في حوار مع الدكتورعبد الرحمان بلمامون، مدير مديرية الأوبئة بوزارة الصحة سابقا

الحالات والأرقام المصرح بها لا تعكس الحقيقة الوبائية

العملية التواصلية يجب أن يقودها أناس أكفاء وخبراء في هذا الجانب بالتأطير مع صحفيين

الوضعية الوبائية بملامحها الحالية، تؤشر على أننا سنبقى في هذه الوضعية شهرين إضافيين

 

قال الدكتور عبد الرحمان بلمامون، مديرالأوبئة بوزارة الصحة سابقا: «إن الوضعية الوبائية بالمغرب في الحقيقة ،حرجة حاليا، والمعطيات الوبائية تؤكد ذلك، لأنه لأكثر من ستة أو سبعة أسابيع،  نلاحظ أن حالات عدد الوفيات مضطرب، وهذا العدد من الوفيات مقارنة مع مجموعة من الدول الأخرى فهو في ارتفاع، حيث نسجل يوميا معدل 28 إلى 30 وفاة تقريبا يوميا». وأضاف الدكتورالخبير في الصحة العمومية: «أعتقد أن مشكل الكشف المخبري يخلق مشكلا بالنسبة للمريض، لأن عددا من المرضى يصلون للتحليل متأخرين وحتى بعد التحليل ينتظرون ثلاثة إلى أربعة أيام للتوصل بالنتيجة وهذه مسألة خطيرة لأنه كلما تأخرنا، كلما زاد خطر الدخول في خانة الحالات الحرجة وارتفع عدد الوفيات. هناك خلل في هذه المسألة».
ولإضاءة بعض النقط حول الوضعية الوبائية وإشكالية تدبيرها، كان لـ «الاتحاد الاشتراكي» هذا الحوار مع الدكتور عبد الرحمان بلمامون الخبير في مجال الصحة:

 

p ماهي قراءتك دكتور عبد الرحمان بلمامون للوضعية الوبائية الحالية في ضوء ارتفاع حالات الإصابة والوفيات؟
n بالنسبة للوضعية في الحقيقة هي حرجة الآن، والمعطيات الوبائية تؤكد ذلك، لأنه لأكثر من ستة أو سبعة أسابيع ،  نلاحظ أن حالات عدد الوفيات مضطرب، وهذا العدد من الوفيات مقارنة مع مجموعة من الدول الأخرى فهو في ارتفاع، حيث نسجل يوميا معدل 28 إلى 30 وفاة تقريبا يوميا. بالنسبة لي الأرقام الأخرى من عدد الاصابات كلها ليس لها قيمة في هذه الظروف الآن. لكن عدد الوفيات هو المؤشر الوحيد الذي يمكن أن يعطينا صورة عن تطور الوضعية الوبائية، وعدد الوفيات ألاحظ أنه شيئا ما مرتفع. كل الدراسات على المستوى العالمي بينت بأن «فوعة» الفيروس نقصت من ضراوتها  والأرقام التي تعلن عنها مجموعة من الدول، تؤكد ذلك.
وأعتقد بأن مسألة عدد الوفيات المرتفع، يمكن شرحه بطبيعة العناية الصحية وهذه مسألة مرتبطة بالفحوصات المخبرية  التي تتطلب وقتا كبيرا لأن الدراسات كلها في هذا الموضوع تؤكد أنه كلما تم التشخيص للداء بشكل مبكر، كلما أمكننا تجنب الحالات الحرجة.
أعتقد أن مشكل الكشف المخبري يخلق مشكلا بالنسبة للمريض، لأن عددا من المرضى يصلون للتحليل متأخرين وحتى بعد التحليل ينتظرون ثلاثة إلى أربعة أيام للتوصل بالنتيجة، وهذه مسألة خطيرة لأنه كلما تأخرنا كلما زاد خطر الدخول في خانة الحالات الحرجة وارتفع كذلك عدد الوفيات. هناك خلل في هذه المسألة.
بالنسبة للتشخيص يجب أن نفكر في صيغة ذكية لتجاوز هذه العملية. شخصيا لدي اقتراح قد يخلق جدلا، لكن أعتقد أنه في التجارب التي عشناها على مستوى التعامل مع الأوبئة، عندما ندخل في معمعمة الوباء، أعتقد أن الفحوصات المخبرية  ليست ضرورية.
ففي الدورية الأخيرة لوزارة الصحة تقول بأن الشخص إذا ظهرت عليه الأعراض أو كان من المخالطين، عليه الذهاب إلى المراكز الصحية أو العيادات  الخاصة والتي دورها تقييم وضعية المعني بالأمر لتشير إلى  إمكانية إصابته بالكوفيد وبعدها يرسلونه للمراكز المرجعية في المستشفيات. وفي هذه الحالة يقومون بإجراء الفحص المخبري فعوض أن يذهب المعني  بالأمر مباشرة للمراكز المرجعية، يمر عن طريق المراكز الصحية،  وهذه المسألة تأخذ وقتا كبيرا.
في الدورية الحالية، مع الأسف، مجموعة من الدول لا تقوم بها لكن بالنسبة لي ضروري ان نقوم بالفحوصات المخبرية، ويجب على المراكز الصحية أو العيادة  الخاصة والطبيب أن يتحملوا مسؤوليتهم في الكشف عن الإصابة من عدمها لكنها تبقى مشروطة بالتعريف الدقيق على المستوى السريري للداء  . وأي شخص  جاء للمراكز الصحية أو العيادة وكانت حالته قريبة من هذا التعريف، يمكنه بداية العلاج بالنسبة للحالات غير الحرجة. ولا يمكن إرسال للمراكز المرجعية، إلا الحالات الحرجة أو التي تستدعي ذلك كظهور أعراض جانبية أو أعراض تنفسية. هكذا سيتم التخفيف من الضغط على المختبرات ونتجنب تأخر استفادة المصاب من الرعاية الصحية ويزول الخوف.
ما نقوم به لا يتماشى مع الشعار الذي رفعناه « التعايش مع الفيروس « معناه أن الفيروس لا يشكل خطرا كبيرا. وهناك مشكل واحد وهو التأخر في العلاج الذي يخلق مشكلا. لذلك يجب البحث عن صيغة ذكية لحل المشكل لنحاول ضمان الولوج للرعاية الصحية بسرعة وهذا ما كنا نقوم به عند انتشار الأوبئة. وأكيد أن هذه المسألة ستخلق أزمة لأننا في فصل الخريف، والخريف تنتشر فيه أمراض أخرى شبيهة بكورونا لكن علينا الاجتهاد في وضع تعريف دقيق ومناسب للتعريف الذي وضعته المنظمة العالمية للصحة لأنه في تاريخ الأوبئة عندما ينتشر الوباء بشكل كبير لا نقوم بالفحوصات المخبرية بشكل شامل، بل نأخذ مثلا عينات من 10 أو 15 حالات مخبرية من أصل  500 فقط أولا لمعرفة هل التعريف الذي وضعناه صحيح.
والمسألة الثانية هي محاولة تتبع تطورالفيروس على المستوى الجيني، وهو ما يتطلب جرأة من أجل الوصول إليها.
هناك مشكل يومي كبير يتمثل في أن هناك عددا كبيرا من الحالات والأرقام المصرح بها لا تعكس الحقيقة الوبائية لأننا نصرح فقط بعدد الحالات التي وصلت للمنظومة الصحية، والذين أجروا الفحص المخبري والرقم القريب من الحقيقة، نوعا ما، هو عدد الوفيات، ولأن هناك من لديهم أعراض أو مخالطون ولا يقومون بأي إجراء لأنهم يعتبرونه زكاما أو انفلونزا. أيضا هناك أشخاص تظهر عليهم أعراض أو مخالطون، وبسبب بعد المختبرات، فإنهم لا يصلون إليها.
هناك مسألة خطيرة أيضا وتتعلق بالاشخاص الذين يجرون الفحوصات المخبرية وينتظرون النتائج أربعة أو خمسة أيام.

p هل هناك حل في القريب للوصول إلى التلقيح؟
n كنا نراهن على الحجر الصحي ولكنه يبقى جزءا وليس هو الحل. الحجر خيار ذكي لأن المغرب فطن الى أن منظومته الصحية «على قد الحال» ولأن الحجر الصحي الذي طبق بشيء من الصرامة والحجر فقط منع الفيروس من الانتشار وليس القضاء عليه،  أعطى نتيجة. لكن عندما تم رفع الحجر الصحي وجد الفيروس حريته المطلقة فانتشر بسرعة. طبعا هناك عوامل أخرى مرتبطة بسلوكات المواطنين  دون أن ننسى أن الاستراتيجيات التي وضعتها السلطات العمومية أو الصحية أبانت بأن بها نواقص، خصوصا على مستوى التواصل لأن الاستراتيجية التواصلية تنقصها المهنية وكنا نخبط في كل الاتجاهات لذلك يجب على السياسة التواصلية أن تستهدف الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، وحتى هذا الخيار مرتبط بالقراءات المتأنية للمعطيات، لكن المعطيات التي نتوصل بها غير كافية. ليس لدي فكرة واضحة وماهي الفئات المستهدفة بالمرض هل هم الشباب؟. الآن نسبة الشباب أكثر لكن هل الشباب أم كبار السن أم ذوو الأمراض المزمنة أو العكس؟. لا تتوفر لدينا كل المعطيات الكافية. هناك من يقول إن المرأة أقل عرضة للمرض ولكن ليست هناك دراسة دقيقة، هناك فرق ضعيف بين الذكور والاناث.الوضع الآن تغير، الوباء بدأ ينتشر في الأماكن التي توجد فيها كثافة سكانية وتجمعات بشرية كبيرة. فعلى المستوى الجغرافي، نجد أن المدن الكبرى هي المصابة بنسبة كبيرة وخصوصا الهوامش الكبرى والأحياء الشعبية بسبب الاختلاط والكثافة السكانية، وعدم احترام شروط الوقاية.

p ماهي الحلول المقترحة للتخفيف من حالات الإصابة؟
n الحل الوحيد اليوم هو احترام الضوابط الوقائية وهي التباعد الجسدي والنظافة والكمامة. فمثلا هناك من يستعمل كمامة لأكثر من ثلاثة أشهر مع العلم أنه لا يمكن استعمالها أكثر من أربع ساعات ثم النظافة نظافة الجسم ككل وليس فقط اليدين ليس بالشكل المرضي في انتظارعلاج نهائي له فعالية كبرى أو خروج اللقاح لحيز التداول. الآن هناك نقاش على المستوى العالمي، وهناك مختبرات متقدمة في هذا المجال كروسيا والصين ولقاح روسيا بين جودته لأن الفيروس ليس خلية هو مجموعة من الأدوات الجينية.

p ماهي التدابيروالإجراءات على ضوء ما وصلت له عدد الحالات ونحن على ضوء فصل الخريف الذي تظهر به أمراض مرتبطة بالجهاز التنفسي؟
n شخصيا لدي رسائل للسلطات العمومية أهمها: تبسيط مسطرة التكفل بالمرضى بإيجاد صيغة ذكية للولوج للعلاج بسرعة، ويجب خلق منظومة يمكنها أن تساعد على الولوج بسرعة للعلاج لضمان الحد أو التخفيف من عدد الوفيات لأن الأرقام مرتفعة وستبقى مرتفعة. الوباء بملامحه الحالية يؤشر على أننا سنبقى في هذه الوضعية شهرين إضافيين. وشهران ليست سهلة لأن المناخ تغير وهناك دخول سياسي واجتماعي، وهناك المؤسسات التعليمية التي يجب أن تشتغل. هي ظرفية دقيقة ومستحيل أن نوقف هذه الأمور أسبوعين أو ثلاثة وستبقى الأمور هكذا على الأقل إلى نونبر أو دجنبر . نسبة الوفيات ستبقى مرتفعة لأن أرقام  الحالات الحرجة بأقسام الانعاش وصلت لأكبر عدد منذ بداية الوباء مادام هناك 200 أو 300، فسنسمع يوميا 30 أو 40 حالة وفاة يوميا، وأخشى أن نتجاوز العدد. ما أريد قوله بالنسبة للقاح فإن الدول المصنعة أو المنتجة للقاح هي التي ستستفيد في أول الأمر، وسنكون نحن في المرحلة الثانية وحتى إن وصل للمغرب فسيكون استراتيجيا ولن يستفيد منه الجميع بل الساكنة الاستراتيجية. هذا نقاش مفتوح الآن فستستفيد الساكنة الاستراتيجية طبعا من موظفي الصحة، التعليم، الجيش، الشرطة، الدرك الى آخره، ثم الناس الأكثر عرضة للمرض والحالات الحرجة لذلك الإستفادة لن تكون إلا نهاية نونبر وبداية دجنبر في هذه المستويات. لذلك أقول يجب إعادة النظر في التكفل بالمرضى و إيجاد خطة سريعة تضمن لنا النجاح، وإعادة النظر في الاستراتيجية التواصلية، بحيث يكون التواصل مركزا ويستهدف الفئات المستهدفة. والعملية التواصلية يجب أن يقودها أناس أكفاء وخبراء في هذا الجانب بالتأطير مع صحفيين.
الوقاية يجب التركيز عليها بشدة بالإضافة الى الحد من التجمعات البشرية، والتشديد على الوحدات الصناعية والتجارية من ناحية تطوير الرعاية الوقائية والإجراءات الصارمة وإلا فلن نخرج من هذه المرحلة.


الكاتب : حاوره: مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 25/09/2020