قال حسن طارق، وسيط المملكة، « إن التماسك الاجتماعي ليس معطى جاهزاً ولا حالة طبيعية، بل هو بناء سياسي وقيمي ورمزي، ومشروع جماعي مفتوح على المستقبل يحتاج إلى رعاية دائمة وتغذية مستمرة، وهو، في جوهره، ليس مجرد سياسات عمومية أو منظومات مؤسسات، بل مرجعية قيمية تمنح المعنى للروابط الاجتماعية وتكرس إرادة العيش المشترك».
وأضاف وسيط المملكة، في افتتاح فعاليات الدورة السابعة من برنامج أكاديمية تمكين، التي تنظمها جمعية الشباب لأجل الشباب، تحت عنوان: « التماسك الاجتماعي بين رهانات القيم ووظيفة المؤسسات: تأملات في فكرة الإنصاف». الجمعة الماضي بمدينة شفشاون، أن هذا اللقاء، الذي يجمع مؤسسة وطنية مستقلة بجمعية مدنية شبابية، يعكس الحاجة الملحة إلى حوار عمومي واسع حول موضوع التماسك الاجتماعي، من مداخل متعددة: التأطير الجمعوي، مرافقة الشباب، قيم المشروع المجتمعي، والسلوك المدني.
وأشار حسن طارق إلى أن التماسك الاجتماعي يتطلب فعلاً عمومياً قائماً على العدالة والإنصاف والتضامن، لكنه لا يترسخ إلا عبر تقاسم صادق لمشاعر الانتماء الوطني، والتماهي مع الرموز والذاكرة المشتركة، واعتماد حد أدنى من السلوك المدني. ومن هنا، تظل المدرسة الوطنية الفضاء الحاسم لإنتاج قيم المشروع المجتمعي ولصياغة معايير العيش المشترك.
واعتبر وسيط المملكة أن التماسك الاجتماعي ينتج الرأسمال الاجتماعي كعنصر من عناصر قوة الأمم، لكنه رهين بفضائل الثقة، سواء بين المواطنين أو بينهم وبين مؤسسات الدولة. وهو ما يجعل مفاهيم التماسك والثقة والرأسمال الاجتماعي مترابطة وتشكل “إسمنت المجتمع”.
ولم يغفل الدرس الافتتاحي الإشارة إلى نتائج عدد من الدراسات الوطنية والدولية حول القيم في المغرب (مجلس النواب 2023، المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية 2023، معهد تحليل السياسات 2024…)، التي أظهرت أن الرأسمال الاجتماعي المغربي يرتكز على ثالوث: الأمة الموحدة، والدولة، والأسرة.
كما أوضحت المؤشرات البحثية رسوخ الارتباط بالهوية الوطنية، وأهمية الأسرة كأقوى رابطة اجتماعية، إلى جانب الثقة العالية في المؤسسات السيادية، والتفضيل القيمي للمساواة على الحرية، وهي مؤشرات تعكس أولوية المطالب الاقتصادية والاجتماعية على ما سواها.
ومن بين التساؤلات التي طرحها المتحدث: هل تعني قوة الثقة في الأسرة والدولة أن المجتمع المدني، كشبكة للتضامنات والوساطات، لا يزال مجرد مشروع للمستقبل؟
كما خلص حسن طارق إلى أن جائحة كوفيد كانت اختباراً قاسياً ليس فقط للدولة على مستوى التدبير الصحي والاقتصادي، بل أيضاً للمنظومة القيمية للمغاربة، الذين أعادوا تحت ضغط الأزمة اكتشاف فضائل التضامن الأسري والثقة في المؤسسات.