في حوار مع الأستاذ محمد كمال مهدي، رئيس فريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بجماعة تطوان ونقيب هيئة المحامين بتطوان

نمارس المعارضة داخل مجلس جماعة تطوان، مستحضرين مصلحة المدينة أولا وأخيرا

 

مرت ثلاث سنوات على انتخابكم مستشارا بالجماعة الترابية لتطوان، ورئاستكم لفريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض في مجلسها، ما هو تقييمكم لنصف المدة المنتهية؟

صحيح، مرت ثلاث سنوات من عمر هذا الانتداب، وأستطيع القول إننا في الانتخابات الجماعية الأخيرة، كنا نطمح ونتوقع الحصول على عدد مقاعد أكبر مما حصلنا عليه، لكن لجوء بعض الأحزاب لاستعمال الدين (كمشترك بين عموم المغاربة) عبر الدعوة والإحسان، أدى إلى منعنا، كما أحزاب وطنية عريضة أخرى، من تحقيق غايتنا، وهو ما نتج عنه تكريس رئاسة الجماعة في يد حزب العدالة والتنمية، مما أدى إلى تسييد أسلوب تدبير أحادي لا يؤمن بالديمقراطية إلا كوسيلة للاستفراد بالمسؤولية، وعند استفرادها، يستعملها كحيلة أو وشاح يزين بهما ظاهريا أسلوب التدبير الذي استقر في وجدانه وفكره الجماعي. وهذا ما دفعنا إلى الاصطدام منذ الوهلة الأولى مع رئاسة المجلس، واستمر ذلك، عندما تصدينا لمحاولة استعمال المال العمومي، في تمويل بعض الجمعيات ذات الخلفية الدينية والخيرية الدائرة في فلك الحزب المسير، كأحسن جزاء لها على دعمها لهذا الأخير في الانتخابات، وكضمان لتأبيد هذا الدعم، لينتج مفاعيله في الاستحقاقات المقبلة. وعموما، فإن إمكانياتنا البشرية كفريق صغير، وفي ظل شح المعلومة، يجعل دورنا كمعارضة ضعيفا أمام الأغلبية الواسعة التي يحظى بها المكتب المسير للجماعة ورئيسها.

يلاحظ بعض المراقبين أن دوركم في المعارضة، انحسر وتراجع لصالح معارضة جديدة داخل مكتب ومجلس الجماعة يرأسها النائب الأول للرئيس؟

غير صحيح، حيث إن المعارضة التي نمارسها، تقوم على مبادئ، وعلى خلفية الاختلاف مع مرجعيات وأساليب التدبير العمومي التي ينهجها حزب العدالة والتنمية، على مستوى المؤسسات التمثيلية، ونمارسها كذلك مستحضرين لمصلحة المدينة أولا وأخيرا، فنصوت على الصالح ونرفض ما نعتبره مندرجا ضمن خلفيات ذلكم الحزب التي أشرت إليها، أما ماوصفتموه بمعارضة جديدة، فلا يعدو أن يكون خلافا بين حلفاء الأمس أعداء اليوم، ويكتسي في عمومه لباس صراع شخصي بين أفراد اختلفوا حول تدبير الرخص أو قسم من أقسام الجماعة، لا أقل ولا أكثر، لكنه في الأول والأخير خلاف داخل الأغلبية المسيرة التي يجب أن تحاسب بكامل مكوناتها السياسية عن نتائج تدبيرها للشأن العام المحلي .

صرح رئيس الجماعة في إحدى ندواته الصحفية، بأن اقتصاد مدينة تطوان يختنق، وقد رد عليه بشكل غير مباشر عامل الإقليم بنقيض ذلك، ما رأيكم؟

أولا، من الصعوبة بمكان الحديث عن اقتصاد خاص بتطوان، في ظل العمل بالجهوية، إذ أضحت تطوان جزءا من نسيج اقتصادي جهوي، يتوخى التكامل بين عموم تراب الجهة، فأضحت كل مدينة من مدن الجهة، تقوم بدور قد يختلف عن أدوار المدن الأخرى، لكنها أدوار تتكامل بتقوية اقتصاد الجهة، الذي إن تقوى يجب أن يعود ناتجه بالنفع على كامل النفوذ الترابي لجهة طنجة- تطوان- الحسيمة. وبالتالي، لا يستقيم الكلام عن اقتصاد كل مدينة على حدة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، من يتكلم عن اختناق اقتصاد المدينة يجب أن يستحضر وضعية الاقتصاد الوطني عموما، إذ أننا لسنا أمام مدن مستقلة باقتصادها، من حيث مداخيلها وقنوات صرفها، أبدا، فحتى الجهات مازالت رهينة للاقتصاد الوطني، وهو أمر اختاره المغرب ويسير في اتجاه تحقيقه بالتدريج.
لهذا يمكنني الجزم بأن ما نعانيه كسكان لمدينة تطوان، من انحسار لفرص الشغل في صفوف شبابنا، واستمرار في لجوء العديد منهم إلى المغامرة في عرض البحر لبلوغ الضفة الأخرى للمتوسط، التي تعيش هي نفسها أزمات مالية واقتصادية، تراجعت في ظلها فرص الشغل للمهاجرين، وتراجعت معها كذلك الضمانات الاجتماعية، التي كانت توفرها لمواطنيها فبالأحرى للمهاجرين، هذا كله لا يجب أن يدفعنا إلى النفخ في خطاب التيئيس، ليزيد من حماس هؤلاء الشباب في معاداة وطنهم، والارتماء في حضن المجهول. لا، لا بد من إشاعة خطاب يروم تحسيس المسؤول والمواطن بالتحالف من أجل تجاوز أوضاع بلدنا الراهنة، وبالالتفاف حول كل المبادرات الرامية إلى تجسيد مضامين خطابات جلالة الملك المنتظمة في الدعوة إلى تحمل المسؤولية بروح مواطنة، ومن لا يلتمس من نفسه القدرة على ذلك، فليتوارى إلى الخلف، وليترك المجال للعديد من الكفاءات الشابة المفعمة بالأمل وإرادة العمل.
من هذا المنطق، فنحن في الاتحاد الاشتراكي حملنا في برنامجنا الانتخابي المحلي الدعوة إلى دعم الاندماج بين مكونات المنطقة الترابية، ووضع مخططات قطاعية جهوية تتكامل أدوارها، وأن المنحى التنموي الوطني والجهوي التصاعدي يتطلب، بالإضافة إلى الاستغلال الأمثل لمؤهلات مدينة تطوان ومواكبة الطفرة النوعية على مستوى البنيات التحتية والاستثمارات العمومية، التي ضختها بها من أجل تحسين جاذبية المدينة أكثر فأكثر وتقوية تنافسية اقتصادها وخلق مناطق صناعية وإنعاش المناطق الموجودة في المدينة، مع تنويع الاقتصاد بالمدينة وعدم جعله رهينا لنشاط معين دون آخر، كما يتطلب بصفة استعجالية ضرورة إعادة النظر في المنطقة الصناعية الحالية التي أصبحت عبئا على المدينة والاقتصاد المحلي، هذا إلى ضرورة إحياء وإنعاش المحطة الصناعية المندمجة “تطوان شور” الخاصة بالأنشطة الخدماتية وأنشطة ترحيل الخدمات “الاوفشورينغ”، والتي كان يراهن عليها أن تستقطب وحدات لترحيل الخدمات، وتساهم في توفير فرص الشغل لأبناء المنطقة، بالإضافة إلى المنطقة الصناعية واللوجيستيكية “تطوان بارك” والتي من المفروض أن تتكامل مع الميناء المتوسطي، حيث إن هذه الفضاءات الاقتصادية، التي تتوفر عليها مدينة تطوان، لا يجب أن تلقى نفس مصير المنطقة الصناعية بمرتيل، بل يجب أن تتكامل مع محيطها الجهوي.
فالمدينة ومسؤولوها مطالبون بوضع تصور استثماري تنموي بمواصفات اقتصادية حديثة مع تشجيع المستثمرين، عبر آليات تحفيزية، على ضخ رؤوس أموال قادرة على إخراج المجال من طابعه التقليدي المعيشي إلى قطاع قائم الذات يضطلع بدوره كاملا كأحد مقومات الاقتصاد الجهوي وأساس التنمية الاجتماعية، مع ضرورة تسريع تنزيل المخطط الجهوي للاقتصاد التضامني، وتقوية مكانة الصناعة التقليدية في النسق الاقتصادي المحلي، مع خلق ميكانيزمات تعاقدية تكفل للتعاونيات العاملة في المجال، وتحسين المردودية، وضمان تسويق المنتوجات ضمن اقتصاد جهوي مندمج متكامل الحلقات، وكذا تنفيذ مخطط جهوي للسياحة، يلامس خصوصيات السياحة الجبلية والشاطئية والدينية والتجارية والثقافية، لجعل الجهة بمدنها وقراها، وجهة سياحية رائدة، وذات تنافسية عالمية، وهذا يتطلب أيضا إعادة صياغة دور مطار سانية الرمل، الذي يجب أن يكون أداة في تنمية السياحة بالمدينة، والخروج به من منطقة الظل التي يعيش داخلها حاليا.

كيف هو حال الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اليوم ؟

الاتحاد يقوم على فكرة تجسدت تاريخيا في برامج ومواقف، بنيت على فكر علمي، وتقوم على الالتحام بالجماهير الشعبية، والدفاع عنها وعن قضايا الوطن، وهو باق على هذه الحال، وتلكم الفكرة، ما زالت ثابتة في وجدان كل الاتحاديات والاتحاديين، أكانوا مرتبطين بالحزب تنظيميا، أم اختاروا البعد عنه لأي سبب كان، لكنهم جميعا يحملون الاتحاد في وجدانهم، وهم منتشرون في حقول المعرفة والسياسة والاقتصاد والمجتمع المدني وفي الحركة الحقوقية، فأنت لا تكاد تجد مؤسسة عمومية، سواء خاصة أو جمعية، إلا ووجدت فيها اتحادية أو اتحاديا يروج لفكرة الاتحاد دونما حاجته إلى رجوعه إلى المقر الحزبي. وحزب بهذا التجذر الشعبي والمؤسساتي، لا يمكنه إلا أن يكون في أفضل حال.
لكن سؤالكم ربما يشير إلى ما تتداوله بعض الأوساط، حول تراجع الاتحاد الاشتراكي عدديا على مستوى البرلمان والمؤسسات المنتخبة، وهذا أمر كثيرا ما تصدى له بالجواب قائدنا الأخ إدريس لشكر، في العديد من المناسبات الحزبية والعامة وعلى مستوى الإعلام.
إن هذا التراجع يعتبر أمرا عاديا في السياسة وفي معرض تداول الأحزاب على السلطة أو المسؤولية، والاتحاد تحمل المسؤولية في ظرفية مغربية صعبة، تصدى لها المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، الذي قاد تجربة التناوب، وكانت بشهادة الجميع من أعلى مستويات الدولة إلى أدناها، تجربة رائدة على مستوى التدبير، لكن حزبنا أدى ضريبة تلكم التجربة وما تلاها من مشاركات في الحكومات التي أعقبتها، ومعلوم أن من يتصدى للمعارضة، ليس كمن يتصدى للمسؤولية بإكراهاتها المتعددة، التي من أهم آثارها تراجع شعبية الحزب، الذي يتربع على واجهة المشهد السياسي والسلطة. وأوضح المقارنات في الأحزاب الاشتراكية الأوروبية وعلى رأسها الحزب الاشتراكي الفرنسي، ونفس الحال بالنسبة للحزب العمالي الإسباني، هذا أمر مألوف إذن، ولا مجال فيه للتشفي أو الانتقاص من قيمة حزبنا، الذي ما زال يسود الوجدان المجتمعي، وما زال مناضلونا يتواجدون بكثافة وكفاءة داخل المجتمع وكافة تعبيراته المدنية والحقوقية، بل ومنهم من يتصدى بفعالية قل نظيرها لقضايا وطننا الكبرى وعلى رأسها قضية الصحراء. فالاتحاديون، يقومون بعمل منتظم وواع وعلى درجة كبيرة من الاحترافية على مستوى تفنيد ودحض كل أطروحات البوليزاريو والجزائر، إعلاميا وفي كل المحافل والفعاليات الأممية والدولية. نحن حزب يمثل القوات الشعبية، كما هو حزب وطني ناضل من أجل الاستقلال والتحرر، فلا مجال للحكم عليه بعدد المقاعد في البرلمان أو البلدية، بل بفعله الممتد تاريخيا، لخدمة شعبنا ووطننا، ومازلنا على ذلك ثابتين.
ولا شك في أنكم تتبعتم فعاليات مؤتمرنا الأخير، الذي انتخب فيه الأخ إدريس كاتبا أولَ، في عملية ديمقراطية كان الاتحاد سباقا إليها، وما أثير حول انتخابه من لغط، لكن في الأخير، استقر وضع حزبنا بل اختار كما انتقد مسار المؤتمر، أن يبقى في صفوف حزبه، وهم قيادات رفيعة، وهم الآن على وفاق تنظيمي، يرأسه كاتب أول، لم يأت بالصدفة أو بمظلة، وإنما أفنى جل عمره في الاتحاد، وناضل في كافة معاركه، وتدرج في سلم مسؤولياته من الحركة الطلائعية إلى الشعبية الاتحادية …….وإلى الآن، حيث أصبح مسؤولا أول صامدا في وجه كل التشويه والتشويش.

أثير مؤخرا، كونكم نبتم عن رئيس الجماعة الحضرية لتطوان، في الشكاية التي تقدم بها في مواجهته النائب الأول أمام المحكمة الابتدائية بتطوان، رغم أنكم في المعارضة؟

أولا، أنا أميز كثيرا بين عملي كمحام، وبين عملي الحزبي، أو الفعل السياسي الذي أقوم به. فأنا كمحام، لا أميز بين من يوكلني بسبب الانتماء السياسي، وما إذا كنت منسجما أو متفقا معه أم لا. بل أمارس مهنتي بمنأى عن الاعتبارات السياسية، إلا عندما أتطوع للدفاع عن ضحايا خرق حقوق الإنسان، أو حرية التعبير أو قضايا الاعتقال السياسي، فهذه قضايا أسارع للدفاع فيها بخلفيتي السياسية والحقوقية أمام غيرها من القضايا العادية، فمن وكلني لأنوب عنه، لا أستحضر فيه انتماءه السياسي مطلقا، وإلا لامتنعت عن النيابة عن عشرات الموكلين ممن ينتسبون لأحزاب وحركات سياسية مختلفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وقد آزرت متهمين في قضايا إرهابية أيضا، لهذا من يرغب في أن يستغل هذا الأمر المهني الخاص في خلافه مع موكلي هذا، أنصحه بالعودة إلى تاريخي المهني ليتأكد له، أنني في ممارستي لمهنتي، أتجرد من الحسابات السياسية، والحمد لله أحظى بفضل ذلك بثقة مهنية من طرف الجميع، ونيابتي عن السيد محمد ادعمار لا تنفي الاختلاف معه سياسيا وعلى مستوى الجماعة إطلاقا. ولو كان من اشتكى به قد وكلني لتقديم الشكاية التي قدمها، لقدمتها، إن هي إلا اختيارات لا تمت بصلة للعمل السياسي.

سمعنا أن لجنة التفتيش التي حلت بالجماعة الترابية لتطوان، قد استمعت إليكم كممثل للمعارضة بم أفدتموها ؟

صحيح، والأمر عادي، لكون هذه اللجنة ترغب دائما في جمع المعطيات من كافة مكونات مجلس الجماعة ونحن من ضمنها، لكن عملها مطبوع بالسرية، ولا يمكنني إفشاء ما دار بيني وبين أعضائها حتى يصير أمر التفتيش وخلاصاته علنيا، فلكل حادث حديث .

يلاحظ العديد من المتتبعين أنه من خلال مجموعة من بلاغات هيئة المحامين بتطوان، أن هذه الأخيرة لها مؤاخذات على سير القضاء، فما تفسيركم لهذه البلاغات؟

هذه بلاغات عادية، استقر مجلس هيئة المحامين بتطوان على تعميمها، في أعقاب كل اجتماع لهذا الأخير، وفاقت العشرة لحد الآن خلال السنة الأولى، التي أشرفت على نهايتها من عمر هذا الانتداب المهني، وقد تناولت قضايا مهنية وعامة متنوعة ومتعددة، وما أشرتم إليه في سؤالكم لا ينفصل عن ذلك، إذ هو أمر عادي، ولا خصوصية أو تميز له عن باقي البلاغات الأخرى. ومن بين أهم مهامنا كمجلس للهيئة، أن نقيم الأداء القضائي المحلي، وأن نحميه من كل مس باستقلاليته التي أقرها دستور 2011، ولم يكن الأمر مرتبطا بوقائع بعينها أو بمحكمة دون غيرها، بل هو تقييم روتيني، يندرج ضمن علاقة التعاون والتشارك القائمة بين المحاماة والقضاء، إذ أن المحاماة بحكم القانون والواقع جزء من أسرة القضاء.
وتدبير شؤون المحاكم نشارك فيه كمجلس عبر آلية دائمة تسمى اللجنة الثلاثية، التي تنعقد بانتظام على مستوى محكمة الاستئناف برئاسة السيد الرئيس الأول لهذه الأخيرة، والسيد الوكيل العام بها والسيد نقيب الهيئة، والغاية دائما ، حسن سير العدالة بالإقليم.
وأستطيع التأكيد لكم، حتى لا يبقى في الأمر أدنى التباس، أن ما يجمعني بالمسؤولين القضائيين ومسؤولي هيئة كتابة الضبط، إنما هو الإرادة المشتركة في الدفع بهذا المرفق العمومي إلى الأحسن، هو على درجة كبيرة من التفهم لمشاكلنا كمحامين، ويعاملونني كصديق وشريك وأنا أحسبهم كذلك.


الكاتب : مكتب تطوان/ جواد الكلخة

  

بتاريخ : 03/12/2018