لم يكن أي أحد يتوقع أن يفوز فيلم «قصة شومرون» للمخرج الإيراني عماد الإبراهيم دهكردي بـ»النجمة الذهبية» للمهرجان الولي للفيلم بمراكش، وذلك لقوة أفلام المسابقة الرسمية، مما يرجح حسب مجموعة من النقاد أن يكون هذا الفوز مجرد لمسة دعم سياسية لـ»ثورة النساء الإيرانيات»، خاصة أن المخرج لم يتردد لحظة واحدة في إهداء الجائزة لـ»نساء إيران»، قائلا: «أهدي جائزتي لجميع نساء إيران وللجيل الشاب الذي يخاطر بحياته من أجل الحرية». وأضاف: «أريد أن أقدم تحية إلى كل من فقدوا أرواحهم وهم يقاتلون من أجل استعادة الحرية ليعيشوا كما يريدون».
لقد انتظر متابعو المهرجان أن تؤول الجائزة إلى فيلمين أساسيين: فيلم «رايسبوي ينام» للمخرج الكندي أنتوني شيم (الفائز بجائزة أفضل دور نسائي)، وفيلم «برق» للمخرجة السويسرية كارمن جاكيي (الفائز بجائزة الإخراج). غير أن لجنة التحكيم، التي يترأسها المخرج الإيطالي باولو سورينتينو، ولها معاييرها الخاصة، ارتأت أن تمنحها للفيلم الإيراني، الأمر الذي وصفه المتتبعون بـ»المفاجأة»، فيما اعتبره آخرون «مكافأة» للمخرج الإيراني على جرأته في فضح ما يحاول النظام الإيراني أن يخفيه (مخدرات، دعارة، هشاشة اجتماعية، اكتئاب جماعي، أمراض، تفسخ عائلي..). بينما ذهب طرف ثالث إلى أن الجائزة التي آلت إلى فيلم «قصة شومرون»، رغم أنه فيلم جيد، مجرد لمسة دعم رمزية للاحتجاجات الإيرانية التي اندلعت عقب مصرع الشابة مهسا أميني (22 عاما) في 16 شتنبر 2022، إثر توقيفها من قبل شرطة الأخلاق التي اتهمتها بـ»انتهاك قواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية».
إلى ذلك، لم يخرج الفيلم المغربي «أزرق القفطان» للمخرجة مريم التوزاني خالي الوفاض من المسابقة، حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم مناصفة مع الفيلم البرتغالي «الروح الحية» لكريستيل ألفيس ميرا.
فيلم «أزرق القفطان»، الذي خلف ردود فعل متباينة، بين رافض له بدعوى أنه يذهب بعيدا في خرق القواعد الاجتماعية (المثلية الجنسية، الرؤية الدينية للموت)، وبين محتضن لأنه قدم قصة مختلفة تتنامى أحداثها عبر تنامي ثلاثة محكيات صغرى داخل الحكاية الإطار، مما أضفى على الفيلم كثافة وحميمية في نوع من التبادل الشعوري بين الشخصيات والمتلقي.
وقالت مريم التوزاني إنه «شعور جميل جدا أن أحظى بالتتويج في بلدي المغرب، سيما في تظاهرة كبرى من قبيل المهرجان الدولي للفيلم بمراكش». كما جددت الإعراب عن سعادتها بما قالت إنه «تفاعل إيجابي» من جانب الجمهور مع فيلمها الذي عرض لأول مرة في المغرب.
وكانت التوزاني قد قالت، خلال عرض الفيلم، إن الأمر يتعلق بفيلم عن «الحب غير المشروط»، إذ إنه يعد «قبل كل شيء، فيلما عن الحب بمختلف تجلياته، وفي أوسع معانيه».
وأضافت أن الفيلم يتوقف أيضا عند حب المرء لمهنته، وهي في حالة الفيلم مهنة «المعلم» (صانع القفطان) «التي بدأت تندثر للأسف»، حيث يظل البطل حليم متشبثا بها باعتبارها مهنة أبيه، رافضا مواكبة «المكننة» التي طالت هذه الحرفة العريقة.
ومع ذلك، لم تكن نتائج المسابقة الرسمية كلها مفاجئة أو مخيبة للآمال، حسب المتتبعين، حيث آلت جائزة أفضل إخراج لفيلم «برق» (2022) للسويسرية كارمن جاكيي. أما جائزة لجنة التحكيم فمنحت لمخرجتين هما مريم التوزاني عن فيلم «أزرق القفطان» كريستيل ألفيس ميرا عن فيلم «الروح الحية». فيما فازت الممثلة الكورية تشوي سونغ-يون بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «رايسبوي ينام» للمخرج الكندي أنتوني شيم، بينما عادت جائزة أفضل ممثل الإندونيسي أرسوندي بينينغ سوارا عن دوره في فيلم «سيرة ذاتية» لمواطنه المخرج مقبول مبارك.
إلى ذلك، جرى، خلال الليلة الختامية للمهرجان، تكريم الممثلة الإنجليزية ورئيسة لجنة تحكيم الدورة السابقة للمهرجان، تيلدا سوينتون التي عبرت عن شكرها وامتنانها لجلالة الملك محمد السادس والأمير مولاي رشيد ومؤسسة المهرجان على «حكمتهم في جعل هذا المهرجان الهائل ممكنا، وعلى تلك النظرة الحكيمة في تفانيهم في توسيع الآفاق السينمائية.
وقالت سوينتون إن السينما «تبين من نحن، أشكالنا وأحجامنا المتعددة والمتنوعة، رغباتنا وفشلنا وانتصاراتنا، ومخاوفنا وأحلامنا». مضيفة أن تكريمها في مهرجان تكن له مودة خاصة، يغمرها بسعادة حقيقية. وتابلعت: «حظيت بفرصة حياتي بأن أجد الباب السري لمكان أصنع فيه أفلاما مع بعض من أعظم صانعي الأفلام المعاصرين». ثم أضافت: «عندما تكرمونني، فأنتم تكرمون رفاقي». مستشهدة بالمخرجين الإسباني بيدرو ألمودوفار والأمريكي ويس أندرسون من بين آخرين.
وحضرت المهرجان أسماء بارزة في السينما على غرار الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبير والمخرج الأمريكي جيم جارموش، والمخرج الفرنسي ليوس كاراكس، والمخرج والسيناريست الإيرلندي نيل جوردان، والممثل الإنجليزي جيريمي أيرونز، فضلا عن أسماء أخرى شهيرة على المستوى العالمي.
وتنافس على جائزة «النجمة الذهبية» 14 فيلما، ستة منها من توقيع مخرجات، من 33 بلدا، فيما تشكلت لجنة التحكيم من المخرج الإيطالي باولو سورينتينو، إلى جانب الممثل الفرنسي طاهر رحيم والمخرجة اللبنانية نادين لبكي والممثلة الألمانية-الأميركية ديان كروغر، والمخرج الأسترالي جاستن كورزيل، والممثلة البريطانية فانيسا كيربي، والمخرجة المغربية ليلى المراكشي.