في المؤتمر الإقليمي الخامس بإقليم فجيج .. عمر أعنان: النهوض بإقليم فجيج في شموليته لن يتحقق بمبادرات معزولة، بل يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية تقر بمبدأ الإنصاف المجالي

ترأس، عمر أعنان وسعيد بعزيز، عضوا المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المؤتمر الإقليمي فجيج، تحت شعار: تنمية الإقليم رهينة بتعزيز المكتسبات وتحقيق العدالة المجالية في إطار الجهوية المتقدمة « مساء الجمعة الماضي.
ورحب عمر أعنان، في كلمة باسم المكتب السياسي، بفروع الحزب بفجيج، بوعرفة، تندرارة، تالسينت، بوعنان وبني تجيت،
وترحيب الخالص واعتزاز كبير بالحضور المميز لمتقاعدي القوات المسلحة الملكية الذين شرفوا اليوم بمشاركتهم في هذا المؤتمر. إن وجودهم بيننا ليس فقط مصدر فخر، يقول أعنان، بل هو أيضًا تذكير حي بما قدّموه من تضحيات جسام في سبيل الدفاع عن حوزة الوطن ووحدته الترابية، وتكريس الأمن والاستقرار.
كما وجه، عضو المكتب السياسي، بتحية تقدير واعتزاز إلى الجالية المغربية المقيمة بالخارج، ومنهم من حضر، التي تواصل تأكيد ارتباطها القوي بالوطن الأم، ومساهمتها الفاعلة في تنميته الاقتصادية والاجتماعية. فقد شكّل مغاربة العالم دائمًا قوة حيوية من خلال تحويلاتهم واستثماراتهم ودفاعهم عن القضايا الوطنية، وعلى رأسها الوحدة الترابية. ونستحضر في هذا الإطار التوجيهات الملكية السامية، الداعية إلى بلورة سياسات عمومية جديدة تُمكّن من تعزيز دورهم، وتيسير مساهمتهم في التنمية، وضمان حقوقهم وتمثيليتهم.
واعتبر أعنان، أن مغاربة العالم شُركاء في بناء الوطن، ويجب مواكبتهم ورفع العراقيل التي تواجههم، بما يعزز انخراطهم في المسار الديمقراطي والتنموي للمغرب. وجاء في كلمة المكتب السياسي…

سياق وطني وحزبي في دينامية متقدمة

ينعقد مؤتمرنا الإقليمي في لحظة دقيقة من تاريخ بلادنا، تتسم بتزايد التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، وتراجع منسوب الثقة في الفعل السياسي والحزبي، خاصة في ظل التوجهات الليبرالية المتوحشة للحكومة الحالية. إلا أن هذه اللحظة تتزامن أيضاً مع نهضة تنظيمية داخل حزبنا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهي نهضة تترجمها الديناميات المتسارعة التي شهدتها مختلف الجهات والأقاليم خلال السنوات الأخيرة.
لقد تمكّنا، على المستوى التنظيمي، من تجديد وتوسيع غالبية الهياكل الحزبية، حيث جرى تجديد أكثر من 80% من الفروع خلال الثلاث سنوات الأخيرة، مع تعزيز القاعدة النضالية عبر استقطاب أكثر من 2500 منخرط جديد على الصعيد الوطني، بينهم نسبة هامة من النساء والشباب. كما أطلق الحزب برامج للتكوين السياسي وتنظيم الحوارات العمومية حول قضايا العصر، مثل الذكاء الاصطناعي، العدالة البيئية، والدولة الاجتماعية. وهي دينامية تعيد الاعتبار للفعل الحزبي الجاد، وتُؤسس لتحول نوعي في موقع الحزب، كقوة معارضة اتحادية تقدمية تجمع بين النقد الجريء والاقتراح العقلاني.
وضوح المواقف: قضية الصحراء، فلسطين، والدبلوماسية الحزبية
استمر حزبنا في اتخاذ مواقف واضحة ومبدئية تجاه القضايا الوطنية والدولية الكبرى، وعلى رأسها قضية وحدتنا الترابية. فقد ظل موقفنا صلبًا في الدفاع عن مغربية الصحراء، انطلاقًا من إيماننا بعدالة قضيتنا، وتشبثنا بمبادرة الحكم الذاتي كحل جدي وواقعي وذي مصداقية، يحظى بدعم متزايد من المنتظم الدولي.
أما في ما يخص القضية الفلسطينية، فإن الاتحاد الاشتراكي ظل صوتًا مناصرًا وداعمًا لنضال الشعب الفلسطيني، ومدافعًا عن حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف. لم نتردد يومًا في التنديد بالجرائم الصهيونية، وفي التعبير عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني في كل المحطات المفصلية.
وبموازاة ذلك، واصل حزبنا تطوير حضوره على الساحة الدولية من خلال دبلوماسية حزبية نشيطة وفعالة. هذه الدبلوماسية تتجسد في نسج علاقات استراتيجية مع أحزاب تقدمية من مختلف القارات، والمشاركة الوازنة في المنتديات والمؤتمرات الإقليمية والدولية، ونقل صوت المغرب الديموقراطي المدافع عن قيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

الفريق الاشتراكي بمجلس النواب: من أجل العدالة الاجتماعية والمجالية

لقد جسد الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، خلال هذه الولاية، دور المعارضة الوطنية التقدمية بكل مسؤولية. فقد حرص على الترافع المستمر عن قضايا المواطنات والمواطنين، عبر تقديم أكثر من 120 مقترح قانون همّت مجالات حيوية كالتشغيل، الصحة، الحماية الاجتماعية، التعليم، ودعم المقاولات الصغيرة. كما تقدم الفريق بأكثر من 3000 سؤال شفوي وكتابي، عبّر من خلالها عن انشغالات الساكنة، خصوصًا في المناطق الهامشية. وقد انتج لوحده ما يناهز 40% من مجمل ما انتجه مجل النواب.
هذا الأداء البرلماني لم يكن مجرد تسجيل للحضور، بل مثّل واجهة نضالية ضد التوجهات الليبرالية للحكومة، وضد منطق التقشف والتهميش المجالي. كما لعب الفريق الاشتراكي دورًا محوريًا في معارضة مشاريع القوانين التراجعية، والتصدي لكل ما من شأنه المس بالحقوق والمكتسبات، وفي مقدمتها قوانين الإضراب، الخوصصة، والبرامج الاجتماعية ذات الطابع الإقصائي.
بين تحديات الواقع وآفاق الرهانات الوطنية الكبرى
تعيش بلادُنا في السنوات الأخيرة على وقع تحولات عميقة ومركبة، تُجسّد في آنٍ واحد حجم التحديات التي تواجه النموذج التنموي الوطني، وتبرز في المقابل الدينامية الإيجابية التي تشهدها الدولة المغربية، خصوصًا على مستوى المبادرات الاستراتيجية الكبرى التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، سواء في ما يتعلّق بالدبلوماسية الرسمية أو بورش الإصلاح الاجتماعي الشامل.
فرغم السياق الدولي الصعب، المتسم بعدم الاستقرار الجيوسياسي، والضغوطات الاقتصادية الناجمة عن النزاعات المسلحة في اوروبا والشرق الاوسط ، وعن تغيرات المناخ، فإن المغرب استطاع أن يحقق مكتسبات نوعية، على رأسها ترسيخ إشعاعه الدبلوماسي والسيادي إقليميًا ودوليًا، وذلك بفضل حنكة جلالة الملك وقيادته الرشيدة في الدفاع عن القضايا الوطنية، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية، والتي باتت تلقى دعمًا واسعًا ومتزايدًا في المنتظم الدولي. كما نجح المغرب في تنويع شراكاته الاستراتيجية مع قوى دولية كبرى وقوى صاعدة، معزّزًا بذلك موقعه كمخاطب موثوق به وكقوة استقرار داخل محيطه الإفريقي والمتوسطي.
على المستوى الداخلي، أطلق جلالة الملك أوراشًا اجتماعية غير مسبوقة، في مقدمتها ورش تعميم الحماية الاجتماعية، وتأهيل المنظومة الصحية، وإصلاح التعليم، وإحداث السجل الاجتماعي الموحد، باعتبارها مرتكزات أساسية لبناء الدولة الاجتماعية وتعزيز العدالة المجالية والإنصاف بين المواطنين. إلا أن هذه المشاريع الملكية الطموحة اصطدمت بضعف القدرة التدبيرية للحكومة الحالية، وتراخيها في التنزيل الميداني، حيث لاحظنا تباطؤًا واضحًا في وتيرة تنفيذ هذه الأوراش، وغيابًا للرؤية المتكاملة والنجاعة المطلوبة في ترجمة التوجيهات الملكية إلى سياسات عمومية فعالة، مما عمّق من شعور المواطنين بعدم الرضا، ووسّع فجوة الثقة في المؤسسات التنفيذية.
وفي ظل هذا الوضع، تلوح في الأفق رهانات وطنية كبرى، تتطلب تماسكًا داخليًا وقدرة عالية على التنظيم والابتكار، وعلى رأسها استعداد بلادنا لاحتضان كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم لكرة القدم 2030، بشراكة مع الجارتين إسبانيا والبرتغال. إن هذه التظاهرات الرياضية الكبرى ليست مجرّد أحداث رياضية عابرة، بل تشكل فرصًا تاريخية لإبراز النموذج المغربي في التعايش والتنظيم والنجاعة، ورافعة حقيقية لتحقيق إقلاع اقتصادي وتنموي جديد، من خلال تسريع وتيرة الاستثمار في البنيات التحتية، وتحفيز السياحة، وتشغيل الشباب، وتثمين الرأسمال اللامادي للمغرب.
غير أن هذه الدينامية الوطنية، بما تحمله من آفاق واعدة، لم تنعكس بالشكل المنشود على مختلف جهات المملكة، حيث لا تزال جهة الشرق عمومًا، وإقليم فجيج على وجه الخصوص، تعاني من تهميش بنيوي وإقصاء تنموي واضحين. فالوضعية الاقتصادية والاجتماعية في هذه المناطق تتسم بارتفاع معدلات البطالة، وغياب الاستثمارات المهيكلة، وضعف الخدمات العمومية الأساسية، مما يُكرّس واقع العزلة ويُعمّق الشعور بالحيف. ويُلاحظ بوضوح أن إقليم فجيج، رغم خصوصيته الجغرافية والرمزية الوطنية كمنطقة حدودية، لم ينل نصيبه العادل من المشاريع الاقتصادية الكبرى، وظل خارج دائرة الاهتمام الحكومي الجاد، في غياب تام لأي رؤية شمولية تُراعي العدالة المجالية، وتُصحّح اختلالات التنمية المجحفة، في تكريس مؤسف ومتجدد لما كان يُطلق عليه تاريخيًا بـ»المغرب غير النافع».
وفي هذا السياق، نؤكد، كاتحاديات واتحاديين، أن بلادنا تتوفر على إمكانيات واعدة، وعلى توجيه ملكي استراتيجي واضح يرسم ملامح دولة اجتماعية عادلة ومتوازنة، لكن تحقيق هذه الغاية يظل رهينًا بوجود إرادة سياسية حقيقية لدى الحكومة، وباعتماد مقاربة تنموية منصفة تُعلي من قيمة المواطن، وتقطع مع منطق التفاوتات المجالية والتدبير المرتكز على المصالح الفئوية الضيقة. وإن المدخل الأساسي لإنجاح كل هذه الرهانات الوطنية، وفي مقدمتها إنجاح التظاهرات الرياضية الدولية الكبرى التي سيحتضنها المغرب، يمر عبر تحقيق التوازن المجالي والعدالة الاجتماعية، بما في ذلك الإنصاف الفعلي لمناطق الهامش، وعلى رأسها الأقاليم الشرقية. فبدون عدالة ترابية تضمن توزيعًا عادلًا للاستثمار والفرص والخدمات، وفي ظل استمرار التمركز التنموي حول محاور محددة، ستبقى أوراش الدولة الاجتماعية منقوصة، ومرتهنة لاختلالات بنيوية تعمّق الفجوات وتعوق التنمية الشاملة.

مقترحات عملية للنهوض الاقتصادي والاجتماعي بإقليم فجيج

يشكل إقليم فجيج نموذجًا لمناطق المغرب العميق التي تعاني من هشاشة تنموية وتفاوتات مجالية صارخة، رغم ما تزخر به من مؤهلات بشرية وجغرافية وتراثية. وللخروج من هذا الوضع، يقتضي الأمر اعتماد رؤية شاملة ومندمجة للنهوض بالاقتصاد المحلي وتعزيز العدالة الاجتماعية وصيانة الموروث الثقافي، بشكل يستجيب لحاجيات مختلف الجماعات الترابية من بوعرفة إلى تندرارة، ومن تالسينت إلى بني تجيت، فجيج، وبوعنان.
فعلى المستوى الاقتصادي، تبرز الحاجة الملحة إلى تنويع الأنشطة المدرة للدخل، من خلال إحداث مناطق للأنشطة الاقتصادية في مراكز بوعرفة وتندرارة وتالسينت، تكون موجهة للمقاولات الصغرى والمتوسطة في مجالات التحويل الفلاحي، الحرف والخدمات. كما أن دعم الفلاحة الواحية والرعوية يظل أولوية، لاسيما عبر تأهيل المراعي الطبيعية وتنظيم قطاع الكسابة، وتثمين منتوجات محلية كالنخيل، التين، الحليب، والأعشاب الطبية. ويعد الاستثمار في الطاقات المتجددة، لاسيما الشمسية والريحية، أحد البدائل الممكنة لاستغلال المؤهلات الطبيعية للإقليم، مع ضمان استفادة الساكنة المحلية من هذه المشاريع. كما ينبغي إعطاء دفعة قوية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، من خلال دعم التعاونيات الشبابية والنسائية، ومواكبتها في التسويق والتمويل والتكوين.
أما على المستوى الاجتماعي، فإن تحسين الولوج إلى الخدمات الأساسية يبقى أولوية كبرى. ويُعد تزويد مستشفيات الاقليم بالأطر الطبية الكافية وبالتجهيزات والتخصصات الأساسية مطلبًا مستعجلًا، إلى جانب فتح وحدات صحية متعددة في مختلف الجماعات. وفي مجال التعليم، يستدعي الأمر إحداث نواة جامعية بالإقليم، وتوسيع العرض التربوي في الثانوي والتأهيلي، وتوفير الداخليات والنقل المدرسي، خصوصًا بالعالم القروي. كما أن ربط الجماعات القروية بالمراكز الحضرية عبر شبكة طرقية حديثة يمثل شرطًا أساسيًا لفك العزلة، إلى جانب تعزيز الربط بالماء والكهرباء والصرف الصحي. وبالنظر إلى نسبة البطالة المرتفعة، فإن إحداث مراكز للتكوين المهني وتطوير آليات دعم التشغيل الذاتي للشباب بات أمرًا ضروريًا.
من جهة أخرى، لا يمكن الحديث عن تنمية شاملة دون تثمين الرأسمال اللامادي والثقافي للإقليم، إذ يزخر فجيج وتندرارة وبني تجيت وتالسينت وبوعنان بتراث معماري وتاريخي غني، يستحق الحماية والتصنيف ضمن التراث الوطني والإنساني. ويتطلب ذلك إطلاق برنامج لترميم وتأهيل الواحات والقصور التاريخية، وإنشاء مراكز ثقافية متعددة الوظائف، وتنظيم مهرجانات محلية تبرز التنوع الأمازيغي والعربي والحساني في المنطقة. كما أن تنمية السياحة البيئية والثقافية، من خلال المسارات الجبلية والعيون المائية والمعمار الواحي، من شأنها أن تخلق فرص شغل إضافية وتُعيد الاعتبار للهوية المحلية.
إن النهوض بإقليم فجيج في شموليته لن يتحقق بمبادرات معزولة، بل يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية تقر بمبدأ الإنصاف المجالي، وتدرج الإقليم ضمن الأولويات الوطنية الكبرى، سواء في ما يتعلق بالاستثمار، أو الخدمات، أو البنيات التحتية. وحزبنا، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يدعو من خلال هذا المؤتمر إلى إطلاق تعاقد تنموي جديد يجعل من فجيج نموذجًا في العدالة المجالية، والانتماء الفاعل للمغرب المتوازن والمتقدم.


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 21/07/2025