ستبقى أيام 10، 11 و12 من شهر ماي 2024 ، أياما مشهودة في تاريخ حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وقطاع التعليم الاتحادي والنقابة الوطنية للتعليم، باعتبار أن ما وقع خلال هذه الأيام، يعد حدثا تنظيميا، ولحظة تحول بارزة، في إعادة بناء قطاع التعليم الاتحادي، عبر عقد مؤتمر وطني للقطاع، مؤتمر نوعي بكل المقاييس بالنظر لما تدارسته جلساته ونتائجه الايجابية على المستوى التنظيمي وتصور الاشتغال المستقبلي لتعزيز بناء الأداة الحزبية، ومؤتمر كمي بالنظر لعدد الحضور وحجم التمثيلية الإقليمية والجهوية في ربوع المملكة المغربية، المجسدة لجدلية السياسي والنقابي في مسار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وتاريخه.
لقد انتخب المؤتمر الوطني لقطاع التعليم الاتحادي، الذي توالت أشغاله على مدى أيام 10، 11 و 12 ماي الجاري، بفضاء المركب الدولي مولاي رشيد للطفولة والشباب ببوزنيقة، مجلسا تنسيقيا وطنيا لقطاع التعليم الاتحادي بالإجماع، كما تمت المصادقة على البيان الختامي للمؤتمر فضلا عن انتخاب، خلال الجلسة العامة الأخيرة للمؤتمر، محمد نويكة منسقا وطنيا لقطاع التعليم الاتحادي بإجماع المؤتمرات والمؤتمرين.
لقد استطاع هذا العرس النضالي الاتحادي أن يلهب الحماس الاتحادي من جديد، ويترجم الحضور الوازن الذي كان ولا يزال لنساء ورجال التعليم في مسار النضال السياسي والنقابي الاتحادي، معيدا إلى الأذهان الأدوار الطلائعية التي لعبها هؤلاء المناضلات والمناضلون الأشراف، بجانب كل الاتحاديات والاتحاديين، في البناء الديمقراطي وترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتجويد العمل النقابي، وبناء العنصر البشري والمساهمة الفعالة في التنمية الشاملة بالبلاد.
وعرف المؤتمر الوطني لقطاع التعليم، يوم الجمعة 10 ماي، جلسة افتتاحية ناجحة، تميزت بحضور مكثف لعدد من الفعاليات السياسية والنقابية، كان في مقدمتها الكاتب الأول للحزب إدريس لشكر، ويوسف إيذي، الكاتب العام للفدرالية الديمقراطية للشغل ورئيس الفريق الاشتراكي -المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين، وعبد الحميد فاتحي، الكاتب العام الأسبق للفدرالية الديموقراطية للشغل والكاتب العام للنقابة الديمقراطية للبريد، والصادق الرغيوي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم ورئيس اتحاد المعلمين العرب، ومحمد كجي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للاتصالات، والحسن لشكر، نائب رئيس الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية بمجلس النواب والكاتب الجهوي للحزب جهة الرباط سلا القنيطرة، وعدد من أعضاء المكتب السياسي للحزب وأعضاء المكتب التنفيذي للفدرالية الديمقراطية للشغل، فضلا عن عدد من المسؤولين الحزبيين والنقابيين الجهويين والإقليميين، والمؤتمرات والمؤتمرين.
ما ميز هذه الجلسة الافتتاحية لهذا العرس النضالي، التي أدار أشغالها باقتدار كبير، محمد النويكة، نائب الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، وعضو المكتب التنفيذي للفدرالية الديمقراطية للشغل، الكلمة التوجيهية التي ألقاها الكاتب الأول للحزب إدريس لشكر، التي أكد في مستهلها على أهمية المسألة التنظيمية في الفعل السياسي والنقابي، إذ لا يمكن لأي برنامج أن يتحقق بدون عمل تنظيمي محكم، الذي يعتبر الجسر الأساسي الرابط بين الممارسة والنظرية على أرض الواقع.
وذكر الكاتب الأول للحزب بنفس المناسبة، بأن هذا المؤتمر الوطني لقطاع التعليم يندرج ضمن دينامية حزبية تحرص القيادة الحزبية على تنفيذها طبقا لمقررات المؤتمر الوطني الحادي عشر وقرارات دورة المجلس الوطني الأخير والمكتب السياسي للحزب، الداعية إلى إعادة الهيكلة للأجهزة الحزبية وإلى تعزيز البناء التنظيمي للحزب عبر عقد المؤتمرات الوطنية للقطاعات المجالية النسائية والشبيبية والقطاعات الحزبية ثم المؤتمرات الجهوية والإقليمية.
واعتبر الكاتب الأول للحزب، الذي اعتز بهذا الحضور الهائل لنساء ورجال التعليم من كل أنحاء المغرب شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، أن هذه المحطة التنظيمية المشرقة تربط الماضي بالحاضر، وهي منفتحة بإصرار على المستقبل، من أجل التداول والاتفاق، ولرسم خارطة طريق لعمل قطاع التعليم الاتحادي لتقوية العمل الحزبي والنقابي، منوها بالأدوار الطلائعية التي لعبها نساء ورجال التعليم في تاريخ الحزب بصفة خاصة والبلاد بصفة عامة، ومذكرا بالمعارك النضالية والبطولية سواء منها السياسية أوالنقابية التي قادها نساء ورجال التعليم، والتي تركت بصماتها في سجل التاريخ الحديث للمغرب، مبرزا في هذا الصدد أن الفاعل النقابي انطلاقا من الأموي، رحمه الله، والطيب منشد، أطال الله في عمره، كان دائما مساهما، بقوة، في القرار الحزبي ولاسيما بعد المؤتمر الوطني الاستثنائي للحزب سنة 1976، الذي أقر استراتيجية النضال الديمقراطي.
وبالموازاة مع ذلك، ذكر الكاتب الأول للحزب بالسياقات الوطنية والدولية التي ينعقد فيها هذا المؤتمر الوطني لقطاع التعليم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وما يعرفه الشعب الفلسطيني من تقتيل همجي وجرائم إبادة جماعية، التي يندد بها الاتحاد الاشتراكي بقوة ويستفسر عن هذه الجرائم البشعة في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، مذكرا بالدور الحاسم الذي يقوم به الاتحاد الاشتراكي في الدفاع عن القضية الفلسطينية في المنتديات والمنظمات الدولية، وفي مقدمتها الأممية الاشتراكية، وحرص الحزب على استمرار التشاور مع القيادة الفلسطينية من خلال علاقاتنا الحزبية الدائمة.
وفي ذات السياق، شدد لشكر على أن المطلوب، اليوم، من الضمير العالمي، بعد هذا الكم الهائل من الشهداء والجرحى والدمار للبنيات والتجهيزات الفلسطينية، أن تكون المعالجة للقضية الفلسطينية معالجة شاملة بناء على القرارات الأممية الداخلية لحل الدولتين، وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، مسجلا في نفس الوقت أنه بالنسبة للمغاربة القضية الفلسطينية قضية واحدة لكل الفلسطينيين سواء في غزة أو في الضفة الغربية.
أما على المستوى الوطني، فقد أكد الكاتب الأول للحزب أن القضية الوطنية تسجل مكاسب دولية تلو الأخرى بفضل جلالة الملك محمد السادس والديبلوماسية المغربية النشيطة، داعيا إلى المزيد من الحذر واليقظة لصون هذه المكاسب من أجل إنهاء هذا النزاع المفتعل.
وبخصوص تقييم الحصيلة المرحلية للحكومة، أكد لشكر أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يكفيه فخرا واعتزازا أنه خطط ونفذ عددا من المشاريع التنموية والاقتصادية والاجتماعية في عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي الوزير الأول، بل نفذ وأقر عددا من البرامج ذات التوجه الليبرالي التي كانت في صالح الشعب المغربي، لكن ما لا يمكن أن نقبله هو تملص رئيس الحكومة من مرجعية حزبه الليبرالية، وهو الحزب المتواجد في الأممية الليبرالية، وأن يصنف حزبه ضمن المرجعية الديمقراطية الاجتماعية.
وبالنسبة للمعارضة، شدد لشكر على أن الاتحاد الاشتراكي ركن إلى المعارضة المسؤولة، مذكرا بأن القطاعات التي نجح فيها الحوار الاجتماعي ساهم فيها الاتحاد الاشتراكي بقوة، كقطاع التعليم العالي وقطاع العدل وقطاع التعليم والصحة، حيث لعب أدوارا كبرى في الوصول إلى اتفاقات اجتماعية.
كما جدد الكاتب الأول للحزب، تهنئته للصادق الرغيوي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، لانتخابه أمينا عاما لاتحاد المعلمين العرب في المؤتمر المنعقد بالرباط مؤخرا؛ مسجلا أن هذا المستوى العالي من التمثيل العربي للنقابة الوطنية للتعليم، يقر على أن النقابة الوطنية للتعليم العضو في الفدرالية الديمقراطية للشغل، نموذج ديمقراطي للنقابة المواطنة المناضلة الشريكة، التي تستحق هذا المنصب منذ سنين.
وفي ما يتعلق بالتعليم، أشار الكاتب الأول للحزب، إلى الفشل الحكومي في الوفاء بما جاء في البرنامج الحكومي، فمدرسة تكافؤ الفرص، مثل التعليم الأولي لجميع الأطفال في سن الرابعة، مجرد نوايا، ثم المدارس المجالية (النقل- المطعم)، تقوية المهارات الإنسانية منذ الابتدائي القراءة والكتابة والحساب والبرمجة، فلا تزال دار لقمان على حالها، وأن ما ورد في النموذج التنموي الجديد بقي دون تنفيذ، ومازال الوضع على ما هو عليه.
ودعا الكاتب الأول للحزب إلى إحداث نهضة حقيقية للمنظومة التربوية للقيام بالإصلاحات الضرورية تفعيلا للقانون الإطار، وتنزيلا لكل القوانين والاستراتيجية الإصلاحية لمنظومة التربية والتكوين.
من جانبه، أكد يوسف إيذي، الكاتب العام للفدرالية الديمقراطية للشغل، في كلمة ألقاها بنفس المناسبة، على الدور المحوري لقطاع التعليم ونساء ورجال التعليم الاتحاديين في النضال السياسي والحزبي والنقابي، والأدوار الأساسية التي لعبوها سواء في تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أو تأسيس البديل الديمقراطي النقابي الفدرالية الديمقراطية للشغل والمساهمة في إعادة بناء هذا الصرح النقابي.
من جهته ألقى الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم الصادق الرغيوي، كلمة في هذه الجلسة الافتتاحية، ذكر فيها بالسياق الوطني والعربي والدولي الذي ينعقد فيه المؤتمر الوطني لقطاع التعليم، كما هنأ جميع أعضاء النقابة الوطنية للتعليم على انتخابها في منصب الأمانة العامة لاتحاد المعلمين العرب، معتبرا أن هذا الانتخاب تتويج لمسار وتراكم تاريخي لنضالات كل أطر ومسؤولي النقابة الوطنية للتعليم.
كما أشار الرغيوي إلى أن الجميع بالمملكة يتطلع إلى إصلاح منظومة التربية والتكوين التي توجد الآن في مفترق الطرق، مسجلا أن الاتحاد الاشتراكي ظل يدق ناقوس الخطر حول إصلاح المدرسة العمومية، مبرزا أن هناك إرادة جماعية حقيقية لإصلاح المنظومة ولأول مرة في تاريخ المغرب نجد هذه الإرادة في عمق قوانين الإصلاح وتنزيل الرؤية الاستراتيجية، لكن الإشكال الحقيقي هو في تنزيل هذا الإصلاح وتنفيذه.
وأكد الرغيوي أن النقابة الوطنية للتعليم ناضلت بقوة لإلغاء التعاقد في التعليم ومن أجل نظام أساسي جديد منصف وعادل.
يذكر أن المؤتمر الوطني لقطاع التعليم نظم جلسة عامة حول «جدلية السياسي والنقابي وآفاق البناء»، أطرها كل من الصادق الرغيوي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، عضو المجلس الوطني للحزب، والسعدية بنسهلي، عضو المكتب السياسي للحزب.
كما تخللت أشغال المؤتمر، ورشات للمناقشة وتدارس مواضيع هامة بين المؤتمرين والمؤتمرات، حول أي إصلاح نريد للمدرسة المغربية، من تأطير جمال الصباني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي، عضو المكتب السياسي للحزب، وعبد الكريم مدون أستاذ جامعي، كاتب عام سابق للنقابة الوطنية للتعليم العالي. وهمت الورشة الثانية، «قراءة في النظام الأساسي الجديد»، أطرها محمد نويكة، نائب الكاتب العام للفدرالية الديمقراطية للشغل، عضو المجلس الوطني للحزب، وسعيد بلوط، خبير قضايا التربية والتعليم.