في المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكي والاشتراكي الديمقراطي

رزين زياد سيدو : معاناة الازيدييين
والدروس الواجب استخلاصها

دوندا ندامون: التكنولوجيا الجديدة
لحاربة أفكار نبذ الآخر

هانا جلول: الاختلاف الديني والثقافي لا ينبغي
أن يكون سببا للمعاملة التمييزية

عبد الحميد اجماهري: محمد السادس رفع التسامح إلى درجة الخصوصية المغربية

 

 

أكد عبد الحميد اجماهري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن دسترة قيم التسامح الواردة في الدستور على الشكل التالي، «المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتھا الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات ھويتھا الوطنية، الموحدة بانصھار كل مكوناتھا، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدھا الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية «، تعبر عن تحصيل حضاري دام قرونا طويلة، وهي اختيار واع، يساير الشكل الحداثي في إقرار شيء تاريخي.
وأضاف في المداخلة التي قدمها، يوم الثلاثاء 30 ماي، في الجلسة السادسة من المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والاشتراكيين الديمقراطيين المنعقد بمراكش، والمخصصة لمحور « من أجل مجتمعات أكثر تسامحا لمكافحة الكراهية والتطرف»، أن التعبير الدستوري هو تتويج لحالة حضارية، اختارت الشكل الكوني للتعبير عن نفسها بعد أن كانت حياة يومية قائمة.
واعتبر اجماهري أن البعد العبري وإمارة المؤمنين ودور التشريع، تشكل جميعها مستويات لاختيار واع للإجابة عن هذا السؤال المتشعب:» لماذا نجح المغرب فيما تتردد الكثير من الدول المنتمية إلى دائرته الحضارية في فعل ذلك؟»، مؤكدا في هذا الصدد، أن النموذج المغربي في مجال التسامح والتعايش والحوار بين الأديان يقر بأن الرافد العبري مكون من مكونات هويته، وهذا المعطي الثقافي، ليس متميزا في الدائرة العربية الإسلامية وحدها، بل هو موضوع تقدير كوني، باعتبار أن الآخر، اليهودي، كثيرا ما كان عرضة للاَّتسامح في قارات العالم كلها.
وأكد أن التميز المغربي منظور إليه من خلال وحدة قياسunité de mesure العبرية، وكان واقعا تاريخا يوميا وفي كل مناحي الحياة، قبل أن يكون اختيارا سياسيا وتشريعيا، حيث أن التاريخ والحضارة سبقا التعبيرَ الدستوري.
وقال في هذا السياق: « في التاريخ الحديث جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، وقف بشجاعة، وبلاده تحت الاستعمار، من أجل حماية مواطنيه اليهود ضد النازية والممارسات التمييزية لنظام فيشي. وعمل ابنه المرحوم الملك الحسن الثاني، طيلة 40 سنة، وفي محيط لم يكن دوما مساعدا، على ترسيخ روح الأخوة والمواطنة المشتركة بين يهود المغرب والمسلمين، في جميع أنحاء العالم. ورفع الملك محمد السادس هذا التسامح إلى درجة الخصوصية المغربية، بمستويات أوسع سواء بتثمين التراث اليهودي المغربي وصونه، ( تنظيم حياة المواطنين اليهود، إعادة تعمير البنيات اليهودية، صيانة شعائرهم الدينية والاجتماعية …فتح أبواب المغرب للمهاجرين منهم )، أو بتنمية، كما عبر هو عن ذلك في رسالته إلى مؤتمر تحالف الحضارات الذي انعقد في مارس الماضي بفاس، روح الوحدة والتلاحم الصادقة بين اليهود والمسلمين في دار الإسلام…».
وقال أيضا « في تاريخ المغرب مارس اليهود أعلى مستويات السلطة، وتبوَّأوا مناصب مهمة في مختلف طبقات المجتمع وعلى اختلاف مجالاته الحيوية. ولنا مثال في موشي ابن العطار، الدبلوماسي المغربي اليهودي، الذي مثَّل السلطان مولاي اسماعيل في التوقيع على المعاهدة بين المغرب وإنجلترا سنة 1721، كما أنهم لا يعيشون بالضرورة في الملاح فقط بل في كل أنحاء البلاد.»
وعبر اجماهري عن تفضيله لتوصيف المغاربة اليهود، على اليهود المغاربة باعتبار أن الانتماء إلى الوطن هو الأول، ويسبق الانتماء الديني، فالوطن إجباري والله اختياري، كما قال، مؤكدا أن المغاربة اليهود أقاموا في المغرب كجزء من نسيجه الوطني، كأمازيغ، أو كعرب يهود جاؤوه في موجات الهجرة التي أعقبت الخروج من الأندلس، كما أنه لم يسجل أبدا وفي أي فترة من فترات التاريخ الوطني غياب الرافد العبري عن التركيبة المجتمعية المغربية…
واستحضر في هذا السياق تجربته الشخصية قائلا: « هذا الذي يتحدث أمامكم، ولد في قرية صغيرة من أسرة كان الجد فيها مؤذنا والخال إماما والعم قيِّما على المسجد، وكان بيت عائلته لا يخلو من زيارات أسر يهودية، وقد حدث لي شخصيا أن تخاصمت مع شاب يهودي اشتكاني إلى والدي، الذي انتصر له، وخاطبني قائلا: لا تنس أبدا أننا كلنا يهود الله! وفي ساعات العصر والأصيل كانت النسوة المسلمات واليهوديات يلتقين سويا ويتحدثن عن مشاغل المعيش اليومي، وعن زواج الأبناء وعن الراحلين… ولطالما شاهدت النسوة المسلمات واليهوديات يزُرن نفس الولي الصالح سيدي محمد الساهل وغيره من الأولياء الصالحين المشتركين بين اليهود والمسلمين، وتقول الدراسات إن لليهود في مغربهم 652 مزاراً، ضمنها 126 ضريحاً مشتركاً بينهم وبين المسلمين «.
وبخصوص إمارة المؤمنين أكد عبد الحميد اجماهري أنها تلعب دورا متفردا لا يضاهى، في قلب هذا النسيج الحي، باعتبارها ، «الضامن للحرية الدينية والفاعل الرئيسي في تحقيق التقارب بين مختلف الطوائف الدينية.» مضيفا أنها إحدى دعائم التسامح، بحيث أنها تشكل إسمنتا مجتمعيا بواسطته تستطيع الملكية أن تكون قوة لترشيد التاريخ Rationaliser l’histoire.
واعتبر أن ما يميز التجربة اليسارية المغربية، ليس فقط في الوسط الديموقراطي الاشتراكي، هو دعوة اليسار إلى مظلة إمارة المؤمنين الممثلة في الملك كشخص، كوظيفة. لأن أمير المؤمنين الذي يحكم البلاد له وضع اعتباري دستوري وسياسي وديني وروحي يضمن للمواطنين وغير المواطنين مسلمين أم مسيحيين أم يهوداً، ممارسة حقوقهم الدينية بشكل آمن.. وهو ما يسمح بتقويض التطرف دينيا كان أو مدنيا.
وأكد أن هذه الدينامية تشجع على جعل المدرسة والتربية والتثقيف والتنشئة الثقافية تربية على التسامح، وهو ما قد يجد تعبيره القوي في ما قاله الشاعر ارتور رامبو Arthur Rimbo»أنا هو الآخر Je est un autre» .
ولاحظ في السياق نفسه أن البناء الفكري والثقافي والحضاري للمغرب، يمتد إلى المؤسسات التعليمية، منذ الأزل، إذ أن جامعة القرويين، كأقدم جامعة في العالم، أعطت تاريخا تعليميا للتربية على التسامح، فهي آوت البابا سلفستر الثاني، والذي شغل المنصب الرسولي في الفترة 999 – 1003 م، كما أن موسى بن ميمون الطبيب والفيلسوف اليهودي Maimounid قضى فيها بضع سنوات قام خلالها بمزاولة التدريس فيها…
وأكد أن المغرب يصر اليوم على تنقية البرامج التعليمية من أي تسربات متطرفة
أوغير متسامحة بوعي وبقرار سياسي شجاع في زمن التطرف.
وقال اجماهري في مداخلته « إننا نجد أن مصفوفةMatrix القيم، من خلال دستور المغرب، تدفعه إلى الانخراط في الأفق الكوني لقيم التسامح، كما هو متعارف عليها في الأدبيات أمميا، هو خيار ولكنه أيضا ذو مضمون، بحيث أن المغرب يقدم عرضا دينيا مبنيا على الفقه الماكي والمذهب الأشعري، وعلى التصوف كما عند الجنيد، باعتبارهما يدخلان في التربية الروحية ويشيعان داخل المجتمع، وهناك اليوم طلب خارجي، عربي وإسلامي أوغربي، على نموذج التدين المغربي، وفي سياق هذا العرض نذكر العمل المؤسساتي عن طريق (معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات…».
وبخصوص دور التشريع، أكد اجماهري أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق بدون إرادة واضحة، وهي الإرادة التي عبر عنها الملك نفسه باعتباره أمير المؤمنين بالقول « آلينا على نفسنا الثبات على هذا الاختيار المتجدد باستمرار، بالحفاظ على صورة المغرب كأرض للتسامح والتعايش والانفتاح، وبممارسة الدين كآلية لإشاعة السلام» .
وبعد تأكيده أنه لا بد من التشريع لإحداث التغيير، أوضح اجماهري أنه يحصل دوما في المجتمعات التي تكون على مشارف حداثتها، أو التي عاشت الحداثة كشكل من أشكال العنف( مرافقة للاستعمار مثلا )، أن تميل إلى المحافظة في ما يتعلق بالعلاقة مع الآخر ( القضية الحقوقية)، حيث يكون من الضروري التشريع لتطوير التاريخ والتحريض على التقدم وتفهم المطالب المشروعة( أمام حركة سياسية محافظة ومجتمع محافظ في مرحلة من حياته لجأ المغرب إلى التشريع، كالكوطا وتمثيلية الشباب وفي مجال الإرهاب مثلا )، مبرزا أن التشريع يكون في هذه الحالة تخصيبا للتربة الاجتماعية للانتقال إلى مستوى أعلى يتقبل حقائق الآخر، سواء كان آخر فينا أو آخر مقابلا لنا.
وسجل في السياق نفسه أن التشريع لا يقف عند المؤسسات المغربية، بل يتعداها الى الفضاءات الدولية حيث أن المغرب « تقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار الذي اعتمدته تحت رقم 73/328 بشأن النهوض بالحوار بين الديانات والثقافات وتعزيز التسامح من أجل مناهضة خطاب الكراهية»، وهو القرار الذي دعمته 90 دولة…
وأشار في هذا الصدد إلى أهمية ما قام به المغرب بالتشريع كذلك في الهجرة التي تأتي بأوعية ثقافية معها وتأتي بالآخر إلى داخل أسوار الهوية المغربية، وهو ما سمح باستقرار عشرات الآلاف من المهاجرين، وفتح معها فضاءات الممارسة الدينية المسيحية في كنائس المغرب، التي يؤمها الكثير من المهاجرين من جنوب الصحراء بدون أدنى قلق أو مخاوف .
وختم عبد الحميد اجماهري مداخلته قائلا: « إن التسامح ليس ترفا ثقافويا كما يدعي أعداؤه بل هو رؤية للعالم، وعلاقة تفاعل مع الآخر، وهو كذلك منظومة القيم والمثل العليا التي تمكن الإنسانية من العيش فوق نفس الأرض، والتغني بنفس الحياة…».
وتناولت الجلسة المذكورة التي سيرتها النائبة البرلمانية خدوج اسلاسي، قضايا استثمار التنوع الثقافي واللغوي والديني والإثني، ودورها في تعميق تجربة العيش المشترك وتحويله إلى تجربة خصبة لإثراء قيم التسامح ونبذ الكراهية والتطرف والعنف.
وفي هذا الصدد، دعت نائبة رئيس الأممية الاشتراكية هانا جلول إلى اعتماد مفهوم المجتمعات التشاركية، لأن التسامح يفترض أن الآخر يقبل مجتمعك، في حين أن المجتمع التشاركي يتأسس على التعددية الثقافية للمجتمعات كعنصر جوهري في تكوينها لا يمكن اختزاله، ويعطي من خلال هذه التعددية للأفراد مهما تباينت عقائدهم وثقافاتهم فرصا متساوية لتحقيق انتمائهم للمجتمع، مؤكدة على ضرورة إشراك المهاجرين، واستيعاب قدرتهم على تخصيب هذا التعدد كعملية تاريخية مستمرة، وشددت في السياق نفسه على ضرورة سن القوانين التي من شأنها مواجهة خطاب الكراهية واتخاذ المبادرات اللازمة لذلك.
وأكدت هانا جلول أن خطاب اليمين واليمين المتطرف ظالم تجاه المهاجرين، ويكرس الممارسات التمييزية والمتطرفة ضدهم، داعية في هذا الصدد إلى تعميق التعاون مع المهاجرين بشكل ذكي ومستمر، والحث على الاجتهاد في تفهم ثقافاتهم، عوض مواجهتها بالنبذ والإقصاء.
وتطرقت المتحدثة إلى أهمية الاشتغال على اجتثاث الأفكار الجاهزة والمتعصبة، من أجل محاربة التطرف، موضحة أن التطرف لا يقف عند حدود التطرف الإسلامي العنيف، بل يشمل التطرف اليميني المنتشر في عدد من البلدان الغربية.
وتحدثت عن آليات العمل التي تخدم هذا التوجه، والتي تضم محاور الإدماج الاجتماعي، والتربية والتعليم والثقافة، مبرزة في هذا الإطار أهمية الاشتغال على التنوع الثقافي، باعتباره مجالا اجتماعيا لتقوية التكامل، وأرضية للتعبير عن المواطنة المشتركة المتحققة في قلب التنوع، بعيدا عن تسييس الهويات وشحنها بطاقة تصادمية.
وأكدت هانا جلول، في السياق ذاته، أن الاختلاف الديني أو الثقافي بشكل عام قد يكون علامة دالة على هوية المجتمع، من دون أن يكون سببا للإيذاء والمعاملة التمييزية، مبرزة أن التنوع حقيقة قائمة وواقع دائم لا سبيل لإنكاره، لأنه صفة أساسية للمجتمع ذاته.
واستحضرت جلول تجربتها كأكاديمية واشتغالها على مفاهيم مؤسسة للثقافة الإسلامية كالشريعة والفقه، داعية إلى إجلاء مناطق الالتباس بين عدة مفاهيم، وفي مقدمتها الخلط بين ماهو عربي وإسلامي، وكذا الخلط ببين الأحزاب الإسلامية ذات المرجعية الديمقراطية، والتي تقتنع بكونها مجرد خيار ضمن خيارات أخرى، والحركات المتطرفة الإقصائية التي تنبني على عقيدة الاحتكار ورفض تواجد خيارات أخرى إلى جانبها، ولا تحتكم إلى مبدأ الاختيار الحر، وتسعى إلى الاستفراد بالإرادة العامة بالعنف والتحكم في ضمائر الناس وتفكيرهم ومعتقداتهم.
ودعت جلول إلى استغلال الفرص التي يتيحها التحول الرقمي في محاربة أشكال التطرف والتعصب والتمييز، داعية في هذا الصدد إلى العمل على ردم الفجوة الرقمية بين الرجال والنساء، وختمت مداخلتها قائلة إن « السياسات الاشتراكية التقدمية هي التي تضمن الحقوق، وهي التي ستمكننا من العيش في عالم أفضل».
وعرفت الجلسة لحظات مؤثرة من خلال مداخلة النائبة البرلمانية عن الحزب العمالي الكردستاني رزين زياد سيدو، التي تحدثت فيها رزين زياد سيدو عن معاناة الإزيديين وما تعرضوا له من إبادة وتهجير وتشريد، داعية المجتمعات العربية والمسلمة إلى دراسة وفهم معتقدات الأقليات الدينية التي تعيش بينهم.
وركز دوندا ندامون، مسؤول العلاقات الخارجية بالحزب الاشتراكي بإفريقيا الوسطى، في مداخلته، على دور وسائل الاتصال الاجتماعي في تسريع انتشار خطاب الكراهية، داعيا إلى اعتماد برامج متكاملة لاستغلال التكنولوجيا الجديدة في محاربة التطرف وأفكار نبذ الآخر والتعصب.
وتواصلت أشغال المنتدى في اليوم الأخير منه بعقد جلستين تمحورت الأولى حول « سياسات عمومية أكثر إدماجا: المساواة بين الجنسين من أجل التنمية الشاملة»، والثانية حول « التحسيس والتعبئة : من أجل سياسات عمومية دامجة للشباب.»، في ما تميزت الجلسة الختامية بتقديم التقرير التركيبي للمنتدى والتوصيات المتمخضة عنه.


الكاتب : مراكش: عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 03/06/2023