في حوار سابق للراحل عبد الحق لمريني مع جريدة «الاتحاد الاشتراكي»: إدارة التشريفات والأوسمة الملكية ،المسيرة الخضراء عبد الرحيم بوعبيد والأدب المغربي

في حوار مع جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، أجراه الإعلامي عبد الإله التهاني سنة 2007، يتحدث الراحل عبد الحق لمريني عن لحظات التحاقه بإدارة التشريفات الملكية في عهد الجنرال الراحل مولاي حفيظ العلوي، عن قضية الصحراء المغربية، عن القائد عبد الرحيم بوعبيد، عن قضايا الثقافة والأدب. ننشر هنا مقتطفات منه.

o قضيتم عقودا متواصلة من الزمن في خدمة القصر. كيف جئتم إلى إدارة التشريفات الملكية؟

n عن لحظات التحاقه بإدارة التشريفات الملكية في عهد الجنرال الراحل مولاي حفيظ العلوي، يقول المريني: «كنت عام 1965 قد غادرت على التو منصبي، كرئيس لديوان نائب كاتب الدولة في التعليم التقني وتكوين الأطر، وذلك بعد أن عرف المغرب تشكيل حكومة جديدة، فعدت إلى استئناف العمل ضمن السلك الأصلي الذي أنتسب إليه كأستاذ، حيث جرى تعييني بثانوية للاعائشة بالرباط. وبموازاة مع ذلك كنت أقدم برنامجا في التلفزة المغربية حول تاريخ الجيوش المغربية، معززا بصور وخرائط من الأرشيف، لأنني في هذه الفترة بالذات، كنت منهمكا أيضا في إعداد مادة كتابي «الجيش المغربي عبر التاريخ»، الذي صدر في ما بعد. وكان أن توقفت ضمن إحدى حلقات البرنامج التلفزي المذكور، عند كفاح الجنود المغاربة لنصرة الحلفاء، وخاصة إبان الحرب العالمية الثانية، وأظهرت بما يكفي من التوضيح والإشارات، أن هؤلاء الجنود لم يذهبوا للقتال إلى جانب جيوش دول استعمارية، وإنما هبوا لنصرة الحرية والتحرر، ولمقاومة المد الزاحف للدكتاتورية النازية والفاشية، ورغبتهما المجنونة في الاستبداد والهيمنة على العالم أجمع. ويبدو أن هذه الرسالة، التي كانت ذات دلالات قوية من الناحية السياسية، قد التقطت جيدا، وتركت شعورا بالإنصاف في حق ما قام به الضباط والجنود المغاربة في معارك الحرب العالمية الثانية ضمن جيوش الحلفاء. وهكذا تسارعت التطورات، حيث أبلغني الأستاذ أحمد بنسودة، وكان وقتئذ مديرا للإذاعة والتلفزة، بأن الجنرال المرحوم مولاي حفيظ العلوي، وكان حينئذ مديرا للتشريفات الملكية والأوسمة، يطلبني باستعجال، فكان أن ذهبت لمقابلته، لأفاجأ بعد جلسة تعارف، أنه يقترح علي الالتحاق للعمل بإدارة التشريفات الملكية والأوسمة، فكان ذلك هو بداية عملي بالقصر الملكي، ومعه بدأت تجربة جديدة في حياتي ومساري، منحتها الوفاء والإخلاص والثبات وتقدير المسؤولية، ومنحتني هي بدورها من الخبرة والتجربة والمعارف الجديدة، فوق ما كنت أتصور. إنها مدرستي الحقيقية…»

o عملتم لسنوات طويلة قريبا من الملك الراحل الحسن الثاني ، كيف عشتم حدثا تاريخيا كبيرا من حجم المسيرة الخضراء ؟

n لقد كانت بداية التحضير للمسيرة الخضراء بالقصر الملكي بفاس وكنت أشعر أن حدثا تاريخيا سيرى النور قريبا، دون أن يعلم أي أحد كنهه وطبيعته ثم كان الانتقال إلى مدينة مراكش ، وجاء الخطاب الملكي التاريخي الذي أعلن عن حدث المسيرة الخضراء وبعد ذلك كان التوجه إلى مدينة أكادير وفي الصباح الباكر من يوم السادس من نونبر 1975، اتجهنا مع جلالة الملك المغفور الحسن الثاني رحمه الله إلى مكان ما في أكادير، وكان رحمه الله مرتديا جلبابه الأخضر ، ومن هناك أمر جلالته بواسطة جهاز اللاسلكي ، وزيره الأول وقتئذ أحمد عصمان بأن يفتتح انطلاقة المسيرة الخضراء قائلا :»عصمان باسم الله مجراها ومرساها « وكانت بالفعل لحظة تاريخية ومؤثرة ،اقشعر لها بدني ودمعت عيني وحمدت الله أن أسعدني الحظ، فحضرت لحظة إصدار القرار الملكي بانطلاق هذه الملحمة التاريخية،التي غيرت مجرى الأحداث وأعادت للمغرب صحراءه وبعد هذا كانت العودة إلى مراكش، فتقاطرت على القصر الملكي وفود من رجال الصحافة من مختلف أنحاء العالم ، حيث كان جلالة المغفور له الحسن الثاني يخصص لهم ندوات ، يشرح فيها أهداف هده المسيرة ومقاصدها السلمية النبيلة،وذلك باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية. وكم كانت رغبتي شديدة للمشاركة في المسيرة، ولكن لم يقدر لي ذلك بحكم ارتباطاتي اليومية بالعمل الرسمي. وأذكر أنني كتبت مقالة عن هذا الحدث العظيم ،نشرته بإحدى الصحف الوطنية اليومية، تحت عنوان «مدرسة المسيرة «، كما كنت كتبت مقالا آخر في نفس الموضوع ، تحت عنوان «السيف والقلم في ملحمة الصحراء المغربية « نشرته بمجلة «دعوة الحق» في إحدى المناسبات السنوية المسيرة . وما زلت إلى الآن أتذكر أن الملك المرحوم الحسن الثاني، كان في إحدى خطبه بمناسبة حلول ذكرى المسيرة الخضراء، قد قال ما مفاده ،أنه يستخلص من المسيرة الخضراء شيئين اثنين ، الأول هو أن المطالبة بالحق أمر واجب وشرعي، أما الشيء الثاني فهو أنه كلما اكتست المطالبة طابعا سلميا وروحيا وروحانيا، إلا وكانت أليق وأسلم وأصح وأنجع، وهذا غيض من فيض، مما أذكره عن حدث عظيم، من حجم المسيرة الخضراء.

o درستم بمعهد الدراسات المغربية العليا، قبل أن تحل مكانه كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. ماهي ذكرياتكم عن هذه المؤسسة العلمية التي أنشأها الفرنسيون على عهد الحماية، ومر منها العديد من أفراد النخبة المغربية؟

n لقد تأسس هذا المعهد في الثلاثينات، ودرس به عدد من موظفي المخزن، مغاربة وفرنسيين، وكانت تلقى فيه دروس حول تاريخ المغرب وجغرافيته، وطقوس مجتمعه، ومختلف فنونه كما كانت تلقن فيه أيضا، دروس في علوم اللغة العربية والترجمة وفي اللهجات الأمازيغية، بل وحتى دروس في الدارجة المغربية التي كان الموظفون الفرنسيون ينكبون على تعلمها ودراستها. وبالنسبة لي فقد التحقت بمعهد الدراسات المغربية العليا في الخمسينات، حيث تابعت دروسه المسائية في شهادتي البروفي ثم الدبلوم وقد أحرزت على هذه الشهادة الأخيرة سنة 1960 وكان من الأساتذة التي درست عليهم في هذه الفترة، الأستاذ «لويا» في علم الترجمة، الذي سبق لي أن تتلمذت عليه في ثانوية «مولاي يوسف» بالرباط وما زلت أذكر جيدا ، كيف كان يحلو له أن يقرأ علينا، بعض محفوظاته الشعرية العربية بلكنته الفرنسية كما كان من بين أساتذتنا المؤرخ «لوي مييج» ،المختص في تاريخ العلاقات المغربية الأوروبية، على المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية،وله مؤلف في هذا الصدد يقع في عدة أجزاء وكان المستشرق والمؤرخ الكبير «شارل أندري جوليان» ،هو مدير هذا المعهد ولما حصل المغرب على استقلاله، كان الأستاذ محمد الفاسي رحمه الله من مؤسسي أول كلية للآداب والعلوم الإنسانية بالمغرب المستقل، وهي التي عوضت المعهد المذكور.

o بحكم مهامكم الرسمية ، واهتماماتكم الثقافية، أنتم جايلتم عددا من كبار رجال الدولة والفكر والسياسة، ويهمنا أن نعرف انطباعاتكم وشهاداتكم حول هذه الشخصيات، في صيغة مركزة تختزل أهم ملمح فيها؟ والبداية من :
o الزعيم علال الفاسي؟

n هذا بحق عالم موسوعي ، وشاعر هادئ ، وزعيم سياسي ماهر.

o عبدالرحيم بوعبيد ؟

n من رجال الحركة الوطنية الأفذاذ كان رجلا مخلصا في الدفاع عن مبادئه، وعن مصلحة الوطن العليا .

o محمد بلحسن الوزاني ؟

n زعيم وطني كبير ، وكاتب نحرير باللغتين العربية والفرنسية، وقانوني متضلع

o عبدالهادي بوطالب؟

n عالم مطلع ، وسياسي محنك ، وكاتب بارع .

o الحاج امحمد باحنيني؟

n رجل الأدب والقلم الرفيع والنثر الفني البديع.

o عبدالله كنون:

n رائد الثقافة المغربية ، وعالم كبير في الدراسات الإسلامية وكاتب متألق، ومؤرخ محقق وفقيه مميز في علوم اللغة العربية.

o محمد المختار السوسي؟

n فقيه موسوعي ، ووطني غيور على بلاده ، ومنقب دقيق في تراث وتاريخ المغرب أسدى بكتابه الرئع «المعسول» ، خدمة جليلة لثقافة وتاريخ المغرب ، وهي خدمة لا تقدر قيمتها بثمن ، حيث أصبح كتابه المذكور مرجعا لامحيد عنه، لكل الباحثين في التاريخ الثقافي والحضاري والسياسي للمغرب.

o عباس الجراري؟

n عميد الأدب المغربي بدون منازع ، بفضل كتاباته ومؤلفاته وإشرافه على عدد من الأطروحات والرسائل عن الأدب المغربي ، لباحثين من مختلف الأجيال والحساسيات الثقافية والمشارب الفكرية، عرف المغاربة والمشارقة الشيء الكثير عن الثقافة المغربية ، التي كانت في جزء كبير منها، حبيسة الرفوف والمخطوطات

o محمد الفاسي؟

n مثقف موسوعي ، كان له فضل التعريف بالعديد من الفنون المغربية الشعبية ، وكذا بمظاهر الحضارة المغربية ، سواء في الداخل أو الخارج

o محمد المكي الناصري؟

n رجل علم وسياسة ووطنية صادقة خدم العلم وساهم في سياسة بلده ،بتفان وإخلاص ونكران للذات. وقد عاش زاهدا قانعا بما أعطاه الله.

o محمد عزيز الحبابي؟

n من كبار فلاسفة المغرب، وأحد الروائيين المميزين ، والكتاب البارعين .

 


بتاريخ : 04/06/2025