في القمة الأورومتوسطية للمجالس الاقتصادية والاجتماعية بمراكش
لا يمكن تحقيق انتعاش اقتصادي بمنطقة البحر المتوسط وتطوير نماذج اجتماعية واقتصادية مستدامة ومرنة إلا بالاسترشاد بمبادئ احترام سيادة القانون وحماية القيم الديمقراطية والحقوق الاجتماعية وحقوق الإنسان وتنفيذ الاتفاقيات الأساسية لمنظمة العمل الدولية والالتزام المشترك بتحقيق أهداف التنمية المستدامة والحياد المناخي. ذلك ما أكدت عليه مداولات القمة الأرومتوسطية للمجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة التي نظمتها بمراكش، يومي الثلاثاء 31 ماي المنصرم والأربعاء 1 يونيو الجاري، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في موضوع « كوفيد19 : دور المجتمع المدني وإعادة بناء المنطقة الأورومتوسيطية وتعزيز قدرتها على الصمود.»
أشغال هذه القمة أبرزت أن المنطقة الأورومتوسطية عانت بشدة بسبب الأزمة الناتجة عن الجائحة، مما أدى إلى تفاقم المشاكل القائمة وخلق تحديات جديدة تنضاف إلى المشاكل السابقة، حيث من المرجح أن تؤدي النتائج الاجتماعية والاقتصادية لهذا الوضع إلى زيادة أوجه عدم المساواة، ولاسيما في البلدان ذات النظم الاقتصادية والإنتاجية الضعيفة. وفي هذا الصدد قالت كريستا شوانغ رئيسة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية في الكلمة التي ألقتها في افتتاح أشغال القمة، إن أزمة كوفيد 19 كان لها بالغ الأثر على اقتصاديات المنطقة، وأضرت بسلاسل التزويد والسياحة واليد العاملة. مضيفة أن الدخل الإجمالي بشمال إفريقيا تراجع بأكثر 3،3 بالمائة بخسارة وصل حجمها خلال 2020 إلى 200 مليار دورلار، وترتب عن ذلك تراجع في مستوى المعيشة وتدهور لدخل الأسر وتضخم أسعار المواد الأساسية.
وقالت في نفس السياق إن الأزمة المرتبطة بكوفيد19 أبرزت الحاجة إلى ضمان الأمن الغذائي ومحاربة الفقر، وتوفير حماية اجتماعية أفضل للذين لا يتوفرون على معاشات، وذلك من أجل مجتمعات متجانسة لا تقصي أحدا.
أشغال القمة أكدت أيضا أن المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم استجاب فورا للظرفية التي فرضها الوباء وعمل على خط المواجهة وتقديم المساعدة ومد يد العون للسكان، مساهما في التخفيف من الآثار السلبية لكوفيد 19، حيث دعمت منظمات المجتمع المدني في المنطقة الأورومتوسطية الإجراءات الحكومية من خلال توفير الخدمات الأساسية والرعاية الصحية، وتوزيع معدات الحماية الشخصية، وساعدت على نشر المعلومات الحيوية في المناطق النائية. ليشكل ذلك مكسبا قويا في معركة مواجهة هذه الجائحة التي كانت، كما قالت عواطف حيار وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في كلمتها أمام المشاركين في القمة، «بمثابة تنبيه للمجتمع الدولي وصناع القرار والمجتمع المدني أيضا، وذلك على جميع المستويات، بشأن التحديات الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية والتضامنية التي تواجهها مجتمعاتنا اليوم. ولقد جعلتنا الجائحة ندرك الحاجة إلى اتخاذ وتنفيذ التدابير اللازمة وبالسرعة المطلوبة أثناء حالات الطوارئ والأزمات.» مؤكدة أن المجتمع المدني شريك استراتيجي للقطب الاجتماعي اعتبارا لواجبه الدستوري الذي يجعل منه فاعلا أساسيا في بلورة السياسات العمومية وبرامج التنمية بمختلف أبعادها، وفي ترجمتها إلى مشاريع تنموية لفائدة مختلف شرائح المجتمع، ولتكريس سياسة القرب تجاه الفئات المستهدفة وتطوير خدمات المساعدة الاجتماعية وتعزيز الذكاء والصمود الجماعي.
التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تواجهها المنطقة الأورومتوسطية، لا يمكن التصدي لها إلا من خلال شراكة أعمق . تلك واحدة من النقط التي ركزت عليها أشغال القمة. وفي هذا الإطار أكد أحمد رضا الشامي رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن «شراكة أكثر اتحادًا وابتكارًا بين الضفتين ضرورية إذا أردنا التغلب على آثار أزمة الوباء وإعادة إطلاق القطاعات الحيوية لاقتصاداتنا مثل السياحة» داعيا إلى تحديد توجه استراتيجي أكثر طموحًا وجرأة لمستقبل العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بغاية تحقيق التعافي والتنمية المستدامة في المنطقة الأورومتوسطية.
وأكد في ذات السياق أن من بين الدروس الرئيسية التي يجب تعلمها من إدارة هذه الأزمة أنها تدعو إلى إصلاح عميق للأنظمة الصحية والحماية الاجتماعية وأساليب الإنتاج لتطوير سلاسل القيمة الإقليمية. كما تتطلب استجابة إقليمية ودولية قوية، تسترشد بحتمية التضامن والمسؤولية المشتركة.
واستحضر رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أزمة المناخ التي اعتبرها المجال،الذي يحظى باهتمام خاص للمجلس ، مذكرا بضرورة تطبيق مبدأ المسؤولية المشتركة واحترام الالتزامات التي تعهدت بها الدول الصناعية على الساحل الشمالي ، من حيث التمويل، ولا سيما برامج التكيف في بلدان الجنوب.
جهود المجتمع المدني بالمنطقة الأورومتوسطية لها واجهة أخرى لا تقل أهمية، تجعلها شريكا أساسيا في مواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة خاصة في بلدان الجنوب، كما أوضح عبد القادر لخصاصي الأمين العالم المساعد للاتحاد من أجل المتوسط في كلمته خلال افتتاح القمة، فالجائحة بقدر ما أظهرته من وجوه عدم المساواة، كشفت أيضا أن التحديات التي تواجهها بلدان جنوب المتوسط كالتعافي المستدام والشامل، لا يمكن أن تنجز إلا بإشراك المجتمع المدني بشكل نظامي ونسقي.
وفي هذا الإطار أوصت اللجنة الأوروبية في التقرير المقدم خلال هذه القمة بإشراك منظمات المجتمع المدني على أوسع نطاق من خلال حوار اجتماعي ومدني شامل على جميع المستويات، يضع في الاعتبار الخصائص والأدوار المحددة لمختلف الجهات الفاعلة المعنية، بالشكل الذي يؤكد مساهمتها في تصميم وتنفيذ السياسات والتدابير اللازمة لإدارة أثر التغيرات والأزمات الحالية، بدءا من التغيرات المناخية. وشددت اللجنة الأوروبية على أن منح الاستدامة التنظيمية وتمويل الدعم الأساسي أمر بالغ الأهمية لمنظمات المجتمع المدني للتكيف مع الأوضاع المتغيرة بسرعة ومواصلة عملها خلال الأزمات.
ومن المعطيات التي قدمت خلال القمة أن العديد من بلدان جنوب المتوسط ستشهد انخفاضا في نصيب الفرد من الناتج الداخلي المحلي الإجمالي، كما ستواجه تحديات كبيرة من أجل التصدي للفقر والمخاطر الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة .
وفي هذا السياق دعت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية في تقريرها المقدم في القمة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات من جانب المؤسسات الأوروبية لدعم السلام والديمقراطيات واحترام حقوق الإنسان في مناطق الصراع في منطقة البحر الأبيض المتوسط، لأن الأوضاع التي تعاني منها الساكنة في مناطق الصراع ازدادت تدهورا بسبب الوباء.
وتؤكد المعطيات التي قدمت خلال القمة أن الوباء أدى إلى عواقب اقتصادية وخيمة في جميع أنحاء منطقة البحر المتوسط، ليس فقط بسبب عوامل مثل انخفاض الطلب الداخلي والخارجي وانخفاض الاستهلاك، ولكن أيضا بسبب تدهور حالة الدين المالي العام، وهوما سيؤدي إلى زايدة كبيرة في العجز العام في جميع بلدان المنطقة تقريبا. وكانت السياحة من أكثر القطاعات تضررا من هذا الوباء، حيث تشير توقعات منظمة التعاون والتنمية حدوث انكماش في القطاع يترواح بين 45 و 70 بالمائة، وانخفاض في السياحة الدولية يتراوح مابين 60 و80 بالمائة. علما أن توقعات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية يصنف مصر والمغرب من بين البلدان الأكثر تضررا في جميع أنحاء العالم.
ومن ناحية أخرى سجل تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية المقدم خلال هذه القمة، أن المؤسسات الصغيرة و المتوسطة والعاملين لحسابهم الخاص يشكلون أحد المكونات الهامة لاقتصاد البلدان الواقعة في الضفة الجنوبية للمتوسط، غير أنها شهدت انخفاضا كبيرا في معدل دورانها، واضطر معظمها إلى تخفيض عدد الموظفين لديها. وأبرزت أن هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير هيكلية لمساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للخروج من الأزمة وتشجيعها على النمو والابتكار من خلال التصدي المزدوج المتمثل في الرقمنة وإزالة الكربون.
ويشير تقرير اللجنة الأوروبية إلى أن الشباب أشد الفئات الاجتماعية تضررا من الوباء بسبب تدهور سوق العمل وتدابير الإغلاق بالنسبة للمدارس والجامعات، وكذلك النساء العاملات في بلدان جنوب المتوسط ، وفي المقام الأول في الاقتصاد غير المهيكل والزراعة والسياحة، والعمال غير الرسميين واللاجئين الذين غالبا لا يستفيدون من تدابير الحماية الاجتماعية، والأشخاص ذوي الإعاقة بسبب سوء الخدمات في كثير من الأحيان.
وتمحورت أشغال هذه القمة حول مجموعة من القضايا مثل دور المجتمع المدني في إعادة البناء بعد أزمة كوفيد19 بالمنطقة الأورومتوسطية، وتأثير الأزمة الصحية والحرب بأوكرانيا على التنمية المستدامة بالمنطقة المذكورة، وسبل الإنعاش الاقتصادي بعد الأزمة، وتقوية الشراكة الأورومتوسطية وآفاق التعاون الجهوي.