رغم إبداء استعدادنا للمشاركة الفعالة في تنظيم العرض الصحي ، لم يتم استدعاؤنا للحضور ولو لمرة واحدة
31 في المئة من ساكنة القرى تبعد بأكثر ب 10 كيلومترات عن أقرب عرض صحي
بعد تجديد انتخابات هيئة الأطباء ،اغتنمنا فرصة عدم ترشيح الدكتور محمد القدوري للانتخابات الأخيرة ، رغم السمعة الطيبة التي حظيت بها فترة تحمله لمسؤولية رئاسة هيئة مكناس تافيلالت ، فكان لنا معه لقاء ممتعٌ ، بسط من خلاله نتائج ما تم الوقوف عليه من تعثرات ، في العرض الصحي ملامسا في ذلك مابين السياسة الصحية ببلادنا ، وما بين الإمكانات المادية والبشرية ، التي جعلت المغرب يحتل مراتب متأخرة على سلم العرض الصحي ، ما جعل مؤشر التنمية البشرية في هذا المجال بعيدا عما توصي به المنظمة العالمية للصحة :
بصفتكم رئيسا سابقا للهيئة الجهوية للطبيبات و الأطباء لجهة مكناس – تافيلالت، ماهي ملاحاظاتكم حول المؤشرات الصحية بالمنطقة :
غني عن التوضيح أن كل مجلس جهوي مفروض فيه، أن يجتهد، لتجميع وتوفير كل المعطيات التي من شانها أن تساعده على القيام بدوره الاستشاري الصحي الجهوي .. كما يحددها الفصل 53 من الظهير رقم 2 ـ 14 ـ 562 بتاريخ 7 شوال 1436 ( 24 يوليوز 2015 )، المتعلق بالاتفاقية الإطار الخاص بتنظيم العرض الصحي ، إذ يعتبر رئيس الهيئة بالجهة ، عضوا بلجنته الجهوية، هذا من حيث التأطير القانوني للهيئة ، أما عن سؤالكم ، فالجهة تتوفر على عرض صحي مكون من القطاعين ؛ العام و الخاص ، ويوفر للجهة من حيث البنيات التحتية 15 مستشفى عموميا ، و 19 مصحة خاصة ، بطاقة استيعابية تعادل 2562 سريرا ، بمعدل 9 أسرة لكل 10.000 ساكن « وهو رقم دون المعدل الوطني.. و للإشارة فترتيب المغرب بالنسبة لهذا المؤشر جد متأخر ، فهو يحتل المرتبة 151 من أصل 182 دولة ..ولا يوفر العرض الصحي الخارجي بكل تراب الجهة ، إلا 260 مركزا صحيا ومستوصفا ، و428 عيادة خاصة .. أما عدد الأطباء ، فلا تتوفر الجهة سوى على 1200 طبيبة وطبيب ، 555 منهم أطباء الطب العام و645 طبيبا اختصاصيا ، وذلك بمعدل 5 أطباء لكل 10.000 ، أي ثلث ما توصي به المنظمة العالمية للصحة ( 15 طبيب لكل 10.000مواطن ) .. وهذ العرض الصحي داخل الجهة ، يعرف بدوره عدة تفاوتات بين الأقاليم ، لا من حيث البنيات التحتية ولا من حيث عدد الأطباء ، و خاصة الاختصاصيين منهم .. ويظهر هذا التباين كذلك ، من حيث تمركز العرض الصحي بالمدن ، ما يعيق وضع مخطط جهوي ، يكون منصفا و عادلا لكل الأقاليم ، بل وبين الجماعات داخل الإقليم الواحد .. و بالتالي لكل المواطنين داخل الجهة ، خاصة إذا علمنا أن :
28 % من سكان البوادي والقرى بالجهة يبعدون عن أقرب عرض صحي ب 3 كيلومترات
%41 منهم يبعدون بما بين 3 و 10 كيلومترات عن أقرب عرض صحي .
31 % منهم يبعدون بأكثر من 10 كلم عن أقرب عرض صحي .. و للإشارة ، فقد أبدينا استعدادنا للمشاركة الفعالة في تنظيم العرض الصحي بالجهة ، لكن وطيلة أربع سنوات ونصف التي قضيتها على رأس الهيئة الجهوية للأطباء، لم يأبه باستعدادنا أحد .
بغض النظر عن الدور الذي تلعبه ، أو كان ممكنا أن تلعبه الهيئة ، في السياسة الصحية ، ماذا عن الأدوار الأخرى ؟
للهيئة أدوار ثلاثة أخرى ، أناطها بها القانون 08 ـ 12 المتعلق بالهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء وهي : دور إداري ، و دور تنظيمي ، و آخر تأديبي.
قبل الخوض في هذه الأدوار ، لا بد من الإشارة إلى أننا قبل أن نقدم على القيام بأدوارنا ، قمنا بتشخيص دقيق للحالة الراهنة للهيئة ، حتى يتسنى لنا أن نضع خارطة طريق واضحة المعالم ، و أن نتحمل مسؤوليتنا كمنتخبين ـ بوعي ـ هاجسنا في ذلك ، هو احترام وتطبيق القوانين ، و الأنظمة المتعلقة بممارسة مهنة الطب ، مؤمنين بأن كل تسرع أو فهم سطحي لهذه القوانين ، سيؤدي حتما إلى عرقلة العمل و زعزعة استقرار الأطباء .
ورجوعا إلى السؤال ، ففيما يتعلق بالشق الاداري ، قامت الهيئة بعدة أعمال إدارية ، واجهتنا خلالها صعوبات ، منها مسطرة فتح العيادات الطبية ، طبقا للمادة 34 من القانون 13-131 المتعلق بمزاولة مهنة الطب ، بحيث إن الهيئة هي المخولة قانونا لمنح الترخيص بفتح عيادة طبية في وجه المرضى. غير أنه و في غياب إطار قانوني، يحدد المعايير التقنية للعيادات ، كان لزاما علينا أن نجتهد ، و ذلك ليس دون معاناة .. ينضاف إلى ذلك البعد الجغرافي لبعض العيادات التي يجب زيارتها ، قبل منحها رخصة الفتح “ إقليم الراشيدية ، ميدلت ، خنيفرة “ .. وإن كان لي من توصية في هذا الباب ، فهي أن يجتهد المشرع في إيجاد صيغة لتمثيل الأقاليم في مكتب الهيئة ، حتى تتمكن الهيئة مستقبلا من التغلب على إكراهات هذا البعد الجغرافي .
يلاحظ أن هناك بعض المصحات والعيادات لا تحترم ما هو محدد بقانون الأخلاقيات ، من حيث مواصفات اللوحات البيانية ، الموضوعة بمدخل المحل المهني ، كما يلاحظ تباين في شكل مطبوعات الوصفات الطبية … فماذا فعلتم لتقويم هذا الوضع ؟
بالفعل، وقفنا على هذه الاختلالات .. وقمنا بتشخيص لها ، و حاولنا بعد ذلك ، العمل على إصلاحها .. لكن الملاحظ أن هذا الإشكال مرتبط بعقلية ، ولا يمكن مقاربته على صعيد جهة دون أخرى ، بل يجب أن يعالج بصفة شمولية ، وتتخذ فيه قرارات حاسمة وجذرية على الصعيد الوطني . و أكثر من ذلك ، هنالك صعوبات فيما يتعلق بالعيادات التي تتوفر على معدات للتشخيص الإشعاعي ، ووجب التأكد من مراعاتها للقوانين والمعايير الخاصة .. لما في ذلك من ضمان لحماية الطبيب و معاونيه ، و كذا الجوار و البيئة .
و من بين الأمور التي خلقت لنا إشكالات إدارية أيضا ، هناك شروط النيابة في العيادة الطبية ، التي رغم تنظيمها قانونيا ، إلا أنها تعرف عدة صعوبات على أرض الواقع مما يستدعي إيجاد حلول تتماشى مع واقع كل منطقة ، وكل حالة على حدة .
لم تتحدث للجريدة على الدور التأديبي ، علما بأن مهنة الطب ، كجميع المهن الأخرى تعتريها بعض الممارسات غير قانونية ، يمكن أن تثير شكاوى .. ماذا يمكن أن تقولوا في هذا الصدد، انطلاقا من الدور التأديبي المنوط بالهيئة ؟ وما هي أكثر الحالات عرضة لهذه الممارسات اللاقانونية ؟
من بين اللجان المحددة قانونيا بالنسبة للهيئة الجهوية للأطباء ، هناك الهيئة التأديبية للمجلس الجهوي، التي أناط بها المشرع مهمة الجانب التأديبي ، و تتكون من أطباء و قاض بالمحكمة الإدارية ، بصوت استشاري … وبما أن هذه اللجنة تقتضي تكوينا خاصا ، في مجال التحقيق و البحث و تدبير ملفات التأديب .. وبما أن السادة الأطباء ، تستنزفهم الممارسة الميدانية للمهنة ..فإن تأثير هذين الإكراهين ، ينعكس سلبا على عمل اللجنة التأديبية .. مما يشجعني على التقدم بتوصية ثانية عبر هذا المنبر ، تعنى بالتكوين القانوني لأعضاء الهيئة ، عند بداية كل ولاية… أيضا هناك الممارسة غير مرخص بها لأطباء القطاع العام بالقطاع الخاص و كذلك الشواهد الطبية … ففيما يخص ممارسة بعض أطباء القطاع العام بالقطاع الخاص ، يمكن مقاربته بشكل قانوني و تشاركي .. عبر بوابة ضمان استمرارية العلاج خارج أوقات العمل .. مما سيمكن كل الأطباء بالقطاع العام من الاستفادة من العمل بالقطاع الخاص من جهة ، وضمان ديمومة العلاجات بالنسبة للمرضى من جهة ثانية .. ومن شأن هذا الاجتهاد أن يخفف من الاكتظاظ الذي تعرفه مصالح المستعجلات على وجه الخصوص .. وهناك مشكل آخر ، ويتمثل في منح الأساتذة الجامعيين (لي بروفيسور) رخصة العمل خارج المستشفى الجامعي نصفي يوم في الأسبوع ، وهو ما من شأنه أن يساهم في ضعف في البحث العلمي ، ونقص في التأطير الطلابي ..
أما في ما يخص الشواهد الطبية ، فلا الأعراف ولا القوانين تسمح بمنح شهادة طبية دون فحص ، إلا أن بعض الأطباء ، وهم قلة لا تحترم هذه القواعد ، وكمثال على ذلك ، لاحظنا أن الشواهد المتعلقة بالفحوصات الطبية للأهلية البدنية والعقلية لسياقة مركبات ذات محرك ، تعرف فوضى عارمة ، تتجلى في استحواذ أطباء بعينهم على هذا المجال ، لكونهم يتساهلون في منحها ، حتى بدون فحص ، ويخفضون من ثمن تعرفتها القانونية .. و على سبيل المثال هنالك من الأطباء من حرر في ظرف سنة واحدة ، ما يقارب 8000 شهادة طبية .
لماذا لم تقدموا على ترشيح شخصكم لولاية ثانية علما بأن كل المؤشرات كانت توحي بأن الفوز سيكون حليفكم ؟
عدم ترشيحي لولاية ثانية تحكمت فيه أسباب ، منها ماهو ذاتي ، ويتعلق أساسا بإيماني بأن لا أحد يعتبر ضرورة للكرسي مهما كانت كفاءته .. فكل منا عليه أن يؤدي دوره ، ويترك المجال لإبداعات غيره يطورون العمل ويجودونه ، انطلاقا من النقطة التي انتهى إليها سلفهم .. ولم أرشح نفسي ، من جهة ثانية ، لأسباب موضوعية يمكن ملامستها من خلال نمط الاقتراع المعتمد ، لانتخابات أعضاء مجالس الهيئة الوطنية و الجهوية ، كونه نمطا عاما يقتضي تصويت الكل على الكل «قطاع عام / قطاع خاص « .. و مفهوم الاقتراع العام يعبر عن سلسلة قيم ، وجب أن تاخذ بعين الاعتبار الحق في الكرامة ، في الحرية و المساواة… وفي ظل غياب الوعي التام بالمهام المنوطة بهذه المؤسسات، التي تتلخص في الحرص على سمو وقدسية مهنة الطب .. يصبح الهاجس هو الظفر بالكراسي ، عوض الإيمان بالقضايا المشتركة ..فتربيتي وقناعاتي هما اللتان منعتاني من الترشح ، كوني أعتبر الكرسي وسيلة لخدمة المشروع ، والمصلحة العامة ، وليس هدفا في حد ذاته .
هل تقصد الانتخابات الأخيرة ؟
أقصد كل الانتخابات .. أما عن هذه الانتخابات ، فهي لا تخلو من شوائب ، وضعت مصداقية بعض التمثيلية فيها موضع تشكك .. وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فاللجنة الوطنية التي تتولى الإشراف على الانتخابات ، قبلت 6 مترشحا و مترشحة ـ على المستوى الوطني ـ غير مستوفين لشروط الترشح طبقا لمقتضيات المواد 13 من القانون 08-12 المتعلق بالهيئة الوطنية للطبيبات و الأطباء ، و المادة 04 من القانون 13-131 المتعلق بمزاولة مهنة الطبيب .. وقد فاز من هؤلاء الستة ، عضوان .. كما أن اللجن الجهوية التي تتولى الإشراف على الانتخابات قبلت ترشح 104 مترشحات و مترشحين على المستوى الجهوي ، وهم أيضا غير مستوفين لشروط الترشح .. طبقا لمقتضيات المواد 13 من القانون 08-12 المتعلق بالهيئة الوطنية للطبيبات و الأطباء و المادة 04 من القانون 13-131 المتعلق بمزاولة مهنة الطبيب.. 44 منهم فازوا بالمقعد ؟؟؟ زد على ذلك عدم احترام مقتضيات المادة 38 للقانون 08-12 المتعلق بالهيئة الوطنية للطبيبات و الأطباء الخاص بتحديد عدد أعضاء المجلس الجهوي للطبيبات و الأطباء لجهة فاس – مكناس ؟
لذا ، يجب علينا أن نفكر في أشكال أخرى من الاقتراع ، تضمن التمثيلية الحقة للجميع ، إن كنا فعلا نتحلى بقيم الديمقراطية ، و الشعور بالانتماء لمهنتنا الشريفة و للشعارات التي نرفعها.. و لن يتأتى هذا كله ، إلا باحترام المؤسسات النقابية الطبية لمبادئ تأسيسها من جهة .. وبفتح قنوات التواصل الايجابي بين كل المكونات الممثلة للأطباء ، في روح من نكران الذات وترجيح كفة المصلحة العامة ، من جهة ثانية.
هل من كلمة أخيرة، الدكتور قدوري
وامتنان لكل أعضاء الهيئة الجهوية للطبيبات والأطباء بجهة مكناس تافيلالت ، على ما بذلوه من تضحيات وتفان طيلة فترة تحملي لمسؤولية الرئاسة ، ما ساعد على تيسير العمل والاشتغال بروح جماعية .. وأن تكون كلمة شكر وامتنان كذلك للسيد حسين الماعوني ، الرئيس السابق للهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء بالمغرب ، على ما قدمه في فترة رئاسته من مساعدة لهيئتنا ، كما لباقي الهيئات الجهوية بالمغرب ، وعلى ما فتح من أوراش خدمة لمهنة الطب ، أذكر منها إحداث القانون الداخلي للهيئة ، ومشروع التكوين الطبي المستمر ، وإطلاق مبادرة للأعمال الاجتماعية (مازالت في مراحلها الجنينية) ، والانكباب على إصلاح الاختلالات التي تعيق طب الشغل ، وإحداث دار الحكيم …