الصحية المرصودة، كما تعرف ضعف العرض الصحي وعدم تكافؤ العلاجات الصحية مجاليا، وغياب التنسيق والتوزيع العادل للموارد البشرية على المستوى المجالي نظرا لقلتها وهجرة الأطباء الى الخارج (30 في المائة من الأطباء المغاربة في فرنسا) بالنظرلغياب فرص التحفيز المادي والمعنوي والنقص الحاصل في المعدات والتجهيزات خاصة في المناطق القروية التي تعرف عزلة ، وبحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي فإن القطاع العمومي للصحة يتوفر على 12 الف طبيب وطبيبة مقابل 13.500 بالقطاع الخاص. وهنا يبرز التفاوت الصارخ بين القطاعيين العام والخاص، وكذا الخصاص المهول في القطاع العمومي الذي يحتاج بحسب إحصائيات رسمية الى 30.000 طبيب و60.000 الف ممرض وممرضة.
وقد ساهمت الازمة الصحية لكوفيد 19 في تعرية الواقع الصحي ببلادنا على مستوى هشاشة البنيات التحتية ومحدودية التمويل، وقلة الموارد البشرية المؤهلة من أطباء و ممرضين وأقسام العلاج في غياب تغطية صحية واجتماعية شاملة، مست جميع الفئات الشعبية وعلى الخصوص النساء في المدن وهوامشها والقرى والمناطق النائية التي تعرف عزلة، ونذكر على سبيل الحصر ضعف الخدمات في مجال الصحة الإنجابية والتي تمس بالحق في الحياة بالنسبة للأم والطفل، وغياب الاشراف الطبي على الولادات، حيث تسجل معدلات مرتفعة في وفيات الأمهات أثناء الحمل والأطفال عند الولادة، مما يكشف فشل نظام رميد وعجزه عن الاستجابة للفئات الهشة لتوفير خدمات صحية بمواصفات الجودة والمساواة للجميع، وحجم التحديات المطروحة التي وجب رفعها من قبل المسؤولين الحكوميين للعمل على تنفيذ التزامات المغرب المتعلقة بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة والتنمية المستدامة، بما يساهم في تحقيق الامن الصحي ببلادنا والذي تحددت معالمه الأولية بالإجراءات الاستباقية المتخذة لاحتواء أزمة كوفيد 19 (توفير اللقاحات، مراكز استقبال المصابين). وعلة أهمية هذه التدابير التي جسدت إرادة ملكية حكيمة فإن إرساء دعائم منظومة صحية قوية ومستدامة يتطلب في نظرنا إرادة سياسية قوية تقوم على:
• تأهيل حقيقي للمنظومة الصحية طبقا لأفضل المعايير في تكامل بين القطاعين العام والخاص (خطاب صاحب الجلالة في افتتاح الدورة التشريعية الأولى الولاية الحادية عشر 8 أكتوبر 2021)؛
• دمقرطة الولوج للخدمات الصحية ومجانيتها على مستوى المجالات الترابية والفئات الاجتماعية خاصة الفئات ذات الدخل المحدود؛
• سن سياسية عمومية صحية تقوم على الحكامة والالتقائية والتنسيق بين القطاعات المعنية وتضمن السيادة الدوائية؛
• إعمال مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص لصالح النساء خاصة في المناطق القروية والنائية والشبه حضرية فإن الأمر يتطلب من منظورنا مراجعة شاملة للقوانين المؤطرة للمجال الصحي ذات الصلة بالصحة الإنجابية، والحق في الإجهاض عند وجود خطر صحي ونفسي يهدد حياة المرأة الحامل؛

2) في مجال الحماية الاجتماعية: ثورة هادئة تتطلب مسؤولية التنزيل

تعد الحماية الاجتماعية من بين الأوراش التنموية الكبرى التي جاءت في سياق مواجهة تداعيات الأزمة الصحية كوفيد 19، حيث اعلن صاحب الجلالة عن ضرورة إرساء حماية اجتماعية لفائدة جميع المواطنات والمواطنين وتعتبر من منظورنا كحزب اشتراكي ديموقراطيحقا من حقوق الانسان لمجابهة المخاطر الاجتماعية المحدقة بفئات عريضة المجتمع لاسيما في و غير المهيكل (الفلاحة، الصناعة، التجارة…) نساءا ورجالا. وبذلك تشكل منظومة متكاملة من الاليات والإجراءات التي تتجاوز المقاربة الضيقة للمساعدة أو الدعم الاجتماعيين. كما نعتبر أن تحقيق مجتمع الكرامة و المساواة والتنمية الشاملة يتوقف أساسا على الاستثمار في الانسان في البعد المتعلق بالحماية الاجتماعية بما يضمن تماسك المجتمع وتضامنه و تفعيل المساواة كما نص عليها الدستور في هذه الباب. ولذلك نؤكد كحزب يؤمن بالحقوق الاجتماعية بضرورة تحمل الدولة لمسؤولية تنزيل هذه الحماية في شموليتها لضمان استفادة جميع المواطنات والمواطنين منها قصد وتقليص الفوراق الاجتماعية في هذا الاطار وتمكين الفئات المعوزة والفقيرة والمهمشة من الاستدامة في الحق في الحماية الاجتماعية، لأنها تشكل ألية أساسية للتمكين الحقوقي القائمعلى المساواة بعيدا عن أي دعم خيري او احساني موسمي.إن الأمر يتعلق في منظورنا باستراتيجية متكاملة ناظمة لسياسات مندمجة وحكامة تدبير فعالة وهذا لا يتأتى الا بإرساء دعائم الدولة الاجتماعية الراعية للحقوق والانصاف حفظا لكرامة المواطنات والمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ومن هذه الزاوية، يمكن مقاربة واقع النساء على مستوى الحماية الاجتماعية ومدى الاستفادة منها على قدم المساواة مع الرجال، فإذا كان تعميم ولوج النساء للخدمات الصحية يعرف ضعفا كبيرا بحيث تعتبر النساء أكثر تعرضا للحيف في الولوج لهذه الخدمات ، وهذا ما رصده تقرير المندوبية السامية للتخطيط حول تحليل تأثير فيروس كورونا على الوضع الاقتصادي و الاجتماعي والنفسي للأسر حسب النوع الاجتماعي سنة 2021، حيث أكد التأثير القوي لهذه الجائحة على الأوضاع المادية والاجتماعية للأسر التي تعيلها نساء ، والتي انقطع مصدر دخلها إبان الحجر الصحي، ونذكر في هذا الإطار العاملات( في الحقول، التعاونيات الفلاحية، في الحمامات، في مجال الترفيه والغناء الشعبي (شيخات)، في المنازل، في المقاهي والمطاعم ، في النظافة…)، الاجيرات في القطاع الخاص وفي القطاع غير المهيكل، المياومات … بل أكثر من ذلك أن هذا التأثير طال الاستقرار السكني لهذه الأسر التي تهددت بالتشرد لعدم القدرة على سد فواتير الكراء أثناء الأزمة .
على هذا الأساس نعتبر كمنظمة نسائية أن التمكين الاجتماعي للنساء بما هو حق من حقوق الانسان فهو واجب على الدولة في مواصلة المجهودات من اعلى مستوى لصون كرامة المرأة من اجل مجابهة المخاطر التي تهدد الحياة الإنسانية للعديد من النساء في مجتمعنا.
وفي اطار اعمال منصف عادل وشامل لهذه الحماية الاجتماعية للنساء فإننا كمنظمة نسائية نؤكد على:
• الإسراع بتفعيل القانون الاطار 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية من حيث إعداد القوانين التنظيمية المؤطرة له، وتوفير ضمانات الحكامة الجيدة في التدبير والتسيير مع ربط المسؤولية للمحاسبة لتأمين استدامة مردودية هذا الورش الاجتماعي الكبير؛
• العمل على تسريع اخراج السجل الاجتماعي لتحديد الفئات المستهدفة لتخويليها من التغطية الصحية والاجتماعية؛
• توفير التمويل الضروري والكافي لإرساء هذه الحماية واستدامتها على المدى المتوسط والبعيد؛
• الرفع من الميزانية المخصصة لورش الحماية الاجتماعية في قوانين المالية الآنية والمستقبلية؛
• القيام بمسح شامل لجميع النساء على مستوى المجالات الترابية والمهنية و اللواتي يشتغلن خارج أي حماية قانونية للاستفادة من الحق في الحماية الاجتماعية على أساس الإنصاف و تكافؤ الفرص؛

3) التعليم ركيزة أساسية لترسيخ قيم المساواة والانصاف وتكافؤ الفرص في المجتمع:

طيلة مساره النضالي،ظل الاتحاد الاشتراكي يعتبر قضية التربية والتعليم قضية مجتمعية، حيث ربط بين ضرورة إصلاح المنظومة التربوية، وبين الإصلاحات في المجال الديمقراطي والمؤسساتي ببلادنا منذ الاستقلال. وذلك بالنظر لدورها المحوري في اعداد الناشئة والاجيال وفي تحقيق التطور والتنمية المجتمعية. وإذ نؤكد كمنظمة نسائية على أهمية الاستثمار في النساء على أهمية الاستثمار في الانسان المغربي على مستوى التربية والتعليم والتكوين، نعتبر أن إرساء مدرسة مغربية بمقومات الجودة والانصاف وتكافؤ الفرص تمثل احدى دعائم المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي.
غير أن توالي الإصلاحات وفشلها في تحقيق الأهداف المسطرة أثر على مردودية هذا القطاع افقيا وعموديا، مما تراكمت العديد من الإشكاليات التي همت:
• تحدي تعميم التمدرس والولوج إلى التعليم على أساس تكافؤ الفرص بين الاناث والذكور، وبين المجالات الترابية وضعف في تحصيل الدراسي، وظاهرة الانقطاع والهدر المدرسي وكذا الجامعي، عدم ملائمة المناهج والبرامج التعليمية لمستجدات و متطلبات سوق الشغل وغيرها.
وإذا كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد وضع أسس لإصلاح المنظومة التربوية (1999)، فإن المخطط الاستعجالي لتفعيله فشل في تحقيق أهدافه. ويمكن اعتبار الرؤية الاستراتيجية 2015/2030 والقانون الإطار 51.17 الذي تم التصويت عليه في البرلمان 2019، يمكن اعتباره من أهم القوانين الداعمة للإصلاح ، وهنا وجب التذكير بمساهمة الحزب في إطار المشاورات التي أطلقها المجلس الأعلى لتربية والتكوين بمذكرة هامة أكدت على ضرورة وضع اصلاح شامل بنفس استراتيجي وملزم بمدونة قانونية لا ترتهن بزمن سياسي معين ، بل تهم المجتمع والأجيال المقبلة، وتعبئ كافة الفاعلين التربويين والاجتماعيين والاقتصاديين حول ضرورة هذا الإصلاح. والسؤال الذي يطرح علينا اليوم هو: اية تدابير سياسية في ظل الحكومة الحالية لتفعيل هذا الإصلاح وجعله احد المرتكزات الداعمة لإرساء النموذج التنموي الجديد؟ كيف يمكن استرجاع الثقة لهذا المرفق الاجتماعي الحيوي الكبير؟ كيف يمكن تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية لتمكين النساء من التمتع بالحق الدستوري في التربية والتعليم والتكوين؟ الى أي حد يمكن جعل هذا الحق دعامة للقضاء على الأمية المستشرية في صفوف النساء والادماج الفعلي لهن في سيرورة التنمية ببلادنا؟ أية تدابير للقضاء على الهدر والانقطاع المدرسي للفتيات في العالم القروي رغم الجهود المبذولة على مستوى تعميم التمدرس؟
ما يهمنا في هذا الإطار، هو طرح الأسئلة الكبرى والتي ستظل مفتوحة مادام اصلاح المنظومة لم يأخذ طريقه بعد نحو التفعيل الحقيقي من خلال توفر الإرادة السياسية وضمانات المالية لقانون اطار 51.17.
من المؤكد أن هذا القطاع الاجتماعي الكبير يستقطب موارد بشرية هامة في جميع القطاعين العمومي والخصوصي وفي كل الاسلاك، حيث تشكل الأطر التربوية النسائية أكثر من النصف ، وهذا يعد مؤشرا هاما لجلب الكفاءات النسائية في شتى مواقع المسؤولية التربوية والإدارية والتقنية وغيرها. غير أن حكامة تدبير هذا المرفق أفقيا وعموديا وانتشاره مجاليا على مستوى الجهات والأقاليم،وكذاالمجهودات الكبيرة لإرساء الجودة وتكافؤ الفرص بين التلاميذ، وبين الوسط الحضري والقروي، من خلال ما تظهره مؤشرات معدلات التمدرس وتعميمه خاصة بالنسبة للفتيات في المناطق القروية (تعميم الدعم المدرسي وبرنامج تيسير لمساعدة الأسر على مصاريف الدراسة). فإن المنظومة التربوية مازالت تعرف تمييزا واضحا على مستوى المجالات الحضرية والقروية في الولوج الى التعليم وكذا بين الذكور والاناث في استدامة التمدرس، وهذا المعطى يمثل معضلة حقيقية تواجه إرادة إرساء إصلاح شامل وجعله عنصرا مندمجا في سيرورة التنمية المجتمعية لأن أطفال وفتيات اليوم هم نساء ورجال الغذ ، وأي تعثر في انتهاك حق التمدرس وضمان مجانيته يعد مسا بحق إنساني منصوص عليه دوليا ودستوريا.
إن استحضار نسب التمدرس على مستوى فئات السن من المرحلة الابتدائية الى التعليم العالي بقدر ما يبرز أهمية المجهودات المبذولة في المنظومة التربوية على تعميم الولوج الى التعليم العمومي وارتفاع نسبة التمدرس خاصة في السن المتراوح بين 6 / 11 سنة (التعليم الابتدائي)، حيث يلاحظ من خلال النسب ان الوسط القروي لا يختلف عن الوسط الحضري بل يزيد عنه ببعض النقط. غير أن هذه النسب تعرف انخفاضا في السن المتراوح بين 11/14 أي في مرحلة الاعدادي بناقص 30 في المائة لدى الاناث وناقص 15 في المائة عند الذكور، خاصة في الوسط القروي مقارنة بالوسط الحضري، وهذا الانخفاض له دلالته التي تدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب الموضوعية وراء انقطاع العديد من الفتيات عن عدم متابعة الدراسة بالإعدادي ، لا سيما أن هذه المرحلة العمرية تتميز بتغييرات فيزيولوجيا ونفسية مصاحبة لمرحلة البلوغ والمراهقة لدى الفتيات والفتيان، مما يقتضي ضمان متابعة التحصيل الدراسي بهدف تكوين الشخصية وتنميتهاوتأهليهافي الفضاء المدرسي الذي يمثل الوسط الطبيعيلإلزامية التمدرس وتوفير الدولة لجميع الوسائل الكفيلة للحد من الانقطاع المدرسي، الذي يطال الفتيات ويترتب عنه بروز ظواهر اجتماعية عديدة (تزويج القاصرات، العاملات في المنازل، الاتجار في البشر…)
في نفس الإطار يلاحظ على مستوى الثانوي التأهيلي انخفاضا كبيرا على مستوى السن المتراوح بين 15 / 17 خاصة في الوسط القروي مقارنة بالحضري ويمس تحديدا الفتيات بناقص 50 في المائة، و35 في المائة بالنسبة للذكور . هذه المرحلة من الدراسة إذا كانت تعد مفصلية في الحياة الدراسية للمتعلمين والمتعلمات سواء من حيث طبيعة المواد المدرسة، والمعارف باختلاف تخصصاتها، فإن تأثيرها على الاكتساب المعرفي والتحصيل الثقافي له أهميته في تنمية شخصية التلميذ(ة) واستقلاليته وتملكه لمهارات الفكر النقدي و التحليلي والبحث. غير أن انقطاع الفتيات عن متابعة الدراسة في الثانوي التأهيلي له ما يبرره موضوعيا في هيمنة الثقافة السائدة بتمثلاتها وضغوطاتها على الأفكار والعادات والتقاليد التي تختزل دور المرأة في البيت وتكوين أسرة بعد اخذ قسط من التعلم في الابتدائي أو الاعدادي، وكذا صعوبات تغطية الأسر لمصاريف التمدرس التي تزداد مع التقدم في المستويات الدراسية وهي أسر غالبا ما تعيش في أوضاع اجتماعية هشة، وكذا البعد الجغرافي للثانويات التأهيلية لمقرات السكن، إضافة الى غياب الداخليات أو افتقادها لمقومات الأمن والعيش اللائق.
ويمكن الإقرار أن هذه المؤشرات فضلا على كونها تكشف اختلالا كبير ينخر المنظومة يتمثل في انقطاع الفتيات عن الدراسة في مرحلة حاسمة من عمرهن إنها لا تطمئن عن الضمانات الكفيلة بتأمين حق التمدرس في جميع المستويات من قبل الساهرين على إدارة هذا القطاع ، بما يضمن تكافؤ الفرص بين المتعلمين والمتعلمات، وخصوصا الاناث وإقامة تمييز إيجابي لفائدة الوسط القروي الذي لا يستفيد أبناؤه من خدمات تعليمية وتربوية بجودة ومردودية ، يعد التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي احد مرتكزاتها لإعداد الناشئة والأجيال و تأهيلها للإدماج في مسار التنمية المجتمعية. لذا فإن من واجب الدولة والحكومة والساهرين على القطاع تكثيف الجهود لضمان حق التمدرس واستدامته على أساس المساواة وتكافؤ الفرص لجميع أبناء وبنات هذا الوطن.ذلك أن تحقيق أهداف التمكين الحقوقي والمدني والسياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي لتعزيز المكانة الاعتبارية للنساء في المجتمع وادوارهن يتوقف على الاستثمار في تربيتهن وتكوينهنوتأهيلهن وإعدادهن للإسهام في المسار التنموي للبلاد. وهذا لا يتحقق إلا بالمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية. إن تمكين النساء طفلات، تلميذات، شابات، يافعات، ربات بيوت، عاملات، مسنات، سجينات… من حقهنفي التمدرس والتعلم والتحصيل المعرفي والعلمي الذي يعد ضمانة أساسية للحد من الأمية المتفشية في أوساط النساء وشرطا لأي تطور مجتمعي ببلادنا.
من أجل إعمال حقيقي لمبادئ المساواة والانصاف وتكافؤ الفرص وتحقيق العدالة المجالية في تمكين النساء من الحق في التربية فإننا في المنظمة الاشتراكية نعتبر اصلاح منظومة التربية والتكوين أولوية سياسية، حقوقية واجتماعية، لأن التلكؤ يولد باستمرار عوامل لإعادة إنتاج ظاهرة الأمية وارتفاع منسوبها خاصة لدى النساء والتي تتجاوز 42 بالمائة اذن عن أي نموذج تنموي جديد نتحدث؟ وكيف يمكن جعل النهوض بأوضاع النساء في صلب دعاماته؟ لذلك نؤكد على:
• أهمية تفعيل اصلاح المنظومة التربوية للحد من الأمية والانقطاع والهدر المدرسيين في صفوف الفتيات؛
• تحديث مضامين المقررات والبرامج التعليمية المعرفية والعلمية والبيداغوجية من خلال مراجعة شاملة لها بما يجسد رؤية حداثية عقلانية للمجتمع وللعلاقات بين أفراده على أساس استدماج القيم الإنسانية الكونية من مساواة، تكافؤ فرص، تضامن، تسامح، حرية، كرامة الواردة في الدستور وفي المواثيق الدولية للقطع مع التمثلات السلبية و الصور النمطية حول المرأة وأدوارها؛
• إرساء حكامة تربوية وإدارية في اطار سياسة تعليمية عمومية دامجة للرأسمال البشري بجميع اجياله وفئاته في سيرورة التنمية والتقدم ببلادنا؛
• توفير مستلزمات شروط تمدرس مستدام يضمن للناشئة ولجميع الفاعلين في هذا الحقل مناخا تربويا ينتصر للفكر النقدي والابتكار والتجديد والمبادرة لصالح الناشئة وأجيال الغد في عالم يعرف تطورات متسارعة وانتقالا رقميا غير مسبوقبهدف القضاء على ثقافة التقليد والنكوص والتبعية والعنف و الكراهية التي تكرس نزعة اقصائية تعاني منها المرأة وتكرس دونيتها مما يؤثر سلبا على وتيرة النمو والتطور في المجتمع؛
• العمل على تعبئة الأسر وأولياء الأمور من قبل الفاعلين السياسيين والاقتصادين والاجتماعيين والاعلاميين بأهمية وضرورة تمدرس بناتها وأبنائها لتحقيق الاندماج السليم اجتماعيا و اقتصاديا في المجتمع؛

المحور الرابع: الحقوق الثقافية للنساء بين القيمالحداثية والتمثلات الثقافية السائدة

تندرج الحقوق الثقافية الى جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في العهد الدولي الخاص، كما نصت عليه المادة 15 منه. وترتبط أساسا بالحياة الثقافية للمجتمع في شتى مجالاتها الفكرية والمعرفية والعلمية والفنية والابداعية والأدبية والشعرية، أي كل ما يتعلق بالإنتاج الإنساني النظري والعلمي والعملي، فهي ترتكز على الحق في التعليم والحق في حرية الفكر والدين. وتعد هذه الحقوق متكاملة عنصرا مهما في إرساء التماسك المجتمعي وشرطا ضروريا للارتقاء بالإنسان، من خلال تفاعله مع ثقافته وثقافات الإنسانية الأخرى.
لذا نعتبر كحزب اشتراكي ديمقراطي أن الثقافة بما هي منظومة مشتركة وموروث ثقافي ممتد في الحضارة المغربية ومكون أساسي للأنسية المغربية في تنوع روافدها، كهوية تتميز بتنوع الروافد، فإنها تمثل رأسمالا ماديا و اللامادي يتطلب استثماره بما يعزز التطور الفكري والمعرفي ويحصن الذات في انفتاحها على الثقافات الأخرى ذلك أن الرهان الأساس من منظورنا يكمن في حماية الثقافة والمشاركة في الحياة الثقافية والتمتع بفوائدها في شتى مجالات الفكر والابداع، في اطار احترام التعددية والتنوع وترسيخ المواطنة والانتماء الكوني، بمعنى اخر ان التمتع بالحقوق الثقافية بوصفها حقوقا إنسانية. إذا كان يخول للمرأة التشبع بقيم الحرية والتضامن والحداثة ، فإنه يساهم في إشاعة قيم الانفتاح والتعايش والابداع الرافدة لاي تفكير منغلق وغير منتج.
وعلى هذا الاساس تصبح المشاركة في الحياة الثقافية مدخلا أساسيا لوعي النساء بذاتهن كذوات فاعلة ومبدعة ومستوعبة للمشترك الثقافي بخصوصياته ورافده، دون تمييز بين ثقافات أخرى داخل نفس المجموعة. وبالنظر لهذا الموقع الحيوي للثقافة والحقوق الثقافية داخل المجتمع، وارتباطهما بالقيم الثقافية التي تعزز النسيج المجتمعي وتساهم في إحداث التحولات الاجتماعية الرصينة، فإنه يتعين من منظورنا كمنظمة نسائية متشبعة بالقيم الحداثية العمل على:
• مأسسة هذه الحقوق الثقافية بغاية التحفيز على الابداع والمشاركة في الحياة الثقافية وتقوية التنوع الثقافي واغنائه، في مختلف المجالات الفكرية والفنية والاشكال التعبيرية التي تكرس وتجسد هذه الحقوق (السينما، المسرح، الشعر، الرقص، الموسيقى، الادب، النحت، الفنون التشكيلية، التعبيرات الجسدية، الصناعة الثقافية…) وجميع الانتاجات بمختلف التعبيرات الثقافية واللغوية؛
• اعتبار هذه الحقوق الثقافية في بعدها الشمولي وفي تنوعها عنصرا حاسما في خلق دينامية مجتمعية تعزز التطور الفكري والثقافي و تساهم في التنمية البشرية والوجداني للشخصية المغربية؛
• ترسيخ تنشئة اجتماعية وتربوية منفتحة وحاضنة للمبادئ الحقوقية ذات البعد الإنساني الكوني بما يجعل من الثقافة شئنا مجتمعي كفيل بوضع المرأة في صلب التنمية الثقافية الشاملة؛
• إرساء استراتيجية ثقافية بتدابير وإجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية، تستثمر في التنمية الثقافية ودمقرطة الفعل الثقافي انسجاما مع الدستور، بغاية ممارسة جميع المواطنات والمواطنين لحقوقهم الثقافية اما بصورة فردية او جماعية؛
• ضمان الحقوق الثقافية لنساء وتكريسها على ارض الواقع، بالنظر للموقع الحيوي للثقافة في تقوية التماسك المجتمعي وإحداث التحولات السياسية والاجتماعية الرصينة التي تساهم في تغيير أوضاع النساء إلى الأفضل؛
• تحفيز النساء بجميع الوسائل والإمكانيات المادية و اللامادية على الاسهام في إثراء الحقل الثقافي في شتى مجالات الابداع على قاعدة المساواة وتكافؤ الفرص بين المرأة والرجل؛
• دمقرطة الولوج الى الخدمات الثقافية وتحديث البنيات الثقافية وتعميمها لترسيخ عدالة مجالية عبر الممارسة الثقافية لصالح النساء واحتضان إبداعاتهن للقطع مع كل أشكال التمييز الذي يطال المنتوج الثقافي النسائي والتي تتغذى من سلطة ثقافية ذكورية ضمنية أو ظاهرية؛
• ضرورة تعبئة الأحزاب و المنظمات و الجمعيات ذات التوجه الحداثي الديمقراطي للنهوض بالحقوق الثقافية لصالح النساء بما يعزز الاسهام الجماعي للارتقاء بالإبداع النسائي واستقطاب الطاقات النسائية الخلاقة واحتضانها (مثال ما حققته لبؤات الأطلس في خلخلة التمثل الجمعي حول إمكانات وقدرات النساء في اقتحام مجالات كانت حكرا على الرجل؛
• وضع استراتيجية إعلامية تدمج مقاربة النوع على مستوى القطاع السمعي البصري والقنوات العمومية والخاصة، والعمل على تقديم عروض بمواصفات الجودة تجسد رؤية وطنية حداثية ومنفتحة تساهم في الارتقاء بالإنتاج الثقافي الفني المبدع وتتثمن الكفاءات والمؤهلات البشرية خاصة النساء، والقطع مع الصور النمطية الاستهلاكية لأدوارهن التي يتم ترويجها من خلال الانتاجات الدرامية وغيرها؛
• العمل على الاستثمار الإيجابي لتنظيمنا النسائي لما يسمى بالإعلام الجديد المتمثل في شبكات التواصل الاجتماعي في سياق الانتقال الرقمي بما يعزز وظائفه على مستوى التأطير والتواصل والتحسيس والتعبئة والاستقطاب، وصنع المحتويات التي تخدم القضية النسائية وذلك بالنظر لمجالات التأثير التي يكتسحها في الفضاء الأزرق؛
وعلاوة على ذلك، فإن تملك هذه الحقوق الثقافية للنساء يستوجب الاستناد على الدور الحاسم للإعلام ووظيفته في التحسيس والتأثير على الرأي العام وتوجيهه وفي تداول الخبر والمعلومة والأفكار والمعارف. ومن تمت فإننا كتنظيم نسائي نعتبر أن الإعلام بوصفه سلطة فعلية قادرة على احداث التغييرات المنشودة على مستوى الذهنيات والأفكار والتوجهات لدى المتلقي كيف ما كان جنسه، والذي يوجد في قلب التحديات والرهانات المطروحة علينا جعله سلاح في خدمة القضية النسائية في جميع أبعادها بما يساهم في تنوير الرأي العام وخلق وعي مجتمعي مناهض لكل أشكال التمييز و الرجعية و المحافظة والتي تعطل دينامية التحرر الفعلي للنساء بما يخدم تطور المجتمع وتقدمه.

المحور الخامس : المرأة و التغيرات المناخية و الهجرة: تحديات جديدة تستدعي إبداعا في الحلول

أضحى إدماج البعد البيئي في السياسات العمومية بما يحمله من تحديات وتأثيرات ضرورة تفرض احداث مراجعات هامة في نمط تدبير السياسات القائمة على تهميش قضايا البيئة في مختلف الاستراتيجيات والبرامج التنموية، لقد أصبحت مشكلات البيئة و الحق في بيئة سليمة احد المداخل الكبرى لخلق نوع من التوازن وإلغاء الاختلالات المرتبطة بحكامة التدبير العمومي، وبات اعتبار الشأن البيئي بمختلف جوانبه من مخرجات السياسة العامة، وذلك بالنظر الى جسامة الأعباء الناتجة عن التهديدات والمخاطر البيئية التي ما فتأت تؤثر على شروط الصحة والسلامة البشرية، استجابة للمواقف التي استشعرت الخطر البيئي القائم والمستمر والمطالبة بالحق في البيئة كحق من الحقوق التي تضمنا الجيل الثالث من حقوق الانسان.
في هذا السياق، لجأت الدول الى وضع برامج وخطط ونظم قانونية تهم مختلف مجالات القطاع البيئي، ولم يكن المغرب بمنأى عن هذا التحول العالمي، وذلك بهدف احتواء متطلبات الحكامة البيئية وتحقيق التنمية المستدامة. يؤكد على ذلك دسترة الحق في البيئة وتدشين مرحلة جديدة قائمة على التعاقد الملزم لكل الفاعلين والمتدخلين ووضع خارطة الطريق من اجل استكمال وتعزيز الترسانة القانونية لحماية البيئة وهندسة نموذج يجمع بين النمو الاجتماعي والاقتصادي والحق في بيئة سليمة.
ويبدو أنه على قدر تعدد البرامج والمبادرات والإجراءات، فإن الواقع لايزال يعرف العديد من الاختلالات والتحديات المرتبطة بحكامة التدبير البيئي وتداخلها العرضاني بمختلف القطاعات الأخرى والذي يرجع الى القصور في تنفيذ السياسات العمومية وتنزيلها على مستوى الواقع العملي دون المساس بمتطلبات حماية البيئة وبالحق في بيئة مستدامة.
في هذا الاطار تعتبر قوانين حماية البيئة من القوانين الوضعية الحديثة نظرا لتفاقم مشاكل البيئة لعد التطور الصناعي والعلمي والتكنولوجي الأمر الذي اثار اهتمام المجتمع الدولي للإسراع في محاولة للحد منها بحكم كونها تشكل كوارث حقيقية في المستقبل القريب. لذلك واستجابة للمجتمع الدولة لجأت الدول الى وضع تشريعات وطنية بالإضافة الى الاتفاقيات الدولية، وأصبح الاهتمام بالبيئة من أولى أولويات المنظمة الأمم المتحدة، وتم عقد مؤتمر لها في ستوكهولم عام 1972 والذي يعد أول اتفاق عالمي تقر فيه الدول على ضرورة الحفاظ على البيئة بكافة مكوناتها، وبعدها جاء اعلان ريو عام 1992 ليؤكد ما جاء في إعلان ستوكهولم.
وتواصلت الجهود الدولية بشأن التغيرات المناخية سنة 2015 بالتوقيع على اتفاقية باريس للمناخ واعتبرت تحولا تاريخيا في القانون الدولي لحماية البيئة، خاصة على مستوى إنقاص درجة حرارة الأرض علما ان الدول النامية تعد الأكثر تضررا من هذه التغيرات. و يحضر سؤال البقاء بقوة، ويضع الطابع المعقد للقضايا البيئية من قبيل التلوث والتصحر والاحتباس الحراري، الدول المعنية بها في مواجهة إكراهات كبيرة لتدبيرها. ويزداد التعقيد كلما تعلق الأمر بدول الهامش/الدول النامية التي بقدر ضعف إسهامها في إفراز هذه القضايا، بقدر ما يكون تحملها لتبعاتها كبيرا. لذلك تخرج هذه القضايا من دائرة البيئي وعلاقتهبالاقتصادي إلى دائرة السياسي، بل والعسكري مع إمكانات اندلاع حروب الماءبين الدول بفعل إشكالات تدبير الموارد المائية السائرة في طور التناقص بل والندرة، ومحاولات الاستئثار بها، أو حروب الغذاء، أو الدواء… مما يؤثر على شروط حياة الرجال والنساء في مختلف البقاع.
فارتفاع درجة الحرارة يؤثر على الأنظمة البيولوجية، ويمثل خطورةً على كلٍّ من الزراعة والبشر والاقتصاد، ويهدد العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية في جميع أنحاء العالم بالانقراض، وبالتالي فهو يهدد الأمن الغذائي، كما يهدد الكتل الجليدية بالذوبان مما يؤثر على ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية.
صحيح أن الدول الغنية كان لها دور كبير في حدوث التغيُّرات المناخية التي يشهدها العالم، إلا أن الدول الفقيرة هي التي تتحمل معظم آثاره وتداعياته، وهي الأقل استعدادا للتكيف مع هذه التأثيرات والذي سيكون أكثر صعوبة ومكلفا في المستقبل، مما يستوجب معه التنسيق بينها والتكتل في المفاوضات المناخية، من منطلق المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة للدول جميعها في مسألة التغيرات المناخية التي غدت أحد التهديدات الحقيقية لتمتع الإنسان بحقوقه الأساسية، وهو ما أكده مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة عام 2008 في قراره 23/07 ، حول تأثير التغيرات المناخية وتهديدها الفوري والبعيد المدى على التمتع بالحقوق الأساسية.
ولعل من بين أهم الحقوق الحق في الماء أو الذهب الأبيض اليوم حيث تعرف الموارد اجتفافا كبيرا، وحيث الفرشة المائية تستنزف وتتعرض للملوحة،ليكون المغرب أحد البلدان المهددة بشحّ المياه إذ تراجعت حصة الفرد من المياه في المملكة من حوالى 2600 متر مكعب خلال الستينات إلى حوالي 600مترا حالياً (في الوقت الذي يعتبر معدل شحّ المياه هو 500 متر مكعب للفرد)، بفعل تزايد الطلب على هذه المادة الحيوية بموازاة مع مواسم جفاف مختلفة الحدة، تؤثر على النشاط الفلاحي الذي يبقى أكبر مستهلك للماء بما يناهز 80 بالمائة من المياه المستهلكة في البلد،وهو ما يستدعي تقييم السياسات الفلاحية المعتمدة في البلد في أفق ترشيد استعمال الموارد المائية استدامتها، وفي الوقت ذاته الحفاظ على النشاط الفلاحي كأحد أهم ضمانات الأمن الغذائي، والسيادة الغذائية للبلد، وأحد أهم القطاعات الموفرة لفرص الشغل.

إن شح المياه، والاتجاه نحو ندرتها، والذي يرتبط عضويا بالتغيرات المناخية، يهدد البشرية قاطبة رجالا ونساء، إلا أن النساء والفتيات في العالم، وخاصة في المغرب،يعانين بشكل أشد من آثاره، فالنساء تتحملن مسؤولية أكبر في تأمين الغذاء والماء والطاقة خاصة في الأوساط الهشة والفقيرة، وفي فترات الجفاف وعدم انتظام هطول الأمطار، بالتحديد في المجال القروي، حيث تشتغلن بقطاع الزراعة وتقمن بمجهودات كبيرة من أجل تأمين الدخل والموارد لأسرهن، وهو ما يزيد من الضغط على الفتيات طفلات ويافعات، حيث يضطررن إلى مساعدة أسرهن، وخاصة أمهاتهن على تحمل العبء المتزايد.
وغالبا ما ترتب مثل هذه الأوضاع ظواهر ارتبطت بواقع الفتاة المغربية، وشكلت أحد كوابح انخراطها الإيجابي في عجلة التنمية من قبيل ترك الدراسة، أو العمل في سن مبكرة، أو الزواج المبكر، أو الزواج بالإكراه،أوتأنيث الهجرة القروية. وهي الظواهر التي يولدها، ويعمقها خطر التغير المناخي وما يفرزه من كوارث (الفيضانات، الحرائق، الجفاف، التصحر، انجراف التربة)يعري واقع ضعف إمكانية الحصول على الخدمات والرعاية الصحية، وزيادة المخاطر المتعلقة بصحة الأمهات والأطفال، وتزايد نسبة الوفيات لحديثي الولادة،كما أن ملوحة مياه الشرب بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر قد يتسبب في الولادات المبكرة، لذلك لا يمكن التغاضي عن تأثير التغيرات المناخية على تمتع المرأة الفعلي بحقوقها، من خلال تأثيرها على التمكين الحقوقي والاقتصادي للنساء بشكل المباشر، وعلى التمكين السياسي والوصول لمراكز القرار بشكل غير مباشر، وهو ما يقتضي الوعي بالترابطات القائمة بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
وبالفعل، تعتمد النساء المغربيات بدرجة أكبر على الموارد الطبيعية، ويتصلن بها بشكل مباشر، وهن من يقمن على تدبيرها، ومع ذلك تقل فرصحصولهن عليها، مما يفاقم أوجه عدم المساواة المبنية على النوع الاجتماعي، ويفرض تهديدات مباشرة على سبل عيشهن وصحتهن وسلامتهن: فالمرأة تتعامل مع تغير المناخ في الحياة اليومية أكثر من الرجل باعتبارها عنصرا أساسيا في إنتاج الثروة وأول المستجيبين عند وقوع الكوارث، وهي صانعة القرار في المنزل بشأن الطاقة والنفايات وترشيد استعمال الماء،لذلك من الضروري تمكينها من المشاركة الفعالة في السياسات والاستراتيجيات البيئية الموجهة للتكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها لتحقيق النجاعة، ذلك أن لها انعكاسات وخيمة على حقها في الحياة والصحة والتعليم والأمن الغذائي والحق في السكن اللائق وسبل العيش الكريم .
وأخذا بعين الاعتبار كون المغرب من بين الدول المنخرطة جديا في مجال الحفاظ على البيئة والحد من الآثار والانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية،وأن اقتصاده مبني أساسا على المصادر الطبيعية والفلاحة والصيد البحري والسياحة (القطاعات المستقطبة للنساء كأنشطة في القطاع المهيكل وغير المهيكل على حد سواء)، إضافة إلى توفره على ترسانة قانونية متقدمة في مجال البيئة (حماية البيئة ،محاربة التلوث، قطاع الطاقة، المحميات،تدوير النفايات، الطاقات المتجددة …)، يطرح السؤال حول مكانة المرأة في السياسات العمومية الموجهة للتكيف والتخفيف والحد من تداعيات التغيرات المناخية ومدى إحترام الدولة والحكومة لالتزاماتها الدولية وملاءمة التشريع الوطني لها، وتنزيلالمقتضيات الفصل 19 من دستور 2011 المتعلق بالمساواة ومقاربة النوع الاجتماعي في صناعة القرار، خاصة إذا استحضرنا أن القطاع الأول المتضرر من هذه التغيرات المناخية، هو القطاع الفلاحي ، وبالتالي ستكون القرى أول المتضررين، على اعتبار القطاع الفلاحي من أهم مستوعبي اليد العاملة (النساء أساسا) من خلال ما يوفره من فرص شغل دائمة أو موسمية، الشيء الذي سيجعل ساكنة المجال القروي تلفظ نحو المدن، التي لن تكون بمنآى عن تداعيات التغيرات المناخية، فتراجع الإنتاج الفلاحي سيؤثر على الأنشطة الصناعية المرتبطة به مما سيؤدي إلى إغلاق معامل كبرى مشغلة لليد العاملة تشكل النساء الجزء الأكبر منها.
ويبدو من خلال ما سبق، ان مجالات تأثير التغيرات المناخية على المرأة يكون اكثر حدة مما يؤدي الى تفاقم أوجه عدم المساواة ويفرض تهديدات مباشرة على نمط العيش والسلامة والصحة اعتبارا لكون النساء يعتمدن بدرجة اكبر على الموارد الطبيعية وقلة الحصول عليها وتتحملن مسؤولية جسيمة في تأمين الغذاء والماء خاصة في البيئات الهشة و الفقيرة وفي فترات الجفاف وعدم انتظام هطول الأمطار، حيث تبدل النساء بوصفهن عاملات في قطاع الزراعة مجهودات كيرة من اجل تأمين الدخل والموارد لأسرهن وهذا ما يجعل الفتيات امام ضغوطات إضافية وتحمل العبء المتزايد خاصة في المجال القروي ويتم الانقطاع عن الدراسة أو العمل في سن مبكرة وتأنيث الهجرة القروية.
يمارس كذلك التغير المناخي والكوارث المصاحب له، يمارس تأثيره على صحة النساء وزيادة المخاطر المتعلقة بصحة الأمهات والأطفال ونسبة الوفيات لحديثي الوضع وغيرها من المخاطر. وهذا يتطلب ضرورة تمكين امرأة من المشاركة الفعالة في السياسات والاستراتيجيات الموجهة للتكيف مع التغيرات المناخية والحد من اثارها نظرا لانعكاسها على الحق في الحياة وفي صحة، حيث تتعرض لجميع أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي.
ضمن هذا السياق، يتجلى الارتباط التلازمي بين التغيرات المناخية ومدى تمكين المرأة الفعلي لحقوقها الاقتصادية والاجتماعية. وإذا كانت بلادنا من الدول المنخرطة جديا في مجال المحافظة على البيئة والحد من آثار والانعكاسات السبية للتغيرات المناخية، وأن اقتصاده يعتمد بالأساس على المصادر الطبيعية والصيد البحري الفلاحة، فإنه يتوفر على مجموعة من الاستراتيجية وعلى ترسانة قانونية متقدمة في مجال البيئة لكن بالمقابل يظل التساؤل مطروحا حول مكانة المرأة في السياسات العمومية الموجهة للتكيف والتخفيف من الحد من تداعيات المناخية، ومدى احترام الدولة والحكومة للات زاماتها الدولية وملائمة التشريع الوطني لها وتنزيل مقتضيات الفصل 19 من الدستور ومقاربة النوع الاجتماعي في صناعة القرار. إذ نستحضر كمنظمة نسائية تؤمن بالحقوق الإنسانية الأساسية للنساء وبالإعمال الفعلي لمبدا المساواة فإن واجب المسؤولية يقتضي تتبع وتقييم هذه السياسات لمواجهة مخاطر التغييرات المناخية واثارها السلبية على أوضاع النساء، وحتى يتسنى تحقيق ذلك نرى من الضروري:
• ترافع منظمتنا عن حق النساء في بيئة ومناخ سليم ومستدام؛
• العمل على إشراك الفاعلات السياسات والمدنيات في بلورة القرارات المتعلقة بالمناخ وتأثيراته على أوضاع النساء وفي تنزيلها على ارض الواقع في تتبعها وتمثيليها العمل على التحسيس والرفع من الوعي النسائي بالحقوق البيئية والترافع في شأنها لدى الهيئات المعنية تقوية وتوحيد النضالات النسائية السياسية والمدنية في مواجهة آثار التغيرات المناخية على الحق في الحياة وفي الصحة وفي السلامة بخصوص النساء؛
• إدراج مقاربة النوع في التعاطي مع قضايا المناخ والأخذ بعين الاعتبارات الالتزامات الأممية المسطرة في أهداف التنمية المستدامة 2030؛
ولا يقتصر تأثير التغيرات المناخية على الهجرة الداخلية من البوادي في اتجاه المدن، بل يغذي التوجه إلى الهجرة الخارجية التي تحضر فيها الهجرة غير النظامية بشكل كبير، لأن الهجرة في نهاية المطاف تتغذى على واقع اللامساواة الاقتصادية، حيث تشكل مناطق الرخاء مركز جذب للأفراد، في حين تشكل مناطق القحط والفقر مركز نبذ لهم. وإذا كانت العولمة قد فتحت الحدود أمام السلع والأفكار والرساميل، فقد أبقتها مغلقة أمام الأشخاص، الذين يسكون مسارات الهجرات من المناطق الأضعف اقتصاديا نحو المناطق الأكثر نموا، في تحد للمنع الذي يواجههم، وهو ما يجعلهم يلجون مباشرة لسوق تستجيب للطلب المتزايد على الهجرة “الممنوعة”؛ سوق الهجرة غير الشرعيةالذي لا يخرج العرض الذي يوفره عن إطار ما يعرف ب”تجارة البشر”، والذي يعتبر بلدنا أكثر المتضررين به بحكم تموقعه في منطقة التماس بين الشمال “المزدهر” والجنوب الذي لا زال يعاني من النقص في التنمية.
إن موقع المغرب الجيو-استراتيجي جعل منه منطقة عبور للهجرات المتدفقة من العديد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وبعض الدول العربية التي تعرف عدم استقرار داخلي بالأساس. لكن تعاطيه مع هذه الظاهرة بما يلزم من العقلانية والتبصر حوله الى بلد استقرار للمهاجرين نساء و رجالا وأطفالا ، مما ساهم في إعطاء بعد انساني للهجرة و الحد من تداعياتها التي تهدد الحق في الحياة. وهو ما يستلزم تعاونا دوليا في هذا الموضوع يأخذ بعين الاعتبار حجم التحملات في كل بلد إزاء الظاهرة. وفي هذا الصدد أكد الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره المعنون ب” لنجعل من المهاجرين مصدر اثراء للجميع”، والذي أقر عبره بالفوائد الممكنة للهجرة معتبرا ” أن تدبير الهجرات من أبرز الاختبارات المستعجلة والعميقة للتعاون الدولي في الوقت الراهن”.
ورغم أن للهجرة حضور كبير في الوعي الجمعي للمغاربة إذ لا تخلو أسرة من وجود فرد من “الجالية” بها، إلا أن تأنيث الهجرة من الظواهر التي لازالت لم تحظ بالقسط المطلوب من الدراسة والتحليل، فقد أنتجت الظاهرة الهجرية خلال العقود الأخيرة أعدادا متزايدة من المهاجرات،تضاعف عددهن 6.6 مرة بين عامي 1992 و2002، ليبلغن ثلث المهاجرين المغاربة في إسبانيا و47 بالمائة بكندا، و78 بالمائة في إيطاليا.
وانتقلت أنماط هذه الهجرة من الهجرة للدراسة والمرافقة في إطار التجمع العائلي، إلى الهجرة الفردية وغير النظامية أيضا، مع ما تحمله من تهديدات حقيقية للمرأة المهاجرة، متعلقة بالاستغلال بمختلف أنواعه، وضروب الممارسات الحاطة بكرامتها، رغم وجود إطار ذي طابع عالمي لتدبير موضوع الهجرة الدولية، والعديد من الاتفاقيات الثنائية، وآليات التعاون الإقليمية والدولية المحدثة. وهذا ما يحتم الالتفات لواقع المهاجرات المغربيات خاصة في بلدان الخليج، والدول الأوروبية، والعمل على ضمان شروط الإقامة الآمنة لهن، وضمان كرامتهن، وبذلك، يكون على الدولة التدخل المباشر للتصدي لمجموع السلوكات الشبيهة بالاسترقاق التي تعاني منه عدد من المهاجرات المغربيات،
ومن جهة ثانية، فالمهاجرة المغربية، تغادر بلدها دون أن تغادر هويتها، وتبقى مرتبطة بوطنها، مما يستدعي توفير البنية الكفيلة باحتواء عودة المهاجرات إلى وطنهن، وانخراطهن في تنمية بلدهن. وتتطلب هذه البنية، توفير فرص الولوج إلى الاستثمار عوض أن تبقى عائداتهن موجهة للاستهلاك المعيشي، أو الأنشطة غير المنتجة للثروة.
إن نساء الجيل الثاني والثالث من المهاجرات يختلف بشكل كبير عن نساء الجيل الأول سواء من حيث مستويات التمدرس أو الاندماج المهني، بل وعلى مستوى مشاركتهن السياسية والاقتصادية في بلدان المهجر وهو ما يشكل مصدر فخر للمغرب، وجزء من قوته الناعمة التي يعتمد عليها في المنتديات الدولية، ولكن الأمر يستوجب أيضا التوفر على رؤية استشرافية لكيفية ربط هذه الأجيال بوطنها الأم، ليس فقط لأنهم يمثلون القطاع الأول المدر للعملة الصعبة على البلد، ولكن لأنهم جزء من هذا الوطن، ويستحقون أن يكون صوتهم مسموعا فيه، ولمبادراتهم صدى عنده، وهو ما يحتم إيجاد إطار قانوني لمشاركة مغاربة العالم في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية للبلد، مع إيلاء العناية الخاصة لمغربيات العالم، وهو ما يقتضي توفير الأمور التالية:
– وضع نظام فعال للمشاركة السياسية لصالح الجالية المغربية يضمن المشاركة الانتخابية والتمثيلية السياسية لمغاربة العالم مع ضمان تمثيلية نسائية؛
– ضمان الاستقرار المؤسسي في مجال سياسة الهجرة؛
– ملائمة القوانين المغربية مع ما تم التوقيع عليه من اتفاقيات دولية للقضاء على كل أشكال التمييز.
– منح الجنسية المغربية لكل الأطفال من أم مغربية أينما ولدوا؛
– ضمان المساواة الكاملة في الولاية على الأطفال؛
– الترافع لدى بعض الدول العربية التي مازالت تفرض شروطا تمييزية على النساء المغربيات دونا عن غيرهن لولوج ترابها؛
– تسهيل مساطر الاستثمار للمهاجرات المغربيات بأرض الوطن؛
رؤيتنا من أجل تحصين المكتسبات والعمل المتواصل للنهوض بأوضاع النساء كشرط ضروري لرقي المجتمع
من منطلق تحليل ورصد واقع المرأة المغربية سواء في جميع المجالات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، أو الثقافية أو البيئية، وعلى امتداد ما يزيد عن أربعة عقود، ظلت القضية النسائية في صلب المشروع المجتمعي للاتحاد الاشتراكي، واليوم تجدد النساء الاتحاديات مواصلة المشوار النضالي من خلال الشعار المركزي المؤطر لهذه المرحلة بتحولاتها وتعقيداتها: تحرر-مساواة- عدالة.من أجل منظمة للنساء الاتحاديات قادرة على الترافع السياسي والحقوقي في شتى المجالات من أجل ترسيخ المساواة وتفعيلها، و تحقيق العدالة الاجتماعية كسبيل وحيد لبناء حقيقي للدولة الاجتماعية، ومناهضة كافة أنماط الثقافة التقليدية الرجعية السائدة، بغاية تحرر المرأة المغربية من كل ما يعيق مسار تطورها وتحقيق ذاتها و مساهمتها الفاعلة في التنمية الشاملة وإرساء دعائم المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي.
في هذا الإطار تضع النساء الاتحاديات المذكرة الترافعية حول المطالب المشروعة للمرأة المغربية في نضالها المستميت من أجل فعلية الحقوق الأساسية الإنسانية للنساء في المجالات التالية:

1) حقوقيا

• رفع كل صيغ التحفظ عن اتفاقية سيداو و عن باقي الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، واستكمال الإجراءات المتعلقة بالتصديق على البروتوكول الاختياري المتعلق مكافحة كل اشكال التمييز ضد المرأة وملائمة التشريعات الوطنية معها؛
• الإفراج عن هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، المنصوص عليها في المادة 19 من الدستور؛
• تفعيل المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة مع إعادة النظر في القانون المؤطر 78.14؛
• مراجعة شاملة وجذرية لمدونة الأسرة وللقانون الجنائي و المسطرة الجنائية بما يتلاءم مع المعايير الدولية لحقوق الانسان ومع الدستور؛
• إعادة النظر في الإطار القانوني للقضايا المصنفة ماسة بنظام الأسرة والأخلاق العامة، بإقامة فصل واضح بين ما ينتمي إلى القانون وما ينتمي إلى الأخلاق العامّة، أي بين ما هو ممنوع لمساسه بالنظام العام وبين ما ينتمي إلى الحياة الخاصّة للمواطنين، وتوحيد المرجعية في المادة الأسرية بإلغاء المادة 400؛
• إيجاد إطار قانوني للتوقيف الإرادي للحمل، حماية لحق الأم والطفل معا في شروط حياة كريمة، وحماية للمجتمع من عاهات مضرة به (الأطفال المولودين إثر حوادث اغتصاب خاصة عندما يكون المغتصب “محرما”…)؛
• إعادة النظر في أحكام وقائع من قبيل “هتك العرض”، و”الاغتصاب”، و”الفساد” و”الخيانة الزوجية”، ورفع التمييز الذي يعتري المقتضيات المنظمة لها، حماية للأفراد والمجتمع؛
• توفير المقتضيات الحمائية اللازمة للنساء الضحايا للقطع مع مفهوم “الضحية المذنبة” الذي يصم المرأة متى كانت ضحية لهذا النوع من الجرائم (الاغتصاب، هتك العرض،..) وخاصة عندما تكون قاصرا؛
• اعتبار اصطلاح الطفل في القانون الجنائي مرتبطا بثمان عشرة سنة، وليس متذبذبا بين خمسة عشر وثمانية عشر سنة؛
• إلغاء المادة 496، بشأن المرأة الهاربة من عنف الزوج؛
• إعادة النظر في مقتضيات القانون 103.13، في ما يتعلقبتنـازل الضحيـة عـن الشـكاية وتعزيز دور النيابـة العامـة فـي تحريـك الدعـوى العموميـة ضمانـا لعدم الإفلات من العقاب؛
• التنصيص على وسائل اثبات جديدة كفيلة لضمان حق المرأة في اثبات تعرضها لجرائم الاغتصاب أو التحرش الجنسي، العنف… والتي لها تأثير رادع على الضحايا في مرحلة تقديم الشكوى في القانون 103.13؛
• العمل على التكوين الحقوقي الحداثي للقضاةبحكم اتساع ســلطتهم بما يجعل مرجعية القاضي عاملا حاسما في إنصاف الضحية من عدمه؛
• توفير آليـات الحمايـة والتكفـل بالنسـاء ضحايـا العنـف وعلى رأسها توفير مراكز الإيواء للنساء المعنفات، والمتابعة النفسية للناجيات ؛
• إقرار تدابير خاصة لتمكينهن من الاستفادة من نظام المساعدة القضائية؛
• ارساء الية مستقلة وفعالة للصلح واعتبار اللجوء للصلح الزاميا قبل عرض القضية على القضاء مع رفع تقرير من الجهة المكلفة بالصلح للمحكمة للمصادقة يتضمن الاتفاق المتوصل إليه سواء كان باستمرار العلاقة الزوجية أو انهاءها وفق شروط محددة؛
• إعادة النظر في نظام الولاية الشرعية على الأبناء التي تعتبر حقا حصريا للأب، ولا يمكن أن تنتقل إلى الأم إلا في حال غياب الأب أو وفاته (م236 و238)؛
• تحصين حق الأم فيالحضانة التي تعلق على شرط عدم زواج الأم المطلقة، وإلا آلت للأب ماعدا في حالات معدودات (م 175) مراعاة للمصلحة الفضلى للطفل؛
• رفع الصعوبات المرتبطة بالنفقة المنصوص عليها في مدونة الأسرة من قبيل طول المساطر وتكلفة رسوم التقاضي، ومشاكل تبليغ الأحكام بالنسبة للنساء المتقاضيات ثم بعد ذلك نتفيذها، إضافة إلى هزالة المبالغ المحكوم بها والمرتبطة عادة بإلقاء عبء إثبات مداخيل الزوج على الزوجة؛
• إعادة النظر في وظيفة صندوق التكافل العائلي وآلية عمله وشروط الاستفادة منه؛
• إعادة النظر في مقتضيات المادة 49 من المدونة، المتعلقة بتدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الحياة الزوجية سواء من حيث إلزامية العقد المؤطر له، أو من حيث التمييز بين نظام الأموال المكتسبة، ونظام الكد والسعاية؛
• مراجعة المواد (20-21-22) المتعلقة بتزويج الطفلات والتي تناقض المادة 19 من نفس المدونة، انتصارا للتعريف الأممي للطفل باعتباره الإنسان الذي لم يبلغ بعد سنته 18، والذي يتوجب على الأسرة والمجتمع والدولة توفير كافة الظروف لتمتعه(ا) بحقوقه(ا) كاملة وعلى رأسها الحق في تعليم ذي جودة من شأنه أن يفتح أمامه(ا) آفاقا أوسع ويخرج به(ا) من دائرة إعادة إنتاج الفقر والأزمات؛
• إلغاء المادة 16 بخصوص ثبوت الزوجية، وتجريم عدم توثيق الزواج؛
• إيجاد إطار قانوني جديد لقضايا النسب (مراجعة المادة 148) مع تنامي ظاهرة المولودين خارج مؤسسة الزواج، على اعتبار واقعة الولادة في بعدها البيولوجي تتطلب انخراط ذكر وأنثى في العملية، وبالتالي يجب ترتيب المسؤوليات على الأطراف جميعها في نتائج هذه الواقعة، من خلال اعتماد الخبرة الجينيةفي إثبات بنوة الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج ضمانا لحقوقهم الأساسية وعلى رأسها حقهم في وضع اجتماعي طبيعي؛
• إعادة النظر في منظومة الإرث ،خاصة ما تعلق منه بالتعصيب الذي يخرج من دائرة “الأحكام القطعية”، وأيضا التمايز القائم بين الذكور والإناث المبني على أسباب انتفت مع واقع اليوم بناء على كون “الأمور بمقاصدها”، بما “لا يحل حراما ولكن لا يحرم حلالا”؛

2) سياسيا

• تفعيل مقتضيات الدستور (الفصل 19) لتحقيق المساواة والمناصفة لصالح اشراك وازن للنساء في الحياة السياسية و مواقع القرار السياسي والمؤسساتي؛
• تطوير القوانين الانتخابية بما يضمن للجالية المغربية المشاركة الانتخابية، والتمثيلية السياسية مع ضمان تمثيلية نسائية منصفة؛
• إشراك النساء علي المستوي المحلي في عمليّة صنع واتخاذ القرار فيما يتعلق بمعالجة آثار تغير المناخ من خلال تعزيز قدراتهن الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛
إقرار سياسات مستجيبة للنوع الاجتماعي في جميع القضايا المتعلقة بالنساء على قاعدة الالتقائية والتنسيق بين مختلف القطاعات وطنيا وجهويا ومحليا؛
• تفعيل المقاربة التشاركية من قبل المسؤولين (الحكومة، الجهات، العمالات والاقاليم) مع التنظيمات النسائية الحزبية والمدنية على مستوى وضع قوانين انتخابية منها أو التي تتعلق بتحسين أوضاع النساء في جميع المجالات؛

3) اقتصاديا

• التقليص من التفاوتات القائمة بين النساء والرجال من خلال خلق فرص اقتصادية خاصة بالنساء؛
• تمكين النساء من احتلال مواقع القرار في المؤسسات الاقتصادية والمالية؛
• تسهيل مساطر الاستثمار للمهاجرات المغربيات بأرض الوطن؛
• تعزيز بيئة ملائمة ومستدامة للتمكين الاقتصادي للنساء، وحماية حقوقهن؛
• العمل على دعم النساء تشريعيا وتنظيميا في الوصول الى الملكية و حقهن في امتلاك الأراضي والعقاراتإسوة بالرجل (النساء السلاليات)؛
• خلق بيئة مواتية لتنمية روح ريادة الأعمال النسائية وتخفيف الحواجز المعيقة لعمل المرأة في المجال الاقتصادي؛

4) اجتماعيا:

• التمكين التربوي و التعليمي للنساء بما يتطلبه من إصلاح حقيقي وشامل للمنظومة التعليمية؛
• بدل المجهودات الكفيلة لضمان الحق في التعليم للفتيات في القرى النائية والمناطق الشبه حضرية واستدامته للقضاء الهدر الانقطاع المدرسيين وعلى تشغيل الطفلات وتزويجهن في سن مبكر؛
• تفعيل إعلان مراكش المؤرخ بـ 8 مارس 2020 لمناهضة العنف اتجاه الفتيات ومحاربة الامية في صفوفهن؛
• إعادة النظر في المنظومة التعليمية الحالية، مع وضع برامج تعليمية تراعى فيها التربية على المواطنة وحقوق الانسان كمواد أساسية مرافقة للتلاميذ والتلميذات من أجل ترسيخ ثقافة حقوق الانسان وقيم المساواة والاحترام والانصاف بين الجنسين؛
• ضمان الحق في الصحة، والصحة الإنجابية، وصحة الأم والطفل وتوفير البنيات والوسائل العلاجية والموارد البشرية خاصة المناطق القروية والنائية؛
• وضع التدابير الضرورية إرساء الآليات الوطنية والترابية المعنية بتتبع وتفعيل التزامات الحكومة المغربية فيما يتعلق بضمان تفعيل القوانين التي صودق عليها كالقانون 19.12 المتعلق بالعاملات والعمال المنزليين – والقانون 27.14 المتعلق بالاتجار بالبشر؛
• ضمان الاستقرار المؤسسي في مجال سياسة الهجرة كمتغير أساسي في السياسة الخارجية للمغرب؛

5) ثقافيا:

• إرساء فعلي للحقوق الثقافية للنساء بما يساهم في ادماجهن في الحياة الثقافية و التنمية الثقافية للمجتمع في جميع مجالات الفعل الثقافي؛
• تشجيع مشاركة النساء في الحياة الثقافية كمدخل أساسي لإرساء تنشئة اجتماعية وتربوية حداثية منفتحة وحاضنة للمبادئ الحقوقية ذات البعد الإنساني الكوني؛
• جعل الثقافة الرقمية دعامة للارتقاء في مجال التمكين الاقتصادي والعلمي لنساء. بمقومات الجودة والانصاف وتكافؤ الفرص بين الجنسين وبين المجالات الترابية المختلفة؛
• وضع برامج تعليمية وإعلامية للتصدي لكل الصور النمطية للمرأة المبنية أساسا على التمييز القائم على النوع الاجتماعي على مستوى الفرد والاسرة والمجتمع؛
• العمل على استثمار التنظيم النسائي لمختلف أشكال التواصل الإعلامي والاجتماعي لخدمة أهداف ورهانات النهوض بأوضاع النساء وبتمكينهن من كافة الحقوق ؛

6) بيئيا:

• سن قوانين تعتمد مقاربة النوع الايكولوجي خاصة وان المرأة ذات صلة دائمة مع الطبيعة وثرواتها والتي تشكل موردا أساسيا للدخل لدى النساء؛
• سن سياسات عمومية تعتمد على الاقتصاد موجهة لفائدة النساء من أجل خلق مقاولات صغرى تمكن من توفير موارد قارة للدخل مع الحفاظ على التنوع الإيكولوجي؛
• اعتماد بدائل طاقية تكون مقاربة النوع في صلبها اعتبارا لارتباط الحاجيات الطاقية والغدائية للدول مع مواقعها الجيو-استتراتيجي؛
• تشجيع استعمال الطاقات المتجددة والصناعات التكنولوجية المتقدمة الصديقة للبيئة ؛
• العمل على توعية النساء بأخطار ندرة المياه في بلادنا وكذا خطورة المقاربة الاستهلاكية غير المعقلنة الربحية المدعومة من الاقتصاد الرأسمالي؛
• تحسيس النساء بأهمية التنوع البيولوجي النباتي والحيواني في البحار والأنهار والغابات من الانقراض(الراحة البيولوجية)


بتاريخ : 05/10/2022