في الدفاع عن قضايا الطفولة والشباب .. رؤية نصف قرن من الفعل الثقافي والتربوي «جمعية الشعلة للتربية والثقافة»

 

لا يمكننا أن نرصد تاريخ «جمعية الشعلة للتربية والثقافة» عبر تاريخ المغرب الثقافي والتربوي الحديث، بل يحتاج ذلك إلى فريق عمل وإلى مجموعة من المنطلقات بحكم ارتباط تاريخ الجمعية بمحطات فارقة من تاريخ المغرب النضالي من أجل مغرب العدالة والكرامة والحريات العامة، وتمكنت الجمعية في هذا المناخ المتوتر من سبعينيات القرن الماضي من تأسيس دعائمها كمنظمة تربوية ثقافية لها أفق اشتغال يتجاوز حدود المكان والزمان بالحضور في أغلب المدن والقرى المغربية والانتقال في الزمان بالحفاظ على استمرارية الفعل التربوي والثقافي ضمن استراتيجية مستقبلية تتماشى والتحولات ورهانات المستقبل، مما مكن الجمعية من حماية نفسها ضد أي شكل من أشكال الصدام وفضلت تشييد أفق عقلاني لتسطير قناعتها بالمعنى الوظيفي في خلق تصور إجرائي يتسع لكل الفئات العمرية في مجالات تدخلها، فاقتحمت كل مراكز التنشئة الاجتماعية بمشاريع تربوية وثقافية استهدفت الطفولة والشباب بآليات تربوية ديداكتيكية من خلال أنشطة تستجيب لحاجيات هذه الفئات.
وبالموازاة كان حضور الجمعية في المشهد الثقافي والتربوي من خلال تسطير منطلقاتها بالدفاع عن حق التعبير والإبداع والعمل على بناء مشروع ثقافي تربوي عماده التنوير والحرية والحوار والاختلاف في ضوء إبدالات مبنية على الديمقراطية التشاركية في الممارسة والوطنية كبديل لأي مشروع تربوي وثقافي مناصر للاغتراب والاستلاب وكافة أشكال المحو والمصادرة.
لقد سعت جمعية الشعلة للتربية والثقافة من تأسيسها سنة 1975 إلى إبراز هويتها الثقافية والتربوية على رؤية تجديدية تحديثية في اختياراتها وبرامجها وممارساتها في مجال التنشيط الثقافي والتربوي ومجال البحث والكتابة والنشر، وسعت للانفتاح على نخبة من رواد الثقافة والتربية واتجهت بإمكانياتها المحدودة بأنشطة معقلنة «ندوات ولقاءات مفتوحة، ومخيمات، ومجلة، ونشر منجز ملتقيات ..» اتجهت الى تخليق الفضاء الثقافي التربوي بما يلزم من قيم تتماشى ومشروع الجمعية المجتمعي المنتصر لقيم الحداثة والعدالة والحرية والتنوير.
هذه المنطلقات التي تسم صورة جمعية الشعلة للتربية والثقافة والتي تشي إلى صمود هذا الصرح الذي تشبث باستمراريته رواد العمل الجمعوي الجاد من مؤسسين انتسبوا إليه على مدى نصف قرن من الحمل إلا في حالات استثنائية لم تنجح في العبث بالجمعية وجرها الى صراعات مجانية، ويعود ذلك الى رزانة جيل من المربين والمثقفين الذين تمسكوا بجمعية الشعلة الفكرة والتصور والمؤسسة وتمسكوا بقيم نضالية من أجل فعل ثقافي وتربوي مغاير يمارس الهدم والبناء بروح نقدية تجاه الواقع الثقافي والتربوي من جهة ،وتجاه التقليد من جهة أخرى في صميم الفعل الثقافي والتربوي المغربي بكل مظاهره وأشكاله وخطاباته.
هكذا نشأت جمعية الشعلة للتربية والثقافة مؤمنة بقيم التعدد وظل التعدد قاسما بين كل مكوناتها وبين كل من يمثل الثقافة المغربية برؤية مستقبلية واضحة المعالم بشروط واقعية تترجم برامجها التربوية والثقافية انطلاقا من رؤية استراتيجية تتسع لكل الجهات التي تحركها شبكة فروع الجمعية على اعتبار الجمعية منظمة ثقافية تربوية وطنية ذات هوية نابعة من اختيارات هيئاتها التنظيمية محليا وجهويا، وهذا ما يعمل على تحصينها وكسبها مناعة تجعلها في منأى عن أي رغبة في مس جديتها وتزييف مشروعها واستراتيجياتها في ابتكار أشكال الممارسة التربوية والثقافية التي تسطرها الجمعية في مجالات تدخلها واهتماماتها داخل المشهد الثقافي والتربوي المغربي او في دفاعها وخدمتها لقضايا الطفولة والشباب.
من هذه المنطلقات يأتي احتفاء جمعية الشعلة للتربية والثقافة بنصف قرن من الممارسة التربوية والثقافية وخدمة قضايا الطفولة والشباب، احتفاء لا لعرض المنجزات بل احتفاء يتعلق بهوية تتجدد لها إبدالات راسخة مبنية على قيم الوطنية والتقدمية والديمقراطية والعمل الجدي ونكران الذات والتطوع والانضباط، هوية بأسئلة جديدة تستنبط من التحولات المجتمعية في سياق خلق آليات جديدة لمواجهة هذه التحولات المليئة بالتناقضات والإفرازات المفاجأة والتحولات غير الواضحة المعالم.
نصف قرن من الممارسة التربوية والثقافية هو مناسبة لاستمرارية أوراش فتحتها الجمعية لعرض منتوج متنوع غطى مدنا وقرى في ربوع المغرب تستهدف مواطن اليوم والغد يخترق الأزمنة، منطلقه ومنتهاه تنمية الإنسان معرفيا وتنشئة.


الكاتب : عزيز زكار

  

بتاريخ : 12/02/2025