في تقرير لمركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي .. 75% استثمار عمومي في المغرب مقابل مردودية ضعيفة وكل 9.4% استثمار تحقق 1% نمو فقط

كشف تقرير حول الاستثمار: التوجهات، النتائج والتحولات، الذي أعده فريق عمل مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي تحت إشراف رئيسه علي الغنبوري، عن واقع استثماري هش في المغرب، حيث أظهرت المعطيات ضعف المردودية الاقتصادية للاستثمارات العمومية رغم ضخ موارد مالية ضخمة على مدى العقدين الأخيرين، ما يعكس قصور السياسات التقليدية في توجيه الموارد وتحقيق النمو الشامل.
وأوضح التقرير أن معدل مردودية الاستثمار العمومي لا يتجاوز 6% مقابل 10 إلى 12% في اقتصادات صاعدة، وأن كل نقطة نمو في الناتج الداخلي الخام تتطلب استثمارا يعادل 7 إلى 9 وحدات، مقارنة بـ3 إلى 4 وحدات في دول مثل تركيا وفيتنام، ما يؤكد ضعف فعالية الإنفاق الاستثماري وغياب الربط بين الاستثمار والتنمية المستدامة.
وأشار التقرير إلى أن حجم الاستثمارات الإجمالية في 2024 بلغ أكثر من 410 مليار درهم، منها 335 مليار درهم استثمار عمومي و85 مليار درهم استثمار خاص، فيما لم تتجاوز الاستثمارات الأجنبية المباشرة 23 مليار درهم، وهو رقم دون طموحات الاستراتيجية الوطنية لجذب الاستثمار.
وأضاف التقرير أن أكثر من 70% من الاستثمارات تتركز في ثلاث جهات فقط، بينما تعاني مناطق الجنوب الشرقي والوسط الشرقي من ضعف البنيات التحتية وتعقيد المساطر الإدارية والعقارية، مما يعكس تفاوتا مجاليا صارخا ويضعف العدالة الترابية للاستثمار.
ولاحظ التقرير محدودية الأثر الاجتماعي للاستثمارات، إذ تبقى معدلات البطالة مرتفعة، خصوصا بين الشباب الحضري وحاملي الشهادات، مع كلفة مرتفعة لإنشاء منصب شغل قار تصل في بعض المشاريع الكبرى إلى أكثر من 500 ألف درهم، مما يعكس ضعف الربط بين السياسات الصناعية وسياسات التكوين المهني.
ورصد التقرير عدة إشكالات بنيوية تعيق الاستثمار في المغرب، من أبرزها تعقيد المساطر القانونية والإدارية، تعدد الجهات المتدخلة، ضعف أداء المراكز الجهوية للاستثمار، البطء القضائي في حل النزاعات، هشاشة العرض الترابي، غياب مناطق صناعية مجهزة في عدة جهات، ارتفاع كلفة الأراضي، صعوبة ولوج المقاولات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل البنكي، وضعف منظومة رأس المال الاستثماري، وانخفاض مستوى الاندماج المحلي في القطاعات الصناعية، وضعف ربط الاستثمار بالبحث العلمي والابتكار، حيث لا تتجاوز مساهمة القطاع الخاص في تمويل البحث والتطوير 0,2% من الناتج الداخلي الخام، مقارنة بـ1,5% عالميا، ما يحد من تطوير منظومات صناعية وطنية قادرة على المنافسة ويقلص القيمة المضافة الاقتصادية.
في مواجهة هذا الواقع، أبرز التقرير التحولات الجديدة في السياسة الاستثمارية، والتي تمثلها ميثاق الاستثمار الجديد 2023، الهادف إلى قلب المعادلة التقليدية، بحيث يتحول ثلثا الاستثمار الوطني إلى القطاع الخاص مقابل ثلث للاستثمار العمومي، مع توجيه هذا الأخير نحو البنيات التحتية والخدمات الداعمة للمقاولة، وتشجيع القطاع الخاص على القيادة في مجالات التصنيع والخدمات الحديثة والتكنولوجيات النظيفة، مع اعتماد حوافز مالية وجبائية تصل أحيانا إلى 30% من كلفة المشروع وربط التمويل بالنتائج والأثر المجالي والاجتماعي.
ويركز الميثاق على توسيع قاعدة المقاولات الوطنية، إدماج البعد البيئي والاجتماعي، وتعزيز العدالة المجالية، مع توفير منصات رقمية لتسهيل تتبع المشاريع الاستثمارية وربطها بآليات التمويل، وقد تم إدراج أكثر من 300 مشروع صناعي واستثماري على المنصة الرسمية “CRI INVEST”، مع تسجيل أكثر من 2500 مشروع جديد خلال سنة واحدة.
وشدد التقرير على ضرورة ترسيخ استقرار المنظومة القانونية والضريبية لتوفير الثقة للمستثمرين، وتسريع تبسيط وتوحيد المساطر الإدارية، وتعزيز الجاذبية المجالية للمناطق المهمشة عبر تحفيزات خاصة وربطها بمخططات التنمية الجهوية، وإرساء تعاقدات تنموية جهوية واضحة بين الدولة والجهات والقطاع الخاص، وتحديد أهداف كمية ونوعية للاستثمار، وتشجيع القطاع الخاص الوطني على قيادة الاستثمارات الإنتاجية، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتوسيع منظومة التمويل البديل، وربط الاستثمار بالبحث العلمي والابتكار عبر الحاضنات الجامعية والمنح العمومية، وإحداث آلية وطنية لتقييم مردودية الاستثمار على أساس الأثر، مع التركيز على المشاريع ذات الكثافة الشغلية العالية لضمان العدالة الاجتماعية، وإدماج البعد البيئي والاجتماعي في اختيار المشاريع، وتفعيل قيادة حكومية موحدة لمنظومة الاستثمار عبر اللجنة الوطنية للاستثمار وربطها بمؤشرات الأداء.
وأشار التقرير إلى أن التحول في السياسة الاستثمارية يمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص، وجعل الاستثمار أداة فاعلة لتحقيق النمو الشامل والمستدام، وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، لكنه يظل رهينا بقدرة الدولة على تنفيذ الإصلاحات وتحويل الخطط الاستراتيجية إلى واقع ملموس، مع ضرورة متابعة تقييم الأثر لضمان تحقيق الأهداف المنشودة.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 04/09/2025