ماذا فعلت الحكومة لتنزيل مضامين الخطاب الملكي حول «محاربة الفساد»؟
سنة 2016، هبط المغرب إلى المرتبة 90 في المؤشر الدولي لمدركات الفساد بعدما كان في المرتبة 88 سنة من قبل، وهو ما دفع بالعديد من الأوساط إلى دق ناقوس الخطر تحذيرا من هذا الوضع الخطير الذي وصلته المملكة في هذا المجال. وكان جلالة الملك محمد السادس سباقا إلى التحذير من خطر تفشي الفساد في البلاد، حيث خصص للموضوع حيزا هاما في خطاب العرش تلك السنة واعتبر جلالة الملك، أن «محاربة الفساد هي قضية الـدولة والمجتمع، الدولة بـمؤسساتها، من خلال تفعـيل الآليات القانونية لمحاربـة هـذه الـظاهـرة الخطيرة، وتـجريـم كل مظاهرها لضرب بـقـوة على أيـدي الـمفـسدين». وأكد جلالة الملك أن محاربة الـفساد «لا ينبغي أن تكون مـوضوع مزايـدات»، مشددا على أن «لا أحد يستطيع ذلك بمـفرده ، سواء كان شخصا ، أو حزبـا ، أو منظمة جمعوية . بل أكثر من ذلـك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خارج إطـار القانون». وفي هذا الصدد، أشار جلالة الملك إلى أن المفهوم الجـديـد للسلطة يعني المساءلـة والـمحاسبة، التي تتم عبر آليات الـضبط والمراقبة، وتطبيق القانـون». وبالنسبة للمنتخبـين، يضيف جلالة الملك، فإن ذلك يتم أيضا، عـن طريق الانتخاب، وكـسب ثقة المواطنين». كما أن مـفهومنا للسلطة، يؤكد جلالة الملك، يـقوم علـى «محاربـة الفساد بكل أشكاله في الانتخابات والإدارة والـقـضاء، وغـيـرهـا»، مشددا جلالته على أن «عدم الـقيام بالواجـب، هو نوع من أنـواع الفساد».
اليوم وبعد مرور 9 سنوات على هذا الخطاب الملكي المرجعي في مجال مكافحة الفساد، يخبرنا تقرير مؤشر إدراك الفساد برسم سنة 2023، أن المغرب تراجع إلى المرتبة 97 عالميا، حاصلا على معدل 100/38. وهو ما يعني أن تفشي الفساد خلال السنوات العشر الأخيرة جعل المغرب يتدحرج من المرتبة 80 (تقرير 2014) إلى المرتبة 97 حاليا، فاقدا بذلك 17 مركزا خلال عقد من الزمن. هذا الوضع يطرح العديد من علامات الاستفهام التي ينبغي على الحكومة أن تجيب عنها بالأفعال والوقائع لا بالخطاب والنوايا.
وخلال العامين الأولين من ولاية هذه الحكومة، تدهورت وضعية المغرب في مؤشر مكافحة الفساد ب 4 مراكز، وكشفت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في تقريرها السنوي 2023، أن المغرب حصل على درجة 100/38 في مؤشر مدركات الفساد برسم 2023، ليتراجع بذلك بخمس 5 نقط خلال السنوات الخمس الأخيرة، مكرسا مسلسل التراجع في هذا المؤشر، والذي انطلق منذ 2018 حين حصل على نقطة 100/43. وأفادت الهيئة في تقريرها الأخير أن هذا التراجع انعكس أيضا على ترتيب المغرب، حيث انتقل من الرتبة 73 ضمن 180 دولة سنة 2018 إلى الرتبة 97 ضمن 180 دولة سنة 2023 متراجعا ب 24 نقطة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ومن بين انعكاسات الفساد على الوضع الاقتصادي يكفي التذكير بأن الفساد أصبح يحتل المرتبة الثانية من بين العوائق الرئيسية أمام المقاولات في المغرب، حسب نتائج البحث الميداني الذي تم إنجازه من طرف البنك الدولي المتعلق بالمقاولات لسنة 2023. يضاف إلى ذلك، الانعكاسات السوسيو-اقتصادية للفساد، من قبيل سوء استخدام السلطة وانعدام الثقة وتفشي المحسوبية والزبونية والامتيازات غير المستحقة، ناهيك عن حده من القدرة على الإنتاج وخرقه لمبدأ الاستحقاق، وأشار رئيس الهيأة إلى أن الفساد يكرس التفاوتات، كون التراجع بنقطة واحدة في مؤشر الفساد من شأنه أن يقلص المداخيل بما يناهز 7,8% بالنسبة للدول الأكثر فقرا.