في حادثة الشحات والشيبي..مصر والمغرب علاقات بطول النيل وعرض الأطلسي

لا يقبل عاقل أبدًا أن يرى خروجا عن القيم ويصفق له، ولن يستقيم أمر لا تكون فيه المساواة معيارا لأية أحكام تتعلق به ، ولا يمكن أن ترتقي رياضة في ظل اغتيال قيمها ، وغير منصف من يبحث عن مبرر يدافع به عن المخطئ ، لكن الأخطر من كل هذا أن نحمل الأشياء فوق طاقتها ونخرج العبارات عن سياقها ونجتزئ المشاهد لنظهر وجها واحدا يؤيد آراءنا التي نرغب في فرضها على المتلقي.
في كل واقعة خروج عن الروح الرياضية وانتهاك الأخلاق والتجرؤ على القيم، توجد محاور مفصلية تدور في فلكها ، وتمثلها أطراف الواقعة ، وهي المعتدي والمعتدى عليه والشهود ، وأيا ما كان الاستفزاز الذي أدى بدوره إلى وقوع التعدي ، فأنه ليس مبررا للتطاول اللفظي والبدني ، فهناك طرق كثيرة لاسترداد الحقوق ، أما أن ينبري لاعب دون وازع من الأخلاق أو نذر قليل من الروح الرياضية ويصفع منافس له على أرضية الملعب وعلى مرأى ومسمع من أفراد الجهازين الفنيين ولاعبي الفريقين والمصورين ، ويتعدى ذلك كله إلى الجماهير عبر مقاطع فيديو ، تؤذي كل من شاهدها وسمع عبارات السب فيها ، فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا ، على كل الأصعدة الرياضية منها والأخلاقية والإنسانية ، والمؤسف أن المعتدي وجد نفرا من المتعصبين يناصروه و يؤيدون فعلته ، في تصرف غير مبرر لكنه غير مستغرب في ظل تفشي التعصب في الملاعب ، وغياب التسامح والروح الرياضية وقواعد اللعب والتشجيع النظيف ، لكن ورغم كل ذلك لا يجب أن تخرج معالجة هذا الخطأ خارج إطار مكانها وهو الملعب بمعنى أن تحال الواقعة إلى المسؤول عن تنظيم البطولة وهي رابطة الأندية ولجنة المسابقات ، لتقول كلمتها ويجب ألا تأخذهما الرحمة في مثل هذه الحالات إن كانت جادة في فرض لوائحها وإرادتها على الجميع وتسعى من ترسيخ المبادئ والقواعد التي تحول دون تكرارها مرة أخرى ، لكن قبل هذا وذاك وجب على طرفي الواقعة أن يلتزما الانصياع التام لكل ما يصدر عن اللجنة ، وان يتركا لها وحدها الأمر بعيدا عن إثارة الرأي العام والتأثير عليه كسبا للتعاطف ، أو تأجيجا للمشاعر ،أو تصعيدا للأزمة ، غير أن ما حدث وفي ظل سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على الساحة وفرض كلمتها على الأحداث بما يفوق وسائل الإعلام التقليدية ، أدخل الواقعة دائرة الأزمة التي تهدد ما هو أبعد من علاقات اللاعبين والناديين إلى بلدين شقيقين ، بعدما أججت تلك المواقع وأولئك المراهقين الذين لا يقيمون وزنا للعلاقات التاريخية بين الأشقاء ، ولا يعرفون قوة ومتانة العلاقات الإنسانية بين مصر والمغرب ، وما بينهما من وشائج المحبة .. فما يجمع المصريين والمغاربة أكبر وأعمق وأقوى..
من هنا، فإن محاولة البعض سحب المشلكة من ملعبها الرياضي إلى ملعب السياسة ، بهدف تعكير الأجواء وتسميم علاقة البلدين أمر مرفوض تماما ولا ينبغي أن نسمح به أو نردده ، فالواقعة بين لاعبين لا علاقة لجنسيتهما وبلديهما ، علينا أن نضع الأمور في نصابها، ولا نحملها أكثر مما تحتمل ، وما حدث بين الشحات والشبيني ، حدث داخل الفريق الواحد وبين لاعبين في الوطن الواحد ، ولو أن الأمر فيه قصد للاعب ينتمي لجنسية بعينها لما كان في ملاعبنا محترفين من جنسيات غير مصرية فما بالنا بالأشقاء العرب ، وبالتحديد المغرب التي لعب في الدوري المصري عدد غير قليل من نجومها نستذكر منهم الآن الراحل عبد القادر البرازي مع الاسماعيلي ، وعمر النجدي مع المقاصة واشرف بن شرقي الذي تألق مع الزمالك وارتبط به جمهور مصر كلها الذي عشق موهبته وأشاد بها ، إلى جانب حميد الحداد ومحمد أوناجم مع الزمالك وبدر بانون ووليد آزارو مع الأهلي ، وحتى بيراميدز يوجد فيه الآن من المغرب مع الشيبي اللاعب وليد الكرتي وهو موضع حفاوة كبيرة لدى كل مشجعي الكرة المصرية التي تقدر موهبته وقبلها أخلاقه ، لكل هذا فأن تصعيد الأمر وتناول قصص لا علاقة لها بما حدث ، بهدف دق إسفين في العلاقات المصرية المغربية سيكون مصيره الفشل ، نظرا لمتانة العلاقات الأخوية بين البلدين ، فنحن في مصر نحب المغرب ونقدر قياداته وشعبه ومدنه من طنجة إلى لكويرة ، بكل تضاريسها وجغرافيتها وجمالها الطبيعي ، ونعشق مطبخها المتميز، وندرك الحب الذي يسكن قلب المغاربة لبلدنا ، فعلاقة مصر والمغرب أطول من نهر النيل وأعرض من المحيط الأطلسي ، وأثق أن حكماء البلدين وهم كثر بفضل الله قادرون على وأد أية محاولة لفتنة في مهدها .

 


الكاتب : «نشر في جريدة «الأهرام» المصرية بقلم الكاتب الصحفي أشرف محمود»

  

بتاريخ : 31/07/2023