في المؤتمر الإقليمي السابع للحزب بفاس .. إدريس لشكر: «جيل Z » هو امتداد طبيعي لاحتجاجات 1965 و 1981 و 1990 واحتجاجات طنجة والريف وغيرها

لو نجح ملتمس الرقابة وقتها، لكان النقاش حول قضايا الشباب اليوم قد جرى داخل البرلمان، وليس في الشارع
جيل Z يحتج لأن المال حكم السياسة… وحكومة التغول أغلقت كل أبواب الأمل

 

 

في أجواء نضالية وعرس اتحادي حقيقي، ألقى الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، مساء السبت 4 أكتوبر 2025، كلمة سياسية مطوّلة وقوية خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي للحزب، بحضور مناضلات ومناضلين اتحاديين، وقيادات تنظيمية، وممثلي هيئات المجتمع المدني، حيث تناول في خطابه بالتحليل العميق والتحذير الصريح واقع البلاد في ظل موجة احتجاجات الشباب التي تعرفها عدد من المدن المغربية.
وقال لشكر، في مستهل كلمته، إن الحديث عما يجري في البلاد لا يمكن أن يتجاهل ما يحدث في الشارع من احتجاجات شبابية، مشدداً على أن هذه الاحتجاجات جاءت في لحظة سياسية دقيقة، ويقودها شباب غير مؤطرين لا يُعرفون إلا من خلال الفضاء الافتراضي. وأكد أن هذه التعبيرات الغاضبة هي نتيجة تراكمات طويلة أدت إلى أزمة ثقة حادة في البلاد بدأت منذ سنة 2021، معتبراً أن الانتخابات التي جرت في ذلك العام كانت “ملغومة”، لأن المال – سواء العام أو الخاص – كان المتحكم الأول في مسارها ونتائجها، قائلاً: “الانتخابات كانت ملغومة لأن المتحكم فيها هو المال، والتقطيع الانتخابي الذي بنيت عليه لم يكن مفهوماً ولا عادلاً”.
وأوضح لشكر أن الاتحاد الاشتراكي حين قدم مقترحاته للإصلاح الانتخابي، لم يكن يبحث عن جدل أو حشو، بل وضع الأصبع على جوهر الخلل في النظام اللائحي، مذكراً بأمثلة صارخة من التقطيع الانتخابي، حيث توجد دوائر تضم أكثر من مليون نسمة بثلاثة أو أربعة مقاعد فقط، في حين أن دوائر أخرى صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 13 ألفاً أو 14 ألفاً، ويحصل فيها المرشحون على مقعدين بسهولة، وهو ما يجعل “22 دائرة فقط تمنح 44 مقعداً محسوماً سلفاً لأصحاب الشكارة”، كما أضاف أن “الغش يبدأ من التقطيع الانتخابي، ومن لا يريد مراجعة هذه القواعد يسهل الطريق أمام المال السياسي للفوز الساحق”.
وانتقل لشكر إلى الحديث عن السياق السياسي الذي أعقب انتخابات 2021، مذكّراً بموقف الاتحاد الاشتراكي الذي وصف الحكومة الحالية بـ“حكومة التغول”، موضحاً أن هذا الوصف لا يزال قائماً اليوم، لأن “الحزب الأول أخذ الحكومة، والحزب الثاني أخذ المعارضة، والتحالفات التي قادت إلى تشكيل الأغلبية جمعت بين المتناقضات: التقدمي مع الرجعي، والليبرالي مع المحافظ، في مشهد لا يستقيم مع منطق الديمقراطية”. وأكد أن المغرب خرج حينها من جائحة كوفيد وكان بحاجة إلى حكومة اجتماعية تنفذ توجهات الدولة الاجتماعية، لكن “أُعطيت هذه المهمة إلى الليبراليين الذين استحوذوا على الحكومة والمجالس والجهات والبلديات باسم التجانس، فكانت النتيجة تغولاً سياسياً أجهز على التوازن وقتل المعارضة”.
وقال الكاتب الأول إن هذه الحكومة أغلقت كل أبواب الحوار، حتى مع البرلمان الذي يفترض أن يكون صوت الشعب، وأعاقت تشكيل لجان تقصي الحقائق عبر قاعدة “الثلث”، التي لا تستطيع المعارضة بلوغها بسبب ضعف تمثيلها، مضيفاً: “حين قدمنا مقترح ملتمس الرقابة، اقترحنا صيغة واقعية لا تتطلب سوى الخمس، لكنه واجه الابتزاز والمناورة من بعض الفرق، وتواطؤ الأغلبية التي منعت النقاش الحقيقي داخل المؤسسة التشريعية”. وأضاف لشكر بنبرة حاسمة: “لو نجح ملتمس الرقابة وقتها، لكان النقاش حول قضايا الشباب اليوم – من صحة وتعليم وشغل – قد جرى داخل البرلمان، وليس في الشارع”.
وتابع قائلاً إن حزب الاتحاد الاشتراكي هو حزب يؤطر الشعب ويعيش وسطه، مستشهداً بتاريخ الحزب الطويل في قيادة الاحتجاجات الشعبية عبر مختلف المراحل، قائلاً: “نحن حزب لم يولد في المكاتب ولا في الصالونات، بل من رحم المجتمع واحتجاجاته واحتياجاته. لقد أسس حزبنا للاحتجاج على الظلم والإقصاء، ومن رحم الحركة الوطنية خرج ليبني المجتمع المدني بكل مؤسساته”. واستحضر لشكر دور الحزب في تأسيس الجمعيات الوطنية الكبرى مثل “لاميج” وحركة الطفولة الشعبية، وغيرها من التنظيمات التي شكلت صرح التأطير الوطني بعد الاستقلال.
وفي قراءة تاريخية متعمقة، ربط لشكر احتجاجات الشباب الحالية بجذور الحراك المغربي عبر العقود، قائلاً إن “جيل Z هو امتداد طبيعي لاحتجاجات 1965 و1981 و1990 واحتجاجات طنجة والريف وغيرها”، مؤكداً أن المغرب تميز عبر تاريخه بقدرته على تجاوز الأزمات بفضل ثقافة الحوار التي ميزت مؤسساته، لكنه حذر من أن “الحكومة الحالية أغلقت باب الحوار حتى مع البرلمان، وأهانت المعارضة، واحتقرت الأحزاب والنقابات وكل وسائط الوساطة المجتمعية”.
وأضاف لشكر بأسلوب لاذع: “نسمع اليوم من يقول إن ما يقع سببه غياب التأطير، بينما الذين يقولون ذلك هم أول من غاب عن الشارع وعن الناس. نحن في الاتحاد الاشتراكي عقدنا أكثر من سبعين مؤتمراً إقليمياً في شهر واحد، من الشرق إلى الغرب، بينما بعض أحزاب الأغلبية تنظم مهرجانات الأعيان وتوزع المال في الساحات الكبرى”.
وفي هذا السياق، انتقد الكاتب الأول بشدة ما أسماه “حكومة الأعراس والمواكب”، مشيراً إلى أن “أحزاب الشكارة” تنظم تجمعات نخبوية ضخمة لا علاقة لها بالشعب، في وقت يتفرج فيه رئيس الحكومة على الأوضاع قائلاً “نتفهم”. وأضاف لشكر: “كفى من الفهم، أنتم تحتاجون إلى الفعل، لا إلى التصريحات. كان على رئيس الحكومة أن يستدعي المعارضة للحوار لا أن يتفرج من مقره”.
وتوقف لشكر عند ضرورة الإصلاح الجذري للمنظومة الانتخابية، مذكّراً بتوجيهات جلالة الملك التي شددت على وجوب تحقيق النزاهة وتنقية العملية السياسية من المال والتلاعب، قائلاً: “بعد كل ما وقع، لا يمكن أن تستمروا بنفس الأساليب وأنتم تقولون إنكم ستدبرون انتخابات 2026 بنفس الطريقة، هذا عبث”. وأضاف: “حين منعونا من ملتمس الرقابة داخل البرلمان، قرر مجلسنا تحويله إلى ملتمس رقابة شعبي، عبر 72 اجتماعاً مباشراً مع المواطنين في مختلف المدن، لنتداول معهم في مشاكلنا وننزل الحوار إلى الشارع في إطار مسؤول”.
وخاطب لشكر الحضور قائلاً: “نحن هنا في قاعة غير مكيفة، نعرق معاً لأننا نناقش قضايا وطننا بحرارة وصدق، ولسنا من أصحاب البسطيلة والحوالة المشويين. جئنا لنتحدث عن مستقبل البلاد وعن ضرورة الإصلاح الحقيقي للمدونة الانتخابية حتى لا تتكرر المآسي”. وانتقد بشدة الخطاب الذي يحمل “الطبقة السياسية” مسؤولية كل شيء، مؤكداً أن المسؤول الحقيقي هو “العبث بمصالح المواطنين”، وأن الأزمة اليوم بلغت حداً لم يعد فيه شيء قابلاً للستر.
وتابع قائلاً: “نرى في تصريحات الأغلبية تنافساً محموماً حول من سيربح رهان 2026 وكأننا في سباق شخصي على المناصب، بينما مصالح المواطنين تُنسى. من يقول إن في كرشه العجينة فليقبل بلجنة لتقصي الحقائق”. وأكد أن الحديث المتزايد عن “أصحاب الملايير” يفرض تحركاً جدياً للنيابة العامة والبرلمان معاً، مشيراً إلى أن الاتحاد الاشتراكي يطالب بلجان تقصي الحقائق “في كل الملفات التي يثار حولها الشك، لأن من يحكم اليوم لا يمكن أن يكون فوق المحاسبة”.
ولم يخلُ خطاب لشكر من نبرة ساخرة تجمع بين الحزم والمرارة، إذ قال: “كم من نقمة في طيها نعمة، فقد سرّني أن هؤلاء الذين ظهروا أخيراً على التلفزيون فعلوا ذلك بفضل الاحتجاجات، لكنهم لا يتحاورون إلا مع أنفسهم. لماذا لا ينظم الحزب الأول في الحكومة مناظرة مع الحزب الأول في المعارضة أمام الشعب؟ لنترك الناس يحكمون”.
كما نبه لشكر إلى مخاطر “التحكم الإعلامي” في الاستحقاقات المقبلة، موضحاً أن أحزاب الحكومة “لا تملك جريدة واحدة تخاطب بها الرأي العام بالعربية، باستثناء حزب الاستقلال، وأن الإعلام الخاص المساند لها موجه للنخب الليبرالية الفرنسية، لا للشعب المغربي”. وقال إن نتيجة الانتخابات المقبلة ستكون “محسومة سلفاً إن لم يتحمل الإعلام مسؤوليته في الوضوح”.
ثم انتقل إلى القضايا الاجتماعية التي اعتبرها في صلب الأزمة الحالية، فقال: “الشباب اليوم يحمل قضايا كبرى، لا تتعلق فقط بالصحة والتعليم، بل بالشغل أساساً. ربع شباب المغرب بين 16 و34 سنة عاطلون، والهجرة من البوادي تتزايد بسبب القوانين المجحفة في التعمير وغلاء المعيشة وصعوبة الفلاحة المعيشية”. وتابع: “حتى التعليم لم يعد متاحاً، وبعض ممثلي الشعب يقولون إن من يريد الصحة والتعليم فعليه أن يحك جيبه، وكأن الخدمات العمومية عبء على الدولة”.
وختم لشكر كلمته بنداء وحدوي للاتحاديات والاتحاديين، مؤكداً أنه زار هذا الإقليم من قبل رفقة القادة التاريخيين عبد الرحيم بوعبيد، وعبد الرحمن اليوسفي، ومحمد اليازغي، وعبد الواحد الراضي، وقال: “أنا سعيد اليوم لأنني أرى وجوهاً اتحادية غابت طويلاً وعادت لتضع يدها في يد إخوتها. إننا بحاجة إلى وحدة متراصة لمواجهة الاختلالات، لأن الاتحاد الاشتراكي ليس حزباً عابراً، بل ضرورة وطنية لاستمرار الوطن”.
وختم قائلاً بصوت واثق: “الاتحاد الاشتراكي سيبقى وفياً لرسالته، مدافعاً عن الشعب، ومؤطراً للمجتمع، ومواصلاً النضال من أجل مغرب العدالة والكرامة والمواطنة”.
من جهته أكد عبد العزيز العبودي، الكاتب الجهوي بجهة بفاس مكناس، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي بفاس، أن اختيار شعار المؤتمر السابع لم يأتِ اعتباطا، بل كان ثمرة تأمل عميق في واقع سياسي إقليمي وجهوي ووطني، مضيفا أن « الوفاء للعهد أصبح اليوم أحد المتطلبات الأساسية لإعادة الاعتبار للعمل السياسي والممارسة الديمقراطية ، خاصة لدى القوى الحاملة لهموم الشعب والمدافعة عن قضاياه الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية».
وشدد في كلمته على أن تخليق الحياة السياسية داخل المؤسسات لم يعد ترفاً بل «ضرورة استراتيجية لإعادة بناء الثقة في العمل السياسي النبيل»، مشيرا إلى أن البلاد بحاجة إلى تعبئة شاملة لكل الطاقات الحية من أجل مستقبل أفضل. وأضاف أن «الطاقات والكفاءات الوازنة التي تزخر بها بلادنا لم تعد حاضرة كما ينبغي داخل المؤسسات المنتخبة، وهو ما يهدد جودة التسيير وفعالية القرار العمومي».
وتوقف الكاتب الجهوي عند الوضع الذي تعيشه مدينة فاس، مذكّرا بأنها عرفت بعد أحداث دجنبر 1990 مرحلة صعبة تميزت بـ»تدهور النسيج الصناعي، وتراجع الاستثمارات الخاصة والعمومية، ونقص كبير في التجهيزات والبنيات التحتية»، ما أدى إلى فقدان المدينة لجاذبيتها كقطب جهوي اقتصادي وتنموي.
وأكد أن المسؤولية اليوم تاريخية وسياسية في آن واحد، وتفرض «إرادة قوية وتعبئة جماعية من أجل وضع حدٍّ للتراجع الخطير في مستوى النخبة السياسية»، مع العمل على «إرساء أسس انطلاقة جديدة تليق بمدينة فاس وتاريخها وإشعاعها الوطني والدولي».
واختتم كلمته بالتأكيد على أن تحقيق هذه الانطلاقة يمر عبر وحدة الصف، وتماسك الحزب، ووضوح الرؤية المستقبلية، داعياً كل المناضلين والمناضلات إلى جعل هذه القيم هدفاً مركزيا في المرحلة المقبلة، متمنيا للمؤتمر كامل النجاح والتوفيق في مخرجاته التنظيمية والسياسية.
وفي كلمته انتقد حمزة مطميط ،عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية خلال المؤتمر الإقليمي بفاس، بشدة، الأوضاع السياسية والاجتماعية التي تعرفها البلاد، معتبراً أن العالم يعيش اليوم «أزمة ديمقراطية خانقة»، تتجلى في صعود الشعبويات وانهيار المؤسسات وتلاشي الثقة في القيم التي بشرت بها الإنسانية.
وانتقل المتحدث إلى الواقع الداخلي، معتبراً أن الحكومة الحالية «تُدار بالفشل»، بعدما ولدت على وقع الشعارات الكبرى، لكنها تحولت إلى عبء يومي على المواطنين. وأضاف أن وعودها بالتشغيل تحولت إلى قوارب موت، والتعليم إلى مأساة وطنية، والصحة إلى مسرح للإهانة.
وأكد أن هذه الحكومة «صنعت مغربين: مغرب الصور الرسمية والصفقات، ومغرب الواقع المليء بالغلاء والفقر والبطالة»، مشدداً على أن فشلها لم يتوقف عند حدود السياسات، بل مسَّ جوهر الثقة بين المواطن والدولة.
وفي إشارة إلى الاحتجاجات الشبابية الأخيرة، أوضح أن خروج الشباب إلى الشارع هو «صرخة ضد الفساد والغلاء ومن أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية»، معتبراً أن الاتحاد الاشتراكي هو الحزب الوحيد القادر على تحويل هذا الغضب إلى قوة اقتراحية منظمة قادرة على التغيير.


الكاتب : يوسف بلحوجي – الحاج درباني

  

بتاريخ : 06/10/2025