في اليوم الدراسي حول «المراجعة الشاملة لمدونة الأسرة» بمجلس النواب

دفاعا عن النفس الحداثي والتقدمي في المراجعة التي ستعرفها مدونة الأسرة

 

نظم الفريق الاشتراكي (المعارضة الاتحادية) بمجلس النواب، بتنسيق مع منظمة النساء الاتحاديات وجمعية «حقوق وعدالة» و»ائتلاف دنيا لمنع توزيع الطفلات»، أمس الخميس 3 ماي 2023، يوما دراسيا تحت عنوان Œ»مراجعة شاملة لمدونة الأسرة: نحو تعزيز الحقوق والمساواة في المجتمع»، وذلك من أجل المساهمة في النقاش العمومي حول مراجعة شاملة لمدونة الاسرة، في إطار إطار سلسلة الفعاليات التي ننظمها أو نساهم فيها ترافعا من أجل تحيين وتغيير لمدونة الأسرة بما يحقق مقاصد الإنصاف والمساواة والعدالة، وهو التغيير الذي نعتبره لبنة أساسية في معركة أشمل وتحتاج لنفس أطول، وهي معركة المساواة الشاملة في الحقوق والواجبات.
وقد تميز هذا اليوم الدراسي بحضور مملكة النرويج، وممثلة السفارة الدنماركية، فضلا عن ممثلي مجموعة من المؤسسات (وزارة العدل، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان)، إضافة إلى فعاليات برلمانية وسياسية وجمعوية.

 

عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية
المراجعة الشاملة لمدونة الأسرة حلقة من مسلسل البناء الديمقراطي
و تعزيز موقعنا داخل المنتظم الدولي

سعداء في الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية بتنظيم هذا اليوم الدراسي، الذي يندرج في إطار مساهمتنا كفريق نيابي في توسيع مساحة النقاش العمومي الذي يثار حول جميع القضايا التي تهم المجتمع المغربي، وسعداء أكثر بحجم هذا الحضور المهم الذي أبى إلا أن يساهم معنا اليوم في إنضاج النقاش الذي ارتأينا بمعية كل من المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات، و جمعية حقوق وعدالة، وائتلاف دنيا لمنع تزويج الطفلات أن يكون حول آلية مهمة من آليات تعزيز الحقوق والمساواة بمجتمعنا، وهي مدونة الأسرة التي نعتقد في الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية أنها في حاجة إلى مراجعة شاملة تضمن حماية الأسرة المغربية من خلال حماية حقوق جميع مكوناتها.
إن نقاش مدونة الأسرة في هذه الظرفية والدفع في اتجاه مراجعة كاملة لمقتضياتها لا يجد أهميته فقط في تجاوز الزمن للعديد من أحكامها، بل إن أهمية هذا النقاش ترتبط بالغاية من وضع مدونة للأسرة المغربية في الأصل، هذه الغاية التي تتجاوز مسألة تنظيم وتقنين العلاقات داخل الأسرة إلى مسألة كيفية جعل الأسرة المغربية دعامة أساسية في عملية تحقيق التنمية، خاصة أن بلادنا منكبة على الدخول في تحول تنموي شامل، وهو ما يفرض ضمان مساهمة جميع مكونات الأسرة في عملية خلق التنمية، وما لا يمكن تحقيقه إلا بضمان وحماية حقوق جميع هذه المكونات.
هكذا فإن مطلب المراجعة الشاملة لأحكام مدونة الأسرة، يجد أساسه في ضرورة وأهمية تعزيز موقع المرأة المغربية باعتبارها فاعلا محوريا في البناء الديمقراطي وطرفا أساسيا فيعملية تحقيق التنمية وتقدم المجتمع كما سبق أن أكد أخونا الكاتب الأول في الأرضية التوجيهية «من أجل تأطير النقاش الاتحادي حول تدبير الوضعية الراهنة –استشراف المستقبل: جائحة كورونا فرصة لانطلاق النموذج التنموي الجديد على أسس سليمة» التي وجهها للرأي العام في ماي 2020.
ثم إن مطلب المراجعة الشاملة يجد أهميته أيضا، في كونه يتعلق بأحد أهم المؤسسات الاجتماعية، وبالخلية الأساسية للمجتمع المغربي طبقا للمادة 32 من الدستور، أي بتنظيم الأسرة المغربية، التي عملت الدولة المغربية ومنذ فجر الاستقلال على تنظيمها وتأطيرها وحمايتها، في تفاعل دائم ومستمر مع التحولات التي عرفها المجتمع المغربي، من خلال العديد من النصوص القانونية التي تعتبر مدونة الأسرة آخرها.
وفي هذا الإطار، تجب الإشارة إلى أن مسار تنظيم العلاقات بين مكونات الأسرة المغربية والذي ابتدأ مع إصدار مدونة الأحوال الشخصية سنة 1957، وهي المدونة التي لم تعدل حتى سنة 1993، بالرغم من المحاولات العديدة التي هدفت إلى تعديلها، كان دائما يصاحب بنقاش عمومي مفتوح، وهو أمر صحي ومطلوب بل إنه أمر ضروري، وهو ما عرفته أيضا عملية إقرار مدونة الأسرة الحالية سنة 2004، وما ستعرفه اليوم عملية مراجعتها التي نؤكد أننا نريدها مراجعة شاملة.
إن المراجعة الشاملة لأحكام مدونة الأسرة، ستكون لا محالة حلقة أخرى من حلقات كل من مسلسل البناء الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب منذ حكومة التناوب التوافقي، ومسلسل تعزيز موقع المغرب من داخل المنتظم الدولي، وذلك من خلال تكريس إضافي لمبدأ المساواة أمام القانون بين المغاربة رجالا ونساء، ومن خلال احترام أكثر لبنود الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والمهتمة بتقوية مكانة المرأة داخل المجتمعات.
فإذا كانت مدونة الأسرة الحالية قد شكلت قطيعة حقيقية مع مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية، حيث تضمنت العديد من المقتضيات التي أنصفت المرأة المغربية، من خلال تعديل وتفصيل وإدراج العديد من الأحكام، التي شكلت وبكل موضوعية ثورة حقيقية حينها، فالمتغيرات التي عرفها المجتمع المغربي بعد مرور 19 سنة على إقرارها، ثم القصور والضعف بل وحتى التناقض الذي ظهر على العديد من موادها، بالإضافة إلى محدودية اجتهادات القضاة، وغلبت الطابع المحافظ لدى الكثير منهم، وتناقض المحاكم فيما بينها، وعدم مسايرة البعض منهم للتطور العلمي وعدم الالتزام بروح الدستور، خاصة على مستوى احترام حقوق الانسان وسمو المواثيق الدولية، بات يفرض اليوم مراجعة شاملة لها، وهو ما أوضحه وبشكل مباشر صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير حينما قال «  وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية؛ لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها، ومن بينها عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة» ( انتهى كلام صاحب الجلالة).
إننا ننتظر من هذا اليوم الدراسي، أن يكون فرصة أمامنا كفريق نيابي للاطلاع على أهم الاختلالات التي تعرفها مدونة الأسرة، وللوقوف على أهم الأحكام التي باتت تعتبر أحكاما متجاوزة وجب تحيينها، أو تلك التي ظهر قصورها من خلال ما يثار من لبس في فهمها وبالتالي تطبيقها، فبات من الضروري التفصيل فيها وتدقيقها، حتى نتمكن من موقعنا كتعبير سياسي شرعي عن الصف الديمقراطي والحداثي داخل مجلس النواب، في الدفاع عن النفس الحداثي والتقدمي في المراجعة التي ستعرفها مدونة الأسرة.

 

حنان رحاب، الكاتبة العامة للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات
مقاومة الإصلاح والتحديث والمساواة غير موجودة في الدولة، بل في بنيات مجتمعية ماضوية، وفي بعض المؤسسات الرسمية

لقد انطلقنا في منظمة النساء الاتحاديات وبدعم من حزبنا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بكافة منظماته الموازية وواجهاته التمثيلية، وفي مقدمتها الفريق الاشتراكي_ المعارضة الاتحادية، في مجموعة من الديناميات التي تمزج بين التحسيسي والترافعي والاحتجاجي من أجل أن نكون فاعلات وفاعلين في هذا الورش المجتمعي الذي انطلق بخطاب جلالة الملك التأسيسي في يوليوز 2022، والذي كان واضحا في دعوته لإصلاح مدونة الأسرة بعد تجربة قاربت العشرين سنة، عرت عن مجموعة من الثغرات التي كانت منفذا لصدور أحكام تناقض روحها الساعية لإنصاف النساء والأطفال، باعتبارهما الضحايا المباشرين لأي ظلم اجتماعي، في غياب حماية قانونية واضحة وصارمة، ولا تسمح بتأويلات تعيد إنتاج تراتبيات اجتماعية مزيفة قائمة على امتهان أدوار المرأة، والنظر إليها باعتبارها كيانا قاصرا.
لقد اعتبرنا أن إقرار مدونة الأسرة الحالية سنة 2004 بمثابة ثورة اجتماعية وقيمية وفكرية، ولقد كان هذا موقف كل قوى الإنسية والتقدم والحداثة، واعتبرنا التصويت بالإجماع عليها في هذه المجلس الموقر من طرف جميع الحساسيات السياسية والإيديولوجية تعبيرا عن الذكاء المغربي في المنعطفات الحاسمة، إذ ينجح المغاربة إلى التسويات النبيلة، وإلى الإعلاء من المشتركات الوطنية، وإلى تفضيل عدم الإغراق في التقاطبات التي قد تهدد السلم المجتمعي، وتقودنا إلى متاهات القطائع التي تنذر بما وقع في بلدان أخرى حيث تسيدت لغة التكفير والتكفير المضاد. غير أن ما حصل لاحقا، هو اكتشافنا أن المقاومات للإصلاح والتحديث والمساواة، غير موجودة في الدولة، بل في بنيات مجتمعية تستبطن عقليات ماضوية، وهي بنيات للأسف تجد لها مواطن في بعض المؤسسات الرسمية، بنيات لا تنطلق من روح النصوص ومقاصدها، سواء النص الدستوري أو القوانين التنظيمية أو القانون الجنائي أو مدونة الأسرة، وغيرها من المدونات القانونية، بل تنطلق من قراءات رجعية لهذه القوانين قائمة على تأويلات ذكورية.
وهذه العقليات استثمرت جيدا في الفراغات التي تتضمنها مدونة الأسرة الحالية، وغيرها من القوانين، وهي فراغات تسمح بتأويلات متناقضة أحيانا، ولذلك صرنا في القضية الواحدة مثل إثبات النسب نتوقع الأحكام انطلاقا من قناعات القاضية أو القاضي المؤسسة على الانحياز لأفق الحداثة، أو على النقيض التي ما زالت أسيرة التقليدانية، مادام النص القانوني يسمح بالقراءتين، رغم قناعتنا أن قياس مدونة الأسرة إلى الوثيقة الدستورية كفيل بتكييف الغامض أو الملتبس منها وفق مقتضيات المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وتم إقرارها في هذا المجلس التمثيلي، وصدرت في الجريدة الرسمية، والتي لا تشكل أي تعارض مع مقاصد الإسلام السمحة، كما يزعم دعاة المحافظة والتقليد.
إن جلالة الملك الذي أبان عن انحياز إيجابي لحقوق النساء والأطفال منذ توليته العرش، يشكل بالنسبة لنا كنساء تقدميات دعما وسندا لنا في سعينا من أجل مغرب المساواة والإنصاف لكل فئات المجتمع وطبقاته، ولكن هذا الدعم الملكي يتطلب قيام التنظيمات الحزبية والمدنية والحقوقية والنسائية بأدوارها في تحصين المكتسبات القائمة، وفي تطوير وتغيير المدونات القانونية بما يحقق طموح المجتمع الحداثي الديموقراطي والدولة الاجتماعية القوية، إذ لا حداثة ولا ديموقراطية بإقصاء النساء، ولا دولة اجتماعية بدون إقرار سياسات للتمكين الاقتصادي للنساء.
أيتها الأخوات، أيها الإخوان:
في الأيام الأخيرة تعالت أصوات تحاول تأجيل استحقاق تغيير مدونة الأسرة، وكذلك حتى إصلاح القانون الجنائي، بادعاء أن الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة هي التي يجب أن نوليها الأهمية، وأن كل القضايا الأخرى لا قيمة لها أمام قفة المغاربة.
إن هذه المقاربة» الخبزية» واسمحوا لي على هذا التعبير، هي مقاربة تضليلية، وليس هدفها الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وأعتقد أننا لا نحتاج لمن يقدم لنا دروسا في هذا المنحى، لأننا أصلا حزب بمرجعية ديموقراطية اجتماعية، ولكن التجارب التاريخية علمتنا أن كل فصل بين قضايا العدالة الاجتماعية وقضايا التحديث والديموقراطية لا يقود إلا إلى تعميق الفوارق الطبقية وسيادة الماضوية والرجعية اللذين هما أكبر حلفاء التراتبيات الطبقية والاجتماعية وتلك القائمة على النوع الاجتماعي، بل إن هذه التيارات الرجعية قادرة على تبرير الظلم الاجتماعي انطلاقا من تأويلات متعسفة للنصوص الدينية التي جاءت في الأصل بالدعوة للكرامة والعدل والفضيلة.
ولذلك كانت ومازالت النساء في مقدمة ضحايا أي أزمات اجتماعية أو نزاعات مسلحة، أو انهيار اقتصادي، ومن هذا المنطلق فإن دفاعنا اليوم عن تغيير مدونة الأسرة بما يضمن المساواة والإنصاف ليس نقيضا للدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين والمواطنين، وليس نقيضا لأولوية بناء اقتصاد قوي، وليس نقيضا لقضايا إصلاح التعليم والصحة والشغل، بل هو في القلب من كل هذه المعارك، لأنه يوجد على خطوط التماس بين الدولة الاجتماعية القوية وبين المشروع الحداثي الديموقراطي.

مراد فوزي، رئيس جمعية حقوق وعدالة
لن يتحقق التغيير إلا بملاءمة التشريعات للدستور والاتفاقيات الدولية

 

نعتبر في جمعية حقوق وعدالة أن هذا النقاش مدونة الأسرة- شأنه في ذلك شأن كل القضايا العادلة- مرحلة حاسمة من أجل تعديل عادل برؤية شمولية على اعتبار ان جمعية «حقوق وعدالة» تشتغل عن قرب مع فئات المجتمع المكلومة من خلال مركز الاستماع الذي تشتغل من خلاله بمدينة الدار البيضاء، وتستقبل به عددا من النساء ضحايا العنف أو التمييز في إطار برنامج «التمكين الاقتصادي للمرأة والمساعدة القضائية المجانية لصالح النساء» بدعم من سفارة النرويج بالمغرب، والتي نشكرها اليوم من خلال سفيرها من أجل دعمه الدائم وحضوره المشرف بيننا، وبرنامج «محاربة تزويج الطفلات بالمغرب» بدعم من المعهد الدانماركي للابحاث والمعلومات حول النوع الاجتماعي والمساواة والتنوع، والذي نجدد شكرنا له من خلال ممثله، وكذا ممثل سفارة الدانمارك.
وقد سبق للجمعية أن أعدت سنة 2016 دراسات بشأن عدد من المقتضيات التمييزية في حق المرأة بمدونة الأسرة، وبادرت إلى نشرها وتنظيم ندوات بشأنها، وهي المتعلقة أساسا بالولاية والحضانة والتعدد وتزويج الطفلات وتدبير الأموال المشتركة خلال الحياة الزوجية، كما شاركت في إعداد ندوات بشأن إشكالية الإجهاض الآمن.
ولا يفوتني هنا أن أذكر بأن جمعية حقوق وعدالة تشتغل أيضا على برنامج لفائدة اللاجئين والمهاجرين وطالبي اللجوء من خلال تقديم الدعم القانوني والمصاحبة القضائية المجانية لهذه الفئة بدعم من جمعية مناهضة العبودية الحديثة CCEM وتعاون مع المفوضية السامية للاجئين لدى الأمم المتحدة HCR بالمغرب.
وان جمعية حقوق وعدالة، وهي تساهم في هذا النقاش صحبة الفاعلين سواء في الحقل الحقوقي أو ممثلي الامة بهذه الموسسة التشريعة، فلأنها تؤمن:
أولا: بأن تكريس مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات هو السبيل الوحيد لتحقيق أهداف مدونة للاسرة بكاملها.
ثانيا: بأن خلية الأسرة تتكون من رجل وامرأة وطفل وأب وأخ وأخت وجد وجدة وعم وعمة وخال وخالة، وهو ما يستوجب بالضرورة أن ينعكس التعديل أو المراجعة من كل المناقشات المجتمعية لهذه الخلية حتى تكون ترجمة لانتظارات المواطنات والمواطنين كما أكد ذلك جلالة الملك في عدة مناسبات آخرها خطاب العرش في يوليوز 2022، وأكدته كل تلك اللقاءات والمناظرات التي انعقدت لمناقشة مواضيع تكاد تشمل جميع مقتضيات مدونة الاسرة موضوع هذا اللقاء، وهو ما يؤكد أيضا أن هذا النقاش قديم جديد. لكن حدته زادت بعد اعتماد دستور المملكة لسنة 2011 وإقرار مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة.
إن العارفين بدهاليز المحاكم، سواء في القضاء الواقف أو القضاء الجالس أو الدفاع، لن يكفيهم يوم ويومين لعرض الإكراهات التي يعيشونها جراء غياب آليات حقيقية من شأنها تكريس المساواة بين الرجل والمرأة، وحماية حقيقية للأطفال من الضياع والتشرد والانتقام، وسوف يؤكدون لا محالة ان المراجعة ينبغي أن تكون نصا ومبنى.
وأما النساء والأطفال من الكادحات والمربيات، ومن الضحايا التائهات، فإننا نعتقد أنهن محتاجات اليوم قبل الغد إلى تغيير يضمن مساهمتين في التنمية، عوض أن تبقى تلك النصوص كالجسد بلا روح في غياب آليات تخرجنا من أزمة التشريع لأزمة التطبيق.
إن وطننا ­ وإن كان قد حقق تقدما ملموسا على المستوى الإجرائي من حيث المساهمة المحتشمة لادماج قضية المرأة في السياسات العمومية، والتنصيص في دستوره على مبدأي المساواة والمناصفة وحظر التمييز والعنف، إلا انه لازال مطالبا بمضاعفة الجهود في سبيل تحقيق مساواة حقيقية بين الجنسين تضمن تقدمه في مؤشر التنمية البشرية، حيث يحتل مرتبة مخجلة إلى حدود سنة 2022، وهي 123 من أجل 195 دولة.
إننا نعتقد عن إيمان، على أن ذلك لن يتحقق إلا بخلق آليات قانونية لتتمتع السياسات العمومية التي من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال على جميع المستويات في سبيل تمكين اقتصادي حقيقي للمرأة، ومحاربة كل سلوك منبثق عن عادات وصور نمطية غريبة عن مجتمعنا، كما أنه لن يتحقق إلا بتضييق المساحات التي تحتمل التأويلات المتناقضة الناجمة عن جهل أو عن عادات خاصة على مستوى التشريعات وأهمها مدونة الأسرة والقانون الجنائي.
كما لا يمكن أن يتحقق التغيير المنشود ختاما، إلا بملاءمة تلك التشريعات للدستور والاتفاقيات الدولية المصادق عليها، وهو أساس هذا اليوم الدراسي وغيره من المبادرات التي نخص بها اليوم مدونة الاسرة سواء فيما يتعلق بمنع تزويج القاصرات الذي اصبح قاعدة بعد أن اعتقدنا أنه استثناء، أو ما تعلق بتعدد الزوجات التي يختلف بشأنه اثنان، ولو تعلق الأمر بنفس الظروف والوقائع أو ما تعلق بالتطليق الشقاق، أو النسب ومآسيه، أو تدبير الأموال المشتركة بين الزوجين عند انفصام العلاقة الزوجية أو الولاية على الأطفال أو الحضانة أو غيرها، وهو ما يؤكد أن الأمر فعلا يستحق مراجعة شاملة لنصوص هذه المدونة إن لم نقل لكل تلك المقتضيات التمييزية الواردة بقوانين أخرى لن يسعنا الوقت لمناقشتها هذا اليوم، وقد سبق لمجموعة من أجل تشريعات تضمن المساواة التي تعتبر جمعية حقوق و عدالة عضوا بها، والتي أطلقت بالأمس حملة نسائية للمساواة تحت شعار «بغاتها الوقت نبدلو القانون».


بتاريخ : 04/05/2023