في الحاجة إلى أدب الاستماع والمشاهدة

حاجتنا اليوم إلى أدب وأخلاقيات المشاهدة، مشاهدة الأشرطة و المحتويات المصورة ( الفيديوهات ) المبثوثة في سماوات الله المفتوحة ، سواء بالأماكن ذات الانفتاح المحدود كالمقاهي و المنتديات الخاصة ، أو في الفضاءات العامة، باتت ماسة و أكثر من مستعجلة .
عندما تلج بوابة المقهى بحثا عن حالة صفاء ذهني، تطالعك و جوه و ملامح من مختلف الفئات و الأعمار، شباب، شابات، كهول و شيوخ.
تؤثث مختلف الجوانب و الردهات، بعيون مغروسة عميقا في حقول السيليكون تعكس بتفاوت مريب أضواء الشاشات الإلكترونية العاكسة للأذواق و الأمزجة.
لكن، ما سيزعجك حقا، و يثير أعصابك، بعد أن خططت لروقان المزاج ، هو أن المدرسة المغربية لم تقم بواجبها على أكمل وجه، و البيت استقال نهائيا، و مواقع التواصل الاجتماعي فاقمت الحالة بتواطؤ و بإمعان شديد. لذلك، فكل هذا الفشل الحضاري المريب، تكشفه المقهى كمرآة مجتمعية عاكسة للأخلاق و مفرزة للقيم، ويتجسد في شيئين.
الأول مخاطبة المتحدث بصوت جهوري، كما لو كان يقطن في قارة أخرى. الثاني يتجلى في تشغيل الموسيقى على نحو صاخب و مريب الصاخبة، وليس أي موسيقى، بل النشاز.
و إذا كان لكل فرد خاصيته و مزاجه ذوقا تربية ثقافة، فلنا أخلاقيات تجمعنا، و قاسم قيمي مشترك يوحدنا، و نسعى إليه هو الاطمئنان النفسي و الاستمتاع باللحظة بعيدا عن المنغصات و أعطاب النفس البشرية و مشكلات المعيش اليومي التي على البال. فالمقهى كفضاء عام، حقل لتصفية المزاج و روقانه، أو على الأقل هكذا نعتقد. و المشاهدة حق عولمي حداثي مدني كوكبي، لكن في احترام تام لضوابطه و لمن حولنا.
من حق هذا الكهل أن يشاهد عرسا بدويا على سليقته، و يستمتع بكامل طقوسه الفرجوية لوحده، لكن، ليس من حقه أبدا أن يملأ الفضاء المشترك، و يزعج الجوار بالزغاريد و أصوات الطبول و صراخ الأطفال. ففي هذا الباب تحديدا، وجدت التيكنولوجيا الحل. و سهلت ذلك باختراعها جهازا للسمع رخيص التكلفة يدعى «الكيت». كذلك من حق ذلك الشاب الجالس رفقة صديقته مسترسلا في عرض فيديو يجمع نجوم الرأي في سهرة صاخبة، و ذاك الثالث الذي يجاهر افتخارا وهو يسجل أوديوهات رسائل صوتية رومانسية لزميلته، كما لو كان في جزيرة معزولة. فيما الرابع ترك المنبه على إيقاع الآذان على منتهاه حتى النهاية. وفي لحظة تقفز في مكانك ، تستفيق على إيقاع صوت مفاجئ، لم يتحكم أحدهم في ضبطه، فيصيبك الذهول، فتعيد انفعالك داخله، وتهدأ كما لو …. وهكذا يتحول فضاء المقهى الذي كان هادئا ذات زمن مضى ، إلا من جهاز تلفزة، إلى فضاء مزعج ، يعج بالضجيج و الصخب و الوصلات المتفاوتة النبرات… يحدث هذا رغم أن التقنية و التكنولوجيا، وفرت الاستمتاع بالموسيقى عبر تقنية «الكيت» دونما إزعاج الجوار.
لذلك، فمن يرغب اليوم في الاستمتاع بجلسة هدوء في مقهاه المفضلة، كي يقرأ كتابا أو يطالع جريدة، أو يستمع فيها لأعصابه على رشفات الفنجان عليه بالسفر إلى مكان آخر، قد يحمل نفس الإسم، لكن بدون صخب و لا نغمات نشاز.


الكاتب :   عزيز باكوش

  

بتاريخ : 09/03/2022