في حوار مع الفنان التشكيلي أنس البوعناني: ما يحدث الآن في الميدان التشكيلي أشبه بالفوضى

 نادر الكلام، كثير الاشتغال، بمرسمه بمدينة أصيلة، المدينة التي عشقها وعشقته، حيث كانت بداياته الطفولية في عالم الرسم و التلوين، بدون سابق إعلام و المناسبة افتتاح معرضه « من ماء ورمال « بقاعة العرض بمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين بالرباط، الممتد من 09 إلى 30 يونيو 2022، استقبلنا بابتسامته المعهودة ونظراته التي تعكس هدوء سحر أمواج المحيط وعوالم رماله الذهبية، مختلسا النظر بين الفينة والأخرى صوب لوحاته، التي جمعت بين جمالية الشكل وتناسق الألوان، سمفونية عذبة من فنان مسحور بعالم التلوين والتجريب على الأسطح الملساء، متحفظ على كل حدود أو قيود قد تُكبل الفنان وتحد من خطوط إبداعه. إنه الفنان الساحر والمتميز و الخلوق « أنس البوعناني»، الذي شدت أعماله انتباه التشكيلي والناقد الفني عميروش بنيونس حين قال عنه «يرتكز على استحضار مفهوم الانتماء ومنحه بعده الشاعري القائم على معجم تشكيلي مرجعي، شديد الاختصار، يستدعي خفة اللمسة و تبديد الشكل لصالح الرذاذ، والترشيش، والتقطير، والتبقيع، وفق تصويرية سيّالة، تجريدية و دالة، ذات جوهر نوري أنيق، سرعان ما يعكس أناقة مؤلفه وإشراقه.» استرسلنا في الحديث عن موضوعات مختلفة، فكان الحوار شيقا و ممتعا، لكننا اكتفينا بالقليل، على أساس أن يكون لنا لقاء موسع، لما يتمتع به فناننا أنس البوعناني من لباقة في الحديث ودراية بعالم التشكيل، تجعلك من المتعلقين به لاستكشاف المزيد.

p معرض «من ماء ورمال»’ التسمية والدلالة ؟

جاءت تسمية المعرض لأن عنصري الماء والرمل حاضران بقوة في أعمالي التشكيلية، كان يمكن تسمية المعرض بعنوان آخر يحيل على مفاهيم تشكيلية حاضرة أيضا في جوهر العمل، كالحركية أو الطاقة السائلة المتدفقة من الأعمال أو النورانية التي تطبع الأعمال المعروضة، غير أنني ارتأيت العودة إلى ماهو مادي وأساسي وطبيعي في اشتغالي التشكيلي، إضافة إلى الصباغة بطبيعة الحال.

p من أين تستمد مواضيع لوحاتك؟

يشكل البحر الموضوع الأساسي في أعمالي الفنية، لكن البحر هنا ليس بالمنظور الكلاسيكي إنما هو تناول إبداعي كذريعة جمالية للمس ما هو لامرئي.

p وماهي مرجعيتك اللونية ؟

n تكمن مرجعيتي اللونية بالأساس في الـ(إقلالية-Minimaliste ).. وهو توجه في الفن المعاصر ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية في سنوات الستينيات(Minimal Art) ، ويوجد هذا التوجه الفني أيضا في الموسيقى والأدب وحتى في الموضة، باختصار هو مقاربة فلسفية ويمكن اتخاذه كنمط في الحياة، هذه المرجعية الإقلالية تبدو في الصباغة من خلال الألوان المستعملة، وتتجلى كذلك في بعض المواد المستعملة كالماء الذي يبلور خاصِّيتَي الشفافية والسيولة اللونية اللتين تحدان بدورهما من الطاقة البصرية للألوان، والرمل الذي يشكل قيمة لونية..

p حدثنا عن كيفية تشكل لوحاتك ؟

n لا تخضع كيفية انطلاق اشتغالي على اللوحة لتدرج معين أو قبلي، أحب أن أشتغل واللوحة على الأرض لكي أتحكم فيها أكثر وأحركها كما أشاء. يمكنني أيضا أن البدء أولا بإلصاق الرمل أو أن آتي بحركة لونية أو أسكب الصباغة بعفوية أو أترك آثار شيء معين، ثمة دائما في البداية فكرة ما أو تصور معين.. تتطور وتتغير مع التبلور التدريجي للوحة.

p كيف تنظر للحركة التشكيلية بالمغرب ؟

n لا يمكن طبعا الحديث عن هذه الحركة دون استحضار الجوانب التي تتضمنها، وهي: تدريس الفنون، النقد الفني، الوزارة الوصية على القطاع، قاعات العرض، الترويج والإعلام…وهذه كلها جوانب ما زلنا للأسف نخطو فيها الخطوات الأولى رغم أن الساحة التشكيلية بالمغرب تزخربأسماء متميزة على الصعيد العربي وبعضها اقترب من العالمية، كما أن التشكيل بالمغرب قطع أشواطا تاريخية مهمة، ولدينا من الفنانين الأوائل والحاليين ما يشرف في المحافل الدولية. لكن ما يحدث الآن في هذا الميدان أشبه بالفوضى.لقد أضحت الساحة التشكيلية منذ سنوات عديدة تعج بالمتطفلين، مما يشوش على السير الطبيعي لهذه الحركة. لا أقصد بالمتطفلين الفنانين العصاميين طبعا، وهذه الآفة لا تقتصرعلى مضمار الفنون التشكيلية، بل نجدها أيضا في الشعر والموسيقى والمسرح والسينما إلى غير ذلك، لماذا ؟ من وجهة نظري أعزو الأمر إلى الطفرة الرقمية المتغولة التي مست المجال السمعي البصري والتدفق المهول للمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي، حيث أصبح كل من هب ودب يمتلك منصة إلكترونية ينشر فيها جديده الذي يسميه إبداعا، مما أحدث نوعا من الارتباك لدى المتلقي بعد أن اختلط أمام ناظريه الحابل بالنابل، خصوصا أنه يفتقد لثقافة بصرية وتربية فنية وجمالية – والآن نتكلم عن غيابها وتغييبها من المقررات الدراسية –، لذا يجدر بالنقد الفني أن يلعب دوره التنويري ليتمكن المتلقي من التمييز بين ما هو إبداع حقيقي وما هو زائف. لكن للأسف مازال هذا النقد الفني الذي يشكل عنصرا فاعلا ووازنا لا يواكب هذه الحركة التشكيلية، إلا من بعض الاستثناءات المشكورة.

p ماذا توحي لك الكلمات التالية ؟

n الطبيعة : بحر من الإلهام الفني عبر كل العصور.
أصيلة : ملهمتي الأولى ومسقط الرأس والقلب والخيال.
أزمور : عشرون سنة في مدرسة الفن والحياة.
بنيونس عميروش : ثلاثية موفقة للفن والنقد والتدريس الفني.

p كلمة أخيرة..

n أود أن يولي المتدخلون في الشأن التشكيلي أهمية قصوى للفن بصفة عامة، لأنه عنوان الحضارة وليس ثمة من حضارة دون فن، لا يجب النظر إلى الفن على أنه شيء كمالي أو ترفيهي،بل يجب أن تستعيد التربية الفنية قيمتها في المقررات الدراسية، ويجب أيضا فتح المزيد من مدارس الفنون الجميلة بالمغرب كما هو الحال للأهمية التي أعطيت للمتاحف مؤخرا، لا نريد متاحف فنية لتكون أرشيفا للإبداع بل فضاءات تفاعلية ومفتوحة باستمرار للجمهور لكي يتمتع بالفن، لا يمكن أيضا أن نتصور بلدا يحفل بمتاحف عديدة وفي نفس الوقت يعتمد سياسة تهمش تدريس الفنون، كما يجب أن تُعطى للفنان كفايته من الدعم المعنوي والمادي ليعيش حياة كريمة.


الكاتب : أجرى الحوار : محمد الصفى

  

بتاريخ : 06/07/2022