في حوار مع الأكاديمية صباح العتاب: عبد الكبير الخطيبي والأدب الكلاسيكي

في هذا الحوار مع الأكاديمية صباح العتاب، الجامعية المتخصصة في الأدب الفرنسي، بكلية الآداب (جامعة ابن طفيل، القنيطرة.)، تبسط العتاب علاقتها بأدب وبفكر الكاتب والسوسيولوجي الراحل عبد الكبير الخطيبي، الذي جمع بين الإبداع الأدبي والفكر الاجتماعي. كما تتوقف عند عدم إقبال الدرس الجامعي على دراسة أعماله بالشكل المطلوب وأحيانا بمبررات « تعقيد كتاباته، وميوله الفلسفية»، كعنصرين يمكن أن يثنيا القارئ عن اقتناء كتبه. و ترى العتاب أن هذه المبررات لا تمنع من أن يكون هذا الكاتب الاستثنائي مقترحًا أكثر للتلامذة والطلبة بهدف تفكيك الانطباعات المسبقة، والمتسرعة في أغلب الأحايين. كما تؤكد على أنه يجب علينا، أكثر من أي وقت مضى، أن نحرص على تقديم أعمال الخطيبي للأجيال الجديدة، التي تجهله لتتجدد روح الكاتب، وتجد أفكاره التقدمية أثرا وصدى.

 

– يتحدد كل أدب بكلاسيكياته. من هم الأدباء المغاربة الكلاسيكيون؟ وهل عبد الكبير الخطيبي مؤلف كلاسيكي؟
– بادئ ذي بدء، أستهل الجواب عن هذا السؤال بالإشارة إلى بعض المعايير التي تحدد «الكلاسيكيات». فهناك اللغة، و»نوعية» اللغة. «أربعة مكونات للكتابة الكلاسيكية في القرن العشرين: تنوع الأنماط الاقتراحية التي تتناوب، مع الالتزام بضرورة عدم إطالة الجملة كثيرًا، والملاءمة المرجعية المعجمية، ورصانة الأشكال والألعاب الكلامية، ووضوح التعيينات المرجعية. تجتمع هذه المعايير الأربعة لتحديد مقروئية نموذجية تسائل الجملة التجريبية الطويلة أو المفككة للرواد المبدعين،في النثر الفرنسي خلال القرن العشرين: بروست، سيلين، بيكيت، سيمون، ساروت، بينجيت…(1)
ولكن هناك أيضًا المؤسسة التعليمية، التي تكرس الأعمال الأدبية والمؤلفين، مما يمنح هؤلاء وأعمالهم هذه الإشارة المقدسة، التي يتحدث عنها بورديو: «إن التعارض هو تام بين الكتب الأكثر مبيعًا من دون آفاق مستقبلية، والكلاسيكيات، التي هي الكتب الأكثر مبيعًا على المدى الطويل، والتي تدين لنظام التعليم بتكريسها، وبالتالي ترويجها الواسع والمستدام…(2)
من الواجب القول، إن الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية فتي جدًا. والأدباء المغاربة من الجيل الأول والجيل الثاني معدودون على رؤوس الأصابع. لقد تم إدراج إدريس الشرايبي، وأحمد الصفريوي، ومحمد خير الدين فقط، في المقرر الدراسي،للسنة الأولى والثانية من سلك البكالوريا عام 2005 للاستفادة من «هذه الإشارة التي تكرس تقديس الأعمال ككلاسيكيات، من خلال إدراجها في المقررات.»(3)في الواقع، يدرج الكتاب الذين يعتبرون كلاسيكيين في الكتب المدرسية؛ ففي كتاب الثانوية الإعدادية يظهر نص واحد فقط للكاتب عبد الكبير الخطيبي، وقع عليه الاختيار، وهو عبارة عن رسالة وجوابها مأخوذين من كتاب:»مراسلة مفتوحة»(4)
ومع ذلك، تدرس بعض أعمال هذا السوسيولوجي في الجامعة، ولكن يترك الأمر لاختيار الأستاذ المكلف بالمجزوءة أو بمبادرة بعض الأساتذة الشغوفين بكتابته وفكره. في عام 1984، كان لي شرف اكتشاف هذا الكاتب، من خلال سيرته الذاتية: «الذاكرة الموشومة»، أثناء تكويني في المركز الجهوي للتربية ابن خلدون، بالرباط. ومع ذلك، لم يتكرر هذا الحظ خلال مسيرتي الجامعية، على الرغم من أنها كانت دراسات أدبية.
لكن في عام 2013 كان الأمر اكتشافا متجددا، من خلال روايته: «صيف في ستوكهولم» أثناء تحضيري لشهادة الماستر.
المؤلف الكلاسيكي هو أيضًا مؤلف، يعاد نشر أعماله بشكل مستمر وإعادة قراءتها. يكفي أن ننظر برامج الأقسام التحضيرية الفرنسية، التي تقترح في مقرراتها مؤلفين من القرنين السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين. للأسف، ليس هذا هو الحال مع كتب الراحل عبد الكبير الخطيبي، حيث أن العديد منها لم يتم إعادة نشره.
يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضًا، ترجمات العمل التي تشكل عنصرًا رئيسيًا في الإشعاع والانتشار والاستدامة. وأعتقد أن كتب الخطيبي حظيت بترجمة واسعة [لكنها غير كاملة] إلى العربية.
تشكل الجوائز الأدبية لحظات حاسمة للكاتب وأعماله. فقد تلقى الخطيبي جوائز مرموقة جداً مما يشكل تقديرًا وتكريسًا من شأنه أن يتيح لهذا السوسيولوجي إشعاعا أكبر في المجتمع المغربي.
الخطيبي بوصفه سوسيولوجيا هو جزء من الكلاسيكيات؛ بما أنه يشكل مرجعًا،ولعب دورًا حاسمًا في تجديد الفكر وتحديث المجتمع المغربي.

– أي سر في كتابات الخطيبي؟
– للراحل الخطيبي إنتاج متنوع، يتراوح بين الدراسة السياسية والتخييل الروائي. مرونة وسلاسة بين الأنواع تظهر قوة الإبداع والفكر لديه. في عام 1971 تم نشر أول إنتاج أدبي له على شكل سيرة ذاتية.
«الذاكرة الموشومة». ستتبعها عدة روايات ودراسات، تتناول علم اجتماع السياسة والعلاقات الاجتماعية…
لكن إذا كان هناك كاتب مغربي، سكنته مبكرا مسألة اللغة والازدواج اللغوي والتحاب، فإنه هو بالتأكيد. كانت لديه هذه الخصيصة، في استكشاف مناطق جديدة غير مطروقة. هو مثل أسلافه تمامًا، يكتب سيرة ذاتية، غير أنه يفعل ذلك بطريقته المميزة:
«هذه رواية سيرة ذاتية (…) لكن اللافت للنظر والجديد هنا، هو قوة كثافة العالم الشعري، والانزياح عن السردي التقليدي، وجرأة المعالجة التي يُخضع لها الكاتب اللغة الفرنسية. يتم الكشف عن هوية واختلاف الثقافات في عنف الكتابة ذاتها «التحرر الذاتي من الاستعمار»، كما يقول الخطيبي، يتعلق بجميع البشر». ويضيف الناشر في النهاية: «يقطع الكاتب مع الرواية المغاربية التي، باستثناء بعض النصوص النادرة، اكتفت غالبًا بتقليد النماذج الغربية.»(5)
حساسية وحدس محددان وجها قلم الخطيبي. هذا الرجل المولع بالفن والخط العربي، قد انغمس في جوين مختلفين، إن لم يكن متنافيين، مما أدى إلى كتابة مختلفة، والتي بالتأكيد أعجبت العديد من المثقفين، ولكنها أيضًا تصنف الخطيبي من بين الكتّاب الذين تصعب قراءة كتاباتهم، والذين نادرا ما يقرأون اليوم.

-وُلِدت غدًا». ما معنى هذه العبارة الخطيبية؟
– كان الخطيبي يُعطي القارئ مكانة مهمة. كان يكتب، كما يقول مع ظل القارئ من فوق الكتف.
«ولدت غدًا» عبارة تعني تلك الولادة المستمرة والأبدية، التي تتجدد من خلال وجود القارئ وفعل القراءة. بالنسبة لهذا السوسيولوجي، فإن الكتابة هي تأكيد للخلود وضمان له. في كل مرة يفتح فيها القارئ كتابه، يحدث إعادة تجسد(تناسخ). يتمازج فعل الكتابة وفعل القراءة تمازجا وثيقًا. اليوم، يجب علينا،أكثر من أي وقت مضى، أن نحرص على تقديم أعمال الخطيبي للأجيال الجديدة، التي تجهله لتتجدد روح الكاتب، وتجد أفكاره التقدمية أثرا وصدى.

– أستاذة العتاب اشتغلت في السنة الثانية من الماستر في جامعة محمد الخامس بالرباط على رواية عبد الكبير الخطيبي: «صيف في ستوكهولم». ما هي الاستنتاجات المستخلصة من هذا البحث؟
أنا مدينة لأستاذي حسن مستير، أستاذ الأدب المغاربي، فهو من اقترح علي أن أشتغل على رواية «صيف في ستوكهولم» للراحل الخطيبي، كان ذلك في عام 2013.
– هو أول اتصال لي مع رواية تعتبر «تجربة قصوى» من قبل الناقد المتخصص في الأدب المغاربي «تشارلز بون». اكتشفت رواية كُتبت في عام 1991، وهي تخييل تستكشف طريقة جديدة للكتابة حيث يختفي الكاتب تمامًا، يحاول بكل الوسائل الطرائق إخفاء هويته العربية، المغاربية، الثالثة عالمية (طمس معالم الطريق) للتشويش على المتلقي الذي قد يضع تصنيفات ونماذج نمطية على مصدر نوع من الأدب. يتحدث الكاتب عن الحياد ويهدف إلى الحياد.
هذه الرواية التي تدور أحداثها في ستوكهولم، هي قصة ومغامرة مترجم محترف. فقط اسم الكاتب على الغلاف الأمامي يذكرنا بأن هذا الكتاب مكتوب من قبل كاتب مغربي، لا تعتبر اللغة الفرنسية لغته الأم.
«فكرت لحظة في عملي. حياة، جزء كبير منها قضيته في السفر! فكيف بمكنتي أن أعود إلى ذاتي؟ كيف بمقدوري أن أستعيد التوازن من دون فقدان نقط التوازن الخاصة بي؟ أفهم ولادتي في هذا العالم بسرعة تبعدني عن ماضيي وتغطيه، تفصلني عن مدينتي الأم وجذوري الاجتماعية، المتسمرة تقريبا على شاطئ أحد المحيطات. آه! لو أنضج دون أن أستسلم لهذه المسافة !(6)
يمكن أن نكتشف فيها فقط بعض المكونات من الهوية، والإشارات المجازية للتحلل والقدرة على التكيف وبالتالي الهروب من الهوية التي تعيق التقدم نحو العالمية. تترجم الرواية رؤى الكاتب. ومع ذلك، فإن هذه الرواية لم تحقق النجاح المتوقع على عكس روايات الخطيبي الأخرى، قليلون من يعرفونها.
الكتاب هو مرآة المجتمع، يتنفس من خلال مواطنوه، أنماط عيشهم، وحياتهم اليومية، وسعادتهم أو مآسيهم…»صيف في ستوكهولم» يبدو معلقاً، يصف أشخاصاً من بيئة أخرى، كأنهم غرباء عن أرضه. هذا الكتاب الذي يحمل رؤية ونموذجا اجتماعيا، يصعب التوفيق فيه بين مآزق، القصة الروائية، ومتاهاتها والمثل الاجتماعية.

– لماذا يجد الطلبة صعوبة في قراءة عبد الكبير الخطيبي؟
– يمتلك الخطيبي «كثافة في عالمه الشعري»، إنه سوسيولوجي يجمع بين الإبداع الأدبي والفكر الاجتماعي. يستكشف قلمه مجالات معرفية متنوعة، ومع ذلك، يشير بعضهم إلى تعقيد كتاباته، وميوله الفلسفية، وهما عنصران يمكن أن يثنيا القارئ عن اقتناء كتبه. ومع ذلك، يجب أن يكون هذا الكاتب الاستثنائي مقترحًا أكثر للتلامذة والطلبة بهدف تفكيك الانطباعات المسبقة، والمتسرعة في أغلب الأحايين.

– أية أدوات لقراءة الخطيبي وفهمه جيدا؟
– القراءة هي مسألة دربة وتعود. تقديم نصوص قصيرة والتوقف عندها وتحليلها… يجعل من النصوص الخطيبية ميسرة وقابلة للتداول وجذابة.

– هل يقرأ طلبتنا الخطيبي؟ وهل يمكننا الحديث عن إرث لدى تلامذنا وطلبتنا، خاصة بين الكتّاب الشباب؟
– هي نخبة [محدودة] من تقرأ أعمال خطيبي. ومع ذلك، فإن عدم معرفة هذا الكاتب قد يكرس هذه السمعة، بأنه غير ميسر ومعقد. الشباب لا يعرفون الخطيبي لأنه اسمه غير مدرج في المقررات الدراسية والجامعية. غياب البرامج الأدبية والثقافية والعلمية التي تعطيه حضورا، من شأنه أن يبدد جزئياً هذا الجهل.
8-ما هي الأعمال الخطيبية التي تقترحونها لتضمينها في المقرر الوطني المدرسي؟
1-الذاكرة الموشومة2- ثلاثية الرباط 3- مراسلة مفتوحة، مع غ. الخياط
ملاحظة: يمكن أيضًا تضمين الدراسات في المنهاج الجامعي.

– أنجزت استطلاعًا للرأي بين مدرسي ومدرسات اللغة الفرنسية في المراحل الثانوي الإعدادي والتأهيلي، في الفترة من 2018 إلى 2019. بالنسبة للسؤال: «هل تهتمون بأدب الكتاب المغاربة الناطقين باللغة الفرنسية؟» في العينة «إناث»: 9٪ (لا تهتم على الإطلاق)، 61٪ (اهتمام قليل)، 30٪ (اهتمام كبير). في العينة «ذكور»: 13٪ (لا تهتم على الإطلاق)، 54٪ (اهتمام قليل)، 33٪ (اهتمام كبير). إذا قمنا بجمع نتائج عدم معرفة هذا الأدب، فإنها تصل إلى حوالي 70٪. هذا رقم يكشف كثيرًا عن الوضع الكتابي وثقافة الأدب وعادات القراءة لدى المغاربة. ما هي أسماء الكتاب المغاربة الذين قد يثير اهتمام هؤلاء المدرسين، الخطيبي على سبيل المثال؟
– الإجابات عن هذا الاستبيان، الذي أجريته خلال بحثي، تكشف عن جهل كبير بإرث الراحل الخطيبي، علماً بأن هذه الأسئلة تم طرحها على مدرسين من المفترض أن يكونوا على معرفة بالسوسيولوجي والكاتب المغربي.
في ما يتعلق بالسؤال: «اذكر الكتاب المغاربة الذين تعرفهم أو الذين أثروا فيك»، كانت الإجابات على النحو التالي: إدريس الشرايبي: 79%، الطاهر بن جلون: 76%، أحمد الصفريوي: 42%، محمد خير الدين: 39%، عبد الكبير الخطيبي وفؤاد العروي: 24%، عبد اللطيف اللعبي: 16%، محمد شكري: 13%، عبد الفتاح كيليطو وعبد الحق سرحان: 8%.
«أذكر روايات الكتاب المغاربة التي قرأتها أو اقتنيتها» «الماضي البسيط: 39٪ ، صندوق العجائب: 34٪ ، ليلة القدر: 32٪ ، الحضارة أمي وطفل الرمال: 27٪ ، كان يا ما كان زوجان مسنان يعيشان سعيدين: 24٪ ، الخبز الحافي: 19٪ ، الذاكرة الموشومة: 16٪ ، عشق اللسانين: 3٪.»
10- منشورات جائزة الشباب للكتاب المغربي. كلمة صغيرة عن هذا المشروع وما هو الحصيلة؟
** تنظم هذه الجائزة سنويًا من قبل شبكة القراءة في المغرب. يتم تقديمها للفائز خلال معرض الكتاب. توزع الكتب على الشباب، من مستويات مختلفة في مناطق مختلفة من المغرب. الهدف هو تشجيع الشباب على قراءة الإنتاج الأدبي المغربي باللغتين العربية والفرنسية. في هذا العام 2023، الكاتبة المعبرة بالعربية سلمى مختار أمانة الله هي الفائزة بالجائزة عن روايتها: «عمر الغريب». ومع ذلك، لم تمنح شبكة القراءة أي جائزة للرواية المكتوبة بالفرنسية؛ بسبب «نقص القراء»، هل يفسر هذا أن المنشورات مهمة في هذه السنة!

(*) الدكتورة صباح العتاب
جامعية متخصصة في الأدب الفرنسي، كلية الآداب (جامعة ابن طفيل، القنيطرة.)

 

 

هوامش:

1-Gilles Philippe et Julien Piat, La langue littéraire, une histoire de la prose en France de Gustave Flaubert à
Claude Simon, PARIS, Fayard, 2009, p. 313.
2-Pierre Bourdieu, Les Règles de l’art, Genèse et structure du champ littéraire, Paris, Seuil, 1991, p.245.
3-ibid.
4 -Ghita El khayat, Abdelkebir khatibi, Correspondances ouvertes, Rabat, Marsam,
5-Abdelkebir Khatibi, La Mémoire tatouée, Paris, Denoël, 1971, la quatrième de couverture.
6-6 Abdelkebir Khatibi, Un Eté à Stockholm, Paris, Flammarion, 1990,p. 3.


بتاريخ : 29/12/2023