في المغرب، كرة القدم تُلعب أيضًا على الملعب الدبلوماسي

جعلت المملكة المغربية من كرة القدم محورا رئيسيا لطموحاتها في إفريقيا، معولة في ذلك على كأس الأمم الأفريقية المقبلة التي تنظمها في نهاية العام الجاري، لثاني مرة في التاريخ، بعدما استضافتها أول مرة سنة 1988.
لقد أثار موعد سحب قرعة البطولة، يوم الاثنين 27 يناير المنصرم، والذي تعرفت فيه المنتخبات المشاركة في البطولة، التي يستضيفها المغرب من 21 دجنبر 2025 إلى 18 يناير 2026، موجة من التعليقات في الصحافة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لكن قبلها كانت هناك قرعة أخرى، أثارت أكبر ردود الأفعال، لأن فيها تعرفت المنتخبات الـ 24 المشاركة على أماكن إقامتها وملاعب تداريبها، أي 24 فندقا وعددا مماثلا من ملاعب التدريب، وهو رقم لم يسبق لأي بلد آخر أن وضعه رهن إشارة الكاف على مدار النسخ الماضية، الأمر الذي حذا برئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف)، باتريس موتسيبي، إلى القول بأن نسخة 2025 ستكون «الأفضل في تاريخ» البطولة.
لقد رفع المغرب السقف عاليا، مقارنة مع النسخة الأخيرة التي جرت بالكوت ديفوار قبل عام، ففي الوقت الذي وفرت فيه المملكة المغربية فنادق من خمس نجوم لكافة المنتخبات، فإن الكوت ديفوار مثلا أوجدت مشاريع سكنية عديمة الجاذبية، سميت حينها «مدن الكان»، في كل من بواكي، كورهوغو و سان بيدرو، لكن بعض المنتخبات رفضتها، على غرار المغرب والجزائر، بحجة أنها قريبة للغاية من باقي المنتخبات المنافسة.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور منصف اليازغي، الباحث في السياسة الرياضية، إن تنظيم كأس الأمم الإفريقية المقبلة هو نتيجة «لسياسة كرة القدم» التي تنهجها البلاد، بعدما رفعت سقف الطموحات عاليا، عقب تاريخ 28 مارس 2009، الذي كان كابوسا كرويا، بعدما سقط المنتخب الوطني أمام الغابون في الدار البيضاء، ضمن تصفيات كأس العالم 2010. وبعد أربعة أيام، أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم استقالة رئيسها الجنرال حسني بنسليمان من منصبه، ليخلفه علي الفاسي الفهري، مدير المكتب الوطني للكهرباء، قبل أن يترك الرئاسة عام 2014 لرئيس نادي بركان، فوزي لقجع، الذي يجمع حاليا بين رئاسة الجامعة ووزارة الميزانية.
ويوم 16 مارس 2017، استعاد المغرب مكانته باللجنة التنفيذية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، بعد غياب دام 15 عاما، وفي وقت سابق من ذلك العام، انضمت الرباط مجددا إلى الاتحاد الإفريقي، بعد أن غادرته قبل 32 عاما.
ورغم أن عودة المغرب إلى الجسم الاستراتيجي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، مجرد حدث رياضي، إلا أنها كانت بمثابة انتصار دبلوماسي… فكما هو الحال مع الأسمدة التي ينتجها المكتب الشريف للفوسفاط، والتي تساهم في تخصيب العديد من الأراضي الإفريقية، أصبحت كرة القدم أداة دبلوماسية بالنسبة للمغرب خلال عشر سنوات. حيث «تهدف كرة القدم إلى خلق أو تعزيز العلاقات»، حسب عالم الاجتماع الرياضي عبد الرحيم بورقية. هذه القوة الناعمة للمغرب تدين بالكثير لأدائه المذهل في كأس العالم 2022، حيث وصل المنتخب الوطني إلى نصف النهائي، وكذلك للشراكات العديدة، التي أبرمتها جامعة كرة القدم، بميزانيتها السنوية التي تبلغ مليار درهم (100 مليون يورو) أقامت علاقات مع الاتحادات الإفريقية، محورها الدعم، المساعدات المالية وتوفير المعدات وتبادل الخبرات. وقد استفادت مالاوي ورواندا وزامبيا من هذا الأمر في السنوات الأخيرة، وأيضا البلدان التي لم تستجب ملاعبها لمعايير الاتحاد الأفريقي لكرة القدم. فخلال تصفيات كأس العالم الأخيرة، أقيمت مباريات بين جيبوتي وبوركينا فاسو، والموزمبيق والكاميرون، وغينيا والسودان، ومالي وكينيا في أكادير ومراكش وطنجة. وهذا يكفي «لدفع الدول الإفريقية إلى تطوير علاقاتها مع المغرب»، كما يقول منصف اليازغي، الذي يرى أن كرة القدم تشكل أيضا أداة من أدوات الدبلوماسية المغربية في قضية الصحراء المغربية.
ومن وجهة النظر هذه، فإن الجغرافيا السياسية لكرة القدم لن تكون مختلفة عن الجغرافيا السياسية بشكل عام. ففي منطق الكتل، يحاول المغرب حشد أكبر عدد ممكن من البلدان المساندة لقضيته الوطنية ومواجهة ليس فقط الجارة الجزائرية، بل وأيضًا القوة الثقيلة الأخرى في القارة، جنوب إفريقيا»، حسب تحليل «هيرفي بينو، الصحفي بيومية «ليكيب»، والخبير في كرة القدم الإفريقية.
وباعتباره أحد البلدان الأفضل تجهيزا من حيث البنيات التحتية في القارة، أصبح المغرب الوجهة السياحية الرائدة في إفريقيا بحلول عام 2024، متجاوزا مصر لأول مرة. لكن الإشكالية التي ستطرح، هي هل ستتمكن باقي الدول الإفريقية من الحفاظ على المستوى والإمكانيات التي رصدها المغرب لإنجاح بطولة أمم إفريقيا، حيث أن عدد الدول التي يمكنها تحقيق ذلك معدودة على أصابع اليد الواحدة، إذ أن النسخة المقبلة 2027، ستقام في كينيا وأوغندا وتنزانيا، حسب الموسيقي المغربي ومؤسس مجموعة هوبا هوبا سبيريت، رضا علالي، مؤلف كتاب عن كرة القدم المغربية (قبلة الياميق على رأس بيبي).
إن بطولة أمم إفريقيا 2025 ستكون مقدمة لكأس العالم 2030، والتي ستقام في المغرب وإسبانيا والبرتغال، ومن شأنها أن تعكس، ليس فقط الثقل الهائل لكرة القدم في الدبلوماسية المغربية إفريقيا، وإنما الفجوة الاقتصادية الهائلة التي تفصل المغرب وعدد قليل من البلدان الإفريقية عن بقية القارة.


الكاتب : إعداد: إبراهيم العماري عن لوموند الفرنسية

  

بتاريخ : 05/02/2025