في الأيام الطبية «الفارابي» بوجدة .. تسليط الضوء على العلاقة «المتوترة» بين الصحة والإعلام

 

شكلت «الصحة والإعلام» موضوع الندوة الافتتاحية للأيام الطبية «الفارابي» في نسختها 13، من تنظيم الفرع الجهوي للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام بوجدة ، وذلك في إطار التكوين الطبي المستمر، حيث دأبت الجهة المنظمة كل سنة على اختيار موضوع عام للمناقشة في افتتاح الأيام الطبية، وارتأت خلال هذه السنة تناول موضوع «الصحة والإعلام» لعدة اعتبارات حددها الدكتور عمر الشراك ، أولا في «كثرة البرامج الصحية التي تذاع على أمواج بعض الإذاعات، والتي غالبيتها برامج غير صحية لأن الذين يقدمونها ويعطون استشارات طبية ليسوا من ذوي الاختصاص وليسوا أطباء…» وثانيا فيما وصفها بـ»الهجمة الشرسة» على الطبيبات والأطباء. وفي هذا الإطار، صرح المتحدث للجريدة قائلا»، بأن عددا من الأطباء، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، تعرضوا هذه السنة لـ»حملة تشهير» لا مبرر لها، لأنه عندما يخطئ أحد الأطباء، وهذا أمر وارد لكونه إنسانا بالدرجة الأولى، حتى إذا تطرق برنامج ما لهذا الموضوع يجب أن يشار إلى الطبيب بالاسم، حتى يتسنى لهذا الأخير الرد أو اللجوء إلى القضاء إذا رأى نفسه مظلوما»، مضيفا بأن «البرامج التي تقوم بالتشهير بالأطباء دخلت في العموميات»، وهي الأفعال التي اضطرت الهيئة الوطنية للأطباء إلى وضع شكايات عديدة لدى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري «ونبهناهم إلى أن خطورة هذه البرامج تتجلى في فقدان الثقة، حيث يفقد الطبيب الثقة في نفسه، ويفقد المريض الثقة في الأطباء، وهذا أمر خطير وهو الذي يشجع البرامج الأخرى التي تزكي الرقاة والعشابة…» .
وتابع المتحدث بأنه من «المفروض على وزارة الصحة التصدي لمثل هذه البرامج لكونها هي المسؤولة الأولى عن صحة المواطنين»، «وإذا لم تتمكن من التدخل لإيقافها ، فكان بإمكانها اللجوء إلى القضاء من أجل ذلك»، مشيرا إلى شكايات ومراسلات سبق توجيهها ل «الهاكا» في هذا الشأن أيضا .
وخلص المتحدث إلى أن مسألة «التشهير» «أفاضت الكأس»، وأصبح مشكل الإعلام شغلهم الشاغل سواء داخل النقابات أو داخل الهيئة «لدرجة أصبحنا نحس بأن هذه القضية ممنهجة لغرض ما وبأن هناك إرادة لتدمير سمعة الطبيب»، وهو الهاجس الذي دفعهم إلى تناول موضوع «الصحة والإعلام» في افتتاح الأيام الطبية «الفارابي»، الذي احتضنته قاعة الندوات بكلية الطب والصيدلة بوجدة مساء الخميس 17 أكتوبر الجاري.
وعرفت الندوة الافتتاحية، مداخلات لكل من رئيسة قسم الإعلام والاتصال بوزارة الصحة حنان فضل الله، رئيس الهيئة الوطنية للطبيبات ولأطباء الدكتور محمادين بوبكري، عائشة ولد عزيز ممثلة عن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، والصحفي بجريدة «الصباح» يوسف الساكت، وافتتحت بكلمة مقتضبة لمسير الندوة الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال جعفر عقيل، ذكر خلالها بأن طرح «الصحة والإعلام» كموضوع للندوة «دليل على وجود خلل ونقص في العلاقة بين هذين المجالين»، معتبرا أن هذه العلاقة شائكة ومتشعبة، «شائكة لأنه تتداخل فيها مجموعة من الإشكالات والأسئلة، ومتشعبة لأنها تطرح وجهات نظر مختلفة يساهم فيها متدخلون وفاعلون من وزارة الصحة باعتبارها الوزارة الوصية، الطبيبة والطبيب لكونهما العمود الفقري للقطاع والإعلام باعتباره يشكل قنطرة وصل قد تساهم بشكل كبير في ترسيخ الثقافة الصحية في المجتمع».
وبالنسبة ليوسف الساكت فإن مجموعة من الأطباء والطبيبات «يعتقدون بوجود علاقة متوترة بين هذين المجالين المتكاملي»، إذ أن العلاقة بين الصحة والإعلام «تسودها مناطق سوء الفهم بشكل كبير جدا»، الأمر الذي يتطلب الاشتغال كل من دائرة اختصاصه ( من إعلاميين، أطباء، مهنيين، مسؤولين على مستوى وزارة الصحة)، من خلال توصيات تعمل على «ملء الفراغات وتصحيح هذه المناطق التي ترتبط بقطاع حيوي الذي هو الصحة العمومية، والذي من المفروض أن تمر فيه المعلومة بقنوات دقيقة وجدية حتى نتفادى أي خلل في التوصل بهذه المعلومة…» ، مشيرا إلى غياب قنوات سلسة للوصول إلى المعلومة الدقيقة بوزارة الصحة، الأمر الذي يجعل الصحفيين كوسطاء للمعلومة «قد يرتكبون أخطاء في التحليل والتقدير»، إضافة إلى «عدم وجود إعلام صحي متخصص ببلادنا كما هو الحال بالنسبة للإعلام الرياضي والإعلام الفني، «لأن مجال الصحة صعب وليس فيه تواصل، وباستثناء بعض المجهودات التي يقوم بها الأطباء والطبيبات الذين نلجأ إليهم ويتواصلون معنا إما في شكل حوارات أو معلومات نستعين بها في المواضيع التي نتطرق إليها في مجال الصحة، فنحن نعيش حالة من الفراغ على هذا المستوى ينبغي تصحيحه» يقول المتدخل.
وتطرق رئيس الهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء الدكتور محمادين بوبكري، بدوره إلى «الحق في الوصول إلى المعلومة»، انطلاقا من الفصل 28 من دستور 2011 الذي يضمن حق حرية الصحافة، والمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على الحق في حرية الرأي والتعبير لكل شخص، وكذا المادة الثانية من القانون رقم 08.12 المتعلق بالهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء ، والذي ينص على «الدفاع عن مهنة الطب وعن كرامة المريض، والدفاع عن الشق المعنوي للأطباء وعن مهنة الطب بصفة عامة»، متمنيا إخراج ميثاق أخلاقي لمهنة الطب يعمل على «ضمان معالجة الخبر بهدف وصول المعلومة للمواطن بطريقة واضحة، بعيدا عن كل أساليب التضليل، حتى يتمكن المواطن من التمييز بين الخبر والتعليق»، مؤكدا على «ضرورة أن يتولى أطباء أو صحفيون متخصصون في الصحة والطب، مناقشة المواضيع المتعلقة بهذا المجال في البرامج الصحية، «حتى تصل المعلومة بطريقة صحيحة لا لبس فيها»، مع التحذير من المعطيات والمصطلحات المستعملة والتي يجب أن تكون علمية ومؤكدة تفاديا للتضليل» ، داعيا إلى «إخراج ميثاق شرف يكون مرجعا لمهنيي الصحة والإعلام «في معالجة القضايا الصحية والطبية «دون المس بشرف مهنة الطب أو المس المعنوي بسمعة الأطباء»…
ممثلة وزارة الصحة حنان فضل الله، تحدثت في مداخلتها عن مصلحة الإعلام والاتصال بالوزارة، مبرزة بأنه تم إنشاؤها سنة 2013، بهدف «تحسين صورة وزارة الصحة» ، مشيرة إلى الاستراتيجية التي تعتمدها الوزارة في هذا المجال بدءا من التواصل المؤسساتي إلى التوعوي، مذكرة بحضور الوزارة في الإعلام من خلال توقيع اتفاقيات شراكة مع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون في ما يخص الوصلات الإشهارية، وكذا إطلاق الموقع الإلكتروني «صحتي» ، وهو الموقع الذي اعتبرته «مرجعا يمكن للإعلاميين استنباط المعطيات والمعلومات منه، بدل التأكيد على مراجعة مصالح وزارتها لسياستها التواصلية المباشرة خاصة وأن الأمر يتعلق بمجال له ارتباط بالصحة المجتمعية…»
ممثلة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري عائشة ولد عزيز، عرفت في كلمتها بالهيئة ودورها في مراقبة تقيد متعهدي الاتصال السمعي البصري بالقطاعين العام والخاص بأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بهذا المجال وببنود دفاتر التحملات. وعن مراقبة ما تبثه الإذاعات والتلفزات من برامج مختلفة، أشارت إلى أنها «مراقبة بعدية حيث لا يمكنها التدخل قبل البث ولكن بده إذا حصر خرق».
هذا، وخلصت الندوة إلى مجموعة من التوصيات أهمها «مراجعة دفاتر تحملات البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الشق المتعلق بالصحة، توسيع هامش الاستفادة من المعلومة والحق فيها مع ضرورة إيلاء أهمية للتواصل المباشر، العمل على إيجاد حلول لعدم كفاية الميزانية المخصصة للإعلام في وزارة الصحة، وضع ميثاق شرف بين المهنيين في الصحة والإعلام مع احترام خصوصية القطاعين، وتنظيم ورشات تدريب وتكوين للصحافيين في مجال الصحة».


الكاتب : سميرة البوشاوني

  

بتاريخ : 25/10/2019