تحرير العملية الانتخابية من قيود الفساد والزبونية والتحكم يمثل المدخل الأساس لأي مسار إصلاحي جاد
ضرورة فتح صفحة جديدة للمصالحة والتنمية، تقوم على إشراك فعلي وفاعل لساكنة الإقليم، وللجالية المغربية المنحدرة منه
في لحظة سياسية فارقة، ووسط سياق وطني وجهوي مطبوع بتحديات اجتماعية واقتصادية متزايدة، انعقد يوم 04 شتنبر 2025 بمدينة عين بني مطهر المؤتمر الإقليمي الثالث لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وكان هذا الاستحقاق التنظيمي تعبيرًا عن إرادة جماعية متجددة لبناء أفق نضالي وتنموي واعد، وفي أجواء عالية من التعبئة الأخوية والنقاش الجاد والمسؤول، مستحضرًا رمزية المكان والزمان؛ من عين بني مطهر، مهد الشهيد عمر بنجلون، بما يحمله ذلك من دلالات سياسية ونضالية عميقة، وقد التأم المؤتمِرات والمؤتمِرون
“تحت شعار “من أجل جرادة والإقليم : نواجه الفساد والتهميش، ونؤسس لتنمية عادلة، مجاليًا واجتماعيًا.”
وكان هذا المؤتمر محطة وفاء لدماء الشهداء، وتجديدًا صادقًا للعهد مع قيم الحزب ومبادئه الراسخة، ورسالة واضحة وحاسمة بأن صوت الاتحاديات والاتحاديين سيظل مدوّيًا في وجه كل أشكال الظلم والإقصاء والفساد، حتى يستعيد إقليم جرادة كامل حقهم في العدالة والكرامة والتنمية الشاملة والمستدامة. وقد شكّل أيضًا فضاءً لنقاش عميق ومسؤول حول الأوضاع العامة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية، وانتهى إلى رسم أولويات المرحلة المقبلة على المستويين النضالي والتنظيمي.
أولا ،على مستوى السياق الوطني والاقليمي:
يؤكد المؤتمر على مركزية قضيتنا الوطنية باعتبارها قضية وجود ووحدة، ويجدد التعبئة وراء عاهل البلاد في الدفاع عن سيادة المغرب على كامل أقاليمه الجنوبية، متمسكا بمبادرة الحكم الذاتي كحل وحدي وجدي وواقعي لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
كما يشدد المؤتمر على الطابع المبدئي والتاريخي لموقف حزبنا من القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية عادلة لكل أحرار العالم، مجددا تضامنه المطلق واللامشروط مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية والاستقلال واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، مدينا بشدة جرائم الاحتلال والعدوان وكل أشكال التهجير والتقتيل والتجويع التي يتعرض لها..
ويعتبر المؤتمر أن الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، ودعم الشعب الفلسطيني في كفاحه يعكسان التزام حزبنا الثابت بقيم التحرر والعدالة والكرامة، وهو التزام يستمد جذوره من فكر ومسار الشهيد عمر بن جلون ابن هذه البلدة وواحد من أبرز رموز التحاد الذي ربط بعمق بين النضال من أجل الديموقراطية والعدالة الاجتماعية داخل الوطن، وبين الانتصار للقضايا العادلة في العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي اعتبرها دوما قضية وطنية للشعب المغربي وقوى التحرر عبر العالم.
ثانيا: في السياق العام
يعرب المؤتمر عن قلقه العميق إزاء استمرار التهميش البنيوي الذي يرزح تحته الإقليم، وما يترتب عنه من حرمانٍ مزمن لساكنته من حقهم المشروع في تنمية عادلة ومنصفة تُدمجه بفعالية في السياسات العمومية على المستويين الوطني والجهوي.
يندّد المؤتمر بشدّة بتغوّل الفساد واستفحال الزبونية والمحسوبية في تدبير الشأن العام المحلي، ويؤكد على ضرورة إرساء مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل فعلي، مع تفعيل صارم وشفاف لآليات الرقابة الشعبية والمؤسساتية، بما يضمن نزاهة التدبير وحماية المصلحة العامة.
ثالثا: في الشأن الاقتصادي والاجتماعي والبيئي
يعتبر المؤتمر أن إغلاق المدن المنجمية (جرادة، تويسيت، سيدي بوبكر، واد الحيمر) دون توفير بدائل اقتصادية وتنموية حقيقية هو السبب المباشر للانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي يعانيه الإقليم، ويشدد المؤتمر على ضرورة إطلاق برنامج تنموي متكامل يأخذ بعين الاعتبار البعد المنجمي، والحماية البيئية، والهوية المجتمعية للإقليم، ويضمن التشغيل الكريم والعدالة في توزيع المشاريع. ويؤكد المؤتمر قلقه العميق من تدهور المجال البيئي والرعوي، داعيًا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وفعّالة لحماية الموارد الطبيعية، ودعم الفلاحين الصغار، وضمان استدامة النشاط الفلاحي وقطيع المواشي، اللذين يشكلان ركيزة أساسية لحياة ساكنة الإقليم واستقرارها الاقتصادي والاجتماعي، ويشدد المؤتمر على ضرورة تشييد السدود التلية في مختلف مناطق الإقليم، للحفاظ على الفرشة المائية وضمان استدامة الموارد، ومواجهة التصحر، باعتبارها خيارًا استراتيجيًا يحمي البيئة ويضمن استمرارية النشاط الفلاحي ، إلى جانب تنويعه والرفع من مردوديته.
كما يشدد المؤتمر على أهمية استثمارات الجالية المغربية المقيمة بالخارج، داعيًا إلى تشجيعها عبر تبسيط المساطر وتحفيز المبادرات الاستثمارية المنتجة والمستدامة، لما لذلك من أثر مباشر في إنعاش الاقتصاد المحلي وتوفير فرص الشغل.
يؤكد المؤتمر على ضرورة وضع حد نهائي لعمليات التفويت العشوائي للأراضي السلالية والتلاعب في عقارات الدولة، واعتماد دفاتر تحملات صارمة وشفافة تضمن أولوية استفادة الساكنة المحلية، مع إلزامية إنجاز دراسات جدوى دقيقة ومواكبة ميدانية حازمة، بما يكفل جدية الاستثمارات وحماية الثروة العقارية للإقليم من العبث والنهب.
رابعا: في قضية الحراك والجالية.
يقف المؤتمر عند محطة الحراك الاجتماعي بجرادة، الذي رفعت فيه شعارات الكرامة والعدالة والحق في الحياة. ويؤكد أن معالجة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لا يمكن أن تظل رهينة الحلول الترقيعية والمقاربة الأمنية، بل تتطلب استجابة شاملة وجدية، تقوم على تنمية حقيقية والاستماع الصادق للمطالب المشروعة، بكل مسؤولية ووضوح.
وفي هذا الإطار، يدعو المؤتمر إلى فتح تحقيقات شاملة وشفافة في جميع المشاريع المنجزة، خاصة تلك المرتبطة بمشاكل السندريات وما خلفته من حوادث مميتة وأمراض مهنية خطيرة، نتيجة غياب شروط الاستغلال القانوني والسلامة الجسدية والتأمين اللازم. كما يشدد على ضرورة تفعيل آليات الرقابة الصارمة وربط المسؤولية بالمحاسبة بخصوص الأموال والاعتمادات التي صُرفت منذ اندلاع الحراك الاجتماعي، والتي لم تُسفر عن أي نتائج ملموسة.
إن مسلسل الموت البطيء والمفاجئ ما زال مستمرًا في المدن المنجمية (جرادة، بوبكر، وتويسيت)، ونسب البطالة والفقر والتهميش في تصاعد خطير، فيما تتسع التفاوتات المجالية سنة بعد أخرى، مقابل بطء شديد في وتيرة المشاريع التنموية والبدائل الاقتصادية، واستمرار مظاهر الفساد ونهب خيرات الإقليم ظاهرًا وباطنًا
خامسا الفساد الإداري والانتخابي
يقف المؤتمر عند معضلة بنيوية تُقوّض مسار الإصلاح والتنمية المستدامة، لقد أثبتت التجارب الانتخابية الأخيرة، بمستوياتها المختلفة، أن المشهد السياسي ببلادنا ما زال رهينًا بهندسة انتخابية مُحكَمة، تُفصَّل وفق منطق ضيق يحدّ من فعالية الأحزاب الجادة وذات الامتداد الشعبي، ويُوسّع في المقابل نفوذ شبكات انتخابوية مصلحية ومافيوزية، تستمد قوتها من دعم غير معلن ومن أساليب غير ديمقراطية قائمة على شراء الذمم، والضغط، وتوجيه إرادة الناخبين.
إن هذا الواقع يُنتج مؤسسات تمثيلية مشوّهة، تفتقد إلى المصداقية، وتُعجزها بنيتها عن القيام بأدوارها الدستورية في التشريع والرقابة واقتراح السياسات العمومية، ناهيك عن عجزها في خلق شروط تنمية مستدامة وعادلة. وهو ما يفاقم أزمة الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم، ويُضعف المصداقية الكاملة للمسار الديمقراطي، ويجعل الإصلاح السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية رهينين بمنطق التحكم بدل منطق التمثيلية الحقيقية.
وانطلاقًا من هذه القراءة، يؤكد المؤتمر أن تحرير العملية الانتخابية من قيود الفساد والزبونية والتحكم يمثل المدخل الأساس لأي مسار إصلاحي جاد، وأن إعادة الاعتبار للمشاركة الشعبية الواسعة وربط المسؤولية بالمحاسبة هما الضمانة الحقيقية لفتح آفاق جديدة أمام بلادنا نحو العدالة المجالية والاجتماعية، والتنمية المستدامة، والديمقراطية التي تعكس الإرادة الحرة للأمة.
وعليه، فإن المؤتمر يشدد على ضرورة فتح صفحة جديدة للمصالحة والتنمية، تقوم على إشراك فعلي وفاعل لساكنة الإقليم، وللجالية المغربية المنحدرة منه، في مختلف المشاريع الاستثمارية وورشات صنع القرار التنموي، باعتبارهما شريكًا أساسياً في تسريع وتيرة التنمية العادلة والشاملة، مجاليًا واجتماعيًا.
وفي الختام، فإن المؤتمر الإقليمي الثالث لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بجرادة، وهو يختتم أشغاله، إذ يقف على عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمجالية، يؤكد عزمه على خوض معركة مواجهة الفساد والتهميش، وبناء بدائل واقعية من أجل تنمية عادلة، تجعل من إقليم جرادة نموذجًا وطنيًا للعدالة المجالية والاجتماعية.
ويهيب الحزب بكل الاتحاديات والاتحاديين، وبكل القوى الحية والديمقراطية، الانخراط في هذه الدينامية من أجل إعادة الاعتبار للإقليم، وصون كرامة مواطنيه، وترسيخ مغرب العدالة والديمقراطية والتنمية المستدامة.