ارتفاع في دعاوى ثبوت الزوجية ما يعكس استمرار الزواج غير الموثق ببعض المناطق
في تقريره السنوي لسنة 2024، اتخذ المجلس الأعلى للسلطة القضائية سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى تأطير العمل القضائي ومراقبة أدائه، استنادا إلى مقتضيات القانون التنظيمي رقم 100.13 الذي يمنحه صلاحيات تتبع حسن سير المحاكم وضمان استقلال السلطة القضائية.
أولى الخطوات تمثلت في استكمال تفعيل الأقطاب القضائية الثلاثة، المدني والجنائي والمتخصص، وهي آلية جديدة أطلقت لتقوية التنسيق وتتبع المؤشرات الميدانية لأداء المحاكم. وقد مكنت هذه البنيات من تجميع المعطيات وتحليل الإحصائيات وتقييم مؤشرات النجاعة، مما أفضى إلى إطلاق مبادرة رائدة تتمثل في تحديد الآجال الاسترشادية للبت في القضايا.
المجلس وفق ذات التقرير، اعتمد في تحديد هذه الآجال منهجية علمية دقيقة استندت إلى تحليل بيانات نظام التدبير المعلوماتي للقضايا خلال خمس سنوات، مع التأكيد على أن الهدف ليس المساس بضمانات المحاكمة العادلة، بل ترشيد الزمن القضائي ومحاربة التأجيلات غير المبررة.
ويواكب هذا الورش تطوير منظومة معلوماتية حديثة لتتبع الآجال وتحليل مؤشرات الأداء في الزمن الحقيقي، مما يسمح برصد القضايا المتأخرة وتقييم مردودية كل محكمة على حدة.
في السياق نفسه، واصل المجلس مجهوداته في تعميم الشفافية من خلال النشر الرقمي للاجتهاد القضائي عبر البوابة الرسمية لمحكمة النقض. فقد ارتفع عدد القرارات المنشورة إلى 36 ألف قرار سنة 2024 مقابل 13 ألفا فقط سنة 2022، كما تجاوز عدد زوار البوابة أربعة ملايين متصفح، ما يؤكد الإقبال المتزايد على المعلومة القضائية كمصدر موثوق. وإلى جانب ذلك، واصل المجلس إصدار دوريات تأطيرية لتوحيد العمل القضائي وتنبيه القضاة إلى المستجدات التشريعية وبعض الاختلالات المسطرية.
على مستوى التحليل الميداني للأداء القضائي، سجل التقرير معطيات لافتة تخص قضاء الأسرة، حيث تراجعت طلبات الإذن بزواج القاصر بنسبة تفوق 17 في المائة، لكن الظاهرة ما زالت متركزة في الوسط القروي وبين غير المتمدرسات. ويرى التقرير أن محاربة هذه الظاهرة لا يمكن أن تتم بالحلول القانونية وحدها، بل تقتضي مقاربة شمولية تربوية واجتماعية واقتصادية لمحاربة الفقر والهدر المدرسي وتغيير العقليات.
وفي ما يتعلق بدعاوى ثبوت الزوجية، سجل ارتفاع بنسبة 17 في المائة سنة 2024، ما يعكس استمرار الزواج غير الموثق خاصة في المناطق الجبلية والقروية، الأمر الذي يتطلب تكثيف التوعية بأهمية توثيق العقود لحماية الحقوق الأسرية. أما في قضايا الطلاق، فبرز الطلاق الاتفاقي كآلية مهيمنة بنسبة تفوق 96 في المائة، ما يدل على ارتفاع الوعي الأسري وتفضيل الحلول الودية، بينما يشكل التطليق للشقاق أكثر من 97 في المائة من قضايا التطليق المسجلة.
أما في المجال الجنائي، فقد سجل التقرير تحسنا واضحا في مؤشرات الأداء، إذ بلغت نسبة تصفية القضايا المسجلة 104 في المائة، وتراجعت القضايا غير المحكومة بأكثر من 25 في المائة. وأظهرت الأقسام المتخصصة في الجرائم المالية تحسنا في سرعة البت، إذ صدر 416 حكماً خلال السنة، بينما حققت الغرف المختصة بجرائم غسل الأموال نتائج إيجابية بصدور 312 حكما، أغلبها داخل الآجال المحددة.
وفي قضايا الإرهاب، سجل قسم الجرائم الإرهابية بمحكمة الاستئناف بالرباط نسبة إنجاز بلغت 99 في المائة داخل الأجل الاسترشادي، وهو مؤشر على فعالية القضاء المتخصص في هذا المجال الحساس. كما أشار التقرير إلى مواصلة تتبع ملفات الاستيلاء على عقارات الغير، إذ بلغ عددها الإجمالي 332 قضية أمام قضاء التحقيق، و563 أمام قضاء الحكم، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في وتيرة تصريفها بفضل المراقبة المنتظمة من قبل المجلس.
أما في قضايا الاتجار بالبشر، فقد سجلت المحاكم المغربية 160 حكما خلال سنة 2024، منها 52 في المائة قضت بالإدانة، بينما بلغ عدد الضحايا 269 ضحية، أغلبهم من الراشدين، مع استمرار تفوق الاستغلال الجنسي كأبرز أشكال الجريمة.
ويخلص التقرير إلى أن النتائج المحققة سنة 2024 تعكس دينامية إصلاحية عميقة داخل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، قائمة على تفعيل الرقمنة، ترشيد الزمن القضائي، وتوحيد الممارسات المهنية، بما يرسخ مبدأ العدالة الناجعة ويعزز ثقة المواطن في القضاء.

