في التقرير السنوي للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان لسنة 2019

 تأخير في المنجز المؤسساتي والقانوني وقضايا تبعث على القلق

 

يعتبر التقرير ثمرة رصد يومي للوضعية الحقوقية، معززا بآلاف الأخبار المرتبطة بها، وقد توسع كثيرا في بعض المفاهيم، خاصة الحق في الحياة، حيث تطرق لكل ما له صلة بمصادرته، أو الحكم بمصادرته من قريب أو بعيد، تكون المسؤولية في ذلك لمنفذي القوانين، أو نتيجة لاختلالات في القوانين، إذا كانت من أشخاص ذاتيين. لكن تبقى مسؤوليات السلطات، وإن كانت بعيدة عن بعض النماذج، كما هو الحال بالنسبة للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة…
وسجل التقرير انبثاق أنماط جديدة من النضال المطلبي لم تعرفه بلادنا من قبل، وكذا رسائل للسلطات بخصوص الفقر والتهميش والخصاص في الماء في أكثر من منطقة، وانتشار الفساد ومكافحته. كما تم دعم الخلاصات والتوصيات بمواقف المنظمة التي عبر عنها مجلسها الوطني او مكتبها التنفيذي، وذات العلاقة بالمواضيع المتطرق لها في التقرير.
وقد حرص التقرير أثناء معالجة كل محور من محاوره السبعة، على تقديم الإطار المعياري المستمد من المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، من مواثيق وإعلانات وتعليقات صادرة عن الهيئات التعاقدية ذات ارتباط بموضوع، ثم المقتضيات الدستورية والقانونية والتنظيمية المعنية، وذلك قبل تقديم رصد للوضعية، انطلاقا من تتبع المنظمة مركزيا أو محليا للملفات المعروضة عليها، وكذلك انطلاقا من البلاغات والبيانات الصادرة عنها، أو انطلاقا من التتبع المستمر للأخبار المنشورة في بعض الصحف الوطنية ورقية والكترونية، ثم في النهاية تتويج المحور، بجملة من التوصيات?

تأخر المنجز المؤسساتي والقانوني

فبخصوص المحور الأول المتعلق بالمنجز المؤسساتي والقانوني، سجل التقرير التأخير الكبير الذي حصل في تحيين وملاءمة بعض المؤسسات مع المقتضيات الدستورية، أو في تعيين الهياكل المسؤولة عنها، رغم مرور وقت كثير على دخول القوانين المنظمة لها حيز التنفيذ، بل إن بعضها لم يتم تعيينها بعد، ويهم الأمر كذلك، مؤسسات منبثقة عن بعض القوانين الجديدة، وفي نفس الإطار، عدم الاعتماد أو المصادقة على مشاريع قوانين، أو عدم استكمال مسطرة المصادقة على مسودات قوانين، مشيرا أيضا الى عدم تصديق المغرب على عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات الملحقة باتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان مصدق عليها، وذلك بالرغم من وعود حكومية سابقة تخصها، كما تساءل عن مآل الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.

الحقوق المدنية والسياسية

وبالنسبة للمحور الثاني المرتبط بالحقوق المدنية والسياسية، أوصى التقرير في الفصل المتعلق بالحق في الحياة، بالتصويت الإيجابي على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، وبالإلغاء التام للعقوبة بالمصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك بتعزيز المستشفيات الخاصة بالأمراض النفسية والأطر المتخصصة، والقيام بعملية التوعية والتحسيس داخل المؤسسات التعليمية ودور الشباب والمساجد والمعامل بخصوص ظاهرة الانتحار، الى جانب وضع استراتيجية وطنية للوقاية من نتائج الكوارث الطبيعية أمام تزايد أخطار التغيرات المناخية، والمصادقة على اتفاقية إسطنبول للحماية والوقاية من العنف ضد النساء والعنف المنزلي.
وفي ما يتعلق بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية، تم التأكيد على التفعيل السريع للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، مع تبني استراتيجية وطنية لعدم الإفلات من العقاب، وضرورة التزام رجال الأمن عند تحييدهم للمعتدين عليهم أو على المواطنات والمواطنين بإطلاق الرصاص نحو الأطراف السفلى لهؤلاء تنفيذا للقوانين السارية، علاوة على تمكين قوات الأمن والدرك بالمعدات الكفيلة بتحييد المعتدين بالأسلحة البيضاء وغيرها لتفادي استخدام الرصاص الحي، والعناية الكاملة بالأمنيين ورجال السلطة الذين يتعرضون للاعتداءات وبذويهم في حالات العجز أو الوفاة، وأيضا المصادقة على اتفاقية مجلس أوروبا ” اتفاقية اسطنبول” المرتبطة بالوقاية من العنف ضد النساء والعنف المنزلي ومكافحتهما.
وبخصوص الظروف في السجون، أوصى التقرير بالإسراع لاعتماد قانون جديد للسجون، وبدعم المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج، ماديا وبشريا لمواجهة الخصاص الحاصل، وذلك برفع الميزانية المخصصة لها، وأيضا إيجاد حل لمعضلة الاكتظاظ الذي تعاني منه السجون، وذلك بالتعجيل بحل إشكاليات الاعتقال الاحتياطي، وتبني العقوبات البديلة.
وأوصى التقرير في الفصل المتعلق بالحريات الفردية، بتعديل المقتضيات القانونية الواردة في القانون الجنائي بخصوص الإيقاف الإرادي للحمل ، وبإلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين الأشخاص الراشدين، وعدم الإفلات من العقاب في حالات التشهير، بالإضافة لإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يجرم الإفطار العلني، وحماية المواطنات والمواطنين المغاربة من أي مس بحرياتهم الشخصية ومراسلاتهم، وكذلك تيسير الزواج المختلط بتبني الزواج المدني، في ضوء تزايد المواطنات والمواطنين المغاربة المتزوجين بالأجانب.
على صعيد الهجرة واللجوء، تم التأكيد على التعجيل بسن القانون المنظم للهجرة والقانون المتعلق باللجوء، وعدم الالتجاء لاحتجاز المهاجرين غير النظاميين في مراكز غير قانونية، وتمكين الذين سويت وضعيتهم القانونية من وثائق تمديد الإقامة، وكذلك مساعدة المهاجرين النظاميين على إيجاد العمل، وتوسيع استفادتهم من التغطية الصحية والسكن حسب الإمكانيات المتاحة وفي نفس الإطار، معاملة المهاجرات والمهاجرين غير النظاميين معاملة إنسانية تحفظ كرامتهم، واحترام الوثائق الصادرة عن المفوضية السامية للاجئين بخصوص تنقل طالبات وطالبي اللجوء من المنطقة الشرقية الى الرباط قصد دراسة ملفاتهم لدى مكتب المفوضية.
أما على مستوى حرية التعبير والرأي والصحافة، فأوصى التقرير بمراجعة العقوبات السالبة للحرية في مثل التدوينات التي يقوم بها التلاميذ والطلبة، وذلك بالاقتصار على الغرامات، وعدم تجريم نشر معطيات وأخبار صحيحة تهم الشأن العام، وضرورة العناية بالتربية على التسامح ونبذ التطرف والكراهية، وأيضا التربية على حسن استعمال الأنترنيت والشبكة العنكبوتية تأمينا للشباب والحد من انزلاقهم في مطبات غير واعين بها
في نفس السياق، وبعد التأكيد على مراجعة القانون المنظم لتأسيس الجمعيات بما يتماشى مع العهود والاتفاقيات الدولية، والدستور والتدابير التي جاءت بها الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع والتراكم الذي عرفته الحركية الجمعوية في المغرب، أوصى التقرير في الجانب المتعلق بالحق في تأسيس الجمعيات بإخضاع تأسيس الجمعيات للمراقبة الحصرية للمؤسسة القضائية، ودعوة المنظمات المتضررة من عدم تمكينها من إيصالات الإيداع الإداري لملفاتها، إلى رفع شكاياتها لدى المحاكم المختصة، مع تمكين الجمعيات والمنظمات الحقوقية والمدنية عموما، من حقها في الولوج إلى المؤسسات الإعلامية العمومية من إذاعة وتلفزة…
وأوصى التقرير أيضا، بمراجعة القانون التنظيمي للتجمع والتظاهر السلميين، بما يضمن التمتع بهذا الحق، إعمالا للمقتضيات الدستورية والاتفاقية الدولية ذات الصلة، مع تعليل أي قرار بالمنع، والفصل فيه من لدن القضاء الاستعجالي، إصافة لفتح نقاش عمومي حول التظاهر السلمي مع إلغاء العقوبات السالبة للحرية بخصوص التجمع والتظاهر السلميين، وتحلي الأشخاص المشاركين في الاحتجاجات والإضرابات بروح المواطنة من خلال التخلي عن كل ما يمكن أن يضر بمصالح المواطنات والمواطنين.
وعلى مستوى نشر ثقافة التسامح وعدم التمييز، ونبذ الكراهية والعنصرية والتطرف، شدد التقرير على دعم المنظمات المدنية المشتغلة في هذا المجال، ومراجعة المناهج والبرامج التربوية، وتحلي كل مسؤول بروح المسؤولية المنوطة به، انطلاقا من القيم والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان والمقتضيات الدستورية، سواء كانت مسؤوليات في إطار الحكومة، أو المجالس المنتخبة، أو الأحزاب السياسية أو النقابات أو المجتمع المدني عموما.

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية

ركز المحور المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الصحة والتعليم والشغل، حيث أكد على توصيات تتجه الى تجاوز الخصاصات القائمة في اتجاه الإحقاق الفعلي لتلك الحقوق، مثل الرفع من الميزانيات المرصودة لتلك القطاعات، وتجويد الخدمات، وفتح حوار جدي مع الشغيلة، وكذا اعتماد التوظيف الجهوي أو الإقليمي، ودعوة الشغيلة إلى تجنب الإضرابات الطويلة والمسترسلة، مع فتح حوار وطني حول الحق في الإضراب.

الحقوق الفئوية

التقرير أولى عناية خاصة للحقوق الفئوية، وأكد مثلا، في ما يهم الأطفال، بإلغاء الفصول من مدونة الأسرة التي تسمح بتزويج القاصر، وإلزامية ضمان حق التعليم حتى حدود سن 15 سنة إعمالا للقانون ومقتضيات اتفاقية حقوق الطفل، ودعم السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة وتوسيع مجالاتها، وأيضا اعتبار استغلال الأطفال في التسول شكلا من أشكال الاتجار في البشر، وعدم الإفلات من العقاب بخصوص ضباط الحالة المدنية والمنتخبين الذين يرفضون تسجيل المواليد التي تحمل أسماء أمازيغية.
وبالنسبة للأشخاص المسنين، تبنى التقرير التوصيات الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مضيفا الرفع من الحد الأدنى للأشخاص المتقاعدين الى الحد الأدنى للأجر على الأقل، وإحداث تقاعد أدنى لغير المتوفرين على التقاعد، بالإضافة لدعم الأسر المتكفلة بالأشخاص المسنين التي لا دخل لها، وإعادة النظر في تدبير وتسيير دور العجزة، وفي ما يهم الأشخاص في وضعية إعاقة، فقد تم التشديد على إعمال المادة 15 من القانون الإطار المتعلق بحماية والنهوض بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

الحقوق البيئية

محور الحقوق البيئية كان أيضا حاضرا في التقرير، وهنا تم التركيز من جهة، على قيام الجماعات الترابية بإيجاد حلول للمطارح غير المراقبة والملوثة، وكذا بالنسبة لتصريف المياه العادمة برمتها واستخدام مياهها في الفلاحة والحدائق داخل المدن والقرى، ومن جهة ثانية على تقنين استغلال الرمال الساحلية، ومعاقبة ناهبيها، ودعم قطاع المياه والغابات لوجستيكيا وماليا وبشريا، هذا الى جانب تقنين القنص، وزجر المعامل الملوثة.

قضايا تبعث
على القلق

وكانت وضعية ساكنة تيندوف محورا سادسا للتقرير، حيث تم استعراض ما تم رصده من انتهاكات، تشمل القتل، والاختطاف، واعتقالات للمعارضين، علاوة على المس بحرية التنقل، وبحرية التعبير والصحافة، وكذا التجنيد القسري. وفي هذا الشأن، تمت مطالبة مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين بإحصاء ساكنة المخيمات لإعطائها الحق في اختيار مصيرها، مع تحميل المسؤولية الكاملة للسلطات الجزائرية بخصوص الانتهاكات الجسيمة التي تقترفها ميليشيات البوليساريو داخل أراضيها، إلى جانب الكشف عن مصير الخليل أحمد أبريه من لدن السلطات الجزائرية تلبية لمطالب الساكنة بتندوف وعائلته بالعيون ومناشدات الهيئات الحقوقية الدولية والمدنية.
وتناول التقرير في المحور السابع والأخير، بعض الإشكاليات الخطيرة التي تابعتها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والتي عرفت تطورا واستفحالا مستمرا خلال السنة، والمتمثلة في المواجهات بين مواطنات ومواطنين بجهتي سوس ماسة ، و مراكش آسفي على مستوى إقليم آسفي، مع الرعاة الرحل الذين يأتون على المجال الغابوي والمزروعات التابعة لساكنة الجهتين المذكورتين من جهة، ومن جهة ثانية الصراع حول الأرض في جهة درعة تافلالت، وقد شدد التقرير على إن المواجهات بين الساكنة والرعاة الرحل أصبحت متواترة ولا تتوقف على فصل بعينه، متوقعا استفحالها أكثر مستقبلا نتيجة التغيرات المناخية؛ أوصى التدخل لإيجاد الحلول الواقعية والنهائية لهذه الإشكالية خاصة وأن أمن واستقرار الساكنة أصبح مهددا، مما أثر على عيشهم اليومي وعلى التعليم والصحة، ناهيك عن تهديد الحق في الحياة وأمام المواجهات العنيفة بين الطرفين.


بتاريخ : 12/05/2020