في تقديم كتاب «الحي المحمدي..وجوه وأمكنة» لحسن نرايس حيوات وأمكنة موشومة في الذاكرة

نظمت الشبكة المقاهي الثقافية بالمغرب يوم السبت 15 فبراير 2025 بمقهى ميلانو بحي حسان بمدينة الرباط في الساعة الخامسة مساء، حفل تقديم وتوقيع كتاب « الحي المحمدي وجوه وأمكنة « للكاتب والناقد حسن نرايس، وهو اللقاء الذي شارك فيه الإعلامي والشاعر عبد الحميد جماهري ، والناقد والكاتب فؤاد السويبة ، والكاتب مصطفى النحال؛ في حين نسق فقراته الفاعل الثقافي نورالدين أقشانيوأشرف عليه عزيز كوغري. ونورد هنا نص الورقة الذي تقدم به الناقد فؤاد اسويبة عن الكتاب.

 

 

« بادئ ذي بدأ لابد من الاعتراف لحسن نرايس، الكاتب، بفنية الحكي، ودقة الوصف، ثم سلاسة الأسلوب وأناقته وغنى لغته.
منهجيا، ينقسم الكتاب إلى جزأين: الأول، أتوبيوغرافي ويحكي طفولة ومراهقة الكاتب بين تكوين الإنسان وإلهام الجدران والجيران، ثم الثاني، وينزوي إلى توطين بورتريهات من أولاد الحي في خانة الكبار، هؤلاء الذين صنعوا الحي بمكوناته المختلفة ومجازا الوطن ككل ساهم فيه آخرون كثر.
يبدأ الكتاب في جزئه الأول بإهداء للوالدين الغاليين، يليه تبويب بقلم بوجمعة أشفري وتقديم من وحي المؤلف، يتبعهما 52 نصا على شكل بورتريه لمشاهير الحي أو لأمكنة ذات حمولة تاريخية واجتماعية ونفسية استثنائية.وبعد فسحة نوستالجية جميلة في حضن السلف و»اثنين لخصاص» والوالدين الغاليين، يورد المؤلف في الصفحة 34 عن جبران خليل جبران: «وماذنبي إن كان الاشتياق إلى الماضي يثقب جدار صمتي»، ولعل هذه المقولة الجبرانية لوحدها تلخص كنه هذا المؤلف الذي في يحكي عن ملامح الوجوه والأمكنة، والأشخاص والمواقع، والأبناء والجدران، البنيات والطقوس، ثم الأحياء والجماد، الأرواح والصخر، المدنس والمقدس.
تتنوع البورتريهات ويتنافس العابرون على ملء فضاء الكتاب بأقصوصات ملؤها خصوصيات وتفصيلات تعود لزمن ولى في الحي الذي في البال أغنية.وهناك يبتدئ عنقود الحكي برسم أسماء وعناوين جمعتهم رحلة الحي.
في الصفحة 47 يعنون الكاتب «مأساة أعراب» وهو جزء منتزع من حياة عابرة لمجهول اقتحم الحي بغتة فلمّع الأحذية بسرعة وأبدع على عوده ثم بسرعة أكبر ترك الحي بعدما سقط جثة هامدة في براكته البئيسة. لم يكن أعراب ذلك الفنان البارع الشهير أو ذلك المثقف الذي تجري بأخباره الركبان، لكنه أمسك بناصية المؤلف ليخلده مع مخلدي الحي.
في الصفحة 55 تبدا الحكايا بصيغة الجمع .. من اللعبة التي تثير كل أطفال الحي الدينيفري، الى الشغف بالسينما في الصفحة 57 «سينما شريف وثلاثون ريالا مع احتساب ريالين ل»خوخة» واكتشاف الرومانسية والعراك والنجوم الكبار. ثم في الصفحة 61 ويا لها من صفحة: درب مولاي الشريف…الذي وضع المؤلف نصه بين نصي «سينما شريف» و»سينما السعادة « التي تأتي بعده في الصفحة 65. لست ساذجا حتى أعتبر ذلك الترتيب اعتباطيا، فبعد صرخة المؤلف المدوية التي تستنكر فتح سجن لمعتقلي الرأي في حي السلام البسيط والذي تؤمه ساكنة لا ترجو الا العيش البسيط، هاهو المعتقل يضيف ألما لألم وتراجيديات لأخريات، ثم ينقلنا بعدها لسينما السعادة كما لو كان ينوي محو آثار القصف عن الحي بالفرار نحو السعادة التي تصنعها الفرجة.
شيء من الحقد والفقر يحيطان بجدران الحي أينما حللنا وارتحلنا بين أسطر الكتاب. فكثيرا ما يتعرض الكاتب لجور الجيران مثلما يشار إليه بالبنان في نص: «فريق لم يدم طويلا»…وكان الحسد والحقد، الصفحة 69). لكن في مواجهة ذلك هناك الانتشاء، هذا الانتشاء الذي يأتي بعد انتشاء السينما عبر انتشاء آخر بملعب الحفرة، رفقة با العربي الزاولي، ثم الانتصارات والإخفاقات الرياضية، و’الطاس’ وما أدراك ما «الطاس».
خص الكاتب مجموعة ناس الغيوان بأغزر نص في المؤلف(14 صفحة)، وكأني به يخصص الجزء الأكبر للحي وللفرقة الموسيقية التي أحدثت ثورة ثقافية في الأوساط العربية منذ بداية السبعينيات،ويجسد ذلك الكاتب توظيف قصائد كثيرة تؤرخ لتجربة الغيوان الفريدة.
وتتأكد هاهنا أتوبيوغرافيا الكتاب في انتقال الحاكي من الإعدادي إلى الثانوي وتمرده على وضعه جعله يعي واقعه المر ويتسلح بالعلم، لعل وعسى.
في الجزء الثاني والذي يبتدئ في منتصف المؤلف( الصفحة 120) نجد بورتريهات لشخصيات ذات أفق وطني وعالمي، لكنها من نبع الحي. شخصيات رسم لها المؤلف بالكلمات، 31بورتريها بالتمام والكمال جميعهم خرجوا من رحم الحي المحمدي ، الحي الذاكرة والتاريخ».


الكاتب : فؤاد اسويبة

  

بتاريخ : 18/02/2025