سمير عبد الله ديلغادو، شاعرٌ وناقدٌ فني إسباني وُلد سنة 1978 في كناريا الكبرى بجزر الكناري من أبٍ لبناني وأُمٍّ كنارية. حصل على الإجازة في الفلسفة والآداب من جامعة لالاغونا بجزيرة تينيريفي. انتقل بعدها إلى شبه الجزيرة الإيبيرية لاستكمال دراسته بجامعة قشتالة لامانتشا وحصل منها على ماستر في الفنون الجميلة. شارك في عدة مهرجانات دولية للشعر بأوروبا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية. من إصداراته الشعرية: (آخرُ بطاقةٍ بريدية من جزر الكناري، 2006)؛ (كتابٌ ضد النار، 2009)، (انقسامُ الموز، 2010)؛ (مجرّةُ ويستيردال، 2014)؛ (جغرافياتٌ مُحيطة، 2017)؛ (حديقةٌ يابسة، 2019). فاز بجوائز شعرية عديدة آخرها جائزة مؤسسة أنطونيو ماتشادو بفرنسا مطلع العام الحالي عن ديوانه (رسالة كامبريدج). يعمل حالياً كأستاذ بمعهد الفنون العصرية في مدينة دورانغو بالمكسيك بعد استقراره منذ أربع سنوات في هذا البلد وحصوله على الجنسية المكسيكية،
– ما هو الشعر بالنسبة لك؟
– أعتقد أن الأدب والفن هي التعبيرات الأكثر أصالة عن الطبيعة الإنسانية، ما من حضارة إلا وقد شعرت بالحاجة إلى أن تسمو من خلال سحرية الرمز. أما الآن ونحن نعيش الغارة الكونية لتقنيات التواصل الجديدة، فأنا على يقين من أنّ الشعر هو آخرُ خنادق الطوباوية. إنه يُشبه هرطقاتِ العصور الماضية، لا بدّ لمن يكتب أن يتحمّل المخاطرة والتحدّي بأن يفعل ذلك مهما كلّفه الأمر. لعلّ الشعر هو آخر الأشياء المطلقة التي بقيت في حوزتنا.
– ما الذي جعل منك شاعراً؟
– منذ الصغر كنت أشعر بانجذاب خاص نحو الكتب والموسوعات، ولأنني عشت جزءاً مهمّاً من مراهقتي في جنوب جزر الكناري في ظل إمبراطورية سياحة الشاطئ والشمس، وجدتُ في الأدب شكلاً من أشكال البقاء على قيد الحياة. وبعد المشاركة في النضالات الاجتماعية والطلابية شعرتُ أيضاً بأن كونك شاعراً هو في حد ذاته طريقة لمواجهة عدم اليقين. بدأتُ الكتابة في شمال جزيرة كناريا الكبرى، على بعد أقل من كيلومتر واحد عن منزل الشاعر الكناري طوماس موراليس في بلدة مويا؛ هناك كنتُ أسمع النواقيس ذاتها كل مساء، ولم أتوقّف عن الاجتهاد في إيجاد صوت خاص بي.
– ما هي، في نظرك، الميزات التي يجب أن تكون في قصيدة جيِّدة؟
– في الواقع لا أعتقد بوجود قصائد سيِّئة. القصيدة كيفما كانت، تجمع دائماً ميزات ضرورية تجعل من الاهتزاز والحيرة والقلق ختم هويّتها. بعيداً عن الدوغمائيات المذهبية التي تُهدِّد الأدب، لديّ ثقةٌ كاملة في تعدُّدية الرؤى وتنوِّعها؛ لا يُمكن وضع قانونٍ يُقيِّد تجربة قصيدة أصلية ويجب أن يكون القارئ هو من يتملّك نبض أبيات الشعر في كل لحظة.
– ما الذي يجعل نصّاً ما قصيدة جيِّدة تُولد من أجل الخلود وتُقرأ ليس مرة واحدة فقط بل مرات عديدة؟
– ربما حمولتها الطوباوية، وصدقُ من يكتبها أيضاً؛ أنا أتخيّل دائماً إرنست همنغواي أمام الآلة الكاتبة وقريباً جدّاً منه تلك البندقية التي أعدم بها نفسه… أن يعيش الأديب مثلما يكتب يُمكن أن يكون هو الجواب للخلود الوحيد الممكن. أظنُّ أن هناك كُتباً تشبه مُسرِّع الجسيمات، من رواية (الحجلة) لخوليو كورتاثار إلى قصائد سيلفيا بلاث. لا شيء يبقى كما كان بعد قراءتها وهي تعود دائماً إلى حياتنا.
– أيُّ أشعار من أشعار الغير يُعجبك أن تكون أنت مُبدعها؟
– أشعر بقربٍ خاص مع شعراء من لغات وأصول أخرى؛ مؤخَّراً أقرأ الكثير من الشعر الأمريكي. على الأرجح، قصائد الشاعر الكناري فيليكس فرانثيسكو كازانوفا إذ تُشبه كثيراً النيزك البيمجري الذي يمرُّ قريباً جدّاً ويُعجبنا لو أنه كان مِلكنا؛ بعضٌ من لحظات بابلو نيرودا في ديوانه (النشيد العام)؛ ولماذا لا كُتّابٌ من جزر الكناري من قامة مانويل بادورنو الذي له نظرة أطلسية مبهرة ومؤثِّرة.
– في نظرك، هل من واجبات الشاعر الأخلاقية أن يستعمل إبداعه في النقد الاجتماعي؟
– أعود للتأكيد على فكرة التعدّدية، هناك قصائد نقدية جدّاً دون أن تُشير إلى شعارات أو ترفع رايات معيّنة. وكما قال الشاعر اليوناني أوديسو إليتيس، المهم ليس هو الاستثناء بل كيف يتمُّ تلقي القاعدة. وفي هذا السياق، يُمكن لقصائد مؤسَّسة على تأمل مناظر طبيعية أن تكون مناشير بيئية عميقة. نعم، أنا مع الواجب الأخلاقي للإبداع، ومع ذلك فلكلِّ فردٍ الحرية في اتخاذ موقف على رقعة شطرنج التاريخ. قبل عقد من الزمن، كان من نصيبي أن أكتب عن حرائق الغابات ومن تلك التجربة نشأ لديّ التزامٌ دائم مع الطبيعة ومع كوكبنا.
– من إقامتك البعيدة عن جزر الكناري، كيف ترى المشهد الأدبي الكناري الحالي؟
– حين أتحدّثُ في المكسيك عن الأدب الكناري، يكون التفاعل دائماً هو الاندهاش والتأمُّل؛ إن جزر الكناري تكتنز تقليداً أدبياً يعود لخمسة قرون. وبرغم كل شيء، فأنا أعتقد بأن الجزر تتألّق بنورها الخاص. هذا شيء والإهمال المؤسساتي والنقص في دور النشر والمجلات والمهرجانات شيء آخر. ومن الخارج أرى بقلق أن السنين والعقود تمضي وأننا نخسر الأفق الدولي شيئاً فشيئاً. لا أظن بتاتاً أننا في حاجة إلى ميزانيات المصارف الخاصة من أجل تنظيم لقاءات أدبية، لكن في المقابل يبدو لي أمراً حيوياً أن يتمّ دعمُ الحوار بين الأجيال وضمانُ حركية الكُتّاب بين الجزر ونحو الخارج بشكل أكثر كثافة وفعالية.
– هل تعتقد أن الأرخبيل الكناري يتميّز بجنس أدبي معيّن أو بتيار محدّد، بمعنى آخر، هل يوجد جنس أدبي أو موضوع أو أسلوب (رواية بوليسية، شعر…) يُمكن أن يُميَّز بطابع كناري؟
– كانت للشعر الكناري دائماً نبرتُه الخاصة، فهو يحتفظ في تعدُّديته بنبضٍ مميّزٍ يُقرِّبُنا إلى ضفاف أخرى. وفي الآونة الأخيرة، برزتْ أيضاً الروايةُ البوليسية وهذا أمرٌ إيجابي. في كل لحظة من تاريخ جزر الكناري كانت تُضاف لبنة إلى صرح الكونية، وهذا ما فعله الأدباء الفيتاسيون والطليعة السريالية وحركة الحداثة الأطلسية وأساطير أنطونيو دي بيانا وكايراسكو دي فيغيروا (مؤسس الأدب الكناري) والحركة الرومانسية لمدرسة لالاغونا وصوت الكاتبات الكناريات.
– هل يُؤثِّر المكانُ الذي نتواجد فيه على ما نكتب؟
-كنتُ في نيويورك قبل أشهر وقضيتُ مساءً كاملاً في مكتبة بروكلين، في الجانب المُخصَّص للشعر الأمريكي المعاصر. وجاءني إلهامٌ بأن نيويورك هي أيضاً جزيرة، كلُّ مكانٍ يتملّك أفقاً خاصاً به ويتطلّع إلى ربط الاتصال مع امتدادات أخرى. وحدث معي نفس الشيء حين كنتُ في أرض المايا، جنوب مدار السرطان، وأنا أقرأ مختارات لشعراء من ولاية تاباسكو المكسيكية ذات ليلة بأحد الفنادق تحت درجة حرارة بلغت 30 درجة مئوية تقريباً. أما في جزر الكناري فيكتب الكُتّاب انطلاقاً من الضفة الشمالية الغربية لأفريقيا وباللغة الإسبانية، بقدمٍ في بحر الكاريبي وبأخرى في أوروبا. إنه اختيار مُسبَقٌ ومقصود، أضف إلى ذلك أن محيطنا يَعُمُّ العالم وهنالك سنبقى على الدوام.
– برأيك هل يوجد موضوعٌ مهيمنٌ في الأدب الكناري؟
– الراجح أن موضوع الجزيرة هو من الثوابت الأكثر ظهوراً، رغم أن أدب جزر الكناري، كما هو الحال في كل الأماكن، تُهيمن عليه مواضيع الأدب العالمي ذاتها؛ لكن هناك نظرةٌ وصوتٌ يتكرّران بنوع من الأصالة في كل رحلة من رحلات التاريخ. نحن ننحدر من أرض بركانية وكما يقول الشاعر خوان رامون خيمينيث، نحن وُلِدنا من الشمس.
– هل يحصل المبدعون الكناريون على الدعم الكافي من لدن المؤسسات من أجل نشر أعمالهم سواء داخل جزر الكناري أو خارجها؟
– نعم، هناك تحفيزاتٌ لحركية المبدعين الكناريين رغم أنها غير كافية ويجب ترسيخها بشكل أكثر فعالية؛ المسافة الجغرافية في هذا السياق تلعب لصالحنا وبالإضافة إلى الموارد المخصّصة للتنقُّلات يجب تعزيز توزيع الكتب الكنارية ودعم المهرجانات ومعارض الكتب من طرف المؤسسات وخلق مسابقات أدبية جديدة وملتقيات سنوية بين أدباء الجزر ليس فقط في الأرخبيل الكناري بل أيضاً في جمهورية الرأس الأخضر وجزر الأزور أو ماديرا. لديّ حدسٌ بأن المستقبل يوجد في هذه الأرخبيلات الماكارونيسية.
– بخصوص آخر أعمالك، كيف جاءت فكرة كتابة ديوان شعري يستمدُّ مرجعيته من أعمال فنان تشكيليّ؟ ومن هو فيرناندو ثوبيل؟
– ديواني الشعري الجديد (حديقةٌ يابسة، 2019) هو مُكرَّس لأزيد من خمسين لوحة للفنان الفلبيني فيرناندو ثوبيل الذي أسّس متحف الفن التجريدي الإسباني. إنه استمرار لمشروع كتابة إبداعية أُطوِّرُه عن الفن التشكيلي، مثل مشاريع أخرى خصّصتها لخَيْشِيّات الفنان الكناري مانويل مِيّاريس أو لمجموعة متحف إدواردو ويستيردال بجزيرة تينيريفي. في هذه الرحلة الشعرية عبر لوحات فيرناندو ثوبيل، توجد أنهار ومناظر طبيعية ترتبط بمخيال يُحيل على العالم الباطني للفنان وتُحيل على تجربتي الحياتية الخاصة في منطقة قشتالة لامانتشا.
– إلى أي قصيدة أو إلى أي ديوان شعري ترجع كقارئ من حين إلى آخر؟
– إلى الشعر الكناري عموماً. لا أنتمي إلى أي اصطفاف أدبي ويُمكنني أن أشعر بحرية مطلقة ومن دون تأنيب ضمير حين أقرأ في نفس الوقت قصائد مانويل بادورنو وأندريس سانتشيث روباينا أو قصائد السرياليين أو نيكولاس إستيبانيث. أمضيتُ أوقاتاً سعيدة جدّاً وأنا أقرأ الشعر الكوبي وأنا الآن أقتفي آثار جميع قصائد الشاعر فيّاض خميس الذي وُلد في المكسيك وينحدر من أصل لبناني مثلي.
– ما الكتاب الذي يجب أن يكون في جميع المكتبات؟
– كما كنتُ أقول دائماً، إنه ديوان (شاعر في نيويورك) لفديريكو غارثيا لوركا. لم يعد ممكناً أن نفهم نيويورك من دون لوركا.
– في الختام، لو كان عليك اختيار أحد الأدباء لشرب القهوة معه والتحدّث عن الشعر، من كنت ستختار؟
– كنتُ محظوظاً واستطعتُ أن أشرب القهوة مع شعراء مثل خوان كارلوس ميستري، والدو لِييْبا وآخرين كُثُر ممن أُكِنُّ لهم الإعجاب والاحترام. ربما ينقصني، كما هو الحال بالنسبة لجيلي، أن أتعرّف عن كثب وبطريقة مباشرة على شعراء كناريين أمثال بيدرو ليثكانو، دومينغو بيريث مينيك وبيدرو غارثيا كابريرا. على الأقل بقيت لنا كُتبهم.
المصدر:
موقع (Info Norte Digital)
– جزيرة كناريا الكبرى